التحول الخليجي نحو التعدين.. طموحات وتحديات

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
07/05/2024
شارك المقالة

في سباقها لتنويع مصادر الدخل والابتعاد شيئا فشيئا عن الاعتماد على إيرادات النفط، بدأت دول الخليج في التركيز على التعدين كوجهة جديدة لاستثماراتها غير النفطية، فوضعته السعودية في رؤية 2030 وجعلته الركيزة الثالثة للصناعات الوطنية.

 وقد حذت الإمارات حذو المملكة، فوضعت قطاع التعدين ضمن رؤية 2030، وكذلك قطر وعُمان والبحرين التي تولي صناعة الألومنيوم أهمية كبيرة ساعية لتصبح أحد كبار منتجي هذا المعدن.

وعمليات التعدين كانت تحتاج في السابق كميات كبيرة من المياه وبسبب ندرة المياه في منطقة الخليج العربي كان من الصعب استخراج الثروات المعدنية الكبيرة في الفترة الماضية، ولكن مع تطور تكنولوجيا التعدين الحديثة قلت الحاجة إلى المياه في التعدين بشكل كبير وهو ما ساعد على تشجيع دول الخليج في التفكير بل والاستثمار بشكل أكبر في عمليات التعدين.

 

موارد معدنية غير مستغلة

تعد المملكة العربية السعودية صاحبة العدد الأكبر من المناجم في منطقة الخليج نظرا لمساحتها الشاسعة، وتليها في ذلك سلطنة عُمان، حيث تنتشر مناجم خام الحديد والفوسفات والزنك والرصاص والنحاس والبوكسيت والملح والمغنسيوم والذهب والمنجنيز والفضة في الدولتين بشكل كبير.

وقد قدرت المملكة قيمة الموارد المعدنية غير المستغلة بحوالي 2.5 تريليون دولار، بما في ذلك الفوسفات والذهب والمعادن الأرضية النادرة. وتمتلك السعودية 7% من احتياطي الفوسفات العالمية وتستهدف أن تكون ثاني أكبر منتج للفوسفات في العالم خلال هذا العام بإنتاج 9 ملايين طن سنويا من الفوسفات من مدينة وعد الشمال للصناعات التعدينية.

وقد بلغت الصادرات السعودية من المعادن نحو 26 مليار ريال سعودي (7 مليارات دولار) في عام 2021، ووصلت مساهمة قطاع التعدين في الناتج المحلي الإجمالي 64 مليار ريال سعودي (17 مليار دولار) في العام نفسه.

أما سلطنة عُمان فتولي اهتماما كبيرا بتطوير قطاع التعدين داخل السلطنة، وقد وصل إجمالي الإنتاج من المعادن إلى ما يزيد عن 60 مليون طن بقيمة قدرها 600 مليون دولار، كما تحتوي جبال عمان على مادة الأفيوليت، والتي يمكن أن تحتوي على رواسب معدنية مثل الكروميت والكوبالت والنحاس والذهب والرصاص والمغنيسيوم والمنغنيز والنيكل والبلاديوم والبلاتين، والفضة، والفناديوم، والزنك.

 

التوجه نحو الطاقة النظيفة

يتسابق العالم اليوم في مضمار إحلال الطاقة النظيفة محل الكربونية، ووفقا لشركة وود ماكينزي فإنه لتلبية أهداف تغير المناخ العالمي – من خلال بناء الطاقة الشمسية، وتحويل أساطيل السيارات الكهربائية وتعزيز شبكات الكهرباء – يجب إنفاق حوالي 4.1 تريليون دولار على التعدين، والتكرير، وصهر المعادن المهمة.

ومع محاولة دول العالم إنقاذ ما يمكن إنقاذه بيئيا للمحافظة على هدف +1.5 درجة مئوية أو حتى هدف +2 درجة مئوية، فقد زاد احتياج دول الخليج لتنويع اقتصاداتها حتى لا تتأثر من انخفاض الطلب المستقبلي على النفط، وحتى لا تتخلف عن قطار الطاقة النظيفة واستخداماتها، وهو ما يدعم الحاجة للتوجه إلى التعدين ليكون مصدر جديد للدخل وكذلك لتقليل الحاجة لاستهلاك الوقود الأحفوري.

وقد بدأت دول الخليج في تحديد المناطق التي تحتوي على احتياطيات كبيرة من المعادن وبدأت في طرح رخص للتنقيب في هذه المناطق، وفي هذا الصدد تقوم وزارة الصناعة والثروة المعدنية بالمملكة العربية السعودية مؤخرا بإجراء منافسات رخص للكشف عن المعادن.

وقد توجهت دول الخليج للاستثمار في مناجم بدول أخرى وخاصة الدول الأفريقية لتوفير المواد الخام اللازمة لتطوير صناعات معالجة وتشكيل المعادن، ومن ضمن الصناعات المستهدفة؛ معالجة الليثيوم.

وعلى سبيل المثال، فقد أعلنت “مجموعة كيزاد” وشركة “تايتان ليثيوم” الإماراتيين، عن توقيع اتفاقية مساطحه مدتها 50 عاماً لإنشاء مصنع متطور لمعالجة الليثيوم في منطقة خليفة الصناعية (كيزاد المعمورة).

ومن المقرر بحسب الخطة أن يتم تطوير مصنع تايتان ليثيوم على ثلاث مراحل باستثمارات تبلغ 5 مليارات درهم (1.36 مليار دولار)، وسينتج المصنع مادتي كربونات الليثيوم وهيدروكسيد الليثيوم المستخدمتان في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية.

 

الخليج الغني يتجه للقارة الفقيرة بحثا عن المعادن!

على الرغم من المركز الظاهري الهامشي للقارة السوداء على الخريطة الدولية، إلا أنها في الحقيقة كانت دائما أحد أهم مراكز الصراع بين القوى الكبرى، لما تمتلكه من ثروات طبيعية ضخمة.

وقد جعلت الثروة المعدنية الضخمة في أفريقيا منها قبلة للمستثمرين في التنقيب عن المعادن، وهو ما شجع دول الخليج للبحث عن استثمارات في أفريقيا، حيث تمتلك أفريقيا بعضا من أكبر مناجم النحاس في العالم، في مناطق مثل الكونغو الديمقراطية وزامبيا، كما ينتشر الليثيوم في زيمبابوي، والكوبلت في الكونغو الديمقراطية.

ورغم كثرة انتاج أفريقيا من الخامات الرئيسية لدفع عجلة التحول نحو الطاقة النظيفة، إلا أنه بعد استخراج الخامات يتم شحنها ومعالجة أغلب المعادن في الصين. ومع المنافسة الأمريكية الصينية على تطوير الرقائق والبطاريات والذكاء الاصطناعي فدائما ما تجد الدول الأفريقية نفسها يجاذبها القطبين، ومؤخرا، دخل العديد من الدول على الساحة، ومن أهمهم روسيا.

وفي إطار محاولاتها لتوطين صناعات المستقبل، بدأت دول الخليج في البحث عن طريقة تؤمن بها احتياجاتها من المعادن، وتؤمن سلاسل الإمداد الخاصة، أو على الأقل لتلعب دور الوسيط وأحيانا المهرب، كما تكشف التقارير مؤخرا عن دور الإمارات في سرقة الذهب من السودان عبر حليفها وراعي الغنم السابق “حميدتي”.

وعلى الصعيد الرسمي، بدأت دول الخليج في اختراق سوق التعدين إما بشراء حصص كبيرة في شركات قائمة أو بتكوين شركات جديدة تنافس الشركات القائمة في الحصول على حقوق الامتياز والتعدين في إفريقيا، كما سرعت من عملياتها في استكشاف مناطق تعدينية جديدة داخل حدودها.

 

البداية من السعودية

قال ياسر الرميان، محافظ صندوق الاستثمارات العامة السعودي، في مؤتمر التعدين لمنتدى مستقبل المعادن في الرياض في يناير الماضي: “لدينا الآن أكبر برنامج تنقيب في العالم”، “لكننا لا نملك جميع أنواع المعادن التي نحتاجها لمبادراتنا المستقبلية”.

وفي هذا السياق تقوم المملكة باستثمارات متعددة في مجال التعدين داخل المملكة للاستفادة من الثروة المعدنية بالمملكة، وكذا خارجها للحصول على المعادن التي تحتاجها لمبادراتها المستقبلية.

وقد أنشأت السعودية صندوق الاستثمار السعودي (منارة المعادن) وهو مشروع مشترك بين شركة التعدين المملوكة للدولة “معادن” وصندوق الاستثمارات العامة السعودي لشراء أصول في الخارج.

 

خطوات حثيثة

تمثلت أول خطوة استثمارية كبيرة لمنارة المعادن في الخارج في صفقة ساهمت فيها بعشرة بالمئة في وحدة النحاس والنيكل في شركة فالي البرازيلية باستثمار قيمته 2.6 مليار دولار. وهذا إضافة إلى خطط لاستثمار مليار دولار في مشروع ريكو ديك للتنقيب عن الذهب والنحاس في باكستان.

وتبحث الشركة تقديم عروض للاستحواذ على حصة تصل إلى 30% في مناجم النحاس الزامبية التابعة لشركة فيرست كوانتوم مينيرال.

وقد دشنت شركة التعدين العربية السعودية (معادن) شراكة مع شركة Ivanhoe Electric الأمريكية، لتشكيل مشروع مشترك يستهدف استكشاف 48,500 كيلومتر مربع من الأراضي، باستخدام تقنيات حديثة مثل تقنية Typhoon للمسح الجيوفيزيائيمن أجل استكشاف رواسب النحاس والنيكل والذهب والفضة وغيرها من المعادن الاستراتيجية.

كما دعت وزارة الصناعة والثروة المعدنية ووزارة الاستثمار شركات التعدين والمستكشفين من جميع أنحاء العالم إلى التسجيل في برنامج تمكين الاستكشاف التعديني الذي يهدف إلى تعزيز أعمال الاستكشاف، وتعظيم القيمة المتحققة من قطاع التعدين، وتوسيع نطاق إمكانات الاستكشاف في المملكة من خلال التركيز على المناطق غير المستكشفة.

 

تحركات إماراتية

كثفت الإمارات استثماراتها في التقنيات الحديثة لتعزيز الكفاءة والإنتاجية في قطاع التعدين. حيث ركزت وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة على تبني حلول التكنولوجيا المتقدمة مثل الثورة الصناعية الرابعة لتعزيز القدرة التنافسية.

وقد خصصت الإمارات استثمارات كبيرة في الصناعات الناشئة مثل التكنولوجيا الحيوية والهيدروجين والمركبات الكهربائية. ففي عام 2023، تم توجيه حوالي 3.3 مليار درهم إماراتي (900 مليون دولار) لهذه القطاعات بهدف دعم النمو الاقتصادي وتحقيق أهداف الاستدامة.

كما تمتلك الإمارات شبكة واسعة من الموانئ، والمراكز اللوجستية عبر قارة أفريقيا مما يجعل من دبي “لاعبا رئيسيا لتجارة المعادن الثمينة” حول العالم، وقد ذكرنا آنفا نموذج لهذا الدور.

وعلى الصعيد الرسمي، فقد استحوذت شركة الموارد العالمية القابضة الإماراتية على 51% من منجم “موباني” للنحاس في زامبيا بقيمة 1.1 مليار دولار، كما تهدف الشركة للاستحواذ على منجمي “لوبامبي” و”كونكولا” للنحاس في زامبيا، بالإضافة إلى سيطرة شركة موانئ دبي على عدد من الموانئ الهامة لتصدير المعادن في أفريقيا.

كما تعمل الإمارات مع دول مثل كينيا لتعزيز الاستثمار في قطاعات التعدين والتكنولوجيا. حيث تم توقيع مذكرات تفاهم لتعزيز التعاون في هذه المجالات، مما يفتح الباب أمام فرص استثمارية جديدة..

وتسعى الإمارات من خلال هذه الاستثمارات المتنوعة إلى بناء قطاع تعدين متقدم ومستدام، يدعم رؤية الإمارات 2030 للتنمية الاقتصادية المستدامة.

 

قطر.. قدم في آسيا ويد في أفريقيا

يتبدى الاهتمام القطري بالاستثمار المعدني أولا في امتلاك “قطر للاستثمار” حصة تتخطى 8% في شركة “جلينكور” السويسرية للتعدين وتجارة السلع التي تتخطى قيمتها السوقية 50 مليار دولار. كما أن هناك اهتمام قطري للاستثمار في مشروع بقيمة 7 مليارات دولار لاستخراج النحاس في باكستان.

وإضافة إلى ذلك، فإن قطر تتفاوض مع مالاوي لاستكشاف الفرص الاستثمارية في مجال التنقيب عن المعادن مثل الليثيوم والمعادن الأرضية النادرة.

كما أنشأت قطر بالشراكة مع الجزائر “الشركة الجزائرية القطرية للصلب” باستثمارات وصلت ل 2 مليار دولار، والتي تهدف لإنتاج ما يصل إلى 5 ملايين طن من منتجات الحديد.

وتركز قطر على تعزيز الاستدامة البيئية في عمليات التعدين الخاصة بها وتلتزم بتطوير المجتمعات المحلية التي تعمل فيها، ما يعزز من سمعتها كشريك موثوق ومستدام في صناعة التعدين العالمية.

 

استثمارات محلية في عٌمان

يظهر الفارق بين سلطنة عمان والدول المجاورة الأخرة في ملف التعدين من خلال خريطة الاستثمار، حيث تتجه عمان بشكل كبير لاستغلال مواردها المحلية، ويعتبر مشروع تعدين النحاس والذهب في منطقة “الحوجلة” واحدًا من أبرز المشاريع في هذا القطاع، وتشرف عليه شركة التعدين العمانية بالتعاون مع شركة معدات التعدين العالمية.

ويهدف المشروع إلى استغلال الاحتياطيات الكبيرة من النحاس والذهب الموجودة في المنطقة. كما أنه من المتوقع أن يسهم هذا المشروع في تعزيز اقتصاد عُمان وتوفير فرص عمل محلية.

وفي نفس السياق بدأت السلطنة في بناء ما سيصبح واحدا من أكبر مصانع العالم للصلب الأخضر، الذي من المخطط أن يستخدم خام الحديد من الكاميرون.

 

خطوات جادة.. فهل تؤتي أُكُلها؟

دول الخليج تمتلك موارد طبيعية هائلة في مجال التعدين، وتمتلك كذلك القدرات المالية التي تساعدها في الإنفاق على مشروعات التحول الاقتصادي. وحاليا، تعتني دول الخليج بالاستثمار في تطوير البنية التحتية اللازمة لتسهيل استكشاف واستغلال الموارد التعدينية، مثل شبكات الطرق والسكك الحديدية والموانئ.

وربما من أبرز التحديات التي تواجه دول الخليج هو تكوين الكفاءات العمالية والاستشارية في مجالات التعدين، وتوفير التدريب والتعليم المناسب لهم.

ويتمثل التحدي الأكبر الثاني في إدارة العلاقات مع الكتلتين الصينية والروسية من جانب والأمريكية من جانب آخر، في إطار هذا التحول، فمن جانب لا يمكن لدول الخليج أن تغفل الأهمية الكبيرة للجانب الصيني كونه المصنع العالمي الأكبر والشريك التجاري الضخم، ومن جانب آخر لا يمكن لها أن تتخلى عن علاقاتها التاريخية مع الولايات المتحدة.

شارك المقالة
مقالات مشابهة