ستراتفور: كيف سيكون تأثير خروج القوات الأميركية من العراق؟

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
09/16/2025
شارك المقالة

سيؤدي الانسحاب الأميركي من العراق إلى إضعاف النفوذ المباشر لواشنطن وفتح المجال أمام تركيا للتوسع اقتصاديًا، وإتاحة الفرصة لإيران لإعادة ترسيخ نفوذها تدريجيًا عبر شبكات سياسية وميليشياوية، ما يجعل استقرار العراق رهينة بشكل متزايد للتنافس الإقليمي. ومن المقرر أن يكتمل الانسحاب المرحلي للقوات الأميركية من قاعدتي عين الأسد والنصر في العراق خلال أسابيع، مع نقل بعض القوات الأميركية إلى قواعد عسكرية في أربيل بإقليم كردستان العراق. وفي سبتمبر 2024، توصلت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن إلى اتفاق مع بغداد لإنهاء مهمة التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية بحلول سبتمبر 2025، على أن تتحول الشراكة العسكرية الأميركية – العراقية بعد ذلك إلى شراكة استراتيجية. وستبقى أعداد محدودة من القوات الأميركية في العراق لتقديم الدعم الفني للقوات الأمنية العراقية.

 

استولى تنظيم الدولة الإسلامية على مساحات واسعة من الأراضي في العراق وسوريا المجاورة خلال النصف الأول من عام 2014، بما في ذلك مدينة الموصل في يونيو من ذلك العام. وتم تأسيس التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في سبتمبر 2014 لمحاربة التنظيم. وفي الوقت نفسه تقريبًا، تم إنشاء قوات الحشد الشعبي، وهي مظلة تضم عشرات الفصائل، العديد منها موالٍ لإيران، لمقاتلة التنظيم. وفي ذروة قوته أواخر 2014، كان تنظيم الدولة يسيطر على نحو 40% من أراضي العراق. غير أن التحالف الدولي أعلن في مارس 2018 أنه استعاد 98% من الأراضي التي كان يسيطر عليها التنظيم في العراق.

 

قبل بدء الانسحاب، كان للولايات المتحدة نحو 2500 جندي متمركزين في العراق، منهم حوالي 2000 في قاعدة عين الأسد. ويأتي هذا الانسحاب في وقت تقلص فيه واشنطن وجودها العسكري طويل الأمد في الشرق الأوسط، في وقت ضعفت فيه إيران وشبكة وكلائها. وعلى الرغم من أن اتفاق إنهاء مهمة التحالف تم إقراره في عهد بايدن، فإن متابعة تنفيذه جاءت في عهد الرئيس دونالد ترامب وسط تكهنات إعلامية عراقية بتمديد الجدول الزمني بسبب عدم الاستقرار في سوريا عقب انهيار نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، وخطر عودة تنظيم الدولة الإسلامية. وكان ترامب قد خاض حملته الانتخابية على وعد بإنهاء الوجود الأميركي الطويل في الشرق الأوسط، وخاصة في سوريا والعراق. ولم يقتصر الوجود الأميركي على منع عودة تنظيم الدولة الإسلامية، بل كان أيضًا وسيلة لموازنة النفوذ الإيراني في ظل اعتماد الحكومة العراقية على الدعم العسكري الأميركي. غير أنه مع تراجع قوة إيران وشبكة وكلائها الإقليميين، ركزت الميليشيات الشيعية الموالية لإيران على البقاء، بينما قلّصت طهران استراتيجيتها القائمة على دعم الوكلاء. وتشير تقارير إلى أن بعض هذه الجماعات فكرت في نزع سلاحها حتى قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية – الإيرانية في يونيو 2025.

 

وبالتوازي مع الانسحاب من العراق، سحبت الولايات المتحدة مئات الجنود من سوريا في الأشهر الأخيرة، مع خطط للإبقاء على وجود عسكري في قاعدة واحدة شمال شرقي البلاد، في إطار استراتيجية إقليمية أوسع لتقليص بصمتها العسكرية طويلة المدى في الشرق الأوسط وتقليل المخاطر الأمنية على قواتها.

 

أدت الحرب مع إسرائيل إلى إضعاف الدفاعات الجوية الإيرانية وإعاقة برامجها للصواريخ الباليستية بعيدة المدى والبرنامج النووي. ورغم إعلان طهران أنها أعادت ترميم أنظمتها المتضررة، فإن الحرب كشفت هشاشتها أمام الهجمات الإسرائيلية وعمق الاختراق الإسرائيلي للبلاد. كما أن امتناع إيران عن التدخل لدعم وكلائها في مواجهاتهم مع إسرائيل زاد من إرباك استراتيجيتها الإقليمية. فعلى سبيل المثال، لم تقدم إيران الدعم لحزب الله خلال الغزو الإسرائيلي للبنان أواخر 2024، حتى بعد اغتيال إسرائيل للأمين العام للحزب حسن نصر الله في سبتمبر من ذلك العام. علاوة على ذلك، كبحت طهران أنشطة الميليشيات العراقية، بما في ذلك قبيل انهيار محادثات النووي الأميركية – الإيرانية، كإجراء لبناء الثقة.

 

وترتبط العديد من هذه الميليشيات المدعومة من إيران بأحزاب سياسية ستخوض الانتخابات البرلمانية المقررة في نوفمبر 2025. وسيحدد نجاحها مدى ميل الحكومة المقبلة نحو إيران. إضافة إلى ذلك، عارضت كثير من الأحزاب الموالية لطهران الوجود العسكري الأميركي في البلاد وضغطت على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني للتوصل إلى اتفاق ينهي مهمة التحالف الدولي.

 

سيؤدي الانسحاب الأميركي إلى تقليص نفوذ واشنطن في العراق، لكن إدارة ترامب ستظل قادرة على استخدام ورقة التهديد بالعقوبات وتقليص التعاون العسكري لردع الحكومة العراقية عن تبني سياسات موالية لإيران. وسيتركز الوجود العسكري الأميركي المتبقي في إقليم كردستان شبه المستقل، ما يقلل من قدرة واشنطن على التأثير في بغداد. ومع ذلك، ستسعى الولايات المتحدة إلى استثمار نفوذها العسكري والاقتصادي للضغط على الحكومة العراقية لمنع توسع النفوذ الإيراني، مثل عرقلة أي إعادة تنظيم للحشد الشعبي تعزز استقلاليته، خصوصًا في ما يتعلق بتأثير طهران. لقد جعلت سنوات من التعاون العسكري وبناء القدرات القوات العراقية معتمدة على الدعم الأميركي للحصول على قطع غيار متوافقة مع أنظمة التسليح الأميركية. ونتيجة لذلك، فإن تهديد واشنطن بوقف أو تقليص التعاون العسكري قد يضعف قدرة القوات العراقية على مواجهة تنظيم الدولة، ما يهدد بانتكاسة أوسع في الوضع الأمني. وفي أسوأ الأحوال، قد يتمكن الجهاديون من إعادة ترسيخ وجودهم، بما يزعزع استقرار المنطقة. ولهذا، يبقى خيار التهديد بالعقوبات أو سحب الإعفاءات الاقتصادية أقل خطورة لكنه قادر على عزل العراق ماليًا وتفاقم أزمته الاقتصادية. وقد لجأت الولايات المتحدة مؤخرًا إلى التهديد بتقليص التعاون العسكري وفرض عقوبات على فصائل من الحشد الشعبي وأحزاب سياسية عراقية لإجبار البرلمان على سحب مشروع قانون لإعادة تنظيم الحشد. وستزيد المخاوف من العقوبات الأميركية وتأثيرها على الاقتصاد العراقي من الضغوط الداخلية على الحكومة لتجنب السياسات الموالية لإيران، مثل تعزيز موقع الحشد الشعبي.

 

وفي إطار حملة “الضغط الأقصى” على إيران، سمحت الولايات المتحدة في مارس بانتهاء الإعفاء الذي يتيح للعراق شراء الكهرباء مباشرة من إيران، وإن ظلت مشتريات الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء مسموحًا بها. وللضغط على إيران عبر تقييد صادراتها من الطاقة، يمكن لواشنطن إلغاء إعفاء الغاز، رغم ما يسببه ذلك من تفاقم أزمة الكهرباء العراقية المستمرة.

 

وفي عام 2016، تم تقنين وضع الحشد الشعبي بموجب قانون اعترف به كجزء من القوات الأمنية العراقية، غير أن التشريع احتوى على ثغرات تتعلق بهيكل القيادة والرقابة على الميزانية. وكان مشروع القانون الذي تم سحبه يهدف إلى توضيح هذه المعايير، لكنه كان سيزيد من استقلالية الحشد المالية وقوته القانونية داخل الدولة، ما أثار مخاوف واشنطن من اتساع النفوذ الإيراني عبر الحشد.

 

ستسعى تركيا وإيران، بمرور الوقت، إلى استغلال تراجع النفوذ الأميركي في العراق لتوسيع مصالحهما الاقتصادية والأمنية. فمع تراجع دور واشنطن، ستواصل أنقرة محاولاتها لتعزيز نفوذها في العراق. تاريخيًا، أولت تركيا أهمية خاصة لاستقرار العراق وأمنه لتقليل التهديدات لأمنها القومي، بما في ذلك تهديدات حزب العمال الكردستاني في شمال العراق وتنظيم الدولة الإسلامية. وقد عززت الاتفاقات الأخيرة التعاون الأمني وتبادل المعلومات الاستخبارية. كما كثفت تركيا جهودها لزيادة التكامل الاقتصادي مع العراق من خلال مشروع “طريق التنمية العراقي” الطموح واتفاقيات مع بغداد لزيادة إمدادات الكهرباء. وعلى المدى القريب، من المرجح أن تظل إيران ضعيفة وغير قادرة على توسيع نفوذها عبر دعم مادي كبير للميليشيات الشيعية، لكن بقاء هذه الميليشيات واستقرارها السياسي، خاصة عبر النجاح الانتخابي وزيادة استقلالية الحشد الشعبي، يعني أنه إذا استعادت إيران قوتها في المستقبل فستتمكن من استغلال هذه الشبكات لتوسيع نفوذها. ومع ذلك، لا تزال طهران تواجه تحديات أمنية خاصة ومخاطر تجدد الحرب مع إسرائيل، ما يجعل استغلال الانسحاب الأميركي لتعزيز نفوذها في العراق عملية مرجحة على مدى سنوات.

 

أعلنت العراق في يوليو 2024 حزب العمال الكردستاني “منظمة محظورة”، متبنية الموقف التركي. ومع ذلك، ورغم هذا التحول الخطابي، لم تتخذ بغداد خطوات كبيرة لقمع الحزب. وفي يونيو، وقعت شركة “ألفيرين إنرجي” التركية اتفاقًا مع الحكومة العراقية لمضاعفة قدرة خط نقل الكهرباء بين تركيا والعراق من 300 إلى 600 ميغاواط.

 

شارك المقالة
مقالات مشابهة