المنظور الاستراتيجي للقوات المسلحة السودانية

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
07/25/2024
شارك المقالة

في ظل التحديات والمهددات العسكرية التي يعيشها السودان الآن، تبرز أهمية القوات المسلحة التي تدافع عن الوطن ووحدته، وقد تكالبت الأمم عليه واتسعت دائرة المؤامرة محليًا وإقليميًا ودوليًا، حيث تظل القوات المسلحة صمام أمان البلاد، في حال توفرت فيها الأسس والضوابط الوطنية والأمنية والتجهيزية التي تحتاج إليها لأداء مهامها الوظيفية.

أولاً: المقصود بالقوات المسلحة السودانية

جاء بقانون القوات المسلحة السودانية لسنة 2007 والمعدل 2013 الباب الأوّل (الفصل الثاني) وتحت عنوان القوات المسلحة التكوين والهياكل والأهداف والواجبات والمبادئ ما يلي:

(1) تكوين القوات المسلحة وهياكلها:

(أ) القوات المسلحة قوات نظامية قومية التكوين، احترافية وغير حزبية، تتشكل من السودانيين الذين تنطبق عليهـم شروط الالتحاق بها دون تمييز بسبب الجنس أو الدين أو العرق.

(ب) تتكون القوات المسلحة من قوات عاملة وقوات احتياطية حسبما يقرره رئيس الجمهورية بناء على توصية القائد العام.

(ج) تتكون القوات العاملة من: القوات البرية، القوات الجوية والدفاع الجوي، القوات البحرية، القوات التي يتم دمجها في القوات المسلحة بموجب أي قانون، أي قوات أخرى حسبما تحدده القوانين واللوائح.

(د) تحدد اللوائح والنظم والتعليمات حجم هذه القوات وانتشارها وانفتاحها وقياداتها.

(2) أهداف وواجبات القوات المسلحة:

القوات المسلحة السودانية قوات عسكرية قومية التكوين والهدف ولاؤها لله والوطن، وتكون لها المهام والاختصاصات الآتية:

(أ) حماية سيادة البلاد والدفاع عن النظام الدستوري والزود عنه.

(ب) تأمين سلامة البلاد والدفاع عنها في مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية

(ج) تأمين احترام سيادة حكم القانون والحكم المدني الديمقراطي وحقوق الانسان

(د) التصدي لحالات الطوارئ المحددة قانوناً.

(هـ) الدعوة للتدين والأخلاق والقيم الفاضلة وتقوية روح الوحدة والولاء والمواطنة بين أفرادها.

(و) العمل على تطوير امكانياتها العسكرية والبشرية والمادية والعلمية.

(ز) المشاركة في توطيد وحماية السلام والأمن الدوليين تنفيذاً للالتزامات الاخلاقية والمواثيق والمعاهدات الدولية والاقليمية

(3) المبادئ العامة للقوات المسلحة:

(أ) يجب على أفراد القوات المسلحة في جميع الرتب أثناء ممارسة اختصاصات وظائفهم التقيَد التام بالآتي: قيم الدين الحنيف واحترام جميع الأديان السماوية وكريم المعتقدات، ووثيقة حقوق الإنسان المقررة في الدستور، ومبادئ القانون الدولي الإنساني المضمنة فـي الاتفاقيات المصادق عليها، واحترام الدستور، والالتزام بأخلاقيات القتال وأعراف الحرب المقر بها في الأديان السماوية والمواثيق الدولية.

(ب) يستهدي الأفراد أثناء تنفيذ واجباتهم أو مهامهم على وجه العموم بالآتي: تنمية روح العدل والمساواة بين المرؤوسين، إشاعة الفضيلة والقيم السامية، التفاعل الإيجابي مع قضايا المجتمع والسعي لتنميته في حدود القانون، خلق روح التعاون والانسجام وترسيخ وحدة الهدف مع القوات النظامية الأخرى، غرس روح الوطنية والوحدة الوطنية بين الأفراد، ومراعاة الأعراف المحلية الراسخة وتكريس احترامها في حدود القانون.

ثانياً: التحديات الأمنية والعسكرية الداخلية

(1) المساحة الشاسعة وتحديات التأمين: حيث تبلغ مساحة السودان، بعد انفصال الجنوب عنه في عام 2011، نحو 1,861,484كلم مربعاً، وهذه المساحة الشاسعة تحتاج الى امكانات عسكرية لحمايتها براً وجوأ وبحرا، مما يضفي أعباء عسكرية إضافية ويشكل بالتالي تحدياً عسكرياً.

(2) المشكلات الحدودية: إنّ الحدود المشتركة التي تمتد بين السودان ودول الجوار والتي تبلغ حوالي 6,751 كلم هذه الحدود بمثابة عبء يحتاج الى قوة مسلحة تحميها وأجهزة مراقبة لصيقة تسهر لحمايتها، وهنالك مشاكل حدودية مع دولة جنوب السودان وإثيوبيا، وكذلك مع تشاد ومصر وليبيا، وتزداد الأزمات الحدودية حدة تنامي الدور الإسرائيلي في العديد من دول الجوار السودان، وما يترتب عليه من تداعيات سلبية تُشكل خطرًا حقيقيًا للسودان.

(3) الحدود الساحلية: حيث تمتد الحدود الساحلية للسودان لأكثر من 830 كلم تشكل بدورها مصدرًا ممن مصادر التهديد، وتحتاج هي الأخرى إلى تعزيز القدرات البحرية العسكرية لتأمين الحماية على طول البحر الأحمر، نظرًا لانتشار العديد من القواعد العسكرية البحرية لقوى إقليمية ودولية في موانئ عدد من الدول المطلة على البحر الأحمر، وهو ما يشكل ثغرة دفاعية كبرى بشرق البلاد، مع وجود أطماع خارجية في السواحل السودانية، وخاصة مع وجود دول حبيسة في المنطقة، تفتقر إلى وجود سواحل، ويهمها أن يكون لها حضور وتأثير على البحر الأحمر.

(4) القدرات العسكرية: من المهددات العسكرية التي يواجهها السودان في هذا الصدد نجد امتلاك الدول المجاورة لأسلحة هجومية متقدمة كما يبيّن مؤشر جلوبال والذي يوضح وجود أكثر من دولة مجاورة تتفوق عسكرياً على السودان، وبعض من هذه الدول المجاورة قد دخل في تحالفات أمنية وعسكرية مع قوى وهياكل أمنية وعسكرية إقليمية ودولية من شأنها تشكيل مخاطر على الدولة السودانية.

(5) المليشيات المعارضة المسلحة: من المهددات العسكرية وجود مليشيات الدعم السريع المسلحة المتمردة، التي اتخذت من ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار وولايات دارفور ولايات كردفان الكبرى منطلقاً لها وهي مدعومة من الخارج، مما ترتب عليه إحداث تأثير على الواقع الأمني بهذه المناطق، حيث تنطلق عصابات التمرد فتزعزع أمن المواطن وتضطر معها القوات المسلحة على التدخل.

(6) الصراعات القبلية المسلحة: من التحديات العسكرية التي يتعرض لها السودان ما تحدثه الصراعات القبلية سيما بغرب السودان حيث تواجه أحياناً القوات المسلحة هذا التفلت بالعمل العسكري حتى لا يتطور، فيخرج في بعض الحالات عن السيطرة، ويقتضي الأمر فرض هيبة الدولة والقانون فتتحرك القوات المسلحة للتصدي لمثل هذه الصراعات.

(7) انتشار السلاح: يشكل انتشار السلاح تحدياً عسكرياً ويأتي بسبب التمرد المسلح، والسلاح الذي بأيادي القبائل المختلفة وصعوبة السيطرة عليه، كما أنً وجود بعض التنظيمات شبه العسكرية بالسودان أدى بدوره في انتشار السلاح، بجانب الاختراقات الأمنية التي تتم عبر الحدود السودانية. وتأتي خطورة انتشار السلاح في الاستخدام غير الموجه والخارج عن توجيه القوات المسلحة فينعكس سلباً على أمن الوطن.

 

ثالثاً: التحديات الأمنية والعسكرية الخارجية:

(1) اضطراب الأمن في بعض الجوار: من المهددات العسكرية للسودان اضطراب أمن بعض دول الجوار مما يترك معه آثاراً سلبية على الواقع الأمني والعسكري بالسودان بحيث ينتقل هذا الصراع العسكري داخل الأراضي السودانية، أو يغذي التمرد القائم ضد الوضع هنا في السودان مما يتحتم معه المواجهة العسكرية. فما حدث بأفريقيا الوسطى لا شكّ أنّ ارتداداته وصلت السودان، كما تمثّل دولة الجنوب بوضعها غير المستقر أكبر مهدد أمني للسودان بالإضافة إلى الوضع في إثيوبيا وليبيا.

(2) التواجد الأمريكي العسكري في بعض دول المحيط المضطربة هو الآخر يشكل مهدداً عسكريا للسودان مما يستوجب وضعه في الحسبان على المدى القريب والبعيد.

(3) دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكيان الصهيوني: تدخلت دولة الإمارات العربية المتحدة في الشأن السوداني تدخلا سلبيًا، وثقته المذكرات الرسمية السودانية التي تم رفعها إلى الأمم المتحدة، بدعمها الكبير لتمرد الدعم السريع مما جعل السودان، وقد كان لتدخل الإمارات ودعمها للتمرد أثر كبير في استمرار الحرب وإلحاق الضرر في الأرواح والممتلكات بالسودان.

كذلك من المهددات العسكرية للقوات المسلحة السودانية دولة الكيان الصهيوني فهو الذي هاجم أهدافه المزعومة بشرق السودان وهاجم مؤسسات الإنتاج العسكري بالسودان، كما أن إسرائيل تمثّل تحد من نوع آخر، من خلال تمددها في العديد من دول الجوار السوداني.

 

رابعًا: مسارات مستقبلية وتوصيات ختامية

إن مواجهة التحديات الأمنية والعسكرية التي تواجه الجمهورية السودانية يتطلب مراعاة عدد من التوصيات والمسارات الأساسية:

(1) ضرورة العمل على إنهاء الحرب والاقتتال والقضاء على كل العمليات العسكرية التي تخوضها قوى التمرد ضد الدولة بكافة الوسائل وصولاً للسلام المنشود، والتنسيق بين (القوات المسلحة وقوات الشرطة وأجهزة الأمن) بما يفيد الأداء الأمني والدفاعي.

(2) تعزيز العقيدة الدفاعية التي بموجبها تنفتح القوات المسلحة لاحتواء مهددات الأمن الوطني بعمليات تعارضية داخل حدود الدولة لمقابلة وصد أي عدوان محتمل وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه.

(3) إصلاح هياكل الدولة الاتحادية والولائية بما يستوعب مهمة المؤسسات الأمنية الدفاعية، وإعادة بناء القوات المسلحة بتوازن استراتيجي على مستوى التشكيلات، وإنشاء إدارة للتعبئة واستدعاء الاحتياطي (من متقاعدين وخدمة وطنية متطوعين) لمواجهة المهددات الأمنية والدفاعية.

(4) في مجال القوة الجوية: لقد اثبتت المواجهة مع تمرد الدعم السريع أهمية القوة الجوية في تدمير العدو وإحداث المفاجأة في صفه، وشل حركته لذلك ولتحقيق المهام الدفاعية على القوات المسلحة الاهتمام بسلاح الطيران باعتباره اليد الطولي التي لا يمكن الاستغناء عنها وتزويد القوات المسلحة بالطيران الحربي المطلوب لتمكينها من أداء المهام المطلوبة.

(5) في مجال الدفاع الجوي: ضرورة تغطية الساحل والمياه الإقليمية بمنظومة دفاع جوي حديثة ضد الطيران المعادي المنخفض والعالي، وبمساندة منظومة إنذار جوي مبكر بمديات بعيدة تخدم الدفاع الجوي والقوات الأخرى.

(6) القوات البحرية: لقد اصبحت الدفاعات الساحلية ضرورة واولوية حيث تعمل بالتنسيق مع قوة الردع الهجومي الصاروخية (زوارق الهجوم السريع الصاروخي) في احكام السيطرة وتامين الساحل ضد الخطر البحري، مع ضرورة امتلاك القوات البحرية لصواريخ ساحلية فعالة ضد الاهداف السطحية كالصواريخ الصينية مثالا لا حصرا (سيلك وورم والتي تسمي ايضا C-802 ) تنصب في عدة مواقع ساحلية ثابتة تغطي الساحل وبمديات تصل الي حدود المياه الاقتصادية وعمق البحر المفتوح .

وكذلك ضرورة وجود قوة طيران بحري اساسها الطائرات العامودية المزودة بالصواريخ للواجبات السريعة والتصدي للاختراقات البحرية البعيدة واسناد الزوارق والسفن في البحر، وتشمل قوة الطيران البحري علي عدد من طائرات الاستطلاع البحري (عامودية وثابتة الجناح) ذات المهام التي لا غني عنها في تامين الساحل وتوفير المعلومات الضرورية لعمل القوات البحرية في تامين الساحل ولعل الاختراقات الاسرائيلية الأخيرة وضرب أهداف في العمق السوداني توجب ذلك.

(7) إنشاء وحدة صاروخية: تعزيزا لأداء المدفعية يتطلب تعزيز ذلك بإنشاء وحدة صاروخية قادرة على دك تحصينات الأعداء في أي مكان وأي زمان والوحدات الصاروخية لا غنى عنها في سائر التشكيلات العسكرية الحديثة.

(8) في مجال العلاقات الخارجية: زيادة توثيق العلاقات الخارجية في المحيطين الإقليمي والدولي بما يخفف الضغط على المؤسسات الأمنية والدفاعية والتي تضررت كثيرا بسبب الحرب، ووضع المتغيرات الإقليمية والدولية في الاعتبار بما يعزز تعاون القوات المسلحة في الأزمات الدولية إقليميا ودوليا وأن تشكل حضورا يليق بتاريخها في كل المحافل.

شارك المقالة

اشترك في نشرتنا الاخبارية