السياسة الروسية تجاه ليبيا: تحولات وأهداف

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
07/04/2024
شارك المقالة

في عام 1954 بدأت العلاقات الرسمية بين الاتحاد السوفيتي وليبيا، وبعد انقلاب القذافي، الذي اسماه ثورة الفاتح من سبتمبر 1969، توسعت العلاقات بين الطرفين في ظل ارتباط نظام القذافي في تلك الفترة بنظام جمال عبد الناصر في مصر، وقام القذافي بعدة زيارات رسمية إلى موسكو في أعوام 1976، 1981، 1985، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، تراجعت العلاقات خلال فترة التسعينيات بسبب تحولات الأوضاع في الدولتين، حيث الانهيار الاقتصادي في روسيا، والحصار الاقتصادي على ليبيا على خلفية أزمة لوكيربي، حتى جاءت زيارة الرئيس الروسي بوتين الرسمية إلى الجماهيرية الليبية بين 16-17 أبريل عام 2008، وتم أثناء الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات المهمة، منها بيان حول تعزيز الصداقة وتطوير التعاون، ومذكرة تفاهم لتطوير التعاون في شتى المجالات الاقتصادية والتجارية والمالية.

ورداً على زيارة بوتين، قام القذافي في أكتوبر من نفس العام بزيارة موسكو، وخلال الزيارة تم توقيع عقد اتفاقية بين الدولتين في مجال استخدام الطاقة الذرية للاغراض السلمية، كما تم الاتفاق على انشاء مصرف مشترك وتوقيع العديد من مذكرات التفاهم الرامية إلى تنشيط العلاقات بين البلدين.

وبعد ثورة 2011 في ليبيا، انتقدت روسيا التدخل العسكري للناتو في ليبيا، رغم أنها لم تستخدم حق الفيتو في مجلس الأمن لمنع هذا التدخل، وأعلنت الخارجية الروسية في 1 سبتمبر 2011 اعترافها بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي ممثلا للسلطة في البلاد، وسعت روسيا خلال السنوات العشر التالية للثورة الليبية إلى تحقيق عدد من الأهداف السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية.

أولها في قطاع النفط والغاز الليبي، فليبيا هي الدول الخامسة عربياً من حيث احتياطيات النفط على مستوى العالم، ويصل حجم احتياطيها حوالي 50 مليار برميل برميل، كما كشفت التقديرات عن وجود نحو 1.5 تريليون متر مكعب احتياطي من الغاز الطبيعي.

وهنا يبرز هدف روسيا في تحقيق الاستثمارات الضخمة للشركات الروسية في قطاعي النفط والغاز في ليبيا، فعلى سبيل المثال نجد أنه خلال فترة حكم القذافي تعددت صور الاستثمارات الروسية في مختلف القطاعات الاقتصادية الليبية، فقد افتتحت فروعاً لمؤسسات “مونوليتسبيت ستروي” و”تيخنوبروم اكسبورت” و”تات نفط جيوفيزيكا” و”ستروي ترانس غاز”. وفي عام 2005 حصلت شركة “تات نفط” الروسية على امتياز استثمار قطاع النفط في منطقة مدينة غدامس. وفي ديسمبر عام 2006 حصلت الشركة على حق استثمار 3 حقول أخرى في مناطق غدامس وسرت، أما شركة “غازبروم ” فنالت حق استغلال حقل اخر في خليج سرت.

كما بدأت شركة “ستروي ترانس غاز” الروسية المشروع الخاص بإنشاء شبكة توزيع الغاز على شاطئ البحر المتوسط بين مدينتي زوارة وبنغازي، بقيمة 1 مليار دولار بالإضافة إلى تطوير معمل الغاز في مدينة خطيبة الذي تقدر قيمته ب 260 مليون دولار، وتطوير حقلي النفط في منطقتي رمال والطفل. وتسعى روسيا اليوم لعودة شركاتها لممارسة نشاطاتها في هذه القطاعات الليبية، وخاصة أنها تؤكد أن الاتفاقيات السابقة ما زالت سارية، وأنها تنتظر فقط قرارات التفعيل.

وثاني الأهداف الروسية، الاستثمارات الاقتصادية الضخمة في قطاعات البنية التحتية الليبية، ففي عام 2008، تم توقيع اتفاقية إنشاء طريق سكة حديد “سرت – بنغازي” بطول 554 كيلومتراً مع شركة السكك الحديدية الروسية “آر جي دي” بقيمة 2.2 مليار يورو، وشارك سيرجي إيفانوف نائب رئيس الوزراء الروسي آنذاك، في مراسم افتتاح هذا المشروع في 30 اغسطس عام 2008، كذلك وقعت مؤسستا “موس مترو سترو” و”موسكوفسكي متروبوليتين” الروسيتان اتفاق انشاء مترو الانفاق في طرابلس، في يوليو 2009 بقيمة 4 مليارات دولار. لكن العمل في هذه المشروعات توقف بعد ثورة 2011 في ليبيا، وفي ديسمبر عام 2012 أكد ألكسندر سلطانوف نائب رئيس شركة سكك حديد روسيا أن الشركة مستعدة لاستئناف المفاوضات حول هذا المشروع من جديد، خاصة وأن تنفيذه قد يتجاوز الآن العشرة مليارات دولار، في ظل عمليات التخريب والتدمير التي تعرضت لها البنية التحتية في ليبيا خلال السنوات الماضية.

أما ثالث الأهداف فهو تجارة السلاح، فخلال حكم القذافي كانت ليبيا من أكبر أسواق السلاح السوفييتي ثم الروسي، وعقدت صفقات عديدة تقدرها بعض التقارير بأكثر من 22 مليار دولار، فأثناء زيارة بوتين إلى ليبيا، 2008، تم توقيع اتفاقيات لتزويد ليبيا بصفقات سلاح ضخمة تشمل تصدير المنظومات الصاروخية المضادة للجو القصيرة المدى و12 مقاتلة من طراز “سو – 35” ، وكذلك بيع واصلاح قطع الغيار والذخيرة، و48 دبابة “ت -90 أس” ومنظومات مضادة للجو “اس – 125 بيتشورا” و”تور أم 2 أي” و”أس – 300 بي أم أو – 2 فافوريت” إلى جانب غواصات ديزل الكهربائية من طراز ” 636 كيلو”.

وفي 27 يونيو عام 2012 أعلن ألكسندر فومين رئيس الهيئة الفيدرالية الروسية للتعاون العسكري التقني أن روسيا تعول على استئناف توريد الأسلحة والمعدات الحربية إلى ليبيا، التي كانت تعد الدولة الثانية في أفريقيا بعد الجزائر من حيث صادرات السلاح الروسي.

ورابع الأهداف، التوسع في انشاء القواعد العسكرية الروسية على الأراضي الليبية، حيث تهدف روسيا إلى تأسيس وترسيخ وجودها الثابت والدائم في جنوب المتوسط، بعد أن رسخت وجودها شرق المتوسط، من خلال قواعدها البرية والبحرية في سوريا، منذ 2015، حيث يعتقد الروس أن المواجهة حتمية بينها وبين الغرب، إلا أنه في حال وقوع هذه المواجهة، فإن قدراتهم البحرية في سوريا غير كافية لتحقيق النصر، لذلك لابد من تأسيس وجود عسكري روسي آخر في المنطقة.

وفي هذا السياق، وتحديداً في يناير 2017، قام خليفة حفتر بزيارة إلى حاملة الطائرات الروسية “الأدميرال كوزنيتسوف”، خلال عبورها المياه الإقليمية الليبية في طريق عودتها من سوريا إلى روسيا، وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن حفتر، تواصل مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، وبحث معه محاربة الإرهاب في المنطقة، وتم تسليم حفتر في ختام الزيارة، ما قيل إنه شحنة من الأدوية الأساسية الضرورية للجيش الليبي والمدنيين.

وفي فبراير 2017، أعلنت قيادة قوات حفتر عن إرسال العشرات من جنودها المصابين إلى روسيا لتلقي العلاج في موسكو، وفي مارس 2017، أكد قائد القوات الأميركية في أفريقيا “توماس وولدهاوزر” وجود ما أسماه نشاطات روسية “مقلقة” في ليبيا، وأن الروس موجودون على الأرض فعلياً، ولهم تأثيرهم على العمليات الأمنية الليبية، وفي فبراير 2018، كشف رئيس لجنة الاتصال الروسية المعنية بتسوية الأزمة الليبية “ليف دينغوف” أن حفتر قدم طلبا لروسيا لإقامة قاعدة عسكرية روسية في الشرق الليبي”.

وفي إطار هذه الأهداف يمكن القول إن آفاق الدور الروسي في ليبيا ترتبط بالعديد من الاعتبارات، أولها، حجم الدعم العسكري واللوجيستي الذي يمكن أن يقدمه لها نظام السيسي، مقارنة بما قدمته إيران لها في الملف السوري، ثانيها، حجم الدعم والتمويل المادي الذي ستحصل عليه لدعم قطاعاتها العسكرية وشركاتها الأمنية، وثالثها، حجم الدعم السياسي والتأييد اللوجيستي الذي يمكن أن تحصل عليها، ورابعها قدرتها على توفير الإمداد العسكري لقوات حفتر، كما كانت توفره عبر قواعدها في طرطوس الليبية، وخامسها قدرتها على توحيد الفصائل والقوات والقبائل والشركات المتناحرة والمتنافسة في الشرق الليبي، وسادسها، مدى القبول الأميركي بالتمدد الروسي في جنوب المتوسط، وخاصة مع وجود الأسطول السادس الأميركي والقوات العسكرية الأميركية الأفريقية، وقوات الانتشار السريع الأميركية في المنطقة.

شارك المقالة

اشترك في نشرتنا الاخبارية