فرنسا بين رهانات ماكرون الخاسرة وصعود اليمين المتطرف

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
07/05/2024
شارك المقالة

أعلنت وزارة الداخلية الفرنسية (الإثنين 1 يوليو/ تموز 2024) إن حزب التجمع الوطني المنتمي إلى اليمين المتطرف وحلفاؤه حصلوا على 33 في المئة من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية، وجاء تحالف الجبهة الشعبية الجديدة (اليسار) في المركز الثاني بحصوله على 28 في المئة من الأصوات، بينما حصل تحالف الوسط الذي ينتمي له الرئيس إيمانويل ماكرون على 20 في المئة.

ومع إعلان هذه النتائج عاد اسم مارين لوبن إلى الواجهة بعد فوز حزب التجمع الوطني الذي تتزعمه في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية في فرنسا التي تمت الأحد 30 يونيو/ حزيران 2024. وعلى الرغم من أنها لا تنافس على الأصوات في الجولة الثانية، إلا أنه إذا انتصر حزبها المنتمي إلى اليمين المتطرف في هذه الجولة، فسينعش ذلك حظوظها في الفوز بالرئاسة الفرنسية المقبلة المقررة في 11 أبريل (نيسان) 2027، والتي لن يكون الرئيس إيمانويل ماكرون مؤهلاً للترشح فيها مرة أخرى، لكن لوبن ستكون قادرة على المنافسة بعد محاولتين سابقتين عامي 2017 و2022 وصلت خلالهما في إلى الجولة الثانية.

التوقعات الأولى لعدد المقاعد في الجمعية الوطنية تشير إلى أن التجمع الوطني وحلفاءه سيحصدون غالبية نسبية كبيرة وربما غالبية مطلقة بعد الدورة الثانية المقررة الأحد 7 يوليو/ تموز 2024، وستعتمد فرص فوز حزب التجمع الوطني بالانتخابات على المساومات السياسية التي سيعقدها منافسوه قبل الجولة الثانية، حيث كانت الأحزاب المنتمية ليمين الوسط ويسار الوسط تتعاون في الماضي للحيلولة دون وصول حزب التجمع الوطني إلى السلطة في البلاد.

وتقوم آلية الانتخاب على أنه إذا لم يحصل أي مرشح على 50 في المئة من الأصوات في الجولة الأولى، يخوض المرشحان الأكثر حصولاً على الأصوات الجولة الثانية أو أي مرشح آخر يحصل على تأييد 12.5 في المئة ​​من الناخبين المسجلين، وفي جولة الإعادة، يفوز من يحصل على أعلى عدد من الأصوات.

وفي إطار تحديد توجهات المساومات السياسية بين الكيانات السياسية الفرنسية، قال ماكرون “في مواجهة التجمع الوطني، إنه الآن وقت تحالف واسع يكون بوضوح ديمقراطياً وجمهورياً في الدورة الثانية، وأشاد بالمشاركة الكبيرة التي تُظهر أهمية هذا الاقتراع”، مضيفاً أن “خيارهم الديمقراطي يلزمنا”.

كما دعا رئيس الوزراء الفرنسي غابريال أتال الناخبين على عدم إعطاء اليمين المتطرف ولو “صوتاً واحداً” في الجولة الثانية من الانتخابات العامة، وقال إن “اليمين المتطرف على أبواب السلطة”، محذراً من أن الحزب قد يحقق غالبية مطلقة. وأضاف “هدفنا واضح: منع حزب التجمع الوطني من الفوز في الجولة الثانية. يجب ألا يذهب أي صوت إلى حزب التجمع الوطني”.

ومن جهتها، أكدت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن أن “معسكر ماكرون تم محوه عملياً”، معلنة إعادة انتخابها من الدورة الأولى في دائرتها با-دو-كاليه بشمال البلاد، ورفض حزب الجمهوريين (يمين محافظ) الذي حصل على نحو 10 في المئة من الأصوات في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية في فرنسا بحسب أولى التقديرات، دعوة ناخبيه إلى التصويت ضد التجمع الوطني اليميني المتطرف في الدورة الثانية.

وقالت قيادة الحزب في بيان “حيث لن نكون موجودين في الدورة الثانية، وبالنظر إلى أن الناخبين أحرار في خيارهم، لن نُصدر تعليمات وطنية، وسنترك الفرنسيين يعبرون استناداً إلى ضمائرهم”، وأعلن المدافعون عن البيئة والاشتراكيون والشيوعيون من تيارات اليسار أنهم سينسحبون إذا كان ثمة مرشح آخر في موقع أفضل للحؤول دون فوز التجمع الوطني.

وأعلن رئيس كتلة اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون انسحاب مرشحي اليسار الذين احتلوا المركز الثالث الأحد، ورأى أن نتائج الانتخابات تشكل “هزيمة ثقيلة لا تقبل الجدل” للرئيس ماكرون، وقال “التزاماً بمبادئنا ومواقفنا الثابتة في كل الانتخابات السابقة، نسحب ترشيحنا لأننا لم نحتل سوى المرتبة الثالثة”.

ومع هذه النتائج التي انتهت إليه الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية الفرنسية، وما تشير إليه توقعات الجولة الثانية، فإنه إذا أصبح جوردان بارديلا رئيساً للوزراء، ستكون المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية تحكم فرنسا فيها حكومة منبثقة من اليمين المتطرف، والسيناريو الثاني الممكن هو جمعية وطنية متعثرة من دون إمكان نسج تحالفات في ظل استقطاب كبير بين الأطراف، الأمر الذي يهدد بإغراق فرنسا في المجهول، بعد انتخابات شارك فيها في الجولة الأولى نحو 65% ممن لهم حق التصويت.

وسواء اضطر ماكرون إلى التعايش مع رئيس وزراء من التجمع الوطني أو التعامل مع غالبية موسعة أو مع حكومة من الخبراء، سيكون الوضع في كل الأحوال مختلفاً تماماً عما كان عليه من قبل. فلن يعود ماكرون يمسك بكل الصلاحيات طارحاً نفسه رئيساً للحكومة وزعيماً للغالبية ووزيراً في آن، يُصدر كلّ الإعلانات ويشرف على كل القرارات، بل سيكون لرئيس الوزراء المقبل شرعيته الخاصة.

ما يعني فشل رهان إيمانويل ماكرون على حل الجمعية الوطنية وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة لتصحيح المسار بعد انتخابات البرلمان الأوروبي التي تمت خلال الفترة من 7 إلى 9 يونيو/ حزيران 2024، حيث خرج ماكرون من الدورة الأولى في موقع ضعيف جداً ومرغماً على إعادة بناء صورته ومصيره السياسي فيما تبقى من ولايته الرئاسية.

حيث راهن ماكرون على انقسامات اليسار متوقعاً أن يأتي معسكره في المرتبة الثانية بعد التجمع الوطني، غير أن اليسار خاض الانتخابات موحداً وانتزع المرتبة الثانية بحصوله على ما بين 28 و29 في المئة، مرغماً تيار ماكرون على سحب العديد من المرشحين في بعض الدوائر إن أرادوا قطع الطريق أمام اليمين المتطرف في الدورة الثانية، وبالتالي ستتراجع حصته النسبية في الجمعية الوطنية من 250 مقعداً من أصل 577 حالياً إلى 60 مقعداً بحسب التوقعات، بل إن ماكرون خسر أيضاً سلطته على معسكره نفسه الذي تسيطر عليه مشاعر تتراوح “بين الغضب والكراهية” تجاهه منذ قراره الذي وُصف بالمتسرع في التاسع من يونيو/ حزيران 2024، بالدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة، كانت نتيجتها الفشل على كل المستويات، والدفع باتجاه هيمنة اليمين على فرنسا، وما يمكن أن يترتب على ذلك من إثارة مخاطر انقسامات مجتمعية تكون مقدمة لحرب أهلية في البلاد.

شارك المقالة

اشترك في نشرتنا الاخبارية