نشرت قوات الدفاع الإسرائيلية فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر فيه عمليات الاغتيال التي أجرتها منذ السابع من أكتوبر 2023 إلى الآن على شكل أحجار دومينو تتساقط واحدة تلو الأخرى يظهر في البداية أبو حسن سمير قائد وحدة التدريب لقوة الرضوان، وصولًا بحسن نصر الله أمين حزب الله في لبنان، الذي قاد الحزب لأكثر من ثلاثة عقود، وصاحب الفضل في صعود حزب الله إلى التفوق السياسي والعسكري في لبنان، ويختتم الفيديو التصويري بأحجار غير معلومة هويتها تنتظر السقوط لتوحي المشاهد بالمزيد من عمليات الاغتيال، ليكون يحي السنوار قائد حركة حماس والذي خلف إسماعيل هنية -الذي اُغْتِيلَ أيضًا- هو العملية المقبلة في الاغتيالات ومعه محمود حمدان وهاني حميدان القياديان بالحركة.
ليؤكد رئيس الوزراء نتنياهو أن إسرائيل صفت حسابها مع السنوار، وأن الحرب لم تنتهِ بعد، ليوصف الحديث بأن لا يعني نهاية الحرب في غزة، بل هي بداية النهاية[1]، في رؤية مخالفة عن التوقعات العالمية مثل الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا أن مقتل السنوار يتيح فرصة لوضع نهاية للحرب في غزة[2]. وكأن لإسرائيل رؤية مخالفة لعملية الاغتيال.
هيئة الاغتيالات
ونشرت صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية استطلاع رأي قام به معهد لازار الإسرائيلي في تل أبيب يٌبين أنه 69% من الإسرائيليين أعلنوا تأييدهم لسياسة الاغتيالات التي تنتهجها إسرائيل، رغم أنها تعرقل وتأخر من المفاوضات، وأي شكل من أشكال الهدنة التي ستسمح بإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة[3]، وهو ما تأكده حركة حماس بعد مقتل السنوار أن الأسرى لن يعودوا إلا بوقف العدوان في غزة، ليُفرض سؤال حتمي التفسير هنا هو لماذا تقوم إسرائيل بعمليات الاغتيال وهي تعلم أنها ستزيد من تعقيد الأمور ورفع حالة التوتر في المنطقة؟
قد تبدو الإجابة في البداية أنها عمليات مشابهة لعمليات الاغتيال التقليدية التاريخية، لتقع ضمن الإحساس بتهديد حقيقي من قبل إسرائيل ضد السنوار في أنه هو المسؤول عن مقتل آلاف الإسرائيليين والفلسطينيين والأمريكيين والمواطنين من أكثر من 30 دولةـ، وأنه العقل المدبر لعمليات القتل والاغتصاب والاختطاف في 7 أكتوبر -على حسب الرواية الغربية- حيث لم تجد سوي هذه الطريقة لتحقيق أهدافها بإحباط معنويات حركة حماس والحركات الأخرى مثل حزب الله، في خلق حلة من الارتباك السياسي والفكري لديهم، لتحقيق لمفهوم سياسة الردع بمعناه الشامل[5]
والشهد أن معظم عمليات الاغتيال تتم بشكل منظمة وتتسم بالسرية والدقة وتقوم بها أجهزة أمنية من الدرجة الأولي، وهو عكس الطريقة الإسرائيلة صحيح انها لديها جهاز الموساد وأجهزة تقوم بعمليات الاغتيال، لكن الممارسات لا تتفق مع مفهوم الردع ولا تحقق الأهداف المرجوة منها، وربما الدراسة التي قدمها “روبرت برايم” توضح بعض الأمور حيث دعم نتائجه بعدد كبير من بيانات للاغتيالات التي قامت بها إسرائيل أوضحت أن عمليات الاغتيال لا تقوم لأهداف متعلقة بالردع وتحجيم الفلسطينيين، ولا حتى على أي أساس عقلاني مبني على تهديد مباشر من الأشخاص الذين تم تصفيتهم، ولا يرتقي عنف المقاومة بعنف الاحتلال في مباشرة عمليات الاغتيال بوحشية[6]، وطريقة ومشهد قتل السنوار تأكيد أن العملية لم تكن مرتبة لها بالأساس وإنما حدثت بمحض الصدفة، نتيجة لحالة التصعيد في استخدام القوة[7].
والحقيقة في تفسير كل هذه الجرائم التي تُعدّ ظاهرة متفردة بذاتها تختص بها إسرائيل و التي تطلق عليه “الإحباط موضعي”، هو اعتبار عمليات الاغتيال جزءًا لا يتجزأ من العقيدة والفكر الإسرائيلي اتجاه الصراع العربي الإسرائيلي، لتأصل حالة مستمر ومتجذر في فكر جموع الشعب الإسرائيلي في أنه لا سبيل عن القتل إلا بالمزيد من القتل، وتظهر منذ بداية عصابات “الهاغاناه” و”الأرجون” الذين لعبوا دورًا محوريًا في تثبيت الأفكار الانتقامية والوحشية بتنفيذ عمليات الاغتيال لشرائح كبيرة للفلسطينيين والعرب حتى امتدت إلي جهات أجنبية أخري، لتؤدي الاغتيالات إلى تسريع وتيرة العنف في الصراع، وتحث على ردود فعل عنيفة من الأطراف الآخر، لتظهر إسرائيل بمظهر المدافع عن حقيها وأمنها ووصفها بإجراء انتقاميًا ضمن حرب الخير والحضارة ضدّ الشر والبربرية[8].
لماذا الاغتيالات؟
تدرك إسرائيل أنها تستطيع تحقيق مكاسب عدة من الناحية الاستراتيجية انطلاقًا من عملية الاغتيالات والتي يمكن تلخصها في:
وفي مقتل السنوار إعادة للقضية الفلسطينية للوجه مرة أخري، ويُعيد الحديث وقف القتال في غزة، وهو ما لا يريده نتنياهو في الوقت الحالي، وفي خطاب نتنياهو يشير ضمنيًا أن الحرب لم تنته، وكأن صدفة مقتل السنوار تفضح وتأكد على عقيدة القتل غير مبررة والغير عقلانية المتبعة، وساهمت بصورة عكسية في عرقلة تحقيق أهداف إسرائيل الإستراتيجية من الحرب.
تأثير سياسة الاغتيالات على أمن المنطقة
للإجابة على تأثير الاغتيالات يجعلنا نتطرق لفهم طبيعة الصراع والقوي الفاعلة، أن الصراع الإقليمي في المنطقة يتجاوز مجرد التنافس على الهيمنة والتأثير على موازين القُوَى، بل هو وصراع على الوجود والبقاء للإسرائيليين أكثر من الفلسطينيين لذا يدور الصراع بين الدول الإقليمية في المنطقة بين طرفين الطرف الأول هي إسرائيل والطرف الثاني دول المحور المدافعين عن فلسطين وحقها في تقرير مصرها، وتتدرج كل دولة في أولوية القضية عن غيرها والأسلوب المستخدم للتعاطي مع الصراع والأزمة الإقليمية، ويعدّ الفاعل الأكثر نشاطًا والمهدد لأمن إسرائيل بصورة أكثر وضوحًا هي إيران، بحاصرها بـحلقة من الوكلاء تستهدف استنزاف مواردها وإضعافها خلال مساعدة حماس بالأسلحة والدعم اللوجستي، بجانب إجبارها على القتال على عدة جبهات في آن واحد، حيث أدت الهجمات اليومية التي يشنها حزب الله بالصواريخ والطائرات المسيرة على شمال إسرائيل إلى إجلاء نحو 70 ألف إسرائيلي من منازلهم في الشمال، وأجبرت إسرائيل على الاحتفاظ بعدد كبير من القوات على حدودها الشمالية لمواجهة هذا التهديد، فضلا عن هجمات الحوثيين التي أدت إلي إغلاق ميناء إيلات الإسرائيلي.
وهجمات على الملاحة الدولية عبر البحر الأحمر الذي خفضت حركة السفن عبر قناة السويس بنسبة تزيد عن 50%، وفي العراق تستهدف القوات الشيعية إسرائيل بالصواريخ والطائرات دون طيار ونفذت حوالي 170 هجومًا ضد حلفاء إسرائيل الاساسين بما فيها القوات الأمريكية في العراق وسوريا.[10]
وتريد إسرائيلي استثمار الوضع الحالي وتحيقي استفادة كبرى به من خلال كسب الدعم الدولي والتخلص من حركات المقاومة بأي وسيلة مستغلة قضية الرهائن، وتمنع أي تحركات لوقف الحرب بإحداث تحولات مستمرة بأتباع اكثر من أسلوب، والظاهر أن اكثر الأساليب المستخدمة هي الاغتيالات معتبرة هذه العمليات لا تقوم بها إلا بدافع الانتقام وتحقيقً لأهداف الإحباط والردع، وتصوير بأنها تحارب ضد من يحاربها من الجماعات المتطرفة التي تٌهدد لوجودها وأمنها[11]، وعدّ هذا الأسلوب خطرًا على الاستقرار الإقليمي، لأنها أن كانت تصعد لأكثر درجة معتمدة على المساندة الغربية، تًثير شبح حرب إقليمية وسعة النطاق، وتدفع لردود أفعال مختلفة وغير معلومة نتائجها، نتيجة لاختلاف موازين القوة في المنطقة وتعارض مصالحها.
يٌعد الاستمرار في نهج الاغتيالات يدفع إلى تأجيج الصراع، يؤدي إلى نتائج تصاعدية وعكسية على الأمن المنطقة برُمّتها، ويحدث تغييرات جيوسياسية في الشرق الأوسط، بحيث يمكنها أن تعييد توزيع القُوَى السياسية والعسكرية، وتقلبات في القوية وتدفع الدول العربية إلى إعادة تقييم تحالفاتها وأولوياتها، وقدرتها العسكرية والمخابراتية، في ضوء سعيها لتحقيق الاستقرار، الذي باتت إسرائيل تُهدّده بغطرسة وفظاظة، ورغبتها المدفوعة بالانتقام في التوسع في عمليات الاغتيال، وإبادة أجيال المقاومة بهدف إحداث تحول في هوية وتفكير في طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي في على المدي القريب والبعيد.
[1]نتنياهو: مقتل السنوار يمثل “بداية النهاية” للحرب في غزة، سكاي نيوز عربية، تاريخ النشر: 18\10\2024، على الرابط: https://bit.ly/3A0vj93
[2] ترحيب غربي بمقتل السنوار: فرصة للسلام والإفراج عن الرهائن، DW، تاريخ النشر: 18\10\2024، على الرابط: https://bit.ly/4h7UHdF
[3] مونت كارلو الدولية، 69% من الإسرائيليين يدعمون سياسة الاغتيالات، حتى لو أدت إلى تأخير اتفاق الهدنة، تاريخ النشر: 05/08/2024، على الرابط: https://bit.ly/4057wPI
[4] حماس تنعى السنوار وتؤكد عدم الإفراج عن الرهائن قبل وقف العدوان على غزة، فرانس 24، تاريخ النشر: 19\10\2024، على الرابط: https://bit.ly/4093WnI.
[5] عبد القادر بدوي، تقدير موقف ظاهرة الاغتيالات الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر: بين ذريعة “التدبير الوقائي” والنزعة الانتقامية، المركز الفلسطيني للدارسات الاستراتيجية، تاريخ النشر: 13 سبتمبر 2024، على الرابط: https://bit.ly/4dIJrl2
[6] Brym, R. (2012). Collective and State Violence in the Palestinian-Israeli Conflict: The Limits of Classical Rational-Choice Theory. In Canadian Sociological Association/La Société Canadienne De Sociologie (Vols. 49–3). https://bit.ly/404BjrS.
[7] الجيش الإسرائيلي يقر بأن قتل السنوار كان “صدفة”، فرنس 24، تاريخ النشر 18\10\2024، على الرابط: https://bit.ly/3NxJzJG
[8] المرجع السابق.
[9] RASANAHA. (2024). Assassination as a political tool: The killing of Ismail Haniyeh ends the Iran-Israel shadow war with grim regional effects (No. 5–8). https://bit.ly/3Y8cit5
[10] Dagres, H. (2024, October 2). Iran has a strategy for Israel. Now Israel needs one for Iran. Atlantic Council. https://www.atlanticcouncil.org/blogs/iransource/iran-israel-strategy/
[11]مرجع سابق، عبد القادر بدوي.