أين يقف حزب الله في المشهد اللبناني بعد طوفان الأقصى؟

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
01/18/2025
شارك المقالة

 

لم تقتصر مفاجأة حركة حماس في يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 على الاحتلال الإسرائيلي فحسب، فحزب الله اللبناني فوجئ أيضا مثل سائر مكونات “محور المقاومة” باقتحام مقاتلي كتائب القسام في صبيحة ذلك اليوم الملحمي للمواقع والمستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة. وانقلبت بذلك الطاولة على مختلف قوى المنطقة سواء العدو أو الصديق، بما في ذلك المحور وحزب الله.

 

طوال العقود الماضية استراتيجية قوى المحور في مواجهة إسرائيل على ما أسماه الأمين العام الراحل لحزب الله، حسن نصر الله، “الفوز بالنقاط” وتجنب المواجهة الشاملة.

 

ومنذ اندلاع الحرب حتى منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، كان حزب الله قد تكبد خسائر فادحة أبرزها مقتل أمينه العام وجل قادة الصف الأول والثاني، فضلًا عن تهجير حاضنته الشعبية من جنوب لبنان والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية والدمار الكبير الذي خلفته آلة الحرب الإسرائيلية. وأمام هذا الضغط المجتمعي والانكشاف الأمني وقوة النيران الإسرائيلية، وافق الحزب على وقف إطلاق النار وفق الشروط التي سبق وأكد استحالة موافقته عليها، مثل الانسحاب من جنوب نهر الليطاني وتطبيق القرار الأممي 1701 الذي يقضي بنزع سلاحه، فإلى أي مدى يمكن أن تؤدي تلك التطورات إلى تراجع طويل المدى في مكانة حزب الله السياسية داخل لبنان؟

هزات ارتدادية.. هكذا انعكست الحرب على الداخل

 

يرى خصوم حزب الله في الداخل اللبناني أن شعار “المقاومة” قد سقط مع موافقته على اتفاق وقف إطلاق النار مع الاحتلال الإسرائيلي، فلا يمكن تفسير التنازلات المقدمة في الاتفاق سوى أنها استسلام غير مشروط ينم عن حالة من الضعف. ثم جاء سقوط نظام بشار الأسد في سوريا في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 كدليل آخر على تراجع قدرات حزب الله بشدة، مما يسمح بتصعيد الضغوط الداخلية عليه بغية تقديم تنازلات كبرى، وقد تبدى ذلك في تصريحات زعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع يومها بأن “اللعبة انتهت بالنسبة لحزب الله”.

 

لقد شكل سقوط نظام الأسد بالنسبة لحزب الله ضربة لا تقل عن اغتيال قادته البارزين، حيث انقطع بذلك طريق إمدادات الحزب عبر سوريا لتصبح بذلك إيران عاجزة عن دعمه بالسلاح والعتاد كما في السابق. وتزامن ذلك مع انعقاد جلسة مجلس النواب اللبناني لانتخاب رئيس للجمهورية، في 9 يناير/ كانون الثاني 2025، والتي أسفرت عن انتخاب قائد الجيش اللبناني، العماد جوزيف عون، رئيسًا للبنان برعاية أمريكية-فرنسية- خليجية، وفي مظهر إضافي من مظاهر ضعف الحزب؛ اضطر إلى سحب ترشيح حليفه الموثوق سليمان فرنجية. كما غاب عن خطاب القسم الذي أدلاه الرئيس المنتخب ذكر “المقاومة” أو معادلة “جيش، شعب، مقاومة”، بل حل محلها “احتكار الدولة للسلاح” في إشارة سافرة إلى مقدمات لسحب الغطاء القانوني عن ترسانة الحزب.

 

ثم تبع ذلك في 14 يناير 2025 تكليف رئيس محكمة العدل الدولية، القاضي نواف سلام، بتشكيل الحكومة، الأمر الذي اعتبره رئيس كتلة حزب الله النيابية في مجلس النواب محمد رعد خطوة “كيدية وتربصًا” بالحزب و”قطعًا لليد الممدودة”، إذ كان الحزب بدلًا من ذلك ينتظر تكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، لتكون بمثابة رد إيجابي على موافقته على انتخاب العماد عون رئيسًا في الجولة الانتخابية الثانية.

عدم اليقين في ضوء مرحلة الانكماش

 

هكذا تراجعت قدرة حزب الله على تشكيل السياسة اللبنانية في ضوء هذه المتغيرات، وكشف انتخاب العماد عون وتكليف القاضي سلام بتشكيل الحكومة عن مدى ضعف الحزب وحلفائه، كما تكشف اتفاق وقف إطلاق النار عن تغيير واضح في سلوك الحزب الذي لم تستفزه الانتهاكات الإسرائيلية للرد.

ورغم القلق الذي ساور الحزب من انتخاب العماد جوزيف عون رئيسًا، إلا أن خياراته في هذا الإطار محدودة للغاية. ويرى الباحث في مركز كارنيغي للدراسات مايكل يونغ أن حزب الله بحاجة إلى عودة الاهتمام الخليجي بلبنان لتمويل إعادة الإعمار، لأنه يدرك أنه ما لم يتمكّن من تعويض جمهوره عمّا فقدوه فستتآكل شعبيته لدى حاضنته الشعبية، خاصة وأن ثمة شكوكاً جادة في استعداد إيران لتقديم التمويل اللازم لإعادة الإعمار، في ظل الرأي الإيراني العام المستاء من سياستها الرسمية لتمويل حلفائها في المنطقة ورعايتهم بعدما ثبت عدم جدواها، حيث تشير السجلات الرسمية لعام 2020 إلى إنفاق طهران أكثر من 30 مليار دولار على سوريا وحدها، وفقًا للباحث الإيراني شهرام أكبر زاده.

فضلا عن ذلك؛ فإن رئاسة العماد عون قد تقدم الضمانة الوحيدة للحزب في مواجهة تحريض خصومه، وخاصة حزب القوات اللبنانية، في ظل مرحلة تشهد تفكك سياسة إيران الإقليمية حيث بات من الصعب الوثوق بجدية خياراتها. أما العماد جوزيف عون، فيحتفظ بنفوذ راسخ في الجيش اللبناني الذي يمثل بالنسبة لحزب الله حاجزًا أمام أي اقتتال داخلي.

 

من جهته؛ يرى الرئيس السابق للاستراتيجية لقسم إيران في مديرية التخطيط الاستراتيجي والتعاون في جيش الاحتلال الإسرائيلي، أن مستقبل حزب الله يعتمد بشكل كبير على “إعادة تقييم إيران لاستراتيجيتها مع وكلائها في المنطقة”، وأن استراتيجية طهران الإقليمية رغم كونها لم تتغير حتى الآن إلا أن “قدرتها على تعزيز هذه الاستراتيجية قد ضعفت بشكل كبير”.

من الفائز في الجولة الحالية؟

 

تنظر الولايات المتحدة إلى انتخاب العماد جوزيف عون وتكليف القاضي نواف سلام بتشكيل الحكومة امتدادًا لتطبيق القرار الأممي 1701 في “اليوم التالي للحرب”، وأن اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان يمثل فرصة للجيش اللبناني ليأخذ دوره ويحل محل قوات حزب الله في الجنوب. ولذا يبدو للمتابع للوهلة الأولى أن واشنطن وسياساتها هي الفائز الأول في هذه الجولة، وأن أمام السعودية فرصة لإعادة تقوية نفوذها الذي فقدته في لبنان خلال العقد المنصرم، وكل ذلك من شأنه أن يفسح المجال أمام الولايات المتحدة لتركز اهتمامها على الداخل الإيراني لحسم الجولة التالية مع طهران.

 

ورغم أن تثبيت هذه النتائج الهامة متوقف على خطوات حلفاء الإدارة الأمريكية في الداخل اللبناني، وبالرغم من احتفاظ حزب الله بتمثيل وازن في مجلس النواب اللبناني، إلا أن إمكانية جنوح الحزب نحو خيار المعارضة وعدم المشاركة في حكومة نواف سلام من شأنه أن يفاقم من أزمته المفصلية.  حيث سيسهل غيابه عن الحكومة إقرار تعيينات سياسية وأمنية وقضائية رئيسية قد تضع مسيرة حزب الله على المحك، خاصة تعيين قائد للجيش ومدير لجهاز الأمن العام وحاكم للبنك المركزي، كما سيتيح ذلك لخصوم الحزب صياغة قانون للانتخابات النيابية المقبلة عام 2026 يقصيه تمامًا عن الحياة السياسية.

 

يشبه المشهد الحالي إلى حد بعيد مرحلة التسعينيات عقب اتفاق الطائف، والتي شهدت انكماش الدور المسيحي في لبنان وخروج أحزاب المارونية السياسية وصقورها من المشهد. والفارق اليوم أن حزب الله ومن ورائه إيران لديهما القدرة الكبيرة على إبداء المرونة اللازمة حتى تمر العاصفة، لكن غياب جيل التأسيس بعد اغتيال حسن نصر الله وطبقته المخضرمة سيترك أثره بلا شك على الأداء السياسي للحزب، والذي يبدو أنه لم يستوعب المتغيرات المحلية والإقليمية بعد.

 

شارك المقالة
مقالات مشابهة