
ستسهم جهود إعادة الإعمار المبكرة في الجزء الخاضع للسيطرة الإسرائيلية من قطاع غزة في تعزيز التقسيم الفعلي لغزة، مما يمكّن إسرائيل من ممارسة ضغط عسكري على حماس لنزع سلاحها دون العودة إلى حرب شاملة، مع تجنب ردود فعل محلية أو دولية كبيرة، وفي الوقت نفسه منع استئناف الهجمات الحوثية. ومع تنفيذ الجيش الإسرائيلي لخطة تقسيم قطاع غزة، بدأت الشركات الخاصة في بناء أول مجمع شبه دائم مدعوم من الولايات المتحدة لإيواء الفلسطينيين في رفح، داخل الجزء الخاضع للسيطرة الإسرائيلية من القطاع. ومن المتوقع أن يتمكن كل ما يسمى بـ”المجتمع الآمن البديل” من إيواء ما بين 20,000 و25,000 فلسطيني، وأن يضم مدارس ومرافق طبية، إلا أن البناء سيستغرق على الأرجح عدة أشهر وسيكلف عشرات الملايين من الدولارات. وتقترح الخطة المدعومة من الولايات المتحدة بناء ما لا يقل عن ستة من هذه المجمعات. ومع ذلك، وبينما يبدأ العمل على بناء أول هذه المجمعات، لا تزال عدة أسئلة غير محلولة بشأن الخطة، بما في ذلك ما إذا كان سيتمكن الفلسطينيون من مغادرة هذه المجمعات بحرية، وما إذا كانت سياسات الفحص الإسرائيلية ستستبعد عدداً كبيراً من الفلسطينيين من دخول المجتمعات، ومن أين سيأتي تمويل هذه المجمعات.
• الهياكل الفيزيائية المقترحة في الخطة الأولية ستكون على الأرجح مشابهة للهياكل شبه الدائمة المصنوعة من الحاويات، والتي استُخدمت سابقاً لتوفير مساكن مؤقتة بعد الكوارث الطبيعية، مثل زلزال تركيا وسوريا في فبراير 2023، وكذلك لإيواء اللاجئين بعد الحروب.
• على الرغم من أن أول هذه المجمعات من المتوقع أن يكتمل بناؤه خلال أشهر، فإن بناء المجمعات الأخرى قد يستغرق وقتاً أطول بسبب الحاجة إلى إزالة كميات كبيرة من الأنقاض والذخائر غير المنفجرة قبل بدء أي أعمال بناء.
تأتي الجهود لبدء إعادة الإعمار في وقت تعثرت فيه المفاوضات بين إسرائيل وحماس إلى حد كبير، في ظل ضغط الولايات المتحدة على إسرائيل لتحسين الظروف المعيشية وفي الوقت نفسه السعي لإضعاف سيطرة حماس على قطاع غزة. وعلى الرغم من التكهنات بأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يريد إعلان بدء المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل خلال الأسابيع المقبلة بشكل رمزي، فإن المفاوضات متوقفة بدرجة كبيرة. ويعود ذلك أساساً إلى الفجوات الكبيرة بين الطرفين، وخاصة فيما يتعلق بنزع سلاح حماس، رغم أن بعض مسؤولي الحركة أبدوا استعداداً لمناقشة فكرة “تجميد أو تخزين” الأسلحة، مما يشير إلى احتمال التوصل إلى هدنة تمتد لعدة سنوات. ونتيجة لغياب التقدم، يبقى قطاع غزة مقسّماً بخط “الخط الأصفر”، حيث انسحبت قوات الجيش الإسرائيلي خلال المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر. ويعيش معظم الفلسطينيين في غزة في الجزء الغربي من القطاع، الخاضع لسيطرة حماس. ومع ذلك، تعهدت الولايات المتحدة وإسرائيل بمنع وصول أي مساعدات لإعادة الإعمار إلى الأراضي الخاضعة لحماس خشية أن تستغل الحركة تدفق المساعدات لتعزيز التجنيد وتقوية سيطرتها في القطاع. ومع ذلك، فقد اكتسبت خطة ترامب المكونة من 20 نقطة لإنهاء حرب غزة زخماً، بعد أن حصلت على دعم دولي من خلال قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 17 نوفمبر. وتهدف الخطة المدعومة من الولايات المتحدة إلى تحسين الظروف المعيشية من خلال توفير ملاجئ محسّنة، وتسهيل توزيع المساعدات داخل المجمعات لعدم تشتت الفلسطينيين في مناطق واسعة، إضافة إلى توفير بعض فرص العمل. ومن خلال ذلك، تهدف الخطة إلى إضعاف حماس عبر دفع الفلسطينيين إلى الانتقال من المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى المجمعات الموجودة في الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية.
• طرح ترامب خطته لأول مرة في أواخر سبتمبر، وشكلت إطاراً للمرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار. ومع ذلك، لا تزال الخطة مليئة بالتفاصيل غير المحسومة، بما في ذلك ما يتعلق بالحكم بعد الحرب وإمكانية الانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة.
• وفقاً لتقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية في نوفمبر 2025، انخفض الناتج المحلي الإجمالي لغزة بنسبة 83% في عام 2024، وهو آخر عام متاح بتقرير كامل. وكان جميع الفلسطينيين البالغ عددهم 2.3 مليون شخص في القطاع يعيشون تحت خط الفقر. إضافة إلى ذلك، أفادت عدة وكالات مساعدات إنسانية باستمرار انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء القطاع، وانتشار الأمراض المعدية بسبب سوء النظافة ورداءة أوضاع السكن، حيث إن كثيراً من الفلسطينيين نازحون داخلياً ويقيمون في ملاجئ مؤقتة.
• وعلى الرغم من بقاء وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل ثابتاً إلى حد كبير، نفذت قوات الجيش الإسرائيلي ضربات جوية ضد أهداف يشتبه بأنها تابعة لمسلحين، مما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 370 فلسطينياً إضافياً منذ 10 أكتوبر، وفقاً لوزارة الصحة في غزة التي تديرها حماس.
سيتيح التقسيم الفعلي لقطاع غزة لإسرائيل الضغط تدريجياً على حماس لنزع سلاحها عبر عمليات عسكرية لا تصل إلى حد الحرب الشاملة، الأمر الذي سيضعف الحركة على الأرجح من دون إثارة رد فعل شعبي داخلي. ومن المرجح أن يؤدي بناء المجمعات شبه الدائمة إلى تثبيت التقسيم الفعلي للقطاع، خاصة في ظل عدم احتمال تحقيق اختراق في المرحلة الثانية من المفاوضات. ومع أن إسرائيل تعلن أن هدفها القضاء على حماس، سواء عبر الحسم العسكري أو من خلال اتفاق سياسي لنزع السلاح، فإن هذا التقسيم سيُرضي على الأرجح السياسيين الإسرائيليين اليمينيين المتشددين الذين يطالبون بخط أكثر صرامة ضد حماس (وتعتمد حكومة نتنياهو عليهم للبقاء سياسياً)، وكذلك الرأي العام الإسرائيلي المرهق من الحرب خلال الأشهر المقبلة. ويعود ذلك إلى أن إسرائيل ستكون قادرة على الضغط المستمر على حماس لنزع سلاحها دون استنزاف مواردها العسكرية. ومن جانبها، ستقاوم حماس هذا الضغط عبر شن تمرد منخفض الحدة ضد الجيش الإسرائيلي في القطاع ورفض التخلي عن سلاحها. لكن ما دامت إسرائيل تسيطر على معبر رفح وتوزيع المساعدات الإنسانية على الجزء الغربي من القطاع، ستتمكن من إضعاف قدرة حماس على الحكم تدريجياً. إضافة إلى ذلك، ورغم احتياج إسرائيل إلى وجود عسكري مستمر على طول “الخط الأصفر” وفي الجزء المحتل من القطاع، فإن هذا الوجود لن يتطلب مستوى التعبئة الواسعة الذي شهدته العمليات العسكرية المكثفة خلال الحرب الشاملة. وبالتالي، ستكون العمليات الإسرائيلية في غزة أقل تأثيراً على الحياة العامة وأقل إثارة للغضب الشعبي. وهذا يعني أن الجيش الإسرائيلي سيكون قادراً على تصعيد عملياته مؤقتاً، غالباً عبر ضربات جوية، رداً على حوادث مثل هجوم حماس في 3 ديسمبر الذي أدى إلى إصابة خمسة جنود إسرائيليين في رفح، دون العودة إلى القتال البري النشط.
• رغم أن إسرائيل من غير المرجح أن تقلب هذا الوضع خلال الأشهر القليلة المقبلة، فإن الانتخابات الإسرائيلية مستحقة في أكتوبر. وإذا أشارت استطلاعات الرأي إلى نتائج غير مواتية لنتنياهو، فقد يصعّد ضد حماس لجذب الدعم اليميني، رغم خطر أن تأتي هذه الاستراتيجية بنتائج عكسية عبر تقويض ثقة الجمهور في إدارة الحكومة للصراع وإحياء الانتقادات بأن الحكومة لا تمتلك استراتيجية واضحة لغزة.
• ونظراً لأن القدرات العسكرية لحماس تضررت بشدة نتيجة أكثر من عامين من القتال وسلسلة الإمدادات المقطوعة وغياب الكتائب المنظمة، فإن التهديد الذي تمثله الحركة للسكان الإسرائيليين منخفض. فقد تمكنت الحركة من إطلاق عدد قليل فقط من الصواريخ من القطاع خلال العام الماضي. إضافة إلى ذلك، يعمل الجزء الخاضع للسيطرة الإسرائيلية من القطاع كمنطقة عازلة بين حماس والأراضي الإسرائيلية.
سيقلل هذا الوضع على الأرجح من الضغط الأوروبي على إسرائيل، مما سيؤدي إلى استمرار التجارة والتمويل المشترك للأبحاث بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي، في حين من غير المرجح أن يستأنف الحوثيون هجماتهم البحرية إلا إذا قامت إسرائيل بتصعيد عسكري كبير، وهو تصعيد من شأنه — إذا استُمر فيه — أن يسهم في عودة تدريجية لحركة المرور عبر البحر الأحمر. وعلى الرغم من أن بناء المجمعات سيواجه تحديات لوجستية كبيرة ويفتقر إلى قبول الفلسطينيين، فإن الهدوء النسبي الذي يرافق التقسيم الفعلي سيخفف احتمالاً التوترات بين إسرائيل وبعض الدول الأوروبية خلال الأشهر المقبلة. فقد علّق الاتحاد الأوروبي بالفعل خطته المحتملة لفرض عقوبات على مسؤولين يمينيين إسرائيليين متشددين. كما استأنفت ألمانيا في 24 نوفمبر صادرات الأسلحة إلى إسرائيل بعد تعليقها في أغسطس. ورغم أن الدول الأوروبية ستركز على تحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين في غزة وسيبقى بعضها ناقداً قوياً لإسرائيل، فإن الضغط الأوروبي العام على إسرائيل سيستمر في التراجع. ونتيجة لذلك، من غير المرجح أن ينفذ الاتحاد الأوروبي تهديداته بتعليق أجزاء من اتفاقية التجارة الثنائية أو وقف تمويل التعاون البحثي. إضافة إلى ذلك، ستستمر مشتريات أوروبا من المعدات العسكرية الإسرائيلية — والتي سجلت نمواً خلال صراع حماس وإسرائيل — في الارتفاع خلال عام 2026. وعلى صعيد منفصل، من غير المرجح أن يؤدي تقسيم غزة إلى المستوى الذي يدفع الحوثيين لاستئناف حملتهم ضد السفن المرتبطة بإسرائيل أو الأراضي الإسرائيلية. وما لم يحدث تصعيد إسرائيلي كبير في القطاع، مثل عملية برية واسعة، أو حملة عسكرية جديدة ضد الحوثيين، فمن المرجح أن يمتنع الحوثيون عن استئناف الهجمات في البحر الأحمر. وعلى الرغم من أن انخفاض الهجمات الحوثية أدى إلى استئناف بعض الشركات رحلاتها عبر البحر الأحمر، فإن العديد من شركات الشحن وشركات التأمين البحرية ما تزال مترددة بشأن المسار. لكن فترة تمتد عدة أشهر دون هجمات حوثية ستعيد تدريجياً ثقة شركات الشحن.
• قبل وقف إطلاق النار، فرضت دول مثل إسبانيا وهولندا حظر أسلحة على إسرائيل، رغم أنها كانت خطوات رمزية إلى حد كبير لأن صادراتها من السلاح إلى إسرائيل قليلة مقارنة بالولايات المتحدة وألمانيا. ومع ذلك، كان هناك ضغط دبلوماسي متصاعد داخل الاتحاد الأوروبي لوضع استراتيجية موحدة ضد إسرائيل، بما في ذلك احتمال الحد من تمويل التكنولوجيا و/أو فرض العقوبات.
• وفي 9 نوفمبر، نشر رئيس أركان الحوثيين رسالة أعلن فيها أن حملة “التضامن” مع الفلسطينيين ستتوقف. وإضافة إلى الهجمات ضد حركة التجارة في البحر الأحمر، فإن الضربات الحوثية على الأراضي الإسرائيلية كانت قد عطلت عمليات الموانئ في إيلات وأدت إلى إغلاق الميناء بسبب الضرائب غير المسددة في يوليو. كما تسببت الهجمات الحوثية التي استهدفت مطار بن غوريون قرب تل أبيب في تعطيل العمليات بشكل متقطع.
• وفي عام 2024، بلغت المشتريات الأوروبية من الأسلحة الإسرائيلية نحو 8 مليارات دولار، أي ما يعادل ضعف قيمة عام 2023. وتُعزى هذه الزيادة بشكل أساسي إلى جهود تحسين أنظمة الدفاع الجوي، مثل شراء ألمانيا لنظام الدفاع الصاروخي “حيتس 3”، وذلك عقب الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022.
• إذا شنت إسرائيل حملة ضد الحوثيين بهدف إضعاف “محور المقاومة” المدعوم من إيران، فمن المرجح أن يستأنف الحوثيون الهجمات ضد الأراضي الإسرائيلية رداً على ذلك، وقد يستأنفون أيضاً الهجمات البحرية ضد السفن المرتبطة بإسرائيل. ولكن نظراً للقيود الجغرافية واللوجستية، فمن غير المرجح أن تتمكن إسرائيل من شن حملة مستمرة ضد الحوثيين؛ وبالتالي ستكون الهجمات الإسرائيلية – إن وقعت – متقطعة