بيت العنكبوت الإسرائيلي والمركز الغربي

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
10/11/2024
شارك المقالة

يتبادر إلى الذهن سؤال عميق في مشهد الشرق المسلم، وتحديداً المشرق العربي، والذي أُعيد تسميته تجزيئياً بمصطلح الشرق الأوسط الجديد، لهدف استراتيجي للقوة العظمى قديماً ثم ثُبّت، حتى يضم وجود الكيان الإسرائيلي، وإلا فالشرق الكبير، يضم الدول العربية وغير العربية من المسلمين، ثم إذا اُريد التخصيص، فإن مصطلح المشرق هو الذي يُعبّر عن هذه الجغرافية، دون أفريقيا أو آسيا الهندية، أو شرق آسيا.

ولذلك فهذا السياق المصطلحي، ولد أو اُستحدث مع ذات المشروع الدولي، هذا المشروع يعود اليوم ليقفز من جديد، في سؤالنا عن سر التمدد الموجه اليوم، بعد مذبحة غزة ثم العدوان على لبنان، وقد أكملنا الآن عاماً كاملاُ، على العدوان النازي المتوحش على غزة.

 

لمن يُصنع الخوف؟

إن هناك سيناريوهات عديدة تُطرح اليوم، فيما بعد لبنان وغزة، ويحتاج المراقب فيها، إلى الحذر الشديد، فبعضها خلطٌ فوضوي، بين خطاب شعبوي، وبين مفهوم التخويف الضخم المنهجي، الذي صُنع لصالح إسرائيل، في الجيش الذي لا يُقهر، كما جرى قبل معركة خط بارليف والعبور للجيش المصري، ثم عبر المقاومة الفلسطينية ذاتها.

وخاصة في مشروع الشيخ أحمد ياسين، الذي بقي أثر قوته الروحية، والالتزام الأسطوري لمقاوميه حاضرة حتى اليوم في كتائب القسام، ولو لم يُدفع مشروعه في حرب وحدة الساحات الإيرانية، لظل محافظاً على قاعدة توازن الرعب، الذي فرضته معادلة الشيخ القعيد احمد ياسين، وكانت معادلة التوازن ترعب تل أبيب ولا تدري كيف تتخلص منها.

ولذلك فإن التعاطي المطلق مع عودة صورة الغول الإسرائيلي الذي لا يُهزم، هو أحد وجبات التحريض المعنوي، على ثقافة الشعوب العربية، لكي تمهد لما بعدها على قاعدة الحقيقة، وهذه الشعوب هي التي في الأصل، تعيش حالياً فترات صعبة جداً من الإحباط، وحصار على الفكر الأخلاقي للتضامن مع غزة، ومع لبنان خارج قاعدة التوظيف الإيراني.

 

نتنياهو وما وراء التهديد

وهنا ندرك أن هذه الروح المنتفخة في نتانياهو، والتي تعلن قدرتها على تحطيم عدة عواصم عربية، تحمل صورة غير حقيقية لقوة الكيان، هذا الكيان ذاته، هُزم مراراً نفسياً وعسكرياً ولوجستياً، وكانت معنويات جنوده في الحضيض، مقابل الروح المواجهة له في فلسطين المحتلة، وتحمل العذاب الذي يُصبُّ على العُزّل والمدنيين.

فهل ذلك المجتمع الإسرائيلي الاستيطاني، يحمل ذات القوة المعنوية للشعب الفلسطيني؟

إن العودة إلى بساطة المشهد، وتواتر الأخبار المصورة أو المنقولة أو المسموعة، يُثبت حجم الخوف والقلق، بل والرعب، في ثنائية المقاتل في جيش الإرهاب الإسرائيلي، وفي المجتمع المستوطن ذاته، في نماذج الهروب والأزمات النفسية والانتحارات، وفي الخوف الدائم، الذي يُحرك جموعاً حاشدة، من مستوطنات إسرائيل الحديثة، بل ومن مدن فلسطين القديمة المحتلة من اليهود، في سؤال الهرب الكبير المتكرر.

الوطن المرتجف في المطاراتكيف لوطن أُعلن قيامه، على رفاة شعب ومجتمع أصلي، لا يزال غالبية شعبه وبالذات، المستوطنين الأوربيين اليهود، يتوسدون جواز البلد الآخر، الذي كانوا فيه أو كان فيه آباءهم، ويهرولون إلى المطار للسفر، وهذه الحشود القلقة أو المتوجهة للمغادرة عند كل عملية، ذات نسبة عالية في المجتمع الإسرائيلي، فكيف يَثبتُ هنا هذا الوطن، الذي تلعب المواسم الحربية بوجوده الكلي؟

إن هناك اعتراضات على هذا التقدير، تقوم على ما يقدمه جيش الاحتلال، من وجبات إبادة وتوحش، على غزة فلسطين، وعلى لبنان، والأخير له قصة أخرى، وهي أن تلك المساحة من التسليح، ومن التجنيد في الضاحية، كانت القوة الصهيونية الأمنية، وداعمها الغربي، يرصد مجمل تحركاتها، في حروب حزب الله، وهذه أَضحت اموراً موثقة، منذ تفجيرات البيجر، حتى اغتيال قادة حزب الله في دورتين متتاليتين من القصف المجنون.

إن تفوق تل أبيب قام على اختراق أمني وجيوسياسي عميق، حين تُرك للحزب ولإيران مساحة مهمة، وضخمة للغاية، لإنجاز مشروع تثبيت الأسد، ليس لأنه لا يوجد صراع حقيقي مع ايران، ولا لمقولة المسرحية السخيفة، بين الطرفين، ولكن لكون أن هذه المهمة الإيرانية في سوريا، كانت ضرورية لحماية بيت العنكبوت، في قرار البيت الإسرائيلي والداعم الغربي، وكان لا بُدّ من استثمار الخصم الإيراني في إبادة ثورة سوريا.

 

الظهير العربي

يضاف عليه، الدعم اللوجستي الضخم، من بعض الدول العربية التي تحالفت مع حروب الكيان، ولذلك نعود هنا، إلى نقطة الصفر مرة أخرى وهي سؤال القوة في الكيان، من خلال قصف جهنم على هذه المناطق المعزولة، في الضاحية وفي الجنوب اللبناني، حيثُ ساعده فيه انكشاف الموقف الإيراني، الذي وجد حقيقة أخرى لصراعه العسكري مع الكيان، اختلفت تماماً عن حروبه المشتركة مع الغرب على العراق في احتلاله 2003، ثم في حربه على سوريا الثورة.

 لقد دمر الكيان تركة ضخمة لم يكن ليحققها، لولا حجم الاختراق للحزب ودعم المحيط الإقليمي العربي، وحسابات طهران الخاطئة، فلو تسائلنا هل لتل أبيب أن تحقق هذا التفوق دون دعم المركزية الغربية؟

الجواب بوضوح هو كلا..

إن البيت لا يزال بيت عنكبوت، ولا يزال مقاتليه يفرون صرعى الأنفس، قبل الأجساد من أمام المقاومة، لكن هذا المخزون الأسطوري للإبادة، ثم صناعة المشهد السياسي الإقليمي العربي، لصالح الكيان عبر مشروع واشنطن، هو الذي أظهر هذا التفوق، أما لقاء المقاوم العربي، ومواجهته في الميدان دون قبة الغرب، فإن بيت العنكبوت لم يكن ليصمد مطلقاً أمامها.

إن هذه الورقة تهدف إلى العودة لقصة صناعة الجسم الغريب، للمُستثمر المركزي الضخم، ومن خلالها فقط نفهم حكاية تل ابيب والاحتلال.

 لقد دأب كلا المفكران العربيان إدوارد سعيد وعبد الوهاب المسيري، على تعقب هذه القصة، وهو أن سر الحياة للدولة الصهيونية، هو مشروعها الوظيفي لصالح المركزية الغربية، وقدمت الشخصيتان، ما يفيض عن كل أدلة يقينية، ويُثبت أن وجود تل أبيب وحروبها، ما هو إلا عملٌ للوكيل المتقدم، الأهم في تاريخ الهيمنة الغربية على الوطن العربي.

أنظر اليوم حجم الشرذمة التي حققها الكيان في الصف العربي، وربط مصالح أنظمة معه، ومواصلة خلق مبررات الاستنزاف السياسي والاقتصادي والمفاهيمي، ومواصلة دحرجة المشاريع الثقافية الممزقة للقيم وللوحدة العربية أو التعاضد الإسلامي، وعليه يبقى هذا الشرق ممزقاً منهكاً، مستتبعاً للغرب، فلحظة تحرره تعني نهاية مشروع الحتمية التاريخية وسقوط اسطورتها الوهمية، وقيام الكيان الأممي الحقيقي على أرضه الأصلية، وهو هنا فلسطين العربية.

 ولذلك فإن الترس الصهيوني يظل واجهة العنكبوت، للمدفع الغربي الجديد، ليس تقليلاً من تاريخ الصهيونية وحقدها الضخم، الذي ترى تصويره القرآني المعجز بين عينيك، في حروب بني إسرائيل اليوم، ولكن تفسيراً، لصاحب المصلحة العليا في تدمير الشرق واستنزافه، لا يفرق هنا بايدن عن ترمب، ولا أوروبا مع أمريكا، فعقيدة المركز الغربي واحدة، بقاء الرأسمالية المصلحية المتطرفة، وتفوق العرق الغربي، على حساب جسد العالم الإسلامي.

شارك المقالة

اشترك في نشرتنا الاخبارية