عوائق التطبيع بين تل أبيب ودمشق؛ وتأثيراته محليا وإقليميا

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
07/06/2025
شارك المقالة

“سوريا لن تشكل تهديدًا لأي دول في المنطقة والعالم، بما فيها إسرائيل”، تصريح لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني خلال أول كلمة له أمام مجلس الأمن في 25 أبريل، والتي دعا فيها المجلس للضغط على الاحتلال الإسرائيلي للانسحاب من الأراضي السورية.

لكن الانفتاح السوري قوبل حينها بمزيد من التصعيد الإسرائيلي، حيث أعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش أن إنهاء الحرب على غزة يتطلب جملة من الأهداف، منها “تفكيك سوريا”. وجاءت هذه التصريحات عقب مقابلة للنائب الأميركي مارلين ستوتزمان مع صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، تحدث فيها عن قلق الرئيس السوري أحمد الشرع من “خطة إسرائيلية لتقسيم سوريا إلى عدة كيانات”.

 

قضم استراتيجي

منذ إسقاط نظام بشار الأسد، برز الاحتلال الإسرائيلي كأكثر عامل خارجي لزعزعة الاستقرار في سوريا الجديدة، ضمن استراتيجية الاحتلال للأمن الوقائي عبر إنشاء مناطق عازلة في الجنوب السوري، إلى جانب الجولان السوري المحتل.

في هذا السياق، دأب الاحتلال على تقويض حكم السلطات السورية الجديدة، وذلك عبر ضربات عسكرية في مختلف أنحاء سوريا استهدفت مواقع البحوث العسكرية وأنظمة الدفاع الجوي والمطارات، كما طالب الحكومة السورية بنزع السلاح من محافظات درعا، القنيطرة والسويداء.

وعلى الأرض، تتوغل القوات الإسرائيلية بشكل مستمر في الجنوب السوري، حيث تسيطر على مناطق في منطقة فضّ الاشتباك المنشأة بموجب اتفاق بين سوريا وإسرائيل عام 1974. وفي يناير 2025، صرح وزير الدفاع الإسرائيلي إسحاق كاتس بأن قواته تنوي البقاء في قمة جبل الشيخ والمنطقة المحتلة حديثًا إلى أجل غير مسمى. وفي 23 فبراير، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن منع “الجيش السوري الجديد” من دخول “الأراضي الواقعة جنوب دمشق”.

 

دق الأسافين

حاولت السلطات السورية الاستعانة بظهير إقليمي قوي يعزز موقفها الدفاعي في مواجهة المطامع الإسرائيلية، فبدأت مفاوضات مع تركيا لتوقيع اتفاقية دفاعية تتيح إنشاء قواعد عسكرية تركية وسط سوريا، تشمل أنظمة دفاع جوي. في المقابل، شنت إسرائيل في 2 أبريل غارات جوية على مطارات عسكرية في وسط سوريا، قتل فيها 3 مهندسين أتراك أثناء تفقدهم مطار حماة العسكري.

قطع الاحتلال بذلك الطريق على التعاون الدفاعي الاستراتيجي بين سوريا وتركيا، لينتقل بعدها إلى دق إسفين جديد مستغلًا التباينات الطائفية والعرقية.

ففي 30 أبريل، استهدفت طائرات إسرائيلية عناصر من جهاز الأمن العام السوري أثناء اشتباكهم مع مجموعات مسلحة درزية في بلدة جرمانا جنوب دمشق، وادعى الاحتلال حينها أنه يحمي الأقلية الدرزية.

ومع انتشار قوات الأمن السوري جنوب دمشق لاحتواء هذه الاشتباكات، استهدفت طائرات الاحتلال في 2 مايو هدفًا قرب القصر الرئاسي بالعاصمة، لتؤكد بذلك تل أبيب جديتها في عدم السماح للقوات السورية بالانتشار جنوب دمشق.

 

تطبيع أم اتفاق أمني؟

أمام العدوان الإسرائيلي والعجز الميداني السوري، فضلًا عن دعم الحلفاء الإقليميين، اعتمدت إدارة الرئيس السوري أحمد الشرع نهجًا دبلوماسيًا يتسم بالانفتاح على خيارات صعبة فيما يتعلق بالعلاقة مع الاحتلال.

ومنذ لقاء الرئيس الشرع مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب في الرياض، في 14 مايو، يجري مسؤولون سوريون محادثات مع مسؤولين إسرائيليين حول توقيع اتفاق محتمل بين الجانبين. ومع تأكد المحادثات ونية توقيع الاتفاق، إلا أنها ماهيته لا تزال محل جدل.

فبينما تتحدث أوساط إعلامية عن اتفاقية طبيع بين سوريا والاحتلال، تشير تقارير، بعضها نشرتها “يديعوت أحرونوت” وأخرى القناة الإسرائيلية 12، بأن الحديث يجري حول اتفاق أمني بين الجانبين فحسب، وليس اتفاق سلام شامل، في صيغة محدثة عن اتفاق فك الاشتباك الموقع عام 1974.

وبينما يتمسك الاحتلال ببقائه في المناطق التي احتلها حديثًا، كجبل الشيخ، فضلًا عن الجولان المحتل، تقول تقارير إن الرئيس الشرع يشترط انسحاب الاحتلال من تلك الأراضي لتوقيع اتفاق سلام، وهو ما ترفضه تل أبيب بشكل قاطع.

 

تسوية أكبر

لا يقتصر الأمر على ضبط الجنوب السوري، بل يتعداه إلى الجنوب اللبناني فيما يعتبر تسوية أكبر من مجرد اتفاق أمني مع سوريا. فقد عادت مباحثات ترسيم الحدود البرية بين سوريا ولبنان إلى الواجهة، ويدور الحديث عن كون مزارع شبعا المحتلة سورية لا لبنانية، بينما تقر شخصيات لبنانية بارزة بذلك كالزعيم اللبناني وليد جنبلاط.

في هذا السياق، قد يوافق الاحتلال الإسرائيلي على كون مزارع شبعا أراضٍ سورية، ما من شأنه أن يسحب هذه الورقة من يد حزب الله الذي يعتمدها ذريعة قانونية له للحفاظ على سلاحه ومواصلة المقاومة المشروعة ضد الاحتلال الإسرائيلي للبنان.

 

تهدئة آنية، ومخاطر استراتيجية

رغم كون التهدئة مع الاحتلال الإسرائيلية ضرورة سورية مدفوعة بعوامل إكراه الواقع والعجز حكمًا، إلا أن السياسة المستخدمة في معالجة هذا الملف تحمل بين طياتها مخاطر كبيرة.

يفتقر الخطاب السوري الدبلوماسي لتوصيف إسرائيل كقوة احتلال، وهو ما تعززه السياسة الإعلامية المعتمدة لدى قنوات وكتاب وناشطين سوريين يخففون من طبيعة الأزمة مع تل أبيب في مقابل التركيز على الخصومة مع إيران. وينعكس كل ذلك على المستوى الشعبي والاجتماعي، حيث تبدو المناعة ضعيفة أمام تقبل العلاقة مع إسرائيل، وهو ما قد يسهل تجنيد عملاء لإسرائيل في ظل هذه المناعة الهشة.

كما قد يشكل هذا الملف عامل توتر داخلي في المشهد السوري، فكثير من قوى الثورة السورية العسكرية قد ترفض علاقة كهذه مع الاحتلال، وقد تجنح بعض الفصائل الجهادية نحو خيارات تصعيدية تتسم مع قناعاتها العقائدية.

أمام هذا التعقيد، لا يبدو الاحتلال الإسرائيلي مستعدًا لتقديم أية تنازلات، خاصة في ظل الزخم الذي يتمتع به إقليميًا عقب الحرب الأخيرة مع إيران. لذا، قد لا تجدي محاولات إدارة الرئيس أحمد الشرع أمام الاستكبار الإسرائيلي، ولربما تصطدم بخطوط حمراء تدفع نحو سيناريو آخر من التصعيد.

 

شارك المقالة
مقالات مشابهة