ملخص
تحلل الورقة عددا من الأخبار التي نشرها موقع أكسيوس الأمريكي عن الحرب على غزة والتطورات في منطقة الشرق الأوسط، منذ بدء عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وحتى نهاية عام 2024. وتنطلق من فرضية مفادها أن هذه الأخبار هدفت إلى تحقيق أهداف سياسية، تتمثل في تبرئة الإدارة الأمريكية من الجرائم في غزة، فضلا عن تحقيق أهداف إسرائيلية بعيدة المدى. كما تبحث الورقة في خلفيات صحفيي الموقع وعلاقتهم بإسرائيل، في محاولة لتفسير أسباب هذا الانحياز.
مقدمة
احتل موقع أكسيوس صدارة الاهتمام الإعلامي العربي والغربي، خاصة بعد اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ نشر الموقع مئات المواد عن تطورات الأحداث، وكواليس التحركات السياسية والدبلوماسية في الولايات المتحدة وإسرائيل. لكن المتابع المدقق لهذه المواد، يلاحظ أنها تميل في كثير من الأحيان إلى القيام بعملية تضليل شاملة للقراء، عبر الدفاع عن السياسات الأمريكية تحديدا، وفصل السياسة الأمريكية عما يجري من جرائم في قطاع غزة ولبنان واليمن وسوريا، وبالتالي غسل سمعة الولايات المتحدة. فما هي أبرز الاستراتيجيات التي اتبعها الموقع خلال هذه الفترة؟ ومن يقف وراء نشر هذه المواد تحديدا؟
استراتيجيات التضليل
أولا: ادعاء الجهل
نشر موقع أكسيوس عشرات المواد التي نقل فيها مزاعم على لسان مسؤولين أمريكيين، تؤكد أن إدارة بايدن لم تكن على علم بالكثير من العمليات التي نفذها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة ولبنان. من هذه المواد، تقرير شامل لأكسيوس، نشر في 8 أكتوبر 2024[1]، زعم أن إدارة بايدن فوجئت مرات عدة، بعمليات عسكرية أو استخبارية، نفذتها إسرائيل بدون إخطار مسبق، أو بإخطار قبل دقائق من التنفيذ، مثل عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية في طهران، وتفجير أجهزة “البيجر” وأجهزة الاتصال اللاسلكية التي يستخدمها أعضاء حزب الله في لبنان، واغتيال زعيم الحزب حسن نصر الله في بيروت.
لم تقتصر هذه الاستراتيجية على مجرد ادعاء الجهل الأمريكي، بل تعداه إلى الحديث عن “مشاعر” لا تستخدم عادة في العلاقات بين الدول، بل بين الأفراد، مثل “الغضب” و”عدم الثقة”. أوضح مثال لهذا الجانب، تجلى في نقل الموقع عن مسؤولين أمريكيين، أن البيت الأبيض “بدأ يفقد الثقة” بشكل متزايد في الحكومة الإسرائيلية. وأن إدارة بايدن أصبحت “غير واثقة بشكل متزايد مما تقوله الحكومة الإسرائيلية عن خططها العسكرية والدبلوماسية”. ونقل الموقع عن مسؤول أمريكي قوله” “ثقتنا بالإسرائيليين منخفضة للغاية الآن”. كما زعم أكسيوس أن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن “غضب” عندما أبلغه نظيره الإسرائيلي -آنذاك- يوآف غالانت، باغتيال نصر الله قبل دقائق من إسقاط الطائرات الإسرائيلية قنابلها فوق بيروت. وهو ما يتعارض مع ما نشره الموقع نفسه في اليوم التالي لاغتيال نصر الله، إذ نقل “عن مسؤولين أمريكيين كبار”، أنه لم يكن لديهم علم بالهجوم، وأن “التقارير عن إبلاغنا قبل الهجوم غير صحيحة”[2].
ورغم هذه العناوين الفجة، التي توحي بوجود تباعد بين واشنطن وتل أبيب، إلا أن أكسيوس أكد -في عبارة مقتضبة بمنتصف التقرير- أن الولايات المتحدة “من المرجح جدًا أن تساعد إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، بغض النظر عن أي مشاعر أمريكية. وهو ما يكشف عن جوهر السياسة الأمريكية الحقيقي، بعيدا عن أي تسريبات يروجها الموقع أو الإدارة الأمريكية تزعم خلاف ذلك.
يكشف هذا التقرير أيضا عن احتمالين، إما أن إدارة بايدن لم تكن على علم فعلا بكل هذه العمليات، رغم خطورتها وتأثيرها الكبير في مسار الأحداث بالشرق الأوسط، وإما أنها كانت تعلم، بل وشاركت في التخطيط والتنفيذ.
إذا صح الاحتمال الأول، فنحن أمام إدارة أمريكية فاشلة استخباريا، إذ لم تستطع معرفة نوايا إسرائيل وخططها قبل تنفيذها، بالإضافة إلى أنها إدارة ضعيفة أمام إسرائيل، فلم تكن حكومة نتنياهو لتتجرأ على تنفيذ هذه العمليات، بهذا المستوى من الخطورة، دون إبلاغ حليفتها الأهم على مستوى العالم، إلا لو كانت على ثقة من أن إدارة بايدن لن تفعل شيئا حيال ذلك.
لكن ممارسات الولايات المتحدة، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، تشير إلى ترجيح الاحتمال الثاني، أي أن الولايات المتحدة شريك أساسي في كافة الجرائم الإسرائيلية. فقد استمرت إدارة بايدن في إمداد إسرائيل بكل ما تريده من الأسلحة والذخائر، فضلا عن الدعم الاستخباري واللوجستي والعسكري، بل وتنفيذ ضربات مباشرة ضد جماعة الحوثي في اليمن، بسبب وقوف الأخيرة مع حركة حماس، واستهدافها السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر. ويعني ترجيح الاحتمال الثاني، أن موقع أكسيوس متورط في عملية تضليل واسعة.
ثانيا: ادعاء عدم المشاركة “المباشرة”
جانب آخر من جوانب عملية غسيل السمعة التي قادها موقع أكسيوس، نقلا عن مسؤولين أمريكيين، لتبرئة ساحة واشنطن من التصعيد الذي تقوده إسرائيل في المنطقة. يتمثل هذا الجانب، في ادعاء “عدم مشاركة” الولايات المتحدة في عمليات الجيش الإسرائيلي في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط، وخصوصا ضد إيران واليمن ولبنان.
على سبيل المثال، قال مسؤول أمريكي لأكسيوس، إن الولايات المتحدة لم تشارك في الضربة التي وجهتها إسرائيل لإيران في 26 أكتوبر 2024، لكنه استدرك أن بلاده “مستعدة للدفاع عن إسرائيل إذا ردت إيران”[3].
زعمت هذه المادة وغيرها، عدم وجود تورط أمريكي “مباشر”، أي عدم مشاركة قوات أمريكية في هذه الضربات، لكنها تجاهلت المشاركة الأمريكية في كافة الجوانب الأخرى، بدءا من الدعم السياسي في المحافل الدولية، عبر إجهاض قرارات مجلس الأمن التي دعا من خلالها إلى وقف الحرب على غزة ولبنان، مرورا بالمساعدات الاقتصادية المباشرة لتل أبيب، وإرسال الأسلحة بدون توقف إلى الجيش الإسرائيلي، فضلا عن الدعم الاستخباري والمعلوماتي واللوجستي، والاتفاق المسبق بين واشنطن وتل أبيب على المواقع التي سيستهدفها الجيش الإسرائيلي في إيران، وغيرها.
ثالثا: ادعاء عجز الولايات المتحدة
أرسلت إدارة بايدن رسائل عدة عبر موقع أكسيوس، زعمت من خلالها أنها “عاجزة” عن كبح جماح إسرائيل، أو لجمها عن تنفيذ ضربات عسكرية ضد خصومها. هدفت هذه الرسائل إلى تخويف أعداء إسرائيل وتخفيف أي ردود يمكن أن ينفذوها ردا على الاعتداءات الإسرائيلية، وذلك عبر ادعاء العجز عن التأثير على قرارات حكومة نتنياهو. رغم أن واشنطن تستطيع بسهولة وقف أي تصعيد إسرائيلي عبر منع شحنات الأسلحة والذخائر الهائلة التي ترسلها باستمرار إلى تل أبيب، والتي يستخدمها الاحتلال في ضرباته واعتداءاته.
ففي بداية نوفمبر/تشرين الثاني 2024، نقل أكسيوس عن مسؤول أمريكي، قوله: “أخبرنا الإيرانيين: لن نتمكن من كبح جماح إسرائيل، ولن نتمكن من التأكد من أن الهجوم التالي سيكون محسوبًا ومستهدفًا مثل الهجوم السابق”[4]. جاء هذا التحذير بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران، ردا على هجوم شنته طهران على إسرائيل في بداية أكتوبر/تشرين الأول 2024. هدف هذا التحذير إلى إجبار إيران على الامتناع عن تنفيذ أي هجوم آخر ضد إسرائيل، وهو ما تحقق بالفعل، وليس من الواضح ما إذا كان عدم رد إيران على إسرائيل يتعلق بالتحذير الأمريكي، أم لأسباب أخرى.
وفي الأسبوع الأول من نوفمبر 2024، ذكر أكسيوس أن إدارة بايدن حذرت الحكومة العراقية من أنها “قد تواجه هجوما إسرائيليا على أراضيها، إذا لم تمنع هجوما إيرانيا مخطط له من العراق”. وفي رسالة تتطابق مع حديث “العجز” الأمريكي عن لجم إسرائيل، نقل أكسيوس عن مسؤول أمريكي أن إدارة بايدن أبلغت رسالة لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، جاء فيها: إذا لم تفعلوا ذلك فلن نتمكن من منع إسرائيل من ضرب العراق”[5].
رابعا: إظهارها بصورة “رسول السلام”!
صوّرت تقارير موقع أكسيوس الإدارة الأمريكية، مرات عدة، باعتبارها حريصة على السلام، وقلقة من انزلاق الوضع إلى حرب إقليمية. ففي 2 ديسمبر 2024، زعم الموقع، نقلا عن مسؤولين أمريكيين كالعادة، أن الولايات المتحدة أبلغت إسرائيل بقلقها من احتمال انهيار وقف إطلاق النار في لبنان، بعد حدوث تبادل للهجمات بين إسرائيل وحزب الله خلال تلك الفترة. تمادى الموقع بعد ذلك، ناقلا عن المسؤولين الأمريكيين، قولهم إن الإسرائيليين “يلعبون لعبة خطيرة”، وإن مستشار بايدن عاموس هوكشتاين، الذي توسط في وقف إطلاق النار، تحدث إلى مسؤولين إسرائيليين، وأعرب عن قلقه بشأن ضرباتهم المستمرة في لبنان، وأن إسرائيل تطبق وقف إطلاق النار “بطريقة عدوانية للغاية”[6].
لكن رغم هذا “الخوف” الأمريكي، إلا أن المسؤول الأمريكي الذي تحدث لأكسيوس، أصر على تحميل حزب الله المسؤولية عن أي انهيار لوقف إطلاق النار، إذ قال إن استمرار الاتفاق أو انهياره “يعتمد على كيفية رد حزب الله” على الخروقات الإسرائيلية! كما أن هذا الخوف الأمريكي لم يترجم إلى أي خطوات عملية لوقف انتهاك إسرائيل لوقف إطلاق النار. فحتى وقت نشر تقرير أكسيوس، انتهكت إسرائيل الاتفاق 54 مرة[7]، دون توجيه ولو حتى لوم من جانب واشنطن. وأكدت وزارة الخارجية اللبنانية أن عدد الخروقات الإسرائيلية بلغ 816 اعتداء بريا وجويا في الفترة بين 27 نوفمبر/تشرين الثاني و22 ديسمبر/كانون الأول[8]. كما قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي ما لا يقل عن 28 شخصا[9]، وتوغلت في أماكن عدة بجنوب لبنان، ونسفت عشرات المنازل.
سمات مشتركة بين الأخبار
من الملاحظ أن التصريحات التي ينشرها موقع أكسيوس، نقلا عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين، أصبحت تحتل صدارة الأخبار في وسائل الإعلام الغربية وحتى العربية، وهو ما يشير إلى اختراق كبير تمكن الموقع من تحقيقه على المستوى الإعلامي.
أما الأمر اللافت، فهو أن معظم المواد التي ينشرها أكسيوس عن تطورات الحرب على غزة، وجنوب لبنان، وأي تطورات خاصة بتبعات معركة طوفان الأقصى، يكتبها شخص واحد فقط، هو الصحفي الإسرائيلي باراك رافيد.
عمل رافيد سابقا محللاً في الوحدة 8200 التابعة لإدارة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وهي المسؤولة عن جمع المعلومات الرئيسية، وتطوير أدوات جمع المعلومات وتحديثها باستمرار، مع تحليل البيانات ومعالجتها، وإيصالها للجهات المختصة، بهدف تحقيق تفوق استخباري إسرائيلي. وحتى بعد عمله في موقع أكسيوس، لا يزال رافيد ينشر الأخبار على موقع “والّا” الإسرائيلي. وتستند المواد التي ينشرها رافيد في معظم الأحيان، إلى مصادر مجهولة في الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، وهو ما يطعن في مصداقيتها، خاصة أنها هدفت في كثير من الأحيان إلى خدمة أهداف السياسة الأمريكية والإسرائيلية كما أوضحنا.
خلاصة
تهدف المواد التي ينشرها موقع أكسيوس، في التحليل الأخير، إلى غسل سمعة الإدارة الأمريكية على المستوى الدولي، عبر الإيحاء بوجود خلافات مع الحكومة الإسرائيلية، بشأن طول أمد الحرب، وشدة القصف، والقضايا الإنسانية في قطاع غزة، وغيرها من القضايا.
ورغم أن الهدف القريب لموقع أكسيوس يتمثل في الدفاع عن السياسات الأمريكية، إلا أن هناك هدفا أعمق، هو التعظيم من قوة إسرائيل، والإيحاء بقدرتها على تحدي جميع دول العالم، بما فيهم الولايات المتحدة، وبالتالي زرع اليأس في نفوس الجماهير المناهضة للسياسات الإسرائيلية، والترويج لفكرة الاستسلام لها. فإذا كانت أقوى دولة في العالم لا تستطيع كبح جماح تل أبيب، فمن يُمكنه تحقيق ذلك؟
[1] Scoop: White House loses trust in Israeli government as Middle East spirals.
https://www.axios.com/2024/10/08/us-israel-war-iran-gaza-lebanon
[2] واشنطن تتبرأ من استهداف نصر الله وتصدر توجيهات لقواتها بالمنطقة.
[3] أكسيوس: إسرائيل أبلغت إيران قبل الهجوم وحذرتها من الرد
[4] U.S. warns Iran: We won’t be able to restrain Israel if you attack.
https://www.axios.com/2024/11/02/us-warn-iran-attack-israel-nuclear-oil-sites
[5] U.S. warns Iraq: Don’t let Iran attack from your soil or Israel could retaliate.
https://www.axios.com/2024/11/05/us-iraq-iran-israel-attack-warning
[6] Israel and Lebanon told the White House they are committed to ceasefire.
https://www.axios.com/2024/12/02/israel-lebanon-hezbollah-us-ceasefire-committed-agreement
[7] “تجاوزت 54 خرقا.. بري يتهم إسرائيل بانتهاكات لاتفاق وقف إطلاق النار”، الحرة، 2 ديسمبر 2024.
[8] “هل يصمد اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان في ظل الخروقات الإسرائيلية؟”، الجزيرة نت، 30 ديسمبر 2024.
[9] “صحف عالمية: إسرائيل تعزز انتهاكاتها لوقف إطلاق النار في لبنان”، الجزيرة نت، 27 ديسمبر 2024.