اقتصادات المنطقة في مواجهة شبح تصعيد الصراع بين إيران وإسرائيل

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
10/23/2024
شارك المقالة

لم يمض وقت كبير على احتفال صناع السياسات الاقتصادية بنجاحهم في احباط التضخم المتسارع دون دفع الاقتصاد العالمي إلى الركود، إذ بدأت التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط تُثير حالة عدم اليقين بشأن الاقتصاد العالمي واقتصادات الشرق الأوسط.

تفاقمت الأوضاع في الشرق الأوسط مع تصاعد المواجهة العسكرية بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله في لبنان، ثم قيام إيران بشن هجوم صاروخي على إسرائيل مما عزز مخاوف انتشار الصراع إلى مناطق أخرى، وبينما تستعد إسرائيل للرد، يقف الاقتصاد مترقبًا في بؤرة الخطر.

في الأول من أكتوبر 2024، أطلقت إيران 200 صاروخ باليستي على أهداف إسرائيلية تحت اسم “عملية الوعد الصادق2” ردًا على اغتيال قياديين بارزين من محو المقاومة وهما؛ الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، ما مثل أكبر هجوم من دولة في الشرق الأوسط على إسرائيل، وثاني هجوم مباشر تشنه إيران ضد إسرائيل بعد عملية الوعد الصادق1 في أبريل 2024.

والآن، ينتظر العالم في ترقب وحذر الرد الإسرائيلي على إيران، فيما تتزايد التكهنات حول طبيعة هذا الرد وإمكانية أن يمس منشآت نفطية إيرانية أو أهداف نووية، ما قد يسفر عنه حرب إقليمية أوسع تطول أطراف أخرى في الشرق الأوسط وخارجه.

 

التداعيات الاقتصادية لتوترات الشرق الأوسط حتى الآن

  • التجارة العالمية

تعتبر التجارة العالمية هي المتضرر الأكبر حتى الآن جراء التطورات العسكرية في الشرق الأوسط فعلى سبيل المثال تسببت التوترات في البحر الأحمر في خسائر تتجاوز 6 مليارات دولار من إيرادات قناة السويس على مدار الإثني عشر شهرًا الماضية، ما يمثل نحو 50% إلى 60% من دخلها، بحسب تصريحات للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أي خسائر تتراوح بين 500 و550 مليون دولار شهريًا.

  • سوق النفط

أما سوق النفط، فرغم ارتفاعه القوي كرد فعل مباشر للأحداث، إلا أن أسعار النفط العالمية تظل قرب أدنى مستوياتها لعام 2024، مقارنة بأعلى مستوياتها في الخريف الماضي البالغة نحو 90 دولارًا للبرميل، مدعومة من وفرة المعروض النفطي وتوقعات تباطؤ الطلب العالمي على النفط

  • الاقتصادات المتضررة بشكل مباشر

وعلى صعيد الاقتصادات المنخرطة بشكل مباشر في الحرب حتى الآن، كشفت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي جولي كوزاك، أن الاقتصاد الإسرائيلي تكبد انكماشًا بنحو 20% في الربع الأخير من 2023، لافتة إلى أنه لم تشهد إسرائيل سوى انتعاش جزئي في النصف الأول من 2024.

كما أشارت في مؤتمر صحفي دوري إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي في غزة 86% في النصف الأول من عام 2024، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2023، تزامنًا مع انكماشه 20% في لبنان، و25% في الضفة الغربية في الفترة ذاتها.

 

كيف تعامل العالم مع تداعيات التوترات بالشرق الأوسط؟

بدأت الشركات العالمية في البحث عن بدائل لممر قناة السويس وباب المندب مع استمرار الهجمات اليمنية من جماعة الحوثي على السفن المرتبطة بإسرائيل، ونظرًا لطول المسافة التي تقطعها السفن مرورًا بطريق رأس الرجاء الصالح، برز مقترح لتطوير طريق بحر الشمال الذي يبدأ من روسيا، باعتباره أقصر طريق بين قارتي أوروبا وآسيا، وقد أعلنت الصين قدرتها على دعم روسيا لتنفيذ هذا الطريق على أن يربط بين بحر بارنتس ومضيق بيرينغ.

كما طُرح من جديد طريق الهند وأوروبا البحري المعلن عنه في قمة العشرين الأخيرة، والذي يربط بين الهند والاتحاد الأوروبي مرورا بإسرائيل والأردن السعودية والإمارات، ومع ذلك، لا تزال جميع الطرق البديلة لقناة السويس قيد الدراسة.

ومع تصاعد العقوبات الغربية المتزايدة ضد دول مثل إيران وروسيا، اتجهت تلك الدول إلى التحايل على هذه العقوبات باستخدام أسطول من الناقلات المقنعة لشحن النفط بما يعرف باسم “أسطول الظل”، حيث قال وزير النفط الإيراني “جواد أوجي” في مارس 2024، إن صادرات النفط درت أكثر من 35 مليار دولار في عام 2023.

أما فيما يتعلق بالسياسة النقدية العالمية، فيبدو أن محافظي البنوك المركزية في الوقت الحالي لا يرون أن التوترات في الشرق الأوسط تشكل تهديدًا كبيرًا لمحاولاتهم لتهدئة التضخم، إذ يواصلون خفض أسعار الفائدة، إلا أن الواقع التاريخي يقول أن المزيد من التصعيد يمكن أن يكون له أكثر واضح على التضخم في الاقتصاديات المتقدمة.

السيناريوهات المتوقعة حال تفاقم التصعيد مع إيران

من الناحية النظرية، في حالة استهداف إسرائيل لمنشآت النفط الإيرانية، يمكن للمملكة العربية السعودية ومنظمة أوبك تعويض خسارة الإمدادات الإيرانية، ومن الممكن أيضاً أن تستجيب الولايات المتحدة وتطلق مخزونات الطوارئ من احتياطي النفط الاستراتيجي.

لكن الخطر الأكبر هو أن ترد إيران من خلال تعطيل تدفق النفط من مضيق هرمز أو باستهداف مصالح أمريكا في دول الخليج، وبالنظر إلى أن خمس الاستهلاك العالمي للسوائل البترولية وتجارة الغاز الطبيعي المسال يتدفق عبر هذا الممر المائي الضيق، ستكون التأثيرات مدمرة على الاقتصاد العالمي، وخاصة بالنسبة للمستهلكين الآسيويين لنفط الخليج، بحسب تقرير للمجلس الأطلسي.

ولكن بحسب مجلس الأطلسي، فإذا رفضت إيران السماح للناقلات غير الإيرانية بالخروج من الخليج عبر مضيق هرمز، فإنها ستعرض ناقلاتها للاستهداف من قبل الأساطيل الغربية، ما يهدد بتعطل صادراتها من النفط، وهي المصدر الأساسي للدخل في طهران. 

وفي حال ما أقدمت إيران على غلق الممر، فإن المجلس يتوقع أن نشهد إعادة توجيه جماعي لحركة السفن عبر المياه الإقليمية لدولة الإمارات العربية المتحدة، وفي حين أن ذلك سيبطئ ويقيد أحجام السفن العابرة، إلا أنه سيكون من الممكن استمرار تدفقات النفط.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن منصات الغاز الإسرائيلية قد تصبح هدفا رئيسيا للهجمات الإيرانية وهو ما سيمثل تهديد لإمدادات الغاز الإسرائيلي إلى مصر و الأردن كما قد يقوض مشروع إسرائيل لأن تصبح مركزا إقليميا لتصدير الغاز.

أما الكارثة التي تدعو دول العالم لتجنبها، هو استهداف إسرائيل للبرنامج النووي الإيراني، ويقول جيمس أكتون، المدير المشارك لبرنامج السياسة النووية في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، إن استهداف المنشآت النووية الإيرانية يمكن أن يعزز تصميم إيران على امتلاك سلاح نووي بدلاً من القضاء على قدراتها.

وأوضح أكتون في “نشرة علماء الذرة”، أن إسرائيل ستحتاج إلى جهاز اختراق الذخائر الضخمة (MOP) الذي طورته الولايات المتحدة للهجوم على برنامج إيران، وهو ما تسعى الولايات المتحدة لتجنب حدوثه، خاصة وأنه قد يسفر عن حرب أوسع قبيل الانتخابات الرئاسية لعام 2024.

إيران وإسرائيل.. الخسائر المتوقعة جراء التصعيد

رغم الدعم غير المسبوق الذي تقدمه الولايات المتحدة والدول الغربية لإسرائيل منذ منذ اندلاع تلك المواجهات، إلا أن توسع الحرب على عدة جبهات مع المقاومة في غزة وجماعة حزب الله في لبنان والحوثيين باليمن والجماعات العراقية، يهدد الاقتصاد الإسرائيلي للانزلاق في ركود حال استمر الصراع لفترة طويلة من الوقت، أو توسع مع إيران.

وفور الهجوم الإيراني الأخير على إسرائيل، خفضت وكالة ستاندرد آند بورز تصنيف إسرائيل على المدى الطويل من A+ إلى A، كما خفضت وكالة موديز أيضاً تصنيف البلاد من A2 إلى BAA1.

ويقول معهد دراسات الأمن القومي إن استمرار الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وحزب الله وبخاصة على البنية التحتية لإسرائيل لمدة شهرًا واحدًا فقط، قد يسفر عن انكماش الاقتصاد بنحو 10% هذا العام، مع ارتفاع عجز الموازنة الإسرائيلية إلى 15%، كما حذر المعهد من أن ضعف الشعور بالأمان، قد يسفر عن هجرة جماعية للإسرائيليين من ذوي التعليم العالي، ولا سيما رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا.

أما بالنسبة لإيران فإن الاقتصاد بالفعل يعاني من ارتفاع التضخم الذي وصل إلى 40% في شهر فبراير مع تفاقم عجز الموازنة العامة، فضلاً عن انخفاض قيمة الريال الإيراني مقابل الدولار الأمريكي، والذي بلغ 15% في الأسابيع الأخيرة، بجانب تدهور مستوى المعيشة ومعاناة المواطنين والشركات في ظل العقوبات الغربية المتزايدة ضد إيران.

يترك هذا الوضع الاقتصادي الحكومة الإيرانية أمام موقف حرج، إذ قد يؤدي تفاقم الصراع إلى تعطل إمدادات النفط الإيرانية وهو أحد المصادر الرئيسية لإيرادات البلاد المتعثرة بالفعل، كما يهدد بتباطؤ الاستثمارات الأجنبية والتخلف عن تحقيق مستهدفات النمو الاقتصادي.

ويرى البنك الدولي في السيناريو الأساسي لتوقعاته، تباطؤ نمو الاقتصاد الإيراني إلى 3.2% في عام 2024، في حالة ثبات العوامل الحالية وعدم حدوث تصعيد، أما في سيناريو الهبوط القوي، يقدر البنك انكماش الاقتصاد بواقع 6.9% هذا العام.

الاقتصاد العالمي في ضوء اتساع رقعة المواجهات

بينما لم يتضح بعد متى ستشن الضربة الإسرائيلية على إيران، تزايدت الدعوات من قبل الحكومات الغربية والولايات الغربية لوقف إطلاق النار، خاصة بعد استشهاد القائد يحي السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ومع ذلك فإن مخاطر التصعيد لا تزال قائمة.

واعتمادًا على سيناريو عدم حدوث تصعيد، تشير توقعات صندوق النقد الدولي لشهر يوليو 2024 إلى أن متوسط أسعار النفط في 2024 سيبلغ 81.26 دولار للبرميل، مقابل متوسط 78.60 دولار للبرميل، مع توقعاته لتعافي نمو التجارة العالمي خلال العامين الحالي والمقبل ليسجل 3.25%.

ورغم أن صندوق النقد خفض توقعاته لاقتصادات منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بواقع 0.4 في المئة إلى 2.4% في 2024 وبنسبة 0.2% إلى 4% في 2025 في يوليو، إلا أنه يتوقع أن يعود التضخم الرئيسي إلى المستهدف بحلول نهاية عام 2025.

أما في حالة التصعيد وتوسع رقعة الصراع في الشرق الأوسط، قالت جولي كوزاك المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي في إفادة صحافية إن «احتمال تصعيد الصراع في الشرق الأوسط يزيد من المخاطر وحالة عدم اليقين، وقد تكون له تداعيات اقتصادية كبيرة على المنطقة وخارجها».

وفي ظل مرور أكثر من 80% من التجارة العالمية، أي ما يعادل 11 مليار طن من البضائع عبر البحر، يرى تقرير سوق التأمين “لويدز أوف لندن”، أن إغلاق أي طرق رئيسية للتجارة بسبب الصراعات الجيوسياسية سيكون أحد أكبر التهديدات للموارد اللازمة لأي اقتصاد في العالم.

وفي هذا الصدد، توقع تقرير “لوديز” أن الاقتصاد العالمي قد يواجه خسائر تبلغ 14.5 تريليون دولار على مدى خمس سنوات بسبب صراع جيوسياسي يضر بسلاسل التوريد وسوق التأمين.

ووسط جميع الافتراضات والسيناريوهات المذكورة أعلاه، نجد أن تداعيات الصراع المستمر في الشرق الأوسط تتركز بشكل رئيسي على مصير إمدادات الطاقة في السوق العالمية والنقل عبر البحر الأحمر، وتأثير ذلك على الدول حول العالم وبخاصة تلك التي تعتمد إيراداتها بشكل كبير على عائدات الطاقة.

شارك المقالة

اشترك في نشرتنا الاخبارية