تعتبر السودان من أهم مناطق التنافس الدولي في إفريقيا نظراً لما تتمتع به من أهمية حيوية بفضل وضعها الجيوسياسي كجزء من منطقتين مهيمنتين على البحر الأحمر والقرن الإفريقي ومضيق باب المندب، كما أنها تقع بين عدد من المناطق الحيوية والاستراتيجية منها القرن الإفريقي ومنطقة الصحراء والساحل، فضلاً عن أهمية السودان لمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي والبحر المتوسط، ومن ثم تمثل السودان حلقة وصل تربط بين شمال القارة وجنوبها علاوة على كونها بوابة مركزية لشرق ووسط وغرب إفريقيا. ولكل ما سبق تجاوز الصراع السوداني طرفي الحرب إلى أطراف دولية وإقليمية فاعلة، وارتبطت الأزمة السودانية بأجندات ومصالح إقليمية ودولية، لما سيترتب عليها من تغيرات وتأثيرات جيوسياسية قد تطال دول الجوار.
أولا: الأوضاع الإنسانية:
استقبل السودان عامه الجديد 2025 وهو في أزمة إنسانية هي الأكبر في العالم، والأرقام لا تكذب؛ 25 مليون شخص يعانون من نقص الغذاء وفي أشد الاحتياج للمساعدات الإنسانية، ١٢ مليون شخص نزحوا قسرياً من موطنهم، منهم أكثر من 3 مليون اضطروا للنزوح إلى دول الجوار، قرابة 9 مليون نزحوا قسرياً داخل السودان هروباً من القتل والهجمات، انهيار تام في النظام الصحي وخروج 70% من المستشفيات من الخدمة، وانتشار واسع للعديد من الأوبئة، ويعاني 4,6 مليون من الأطفال من العنف والجوع وسوء المعيشة الحاد والمرض وكما يعاني أضعاف هذا العدد من الحرمان من التعليم بسبب الحرب.
ثانيا: تقدم الجيش :
اشتدت الحرب الطاحنة في عام 2024 واتسع نطاقها في وسط السودان وفي الغرب، في محاور العاصمة ونهر النيل ومحور الجزيرة والمناقل، ومحور سنار وجبل موية، ومحور سنجة والدندر والدمازين ، ومحور دارفور، ومحور كردفان، واستعاد الجيش زمام المبادرة في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور وبابنوسة بولاية غرب كردفان، كما استعاد الجيش مناطق حيوية في وسط الخرطوم، وفي ولاية الجزيرة المجاورة للخرطوم، والتي تتمتع بأهمية استراتيجية لأنها تقع في مفرق الطرق السريعة التي تربط عدة ولايات، ومنطقة دارفور التي تعد منطقة النفوذ الرئيسة للدعم السريع. ففي سبتمبر 2024 شن الجيش السوداني هجوماً لطرد وحصار قوات الدعم السريع من ولايات الخرطوم وسنار والجزيرة. ونجح الجيش في رفع حصار طويل الأمد عن قاعدتين عسكريتين في الخرطوم بحري، واستعاد مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار في نوفمبر 2024، والتي تبدو أهميتها الاستراتيجية في تأمين الحدود الجنوبية الشرقية ومنع التسلل أو الدعم الخارجي. كما أنها معروفة بأراضيها الخصبة، والسيطرة عليها تعني التحكم في الغذاء، بالإضافة أنها تقع بالقرب من النيل الأزرق، مما يعطيها أهمية إضافية للسيطرة على مصادر المياه.
كما تحرك الجيش السوداني نحو استعادة ولاية الجزيرة، خاصَّة بعد استعادة عاصمة ولاية سنار في الجنوب. ولا شك أن انشقاق “أبو عاقلة كيكل”، القائد البارز المتحالف مع ميليشيا الدعم السريع، في أكتوبر 2024 قد ساعد الجيش، حيث انضمت قواته إلى قوات الجيش. أما في دارفور فقد أدى انتشار القوات المشتركة في الصحراء إلى قطع الإمدادات القادمة من ليبيا وتشاد فتراجعت حدة الاشتباكات، وفي أواخر سبتمبر قامت القوات المشتركة المساندة للجيش بحملة عسكرية في شمال وغرب دارفور على حساب الدعم السريع، وتُعد القوات المشتركة في دارفور، والتي أُنشئت في الأصل كقوة محايدة جماعية، ثالث أكثر الجماعات قدرة بعد الدعم السريع والجيش. وقد تم نشرها لحماية المدنيّين في الفاشر، بعد أسبوع واحد من اندلاع الصراع في الخرطوم. لكن منذ مارس 2024، غيرت نسبة معتبرة من عناصر قوات الحماية المشتركة في دارفور موقفها المحايد، وانحازت إلى الجيش السوداني، بينما استمر فريق منهم في التزام الحياد. وفي يناير 2025 استعاد الجيش السيطرة على مدينة “ود مدني” عاصمة ولاية الجزيرة، وهي مدينة ذات أهمية استراتيجية، وتقع على بعد حوالي 200 كم جنوب شرق العاصمة الخرطوم، في ضربة قاسية للدعم السريع، حيث كانت المدينة تحت سيطرتهم منذ ديسمبر 2023.
كما واصل الجيش تقدمه فسيطر على بلدة الفريجاب التي تعد ثاني أكبر مدينة في ولاية الجزيرة بعد ود مدني. وحافظ الجيش على استمرار سيطرته على ولايات كسلا والبحر الأحمر والشمالية ونهر النيل، ومعظم ولاية القضارف والنيل الأزرق. كما أحرز الجيش تقدمًا مهماً في أم درمان، الواقعة ضمن إقليم العاصمة الخرطوم الكبرى وثاني أكبر مدن السودان، حيث استعاد عدة مناطق من ميليشيا الدعم السريع في يناير 2025. كما استمر وازداد التفوق الجوي للجيش، والمتمثل في الطائرات والمسيرات، كعنصر بارز ومؤثر في المعارك خلال عام 2024، حيث نفذ سلاح الجو ضربات على مواقع ميليشيا الدعم السريع في جميع أنحاء البلاد. نجح الجيش وحلفاؤه في تحرير مطار الخرطوم والسيطرة على مصفاة “جيلي” الرئيسية، وفك الحصار عن مقر القيادة العامة للجيش وقاعدة سلاح الإشارة بالخرطوم بحري، ما يمهد لفرض الجيش السوداني سيطرته على كل الخرطوم.
وأعلن قائد الجيش السوداني قرب تشكيل حكومة انتقالية وإعلان وزارة الخارجية (خارطة طريق) لما بعد وقف الحرب، كما أن المعارك الحالية تستهدف تسهيل عودة الوزارات السودانية إلى العاصمة بعدما كانت قد انتقلت في بداية الحرب إلى مدينة بورتسودان. وبذلك تكون خطة التقدم الميداني للجيش قد أوشكت على الاكتمال، بعد أن نجحت في استعادة مواقع استراتيجية مهمة، لتبدأ مرحلة جديدة لاستعادة العاصمة بأكملها، والتخلص من قوات الدعم السريع وتحجيم وجودها كي ينحصر في دارفور وأجزاء من جنوب السودان.
ثالثا: أسباب تقدم الجيش
١– العلاقات الدولية والإقليمية المؤثرة عسكرياً وسياسياً واستراتيجياً:
لم يكن أمام الجيش إلا أن يتخذ خطوات خارجية شجاعة بعيداً عن الولايات المتحدة وعن أوروبا، فنجح في تعزيز علاقته مع روسيا والصين، ومع تركيا وإيران بحثاً عن التسليح النوعي المتطور وطلباً للدعم السياسي والاستراتيجي. في إبريل الماضي زار وفد روسي السودان وأتم تفاهمات لتقديم الدعم العسكري واللوجيستي للجيش السوداني، وتم الاتفاق على إنشاء مركز لوجستي لروسيا على البحر الأحمر. زار نائب رئيس مجلس السيادة السوداني روسيا في يونيو والتقى الرئيس بوتين وتم التوقيع على الاتفاق، وبذلك نجح الجيش السوداني في تحويل روسيا من إسناد قوات الدعم السريع عبر شركة فانجر في بداية الحرب، إلى نهجٍ جديدٍ في إسناد الجيش السوداني مقابل تحقيق مصالح روسيا في البحر الأحمر. في أكتوبر ٢٠٢٣ تم إعلان عودة العلاقات الرسمية الإيرانية السودانية بعد انقطاع دام 8 سنوات، وقامت إيران بإمداد الجيش السوداني بالمسيرات الإيرانية “مهاجر6” التي استخدمت بنجاحٍ في المعارك الدائرة. كذلك، في فبراير الحالي زار وزير الخارجية السوداني إيران والتقى الرئيس الإيراني وتم توقيع عددٍ من الاتفاقيات، منها اتفاقية التعاون المشترك في جميع المحاور، واتفاقية إلغاء التأشيرات، واتفاقية الدور الإيراني في إعادة إعمار السودان. وفي سبتمبر الماضي تم توقيع اتفاقية شراكة في المجالات الدفاعية والطاقة بين السودان والصين. استمرت إريتريا ومصر في تقديم مساعدات عسكرية للجيش السوداني. كما تطورت العلاقة بين الجيش السوداني وبين تركيا في مجالات متنوعة ما جعل تركيا مؤهلة لتحرك دبلوماسي كبير. وساهم هذا الدعم الخارجي الواسع والمؤثر في تغليب كفة الجيش وتسليحه.
بالطائرات وبالمدفعيات طويلة المدى وزيادة قدراته الصاروخية، ووفقًا لتقارير مشروع ACLED، فقد زادت ضربات المسيّرات التي نفذها الجيش السوداني بعد تلقيه مسيرات من إيران في نهاية عام 2023، كما ارتفع عدد الضربات الجوية التي شنها الجيش ضد الدعم السريع في دارفور في أغسطس 2024 بعد حصوله على 15 طائرة مقاتلة جديدة من روسيا ومصر.
٢– الجبهة الداخلية والإسناد الشعبي:
استفاد الجيش من حملات الاستنفاروالمتطوعين، والتي تداعت لها الولايات السودانية بحماس وتوفر الدافع الوطني لدعمها من المواطنين خاصة الشباب، والتلاحم الكبير مع الجيش والقوات النظامية، وانخراط الآلاف منهم في الصفوف الأمامية، إلى جانب انخراط عدد من الحركات المسلحة الموقعة لاتفاق جوبا للسلام في القتال إلى جانب الجيش، وساهمت بضراوة في دارفور خاصة في معارك الفاشر، وفي مناطق الزرقة، ولا زالت عزيمتها قوية لاستكمال السيطرة على كل المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
٣– تراجع الدعم السريع:
وفقا لتقارير دولية تابعة للأمم المتحدة وتقارير محلية وشواهد الحرب، اعتمد الدعم السريع على تجنيد آلاف المرتزقة الأجانب بإغراءات وحوافز منها التجنيس ونهب ثروات المواطنين ومؤسسات الدولة، وقد ارتكبوا جرائم وانتهاكات جسيمة بحق المدنيين، بما في ذلك القتل على الهوية والاغتصاب للنساء، ونهب البيوت والمستشفيات، كما استعانوا بمحترفي الإجرام ورواد السجون وتجار المخدرات والمافيات للاستفادة من خبراتهم ومعلوماتهم متجاوزين القانون الدولي ومساهمين في انتشار الجرائم العابرة للحدود ومتسببين في زعزعة الأمن والاستقرار في الإقليم، كل ما سبق ساهم في الانفضاض الشعبي عنهم وفي إدانتهم دولياً، وفي حدوث تصدعات وانشقاقات كبيرة في صفوفهم.
فأصاب قوات الدعم السريع العديد من النزاعات الداخلية في صفوفها، خاصَّة بعد انشقاق القيادي البارز فيها أبو عاقلة كيكل في أكتوبر 2024، مما دفع قوات الدعم السريع للانتقام من سكان ولاية الجزيرة وخاصة “قبيلة الشكرية” التي ينتمي إليها كيكل. فهاجموهم وقتلوا مئات المدنيّين وشردوا الآلاف في واحدة من أسوأ الجرائم ضد المدنيّين هذا العام. كل ما سبق تسبب في تصدعات خطيرة وعجز عن الحفاظ على وحدتهم الداخلية. وافتقادهم للقيادة والسيطرة والخطط الميدانية، كما بدؤوا في خسارة جزء من حاضنتهم الشعبية في دارفور، وتراجعت قدرتهم على الحشد، كما حدث تراجع في الولاءات وتغير في المواقف. فسيطر الجيش على بعض مناطقهم، بلا قتال تقريبًا، مما أثر سلباً على معنويات مقاتليهم. ذلك أفشل الجيش خطة خارجية لإمدادهم بقوات مرتزقة وأسلحة من شرق ليبيا. وتردد أن الجيش المصري شارك في قصف المرتزقة شرق ليبيا، وانتشرت أنباء عن استدعاء القاهرة للواء حفتر بعد أنباء عن تزويده قوات حميدتي بأسلحة إماراتية، وتحذيره باعتبار أن هذا يضر بمصر وبأمنها القومي.
وخلاصة القول أن الدعم السريع فقد جانباً لا يُستهان به من قوته الصُّلبة، وكذلك الكثير من المناطق التي حصارها، وعاني من نقصٍ كبيرٍ في العناصر المقاتلة وإمدادات الوقود، وصعوبة الحصول عليها، بالإضافة لضعف الروح المعنوية، ومقتل العديد من رمزيتهم وغالبية ضباطهم وقادتهم الكبار. كما تهشم التحالف السياسي المدني الذي ساند الدعم السريع، ووقع انشقاق في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) بسبب الخلاف حول تشكيل “حكومة موازية” يعتزم الدعم السريع إعلانها. وبرغم كل ما سبق فقد استمرت قوات الدعم السريع تحظى بخطوط إمداد مؤثرة من دولة الإمارات وعبر عدد من دول الجوار الإفريقي، وهو ما يرجح قدرتها على البقاء والاستمرار ولاسيما في دارفور والجنوب السوداني.
رابعا: حديث المبادرات :
منذ بداية الحرب في 2023 وحتى نهاية عام 2024 بذلت جهود خارجية ضخمة لاحتواء الأزمة، وطرحت مبادرات إقليمية ودولية وعقدت لقاءات كثيرة بادرت بها أطراف متعددة منها:
-الأمم المتحدة
-جامعة الدول العربية
-منبر جدة “مبادرة سعودية أمريكية”
-وثيقة المنامة
-مؤتمر القاهرة لإنهاء الحرب في السودان
-مؤتمر جنيف الذي ربط حل الأزمة بمحور جدة
-مبادرة الاتحاد الإفريقي
-مبادرة الإيغاد
وقد باءت كل المبادرات بالفشل في وقف الحرب الدائرة لأسباب متعددة : منها تباين المصالح بين الدول والجهات المتدخلة، وعدم التنسيق الفعال بينها، والافتقار إلى الآليات والأدوات والموارد والاتصالات، ومنها الانتقائية بين الآليات والحلول، وعدم التجاوب من الأطراف المتحاربة، وعدم الحيادية، ومنها ضعف رغبة وإرادة المتدخلين وغياب الاستراتيجية ، ومنها كيفية تنظيم الوساطة بما يتجاوز الهدف المباشر وهو وقف إطلاق النار، وما هي القضايا التي يجب أن تتناولها المحادثات، ومن ينبغي أن يكون على الطاولة لمناقشتها، ومنها النفوذ مقابل الشرعية، ومنها اقتصاد الحرب، ومنها عدم تفعيل الآليات. لكل أو بعض ما سبق من أسباب فإن المبادرات السابقة لم تتوفر لها فرص النجاح.
المبادرة التركية:
أعلن الرئيس التركي استعداده لعمل مبادرة وساطة لحل الأزمة السودانية مستفيداً من نجاح المبادرة التركية في حل الأزمة بين إثيوبيا والصومال، ومن دور تركيا في حل الأزمة السورية، وتُولي تركيا أهمية كبيرة لوحدة السودان، وسلامة أراضيه وسيادته واستقراره، ولحل المأساة الإنسانية المستمرة منذ 20 شهراً والصراعات التي تسببت في دمار كبير بالسودان؛ عبر العلاقات الجيدة التي تجمعه مع مختلف الأطراف الفاعلة؛ خاصة السودان والإمارات”، عارضاً إمكانية الوساطة لحل الخلافات مع الإمارات؛ التي تتهمها الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والحكومة السودانية؛ بتقديم دعم عسكري ومادي غير محدود لقوات الدعم السريع. وأكدت تركيا أن الوساطة ماضية حتى بعد استعادة الجيش لمدينة ود مدني في ولاية الجزيرة، ذلك أن تركيا ترى أنه “لا حلَّ عسكرياً في السودان” وقد رحبت الإمارات بالمبادرة كما رحب البرهان بها، والمرجح أن تركيا ستتحرك وفق خبرتها في تأمين مصالح الدول المتأثرة والفاعلة في المشهد السوداني مستفيدة من مكانتها الدولية والإقليمية وعلاقاتها الوثيقة بالجيش والدعم السريع، وبالإمارات وبمصر وإثيوبيا، وبأمريكا وأوروبا وروسيا وإيران.
كذلك، في أول يناير 2025 صرح وزير الخارجية السوداني أن السودان ينتظر مبعوثاً تركياً، لبحث تفاصيل المقترح التركي للوساطة مع الإمارات ووقف الحرب في البلاد. وبعد أقل من أسبوع وصل نائب وزير الخارجية التركي برهان الدين دوران إلى بورتسودان والتقى رئيس مجلس السيادة في السودان عبد الفتاح البرهان يوم 4 يناير 2025.ولعب برهان الدين دوران دوراً بارزاً في حل الأزمة الحدودية بين إثيوبيا والصومال، وفي قبول وتفعيل وساطة أنقرة بين كل الوساطات التي رغبت في حل هذا الصراع.
خامسا: السيناريوهات :
سيناريو (1): انتصار الجيش:
ويتحقق باستمرار وتنامي الدعم الدولي والإقليمي له، وباستمرار وتنامي تقدمه الميداني مع استدامة الإسناد الشعبي له وتصاعد تحالف القوى المشتركة معه، ومن خلال السيطرة الكاملة على العاصمة والمدن الكبرى وانهيار الدعم السريع وتراجع تحالفاته الإقليمية والخارجية وانحصار قواته في أجزاء من الغرب والجنوب. وينتهي هذا السيناريو بإنهاء الأزمة بانتصار الجيش مع انحسار الدعم السريع في دارفور ثم النجاح في التسوية معها كمهزوم، أو انحسار الأزمة في الغرب السوداني مع استمرار النزاع هناك.
سيناريو (2): الحرب الأهلية والفوضى
وتتحقق بفشل جهود الوساطة في إيقاف إطلاق النار، وبتنامي التدخل الأجنبي السلبي، وتوزعه على طرفي الصراع لخوض حرب بالوكالة. تبادل السيطرة على المدن والولايات وانتشار السلاح في يد المواطنين وانهيار الحكومة المركزية مع فقدان السيطرة على السلطة والفشل في قيام الدولة بمهامها وتدمير البنية التحتية والخدمية وانهيار الاقتصاد وتفاقم الأزمة الإنسانية، وازدياد معدلات النزوح، وغياب الأمن الغذائي، واتساع دائرة الفوضى.
سيناريو (3): التقسيم :
ويتحقق باستمرار فشل جهود الوساطة، واستمرار الحرب المدمرة، وسيطرة كل طرف على عدد من الولايات المتصلة جغرافياً وقبول القوى الإقليمية والدولية بالتقسيم لتجنب الكوارث الإنسانية وتحقيقاً لمصالح ومخططات لديها، مع التعامل مع الواقع الجديد. ويبقى هذا السيناريو قابلاً للتحقق، نظرًا لسيطرة كل طرف من طرفي الصراع على مساحة متصلة من الأرض، تمتلك من الإمكانيات والموارد والثروات ما يُمكِّن المسيطر عليها من إقامة حكومة تحظى بإسناد ودعم خارجي.
سيناريو (4): التسوية والتفاوض:
ويتحقق بالقبول بالمفاوضات كحل للأزمة في السودان وبإدراك أنه لا يمكن الحسم العسكري، مع عدم وجود رغبة إقليمية ودولية في انتصار طرف على آخر. والخطير هو الاضطرار إلى تسوية يفرضها ترامب والغرب والإقليم بمعزل عن مصالح الشعب السوداني. ومعلوم أن الموافقة على التفاوض لا تعني حتمية نجاح المسار التفاوضي، فكلا الطرفين يشترط شروطاً شبه مستحيلة، والعامل المهم هو قدرة الوسطاء والأطراف على وقف الحرب والسيطرة التامة على القوات، وفرض إرادة السلام في ظل الاستقطاب والتحشيد السائد حاليّاً، على أساس عسكري، وسياسي، وعرقي.