السنوار رئيسا لحماس: الدلالات والرسائل

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
08/07/2024
شارك المقالة

في الحادي والثلاثين من يوليو/ تموز 2024، تم اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الفلسطينية حماس، في العاصمة الإيرانية طهران، بعد مشاركته في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، ووقف الكيان الصهيوني خلف عملية الاغتيال.

وبعد أقل من أسبوع، عن عملية الاغتيال أعلنت حركة المقاومة الإسلامية حماس عن اختيار رئيسها في قطاع غزة يحيى السنوار ليكون رئيسا للحركة، وقالت الحركة في بيانها، المنشور في السادس من أغسطس/ آب 2024 “تعلن حركة المقاومة الإسلامية حماس عن اختيار القائد يحيى السنوار رئيسا للمكتب السياسي للحركة خلفًا للقائد الشهيد إسماعيل هنية رحمه الله”.

وقد تم اختيار السنوار بالإجماع عبر آليات التصويت المتبعة داخل الحركة، وجاء الاختيار كاشفاً ومؤكداً على أن الحركة تدرك طبيعة المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية بعد عملية طوفان الأقصى أولاً، وبعد اغتيال هنية ثانياً، وفي ظل الترقب والتأهب الإقليمي والدولي للرد الإيراني على عملية اغتيال هنية التي تمت على أراضيها.

وفي إطار هذه الاعتبارات، تكون الزاوية الأهم في هذا الحدث هي الرسائل الأساسية التي توجهها حماس من خلال اختيار السنوار رئيسا، ودلالات هذا الاختيار وتداعياته على القضية والحركة؟

أولاً: في دلالات شخصية السنوار

لقد تدرج السنوار منذ سنوات شبابه في مواقع عديدة داخل الحركة، وهو ما جعله مؤهلًا لقيادتها في هذه المرحلة، خاصة أن السنوار يحظى بالقبول من الجميع في الحركة وهو محل إجماع، السنوار من مواليد عام 1962، تعرض للاعتقال عدة مرات وتم الحكم عليه من جانب الكيان الصهيوني بأربعة مؤبدات قبل أن تحرره المقاومة في صفقة تبادل الأسرى عام 2011، والتي عرفت باسم “صفقة جلعاد شاليط”.

وبعد خروجه من الأسر، عاد لنشاطه في كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس، ثم انتخب رئيسا للحركة في قطاع غزة عام 2017 ومرة أخرى عام 2021.

السنوار هو المهندس الحقيقي لعملية طوفان الأقصى التي قادتها حركة المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي تشكل أكبر عملية أمنية وعسكرية في تاريخ الكيان الصهيوني منذ تأسيه عام 1948، وتكبدت فيها خسائر بشرية وعسكرية، وأعلنت حكومة الكيان أن تصفية السنوار أحد الأهداف الرئيسية لحربها التي تشنها على القطاع منذ السابع من أكتوبر، وفشلت في تحقيق هذا الهدف رغم مرور أكثر من عشرة أشهر على عملية الطوفان.

ثانياً: في دلالات اختيار السنوار

وصف رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، يحيي السنوار بأنه “رجل ميت يمشي” أي أنه المطلوب الأول للتصفية، حيث يراه نتنياهو عدوه الأول، ويعتبرونه العقل المدبر لما سموه “السبت الأسود اللعين” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

لقد ترأس السنوار قيادة “الكتلة الإسلامية” واعتقله الجيش الإسرائيلي عام 1982، ثم أفرج عنه بعد أيام، ليعتقله مجددا في العام ذاته، وحكم عليه بالسجن لمدة 6 أشهر بتهمة المشاركة في نشاطات أمنية ضد إسرائيل، وخرج السنوار من السجن ليؤسس جهازا أمنيا عرف باسم “المجد” عام 1985، وكانت مهمته ملاحقة المتعاونين مع الاحتلال.

ومع الإعلان عن تأسيس حركة المقاومة الفلسطينية حماس عام 1987، بدأ السنوار التخطيط لتأسيس جهاز عسكري، عُرف باسم “المجاهدون الفلسطينيون”، فاعتقلته إسرائيل في 20 يناير 1988، وحكمت عليه بالسجن المؤبد 4 مرات، بالإضافة إلى 30 عامًا.

وتوطدت العلاقة في السجن بين السنوار والشيخ أحمد ياسين، وكان الشيخ ياسين يرى في السنوار شخصًا قياديا أمام قدراته العقلية والفكرية والتنظيمية والتخطيطية، التي تعبر عنها بوضوح ترجماته لعدد من الكتب الإسرائيلية، ومؤلفاته الشخصية، ومنها ترجمة كتاب “الشاباك بين الأشلاء”، الذي يتناول جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي الشاباك، وترجمة كتاب “الأحزاب الإسرائيلية عام 1992″، الذي يتناول هذه الأحزاب وبرامجها وتوجهاتها.

وألف السنوار رواية بعنوان “شوك القرنفل” التي صدرت عام 2004 وتحكي قصة النضال الفلسطيني منذ عام 1967 حتى انتفاضة الأقصى، وكتاب “حماس: التجربة والخطأ”، الذي يتطرق لتجربة حركة حماس وتطورها على مر الزمن، وكتاب “المجد” الذي صدر عام 2010 ويرصد عمل جهاز “الشاباك” الصهيوني في جمع المعلومات وزرع وتجنيد العملاء، وأساليب وطرق التحقيق الوحشية من الناحية الجسدية والنفسية، إضافة إلى تطور نظرية وأساليب التحقيق والتعقيدات التي طرأت عليها وحدودها.

وهذه المسيرة التي تمتد لنحو نصف قرن في العمل الحركي، داخل حركات المقاومة الفلسطينية، ووقوفه على أدق تفاصيل العمل السياسي والأمني والعسكري للكيان الصهيوني، كل ذلك كان له دلالات شديدة الأهمية على اختياره في هذا التوقيت في ظل استمرار تداعيات طوفان الأقصى من ناحية، وبعد اغتيال إسماعيل هنية من ناحية ثانية.

ثالثاً: رسائل اختيار السنوار

إن اختيار يحيى السنوار قائداً لحركة المقاومة الفلسطينية حماس في هذا التوقيت، يوجه عدة رسائل شديدة الأهمية في العديد من الاتجاهات، أولها، التأكيد على وحدة القيادة على مستوى الحركة، وأن هذه المرحلة الانتقالية الأفضل والأنسب لها أن يكون من يقود العمل العسكري هو من يقود العمل السياسي، لضبط البوصلة والتحكم في مسارات العمل المختلفة.

ثاني الرسائل للكيان الصهيوني، وجوهرها أنه إذا كنتم قد قمتم باغتيال من كان يدير العملية التفاوضية معكم، فقد جئناكم بمن يقود الكتائب والمسلحين، ولا مجال بعد ذلك للحديث عن تفاوض أو وساطة أو تحقيق تقدم على أي مسار سياسي إذا استمر الكيان في سياساته التصعيدية، وإفراطه في الجرائم الذي لم يتوقف منذ بدء الاحتلال.

ثالث هذه الرسائل، لمحور المقاومة، وهي تأكيد حركة المقاومة الفلسطينية على أنها ستبقى ضمن هذا المحور، وأن اختيار السنوار هو تعزيز لحضورها في ظل تبنيه الكامل للنهج المقاوم، وإعطائه الأولوية على حساب النهج السياسي التفاوضي، وبالتالي تعزيز وترسيخ العلاقات مع محور المقاومة، ورفع معدلات التنسيق إلى مستويات أعلى في ظل حالة التخاذل الرسمي العربي في دعم القضية الفلسطينية، واتجاه معظم النظم العربية نحو التطبيع مع الكيان، لولا قيام الطوفان في أكتوبر 2023.

رابع هذه الرسائل، لقواعد الحركة، وهو تأكيد العزم وتجديد الثبات على نهج المقاومة، باعتبارها الطريق الوحيد نحو التحرير، وأنه إذا كانت الحركة قد لجأت في بعض المراحل للتفاوض، فقد كان ذلك إجراءً مرحلياً لاكتساب الوقت واستكمال الجاهزية، رغم كل الخسائر والأضرار التي تعرضت لها الحركة، جراء السياسات الإجرامية وممارسات الإبادة الجماعية التي يقوم بها الكيان، ورغم سقوط عشرات الآلاف من الشهداء والمصابين، وتدمير البنية التحتية لقطاع غزة، خلال الأشهر العشرة الماضية.

شارك المقالة

اشترك في نشرتنا الاخبارية