هل تستطيع إسرائيل تدمير البرنامج النووي الإيراني؟

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
06/17/2025
شارك المقالة

المصدر: فورين افيرز

قد يُسجل قرار إسرائيل مهاجمة البرنامج النووي الإيراني في 12 يونيو في كتب التاريخ كنقطة الانطلاق لحرب إقليمية كبرى، وربما كنقطة التحول التي دفعت إيران أخيرًا إلى امتلاك السلاح النووي. ومع ذلك، قد يُذكر هذا الهجوم أيضًا على أنه اللحظة الأولى منذ عقود التي لم يعد العالم فيها مهددًا بقنبلة إيرانية.
لطالما درس المحللون السيناريوهات المحتملة لمثل هذا الهجوم – وخرجوا بتوقعات متباينة للغاية. والآن، سيكتشف الجميع أي التوقعات كانت صحيحة.

لا يزال من المبكر تحديد النتيجة النهائية. فقد تستغرق المسألة أسابيع حتى يدرك الخبراء الحجم الكامل للضرر الذي ألحقته إسرائيل، ناهيك عن معرفة ما إذا كانت طهران ستتعافى، وكيف.
والأهم أن الهجمات نفسها لم تنتهِ بعد. ومع أنه قد لا يكون ممكنًا حتى الآن تقييم التأثيرات طويلة المدى للضربات، فإن المحللين يعرفون ما الذي ينبغي مراقبته لتقييم النتائج.
بعبارة أخرى، يمكن للخبراء تحديد العوامل التي ستحدد ما إذا كانت الهجمات قد نجحت فعلًا في منع إيران من امتلاك قدرة نووية.

بعض هذه العوامل يمكن قياسها كمّيًا. فلكي توقف أو تُبطئ قدرة إيران على إنتاج سلاح نووي، كان يجب على الضربات الإسرائيلية أن تحرم طهران من المواد اللازمة لتغذية القنبلة، وأن تدمّر المعدات الضرورية لتصنيع السلاح، وأن تقلّص – ولو جزئيًا – المعرفة الفنية المطلوبة لتحويل هذه المواد إلى قنابل.
لكن هناك عاملًا أخيرًا أقل وضوحًا، وهو: إقناع إيران بالتخلي عن مشروعها النووي من حيث المبدأ.

حتى الآن، نجحت الضربات الإسرائيلية في تدمير العديد من محطات الطاقة والمباني والبنى التحتية الحيوية للبرنامج النووي الإيراني. كما أثبتت إسرائيل قدرتها على ضرب أهداف داخل إيران بشكل شبه حر.
لكن النجاح ليس مضمونًا، نظرًا إلى حجم استثمارات إيران في تحصينات الدفاع، والتزامها العميق بالمشروع، وبنيتها التحتية المكررة، وصعوبة المهمة نفسها.

المعطيات المجهولة

حتى الآن، يبدو الضرر الناجم عن الهجمات الإسرائيلية مختلطًا. فبحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تعرض موقع “فوردو” – أخطر موقع تخصيب يورانيوم في إيران – لهجوم، لكن لا يوجد تأكيد على اختراق دفاعاته أو تدمير الآلاف من أجهزة الطرد المركزي فيه.
كما لا توجد مؤشرات على أن إسرائيل قضت على مخزون إيران من اليورانيوم المخصب. وإن كان هذا المخزون لا يزال موجودًا، وكذلك أجهزة الطرد المركزي، فإن إيران قد تعيد بناء برنامجها النووي خلال أسابيع فقط.
فبإمكانها، على سبيل المثال، نقل مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ إلى “فوردو” أو إلى موقع سري آخر لاستكمال التخصيب، ما يمنحها بسرعة كمية كافية لصنع قنبلة.

لكن تصنيع قنبلة نووية لا يحتاج فقط إلى يورانيوم عالي التخصيب. بل يحتاج أيضًا إلى معدات معالجة لتحويل اليورانيوم إلى معدن، وتشكيله إلى مكونات سلاح، ثم تجميعه.
إنجاز كل هذا في ظل الحرب سيكون أمرًا بالغ الصعوبة، خاصة في ظل الجهود الدولية الطويلة التي سعت إلى منع إيران من الحصول على هذه المعدات.
كما أن المحللين لا يعرفون إلى أي مدى اقتربت إيران فعليًا من إنتاج رأس نووي يمكن تركيبه على صاروخ، رغم أن أجهزة الاستخبارات كانت تقدر أن إيران ستحتاج إلى عدة أشهر لذلك.

ولا يزال هناك الكثير من الغموض يلف البرنامج النووي الإيراني.
فقد أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبيل الضربات مباشرة تقريرًا شاملًا حول العديد من الأسئلة العالقة بشأن البرنامج النووي الإيراني، لا سيما ما يتعلق بأعمال التسلح السابقة.
بعض هذه الأسئلة يركز على أماكن وجود المعدات التي يمكن استخدامها في إنتاج السلاح – وهي معدات قد تكون إيران تنوي استخدامها الآن. وربما تكون الاستخبارات الإسرائيلية تعرف مواقع هذه المعدات، وربما دمّرتها الليلة الماضية – أو ستفعل قريبًا.

لا ينبغي الاستهانة بالاستخبارات الإسرائيلية داخل إيران، بالنظر إلى سجلها الحافل بالنجاحات.
لكن إيران بلد شاسع، يحتوي على العديد من المواقع التي يمكن إخفاء المعدات فيها أو إعادة استخدامها.

كما تمتلك إيران عددًا كبيرًا من العلماء والفنيين النوويين، ولا يزال من غير الواضح كم عدد من تم قتلهم.
فقد اغتالت إسرائيل فريدون عبّاسي، الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، ومحمد مهدي طهرانجي، وهو فيزيائي ورئيس جامعة “آزاد الإسلامية” في طهران، بالإضافة إلى عدد من القادة العسكريين.
لكن هذه الاغتيالات، وحدها، غير كافية لشل المشروع النووي الإيراني.
ما دامت البلاد تحتفظ بفريق من الخبراء المحترفين والدوافع السياسية، فإنها قادرة على استئناف التقدم بسرعة.

روح المواجهة

هناك كثير من الغموض بشأن مقدار الضرر الفعلي الذي لحق ببرنامج إيران النووي.
لكن السؤال الأهم ربما هو: هل دمّرت الضربات الإسرائيلية إرادة إيران في الاستمرار؟

قد يبدو من الوهلة الأولى أن من غير المعقول أن ترد إيران على الهجوم الإسرائيلي بأي شيء غير التصعيد.
لكن إذا كان الضرر أكبر مما يبدو، فقد تبحث طهران عن مخارج تفاوضية. وربما تلجأ إلى الدبلوماسية مع تصاعد حجم الأضرار.
فإسرائيل لم تنهِ حملتها بعد، وضرباتها قد تصبح أكثر تدميرًا في الأيام المقبلة.
الجيش الإسرائيلي قد دمّر الدفاعات الجوية الإيرانية بالكامل، مما يُمكّنه من مهاجمة مؤسسات حكومية مركزية، أو استهداف شخصيات قيادية في النظام.
كما يمكنه ضرب أجزاء من قطاع النفط والغاز الإيراني، وهو شريان اقتصادي حيوي.

في مواجهة مثل هذا الضرر، قد تختار طهران طلب السلام، بما قد يؤدي إلى اتفاق يقيد برنامجها النووي.

لكن من المنطقي أن نشكّ في قبول إيران باتفاق مفروض بالسلاح.
وحتى إن وافقت إيران على اتفاق، فقد لا تلتزم به فعليًا.
والأرجح أن تستمر إيران في الرد على الضربات، مع السعي إلى إقناع العالم بأن إسرائيل دولة خارجة عن السيطرة، خصوصًا وأنها استخدمت القوة قبل أيام فقط من استئناف المحادثات المتوقعة بين طهران وواشنطن.

إضافة إلى ذلك، فإن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتبنّي جزء من المسؤولية عن الضربات سيزيد صعوبة التوصل إلى اتفاق، رغم أن إدارته كانت قد حاولت في البداية أن تنأى بنفسها عن الهجمات.

الضربات الإسرائيلية ضد إيران بدت بارعة من الناحية التكتيكية ومبنية على معلومات دقيقة.
لكن قدرة إسرائيل على تنفيذ ضربات معقدة لم تكن موضع شك أصلًا.
كان المحللون يعلمون أن الجيش الإسرائيلي قادر للغاية ولديه أدوات مفاجئة.

السؤال الحقيقي كان ولا يزال: هل يمكن لهجوم إسرائيلي منفرد – أو حتى بالتعاون مع الولايات المتحدة – أن يمنع فعليًا اندفاعة إيران نحو القنبلة؟

العالم سيعرف الإجابة قريبًا.

شارك المقالة
مقالات مشابهة