المصدر: هنا
حتى من اعتادوا على التطورات الدراماتيكية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا فوجئوا بإعلان السعودية وباكستان الأسبوع الماضي عن “اتفاق الدفاع الاستراتيجي المتبادل”. جرى توقيع الاتفاق رسميًا في الرياض يوم 17 سبتمبر خلال زيارة رئيس الوزراء شهباز شريف، وذهب بعيدًا عن العبارات البروتوكولية المعتادة ليشمل التزامًا واسعًا بالدفاع المتبادل، بل ألمح بعض المسؤولين إلى أنه يتضمن ردعًا نوويًا موسعًا.
يُعد هذا الاتفاق تعميقًا لعقود من التعاون الأمني والعسكري بين البلدين منذ بروتوكول 1982 فقد نشرت باكستان قوات كبيرة في السعودية منذ السبعينيات، وصلت أحيانًا لأكثر من 10 آلاف جندي، وأسهمت في الدفاع عن الأراضي والمقدسات السعودية خلال حرب الخليج 1990-1991 وتواصل حتى اليوم إرسال قوات تدريب واستشارة تُقدر بـ1500 عنصر. بالمقابل، قدمت الرياض خطط إنقاذ مالية متكررة لباكستان تشمل النفط والقروض في أوقات الأزمات الاقتصادية.
لماذا الآن؟
يرى التحليل أن الاتفاق ليس ردًا مباشرًا فقط على الضربة الإسرائيلية الأخيرة لمقر قيادة حماس في قطر، رغم أن هذا الهجوم عجّل بإنهاء المفاوضات، بل هو جهد بدأ منذ سنوات لتنويع الشراكات الدفاعية والتأهب لمخاطر متغيرة في المنطقة. بالنسبة للسعودية، يأتي الدافع من القلق المتزايد تجاه إسرائيل والمنافسة مع إيران، ومن إدراكها لتقلب السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. أما بالنسبة لباكستان، فالاتفاق وسيلة للابتعاد عن الاعتماد على الصين وحدها بعد تعليق واشنطن مبيعات السلاح وتراجع الدعم الاقتصادي، وكذلك لتقليص تقارب الرياض مع الهند في مجالات الدفاع والتكنولوجيا والاستثمار.
ما الذي يعنيه الاتفاق؟
الاتفاق يوفر إطارًا يمكن توسيعه وتنظيمه بمرور الوقت، ويخلق حوافز للتعاون في تبادل المعلومات والاتصالات الآمنة والتحليلات المشتركة. هناك مساحة كبيرة للتعاون في الدفاع التقليدي، بما في ذلك التدريبات المشتركة والأدوار الاستشارية المدمجة وبناء القدرات البشرية السعودية في المجال العسكري. كما قد يشمل التعاون الصناعي الدفاعي، خصوصًا أن السعودية تسعى لتوطين مشترياتها الدفاعية ضمن رؤية 2030، فيما لدى باكستان خبرة في التصنيع المشترك مع الصين.
على الصعيد النووي، لا تزال المسألة غامضة. بعض المسؤولين لمحوا إلى امتداد الضمانات الدفاعية للأصول الاستراتيجية الباكستانية، لكن محللين حذروا من المبالغة في تفسير ذلك كتعهد نووي صريح. رغم شائعات استمرت عقودًا حول صفقة نووية سرية سعودية-باكستانية، لم يُؤكد أي شيء. ومع ذلك، فإن مجرد الإيحاء بوجود بعد نووي قد يوفر ردعًا، ويهيئ بيئة للتعاون المستقبلي حتى وإن بقي هذا التعاون غيرمعلن.
المخاطر والانعكاسات الإقليمية
الاتفاق يحمل أيضًا مخاطر أزمة جديدة بين الهند وباكستان قد تختبر مرونة الاتفاق وتضع الرياض في موقف صعب بين مصالحها التجارية مع الهند والتزاماتها الأمنية تجاه باكستان. كما أن تعميق الروابط الدفاعية وربما النووية مع باكستان قد يعقد مستقبل أي تقارب سعودي-إسرائيلي ويؤثر في مشاريع مثل الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا.
بالنسبة لباكستان، الخطر المباشر هو التورط في صراعات إقليمية مثل نشاط الحوثيين في البحر الأحمر وما يتبعه من طلبات سعودية للدفاع الجوي أو الأمن البحري. هناك أيضًا خطر أن يؤدي الاعتماد على الدعم السعودي إلى إبطاء الإصلاحات الاقتصادية الضرورية في باكستان.
دول أخرى في المنطقة، خصوصًا الهند، تراقب الاتفاق عن كثب نظرًا لتأثيره المحتمل على توازن القوى الإقليمي وشبكات الطاقة والتجارة والدفاع. الاتفاق قد يشير أيضًا إلى توجه أوسع بين دول الشرق الأوسط وجنوب آسيا للتحوط من الاعتماد المفرط على القوى الكبرى في ظل تشكك في موثوقية الالتزامات الأمنية الأميركية وعودة نظام تجاري عالمي أكثر تقلبًا.