قرار الصحراء وانعكاساته على معادلة الأمن في الساحل الإفريقي

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
11/02/2025
شارك المقالة

في خطوة وُصفت بأنها تاريخية، اعتمد مجلس الأمن الدولي يوم 31 أكتوبر 2025 القرار رقم 2797، الذي شكّل نقطة تحوّل جوهرية في مسار نزاع الصحراء الغربية الممتد لأكثر من أربعة عقود. تميّز القرار بلغة غير مسبوقة تؤيد صراحة مبادرة الحكم الذاتي المغربية لعام 2007 كإطار تفاوضي أساسي ووحيد لحل النزاع، واصفًا إياها بأنها «الحل الأكثر جدوى» لإنهاء حالة الجمود الطويلة. وقد جاءت الصياغة في مسودة أمريكية أسقطت أي إشارة إلى خيار الاستفتاء الذي طُرح في خطط التسوية السابقة. وهكذا، كرّس القرار 2797 مرحلة تفاوضية جديدة مال فيها ميزان الموقف الدولي لصالح الرؤية المغربية، الأمر الذي قوبل بترحيب كبير في الرباط مقابل صدمة واعتراض في الجزائر ومخيمات تندوف.

المغرب: انتصار دبلوماسي ورؤية جديدة

اعتبر المغرب القرار 2797 انتصارًا دبلوماسيًا تاريخيًا وتتويجًا لجهود استمرت سنوات في الدفاع عن مبادرته. فقد أكدت الرباط أن تبنّي المجلس لخيار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يمثل اعترافًا دوليًا صريحًا بشرعية موقفها وتفوّق مبادرتها على سائر الطروحات. وسارع المسؤولون المغاربة إلى الترحيب بالقرار بوصفه تحوّلًا نوعيًا يضع حدًا لحالة الجمود، فيما وصفه الملك محمد السادس بأنه «فصل جديد في ترسيخ مغربية الصحراء». وشهدت المدن المغربية احتفالات شعبية ابتهاجًا بهذا التحول المفصلي.

سياسيًا، ترى الرباط في القرار ترسيخًا لمرجعية واحدة لحل النزاع تُقصي ضمنيًا خيار الاستقلال الذي تنادي به البوليساريو. وتعتبر الحكومة المغربية أن المجتمع الدولي بات يدعم الحل الواقعي المتمثل في الحكم الذاتي، ويقرّ بأن سكان الصحراء يمكنهم ممارسة حقوقهم من خلاله داخل إطار السيادة المغربية. وبذلك تعززت أطروحة الرباط بأن النزاع مفتعل وإقليمي الطابع، وأن تسويته تكون عبر منح الصحراويين حكمًا ذاتيًا موسعًا تحت راية المملكة.

في ضوء ذلك، تبدي الرباط استعدادًا متزايدًا للانخراط في مفاوضات تفصيلية لتنفيذ الحكم الذاتي على الأرض، مدعومةً بالتأييد الأممي الجديد. وهي تراهن على أن هذا المسار يضمن للجميع خروجًا كريمًا من النزاع ويحقق التنمية والاستقرار للأطراف كافة.

ولعل أبرز ما ميّز الخطاب المغربي هو حرص الملك محمد السادس على إرسال رسالة طمأنة إلى الجوار الإقليمي، إذ رفض أن يُصوَّر القرار كـ«انتصار على أطراف أخرى»، وقال بالحرف: «المغرب لا يرى في هذا القرار خسارة لأي طرف، بل مناخة محتملة للسلام والحوار»، مضيفًا: «نمدّ يد الأخوّة إلى الجزائر الشقيقة، مدعوّة إلى الحوار حتى نتجاوز خلافاتنا في إطار الأخوّة والصداقة».

الجزائر وجبهة البوليساريو: صدمة وتحديات جديدة

على النقيض من أجواء الرضا في الرباط، أثار القرار صدمة وغضبًا في الجزائر وجبهة البوليساريو. فقد اعتبرت الجزائر النص انحيازًا غير مقبول للموقف المغربي ورفضت التصويت عليه احتجاجًا، مجددة تمسكها بمبدأ حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره. أما البوليساريو فوصفت القرار بأنه «شرعنة للاحتلال» وانحراف خطير عن مسار تصفية الاستعمار، وأعلنت أنها لن تشارك في أي مفاوضات على أساس الحكم الذاتي، ملوّحة بالاستمرار في الكفاح بكل الوسائل المشروعة.

وهكذا وُضعت الجبهة وداعمتها أمام خيارات أكثر صعوبة: فمن جهة تقلّصت مساحة المناورة الدبلوماسية مع انحياز أغلب القوى الدولية للحل المغربي، ومن جهة أخرى تصاعدت الضغوط لتجنّب أي تصعيد عسكري قد يزيد عزلة الجبهة والجزائر معًا. وفي المحصلة، أصبحتا أمام مفترق طرق: إمّا مراجعة استراتيجيتهما وقبول التفاوض ضمن الإطار الجديد على أمل انتزاع أفضل المكاسب الممكنة، أو المضي في نهج الرفض والمواجهة بما يطيل أمد المعاناة دون أن يغيّر من واقع بات واضحًا أنه مال لصالح المغرب.

البعد القانوني: الشرعية الدولية ومبدأ تقرير المصير

أعاد القرار 2797 صياغة مقاربة المجتمع الدولي لمبدأ تقرير المصير في قضية الصحراء الغربية. فعلى مدى عقود، جرى التعامل مع هذا المبدأ باعتباره يعني إجراء استفتاء يختار فيه السكان بين الاستقلال أو الانضمام إلى المغرب. لكن القرار الأخير تجاهل تمامًا خيار الاستفتاء، وتبنّى بدلاً منه رؤية تعتبر أن منح الإقليم حكمًا ذاتيًا موسعًا تحت السيادة المغربية هو السبيل الواقعي لتلبية تطلعات سكانه.

يشير هذا التحول إلى تفسير جديد لمفهوم تقرير المصير، بحيث يُفهم على أنه حق السكان في إدارة شؤونهم الداخلية بحرية ضمن الدولة، لا بالضرورة في إقامة دولة مستقلة. وبهذا يبرز توازن مستجدّ بين مبدأ وحدة أراضي الدول ومبدأ حقوق الشعوب، مانحًا الأولوية للحلول العملية التوافقية على الاعتبارات النظرية. وهكذا باتت مبادرة الحكم الذاتي تتمتع باعتراف أممي واضح كقاعدة لأي اتفاق نهائي، بينما انحسر زخم خيار الاستقلال كمسار قانوني بفعل الواقع الجديد.

الأبعاد العملية على الأرض: التنمية وبسط النفوذ

كرّس المغرب خلال السنوات الأخيرة حضوره الميداني في أقاليم الصحراء عبر مشاريع تنموية كبرى واستثمارات استراتيجية. فأنشأ موانئ وطرقًا ومنشآت طاقة حديثة، واستقطب استثمارات أجنبية وفتح الباب أمام دول عديدة لافتتاح قنصليات في مدن مثل العيون والداخلة. ومع صدور القرار 2797، يُتوقع أن تتسارع وتيرة التنمية في المنطقة بعد أن زال جانب كبير من التحفظ الدولي على الشراكة الاقتصادية هناك، إذ أصبحت مبادرة الحكم الذاتي الإطار الأممي المعتمد.

وفي سياق إدارة الشأن المحلي، يمنح القرار دفعة قوية لمخطط الحكم الذاتي، بما يتيح للرباط توسيع صلاحيات المجالس المنتخبة والهيئات الصحراوية المحلية. فإشراك أبناء الصحراء في الحكم الذاتي بشكل ملموس سيعزز شرعية الخيار المغربي ويبرهن عمليًا على جدواه، مما يضعف سردية البوليساريو بأنها الممثل الوحيد للسكان.

أما من الناحية الأمنية، فالقوات المغربية المرابطة ستواصل تأمين المنطقة ومنع أي محاولات لزعزعة الاستقرار. وقد شدد القرار على ضرورة احترام وقف إطلاق النار وتفادي الاستفزازات، في رسالة واضحة لردع أي تصعيد محتمل من جانب البوليساريو.

الصدى الجيوسياسي في منطقة الساحل

تتجاوز تداعيات القرار حدود الصحراء لتطال دول الساحل الإفريقي المجاورة. فبالنسبة لموريتانيا، يشكل ترجيح كفة الحل المغربي ضمانة لاستقرار حدودها الشمالية وفرصة لتعزيز التعاون الاقتصادي عبرها. أما دول الساحل الأخرى — مالي والنيجر وبوركينا فاسو — فستتأثر بشكل غير مباشر بتغيّر موازين القوى في شمال غرب إفريقيا.

استمرار التوتر بين المغرب والجزائر بعد القرار قد يعيق أي جهود مشتركة لمكافحة الإرهاب وشبكات التهريب التي تتغذى على الفراغات الأمنية. فكل من البلدين اضطلعا بأدوار مهمة في دعم استقرار الساحل، وأي قطيعة بينهما تعني ضياع فرصة تنسيق إقليمي في وجه الجماعات المتطرفة جنوب الصحراء. وعلى العكس، فإن أي تقارب محتمل بين الرباط والجزائر نتيجة ترسيخ حل الصحراء سيسمح بتوجيه طاقاتهما نحو تنمية وأمن الساحل بدل التنافس فيه.

وفي هذا السياق، يُعدّ تعزيز التعاون الأمني بين المغرب وموريتانيا حجر زاوية لاستقرار الساحل. فموريتانيا تواجه خطر تسلل الإرهاب من مالي، بينما يمتلك المغرب جهازًا أمنيًا فعّالًا وخبرة كبيرة في تفكيك الشبكات الإرهابية. إن توحيد الجهود وتبادل المعلومات بين البلدين سيشكلان سدًا منيعًا أمام تحركات المتطرفين على المحور الشمالي الغربي للساحل. كذلك فإن تأمين الطريق البري الرابط بين المغرب وموريتانيا عبر الصحراء سيحرم المهربين والإرهابيين من استغلال هذا الممر الحيوي، ويفتح الباب أمام تعاون أوسع يشمل التدريب وبناء القدرات لبقية دول المنطقة. فقد دأب المغرب على تدريب ضباط أفارقة في مجالات الاستخبارات ومكافحة الإرهاب إلى جانب مبادراته في تأهيل الأئمة ونشر الفكر الوسطي.

خاتمة

يُجمل القرار 2797 تحوّلًا غير مسبوق في مسار نزاع الصحراء الغربية، إذ نقل مرجعية الحل رسميًا نحو المبادرة المغربية وأسدل الستار على فكرة الاستفتاء. وبذلك وضع النزاع أمام منعطف تاريخي: فمن جهة، باتت التسوية الواقعية في متناول اليد أكثر من أي وقت مضى بفضل الإجماع الدولي حول الحكم الذاتي؛ ومن جهة أخرى، لا يزال على الأطراف الرافضة أن تحدد موقفها من هذا التحول الجذري.

المؤكد أن المغرب خرج من هذا القرار بزخم سياسي وقانوني قوي يعزز موقفه ميدانيًا ودوليًا، فيما أصبحت خيارات جبهة البوليساريو وحلفائها محدودة وصعبة. والمنطقة أمام خيارين لا ثالث لهما: إما انتهاز هذه الفرصة التاريخية للمضي نحو اتفاق نهائي يحقق سلامًا دائمًا ويتيح لشعوب المغرب العربي والساحل التمتع بالاستقرار والتنمية، أو إطالة أمد الصراع ومعاناة الصحراويين واستمرار عدم الاستقرار.

في كل الأحوال، يبقى القرار 2797 حدثًا غيّر قواعد اللعبة وفتح صفحة جديدة، متروكة لحكمة الأطراف في قراءة الواقع الدولي الجديد والتعامل معه بما يخدم السلام في الصحراء والساحل.

شارك المقالة
مقالات مشابهة