تشير الغارات الجوية الإسرائيلية ضد ما يُزعم أنها أهدافٌ لحزب الله في ضواحي بيروت، لبنان، إلى تزايد نفاد صبر إسرائيل إزاء بطء وتيرة نزع سلاح حزب الله؛ لكن هذا الضغط العسكري يُخشى أن يرسّخ موقف الحزب بدلاً من تليينه، ويُضعف نفوذ الحكومة اللبنانية، ويفسح المجال لعودةٍ محتملة إلى نزاعٍ أوسع.
في 5 يونيو، نفّذت قوات الدفاع الإسرائيلية ما لا يقل عن عشر غارات جوية استهدفت عدّة مبانٍ في الضاحية، وهي ضاحية تقع جنوب العاصمة اللبنانية بيروت. وزعمت القوات الإسرائيلية أنّ المباني المستهدَفة تضمّ مواقع تحت الأرض لإنتاج الطائرات المسيَّرة تابعة لوحدة الطائرات بلا طيار في حزب الله. غير أنّ مصدراً أمنياً لبنانياً أبلغ وكالة «رويترز» بأنّ الجيش اللبناني تلقّى مسبقاً بلاغاً بوجود معدات عسكرية مزعومة في الضاحية وعاين المكان، لكنه لم يعثر على أي مواد من هذا القبيل. وفي 6 يونيو، أصدر الجيش اللبناني بياناً أدان فيه الغارات الإسرائيلية، محذّراً من أنّ مثل هذه الأفعال تقوّض مصداقية المؤسسة العسكرية وقد تدفع لبنان إلى تعليق مشاركته في اللجنة المكلَّفة بمراقبة وقف إطلاق النار الموقع في نوفمبر 2024 بين إسرائيل وحزب الله.
يبدو أنّ هجمات 5 يونيو تهدف إلى إبقاء حزب الله ضعيفاً، مع ممارسة ضغطٍ على الحكومة اللبنانية لاتخاذ خطواتٍ أسرع وأكثر حدة نحو نزع سلاح الحزب. فقد منح اتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله إسرائيل مزايا تكتيكية، منها القدرة على مواصلة ضرب البنية التحتية التي تراها تهديداً. غير أنّ إسرائيل أعربت أيضاً عن قلقها من أن يسمح الهدوء النسبي لحزب الله بإعادة تجميع صفوفه والتسلح مجدداً، ما يفسّر قرارها بتنفيذ ضرباتٍ استباقية لإعادة ترسيخ الردع وتعطيل أي بناءٍ عسكري للحزب. علاوة على ذلك، سعت الحكومة اللبنانية حتى الآن إلى تجنّب خطواتٍ سريعة وحادة للضغط على حزب الله لنزع سلاحه بسبب بيئتها السياسية الداخلية الهشة والشديدة الانقسام، وهي بيئة لا يزال للحزب فيها نفوذ ملموس، وإن كان متراجعاً. وبناءً على ذلك، فإنّ هجمات 5 يونيو تُعدّ إشارة واضحة متعمَّدة إلى أنّ صبر إسرائيل مع لبنان يوشك على النفاد، وأنها لن تتسامح مع جداول زمنية مطوَّلة لتفكيك البنية العسكرية للحزب.
إلى جانب الإحباط من وتيرة نزع سلاح حزب الله وضغط الحكومة اللبنانية عليه، قد تفسّر التوترات الإقليمية المتصاعدة وعدم اليقين بشأن السياسة الأميركية توقيت وشدّة الضربات الإسرائيلية الأخيرة. فقد جاءت هجمات 5 يونيو وسط مؤشرات على أن الدعم المطلق الذي يقدمه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإسرائيل ربما بدأ يضعف. ففي 1 يونيو، أعلنت نائبة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط مورغان أورتيغاس—المعروفة بتأييدها القوي للسياسات الإسرائيلية المتشددة—استقالتها. كانت أورتيغاس قد ركزت جهودها على لبنان ونزع سلاح حزب الله؛ وبالتالي من المحتمل أن يثير رحيلها شكوكاً في إسرائيل بشأن موقف البيت الأبيض من هذين الملفّين، لا سيما في ظل عدم وضوح هوية من سيخلفها، وفي ضوء تقارير عن تهميش الصقور المعادين لإيران داخل إدارة ترامب. وخلال الأسبوع الماضي، أفادت عدة وسائل إعلام دولية بأن مسؤولين يعارضون مساعي ترامب للتوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران يُستبعَدون من مناصب رئيسة في السياسة الخارجية والأمن القومي. في هذا السياق، قد تكون إسرائيل نفّذت هجمات 5 يونيو على لبنان لإظهار عزمها على إحباط التهديدات المحتملة الصادرة من لبنان بشكل استباقي، حتى في ظل احتمال تراجع الدعم الأميركي لحملة مفتوحة الأمد. كما تأتي الضربات وسط تصاعد التوتر الإقليمي وتكهنات بأن إسرائيل تستعد لاحتمال مواجهة مباشرة مع إيران إذا انهارت المحادثات النووية بين واشنطن وطهران، وهي مواجهة تريد فيها إسرائيل إضعاف حزب الله لمنعه من مهاجمتها بفعالية.
من المرجح أن تُكثف إسرائيل وتيرة ضرباتها ضد حزب الله لتسريع عملية نزع سلاحه، غير أنّ ذلك يُحتمل أن يزيد تصلّب موقف الحزب بدلاً من تليينه. فقد أضعفت حملات إسرائيل ضد حماس وحزب الله، إلى جانب انهيار نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، النفوذ الإيراني في المنطقة؛ إلا أنّ إسرائيل، رغم جرأتها المتزايدة، ما زالت قلقة من الغموض الذي يكتنف السياسة الخارجية الأميركية في عهد ترامب، خصوصاً مع سعي البيت الأبيض إلى التوصل لاتفاق نووي مع إيران. وفي ظل هذا الواقع، قد ترى إسرائيل أنّ نافذة الفرصة تتقلص لفرض توازن القوى المواتي حالياً على جبهتها الشمالية، وربما تنظر إلى حزب الله بوصفه الهدف الاستراتيجي التالي قبل مواجهةٍ محتملة مع إيران. يتسق هذا مع طموحات قيادة إسرائيل اليمينية المتطرفة الحالية، التي أبدت استعداداً متزايداً لتحقيق أهداف عسكرية قصوى، كما يظهر في حملة الجيش الإسرائيلي المستمرة للقضاء على حماس في غزة واحتلال القطاع. ومع استمرار تعثر نزع سلاح حزب الله، يبقى من المرجح جداً أن تنفّذ إسرائيل ضربات جوية محددة على مواقع يُشتبه بأنها تابعة للحزب في بيروت ومحيطها، وكذلك مواقع شمال نهر الليطاني وبالأخص سهل البقاع حيث يهرّب الحزب أسلحة متقدمة ويعيد بناء قدراته. إنّ تصعيد الضربات الإسرائيلية على أهداف حزب الله في لبنان سيقوّض بشكل كبير قدرة الحكومة اللبنانية المدعومة من الولايات المتحدة والدول العربية على تنفيذ الإصلاحات اللازمة أو الدخول في مفاوضات موثوقة لنزع سلاح الحزب. وفي هذا السيناريو، لن ينهار وقف إطلاق النار كلياً، إذ تظل قيود حزب الله العملياتية واللوجستية والداخلية رادعاً يحول دون ردّه العسكري. لكن الضربات المستمرة لن تُرغم الحزب على نزع سلاحه سريعاً، بل ستعزز تصلّب موقفه.
إذا زادت إسرائيل وتيرة وشدّة هجماتها على حزب الله في الأشهر المقبلة، فقد يُشعل ذلك صراعاً أوسع، ويهدد بانهيار الحكومة اللبنانية ويعرقل محادثات إيران النووية مع الولايات المتحدة. فإذا أصبحت التصعيدات الإسرائيلية منتظمة ومكثفة بدلاً من أن تظل محدودة ومتقطعة، سيواجه حزب الله ضغوطاً متزايدة للرد. وفي مثل هذا الوضع، يُرجَّح أن يختار الحزب الانتقام بدلاً من ضبط النفس. فمن منظور حزب الله، فإن البقاء سلبياً إزاء ضربات إسرائيلية منهجية يعني السماح بنزع سلاحه تدريجياً، ما سيؤدي إلى إضعاف مكانته كقوة مقاومة محلياً وإقليمياً. وسيكون الانتقام حينها ضرورة سياسية إلى جانب كونه رداً عسكرياً، لتثبيت قواعد اشتباك جديدة وردع المزيد من التآكل في قدراته العملياتية. وإذا خرج هذا النهج المتبادل من الضرب والرد عن السيطرة إلى صراع مفتوح، فستكون عواقب ذلك وخيمة على لبنان. إذ قد تواجه الحكومة، الضعيفة أصلاً والمدعومة أميركياً، شللاً مؤسسياً أو حتى انهياراً كاملاً تحت ضغط عدم الاستقرار الداخلي والعدوان العسكري الخارجي. كما سيحمل تجدد الحرب بين إسرائيل وحزب الله تداعيات إقليمية، إذ قد يعرقل أي تقدم في مفاوضات الولايات المتحدة وإيران حول الملف النووي، نظراً إلى أنّ حزب الله يُعد أبرز وكيل إيراني في المنطقة رغم تراجع قدراته. وسيزيد انهيار الدبلوماسية من خطر مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران، خصوصاً إذا اعتقدت إسرائيل أنّ تحييد حزب الله شرط مسبق للتعامل مع التهديد الإيراني.