الملخص
تناقش الورقة أوجه مساعي أوكرانيا لتعزيز نفوذها في أفريقيا ومواجهة النفوذ الروسي في القارة، ويعد هذا أحد التداعيات المستمرة للحرب الروسية الأوكرانية المشتعلة منذ مطلع العام 2022، حيث تسعى أوكرانيا لتوسيع دائرة المواجهة مع روسيا خارج أراضيها، مدعومةً بدول الغرب. وتستعرض الورقة مرحلتين لمحاولات أوكرانيا في هذا الصدد، الأولى بدأت بعد الحرب مباشرة، واستخدمت فيها أوكرانيا أدوات ناعمة لتعزيز علاقاتها مع دول أفريقيا، عبر تسويق سردية تظهرها بمظهر الدولة التي تحاول الفكاك من الاستعمار بما يجذب تعاطف الوجدان الأفريقي، وكذلك عبر إمداد دول أفريقية بمساعدات من الحبوب الأوكرانية، لكن استجابة الدول الأفريقية كانت محدودة لأسباب تشرحها الورقة. بينما المرحلة الثانية اتسمت بوسائل خشنة، تعددت ملامحها بدءا من تجنيد الشباب الأفارقة للعمل كمرتزقة ضمن صفوف الجيش الأوكراني، وصولا للمواجهات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا مثل قيام وحدات “تيمور” التابعة للقوات الخاصة الأوكرانية بتنفيذ عمليات أمنية وعسكرية ضد قوات “فاجنر” العاملة في السودان، وكذلك دعم أوكرانيا لحركة “أزواد” الانفصالية في مالي واحتفاء سفارات أوكرانيا بعمليات الحركة ضد فاجنر والجيش المالي، الزمر الذي دفع بعدة دول أفريقية لتقدير مدى خطورة تحركات أوكرانيا على استقرارها ما دفعها لقطع العلاقات معها، مثل مالي والنيجر، وسط إدانات غربية لقطع العلاقات.
وتخلص الورقة إلى عدة استنتاجات، أبرزها هو أن هذا الصراع الروسي الأوكراني يضيف بعدا جديدا للساحة الأفريقية التي تعاني أصلا من وطأة صراعات النفوذ الخارجي على أراضيها، مما يفتح بابا واسعا لتصاعد المخاطر الأمنية في أنحاء القارة.
…………………..
مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، شرعت أوكرانيا في محاولات حثيثة لكسب تأييد الدول الإفريقية، مستندةً إلى دعم إعلامي مكثف من حلفائها الغربيين، لاسيما دول الناتو، عبر منصات إعلامية مثل VOA Africa و BBC Africa و France 24. كما عمدت إلى فتح قنوات تواصل، سرية وعلنية، مع قادة الدول الإفريقية، مرتكزةً على سرديات تدعو إلى التعاطف معها كدولة مستقلة تواجه غزوًا إمبرياليًا من جارة قوية. بل ذهبت القنوات الفرنسية إلى أبعد من ذلك بمحاولتها إثارة الجرح العميق للاستعمار، مصورةً روسيا كقوة استعمارية جديدة، مستغلةً بذلك ذاكرة الأفارقة المؤلمة مع الحقبة الاستعمارية.
لم تقف التحركات عند حدِّ السرديات الإعلامية التي تضع روسيا في خانة “الشيطان” وتصور أوكرانيا كضحية بريئة، بل قامت أوكرانيا بحملة دبلوماسية واسعة النطاق، مدعومةً من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، لكسب التأييد الإفريقي، ساعيةً لجعل قضيتها تحظى بزخم أكبر في الساحة الدولية، خاصةً في قارة تئن تحت وطأة ذكريات الاستعمار وتبحث عن هوية خارج دائرة النفوذ الأجنبي.
من بين المبادرات الدبلوماسية التي نجحت فيها الدول الغربية، كان خطاب الرئيس الأوكراني أمام الاتحاد الإفريقي. ففي يونيو 2022، قام فولوديمير زيلينسكي بخطوة دبلوماسية بارزة عندما خاطب الاتحاد الإفريقي، ساعيًا لكسب دعمه ضد الغزو الروسي. ورغم تردد العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي بدايةً، بسبب علاقاتها الاقتصادية والسياسية الوثيقة مع روسيا، فإن خطاب زيلينسكي شكل لحظة فارقة؛ حيث ركز على تأثير الحرب على الأمن الغذائي العالمي، داعيًا القادة الأفارقة إلى إعادة النظر في موقفهم. لم يُفضِ الخطاب إلى تحول جذري في المواقف الإفريقية، لكنه فتح قناة لأوكرانيا للتأثير المباشر على الرأي الإفريقي.
لم تتوقف الجهود الأوكرانية عند هذا الحد، بل تواصلت من خلال دبلوماسية المساعدات. ففي يوليو 2022، أطلقت أوكرانيا مبادرة البحر الأسود للحبوب بوساطة الأمم المتحدة، لتستأنف تصدير الحبوب رغم الحصار، مما أتاح وصولها إلى أسواق إفريقية، بما في ذلك إثيوبيا والصومال. وفي عام 2023، مددت أوكرانيا هذه المبادرة عبر تعهدات مستقلة بإرسال سفن محملة بعشرات الآلاف من الأطنان من القمح إلى دولٍ أفريقية عديدة، ضمن برنامجها الإنساني “الحبوب من أوكرانيا”، في محاولة لتعزيز علاقاتها مع الدول الإفريقية من خلال توفير الغذاء في لحظات حرجة.
نافذة الدبلوماسية للتأثير
لاحقًا، وسّعت أوكرانيا نطاق بعثاتها الدبلوماسية في أنحاء إفريقيا، في مسعى لتعزيز التحالفات وكسب دعم الدول الإفريقية لموقفها ضد روسيا. فقد قام مسؤولون أوكرانيون، بمن فيهم وزير الخارجية دميترو كوليبا، بجولات في عدد من الدول الإفريقية، مؤكدين على دور القارة في المشهد الجيوسياسي العالمي وأهمية صوتها في مواجهة التحديات الدولية.
واتساقًا مع هذه الجهود، اتخذت القيادة الأوكرانية قرارًا استراتيجيًا بزيادة حضورها في القارة الإفريقية؛ ففي ديسمبر 2022، أعلنت عن افتتاح عشر سفارات جديدة في إفريقيا، بهدف رئيسي يتمثل في احتواء وتقويض النفوذ الروسي. من بين السفارات التي تم افتتاحها، هناك سفارات في جمهورية الكونغو الديمقراطية، غانا، موزمبيق، بوتسوانا، ورواندا، مع أهمية خاصة لسفارتها في ساحل العاج، حيث تُدار من هناك عمليات دعائية مكثفة لمواجهة النفوذ الروسي والتأثير على الرأي العام الإفريقي.
تراجع الدعم الإفريقي لأوكرانيا: قراءة في محدودية المبادرات الأوكرانية
مع تعد المبادرات الإعلامية والدبلوماسية الأوكرانية، المدعومة من حلفائها الغربيين، لكنها تظل محدودة وغير قادرة على إحداث فارق جوهري، وذلك لأسباب رئيسية ثلاثة:
أولاً، رغم محاولات الغرب تقديم أوكرانيا كندّ لروسيا، إلا أن الواقع الاقتصادي والديمغرافي لأوكرانيا يظل متواضعًا وغير قادر علي منافسة روسيا، حيث لا يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا 190 مليار دولار، وهو أقل من نصف الناتج المحلي لدول إفريقية مثل نيجيريا وجنوب إفريقيا، وأضعف من اقتصادات الجزائر ومصر، وحتى لا يتفوق سوى بقدر محدود على إثيوبيا. هذه الأرقام جعلت الدول الإفريقية ترى أوكرانيا كدولة لا تختلف كثيرًا عنها من حيث القدرات، ما عزز فكرة أن التعاطف المطلوب منها لا يعكس سوى ضغوط غربية هدفها احتواء روسيا عبر استدرار تعاطف “المظلومين” بزعم أن أوكرانيا وإفريقيا تشتركان في معاناتهما.
ثانيًا، في مايو 2023، بادرت الدول الإفريقية بقيادة جنوب إفريقيا بطرح خطة سلام لأوكرانيا، وقوبلت هذه المبادرة بقبول “حذر” من الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي. وافق الرئيسان الروسي والأوكراني على استقبال ممثلين من إفريقيا لمناقشة سبل التهدئة، غير أن تصريحًا من المستشار الرئاسي الأوكراني ميخائيل بودولياك بأن “القادة الأفارقة غير قادرين على حل النزاع الروسي الأوكراني” – مضيفًا أنهم يستغلون مبادرات السلام لتحقيق مكاسبهم الخاصة – أثار موجة من الامتعاض في الأوساط الإفريقية. وعاد البعض بالذاكرة إلى معاملة الأوكرانيين للطلاب الأفارقة عند اندلاع الحرب، حيث أُعطيت الأولوية للأوكرانيين في العبور إلى أوروبا، فيما تُرك الطلاب الأفارقة في المخيمات، مع تكرار تصريحات الإعلام الأوروبي حول “استقبال اللاجئين الأوكرانيين لأنهم يشبهوننا بعيونهم الزرقاء وشعرهم الأشقر”، مما زاد من تساؤل الإفريقيين: لماذا يجب أن تكون القضية الأوكرانية قضية إفريقية؟
ثالثًا، وبينما كانت أوكرانيا وحلفاؤها من الناتو يسوّقون لقضيتهم بوصفها “قضية عادلة” في إفريقيا، تزامنت هذه الحملة مع تصاعد الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين. وبجانب الموقف الأوكراني الصريح في دعم إسرائيل، فقد رأى العديد من الأفارقة في ازدواجية المواقف الغربية انتقاصًا لحق الفلسطينيين -وبالامتداد حق الأفارقة- في مواجهة قوى أكبر منهم. كما لم ينس الأفارقة تجاهل الناتو لآرائهم في قضية ليبيا، وما ترتب عليها من انفلات أمني وتفشي الإرهاب في الساحل وغرب إفريقيا، فلماذا يُفترض بهم الآن الاهتمام بالقضية الأوكرانية؟
هذه العوامل مجتمعةً أدت إلى انحسار التعاطف الإفريقي مع أوكرانيا، بل وذهب بعض المفكرين الأفارقة إلى القول: “لنترك روسيا تفعل في أوكرانيا ما تشاء، فهي حرب بين الأوروبيين، ولا تعنينا”.
الاستراتيجية الأوكرانية الثانية: التدخل العسكري والأمني في مناطق نفوذ روسيا في إفريقيا عبر استهداف مجموعة فاغنر
على إثر ذلك؛ وهكذا، اضطرت أوكرانيا إلى إعادة النظر في استراتيجياتها “الدبلوماسية” لتعيد تموضعها في الساحة الإفريقية، فاتخذت نهجًا جديدًا لمواجهة النفوذ الروسي، وذلك عبر السعي إلى تجنيد الشباب الأفارقة في صفوف الجيش الأوكراني. ففي بداية الحرب، ومع تصاعد الدعاية الغربية التي تروّج لفكرة أن الغزو الروسي يمثل “استعمارًا بنكهة جديدة”، انضم ما يقارب 20 ألف متطوع للقتال مع الجيش الأوكراني.
ومن هنا بدأت السفارات الأوكرانية في إفريقيا بنشر إعلانات تهدف إلى استقطاب أفارقة للانضمام إلى القوات المسلحة الأوكرانية، حيث أطلقت سفارة أوكرانيا في السنغال أولى تلك المبادرات.
وفي خطوة أخرى، قامت السفارة الأوكرانية في نيجيريا بمحاولة مماثلة، لكنها طالبت المتطوعين الأفارقة بدفع مبلغ 1000 دولار لتغطية تكاليف التأشيرة وتذاكر السفر، مقابل راتب شهري يبلغ 3300 دولار، مقارنة بـ 7000 دولار للمتطوعين الأوروبيين، وهو ما أثار تساؤلات حول “النظرة الانتقاصية تجاه الأفارقة” وجدية أوكرانيا في تعزيز تعاونها مع إفريقيا بعيدًا عن المصالح الحربية الآنية.
استهداف قوات فاغنر في السودان:
في إطار مساعي أوكرانيا لتقويض النفوذ الروسي، وبخاصة مجموعة فاغنر في إفريقيا، أفادت وسائل إعلام غربية مثل CNN وFrance 24 في أكتوبر 2023 أن عناصر من وحدة “تيمور” التابعة للقوات الخاصة الأوكرانية، وهي جزء من قوات GUR MO، قد نفذت عمليات في السودان. ركزت هذه المهام على جمع المعلومات الاستخباراتية وتنفيذ هجمات تخريبية استراتيجية، مما أثر بشكل مباشر على البنية اللوجستية وقيادة قوات فاغنر في البلاد.
وفي تعليقها على هذه العمليات، كتبت صحيفة وول ستريت جورنال في مارس 2023 أن “أوكرانيا تنفذ عمليات عسكرية في السودان ضد مصالح روسية، في إطار استراتيجية تهدف إلى إضعاف النفوذ الروسي العسكري والاقتصادي في الخارج، مما يجعل الحرب أكثر تكلفة على موسكو. وتضع كييف نفسها كحاجز ضد التوسع الروسي، خصوصًا في المناطق التي يتردد الغرب في التدخل فيها مباشرة”. وكانت قوات فاغنر قد استولت سابقًا، بالتعاون مع ميليشيا الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، على جزء من حقول الذهب في السودان، مستغلة هذا المورد لتمويل الحرب في أوكرانيا.
وفي هذا السياق، علق كاميرون هادسون، الخبير الأمريكي في الشؤون الإفريقية، قائلاً: “أظهر تقرير إخباري فرنسي لقطات لقوات خاصة أوكرانية تقاتل مرتزقة روس مدعومين من قوات الدعم السريع في السودان، ويبدو أن أوكرانيا تعمل بشكل مستقل تقريبًا دون تنسيق يذكر مع الجيش السوداني، وكأنها تخوض حربها الخاصة“. وفي المجمل، تشير التقارير إلى أن القوات الخاصة الأوكرانية تستهدف مصالح روسيا في السودان بجهود منفردة، دون تعاون واضح مع قوات الدعم السريع، بهدف إضعاف النفوذ الروسي في إفريقيا وتقليل إمدادات روسيا من الموارد الخارجية.
امتداد النزاع الأوكراني-الروسي إلى الساحل: في مالي والنيجر
في أغسطس من هذا العام، شهد شمال مالي تطورات دراماتيكية عندما شنت حركة “أزواد” المتمردة، التي تسعى للانفصال، هجومًا أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 84 من عناصر مجموعة فاغنر الروسية و47 جنديًا ماليًا في منطقة “تينزاواتين” شمالي البلاد. شكّل هذا الهجوم أحد أثقل الهزائم التي تعرضت لها فاغنر منذ تدخلها لدعم الحكومة العسكرية في مالي قبل عامين ضد الجماعات المسلحة.
تبعًا لذلك، وجهت حكومة باماكو اتهامات مباشرة لأوكرانيا بدعم المتمردين الأزواديين. وألمح المتحدث باسم الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، أندريه يوسوف، إلى ضلوع بلاده في الهجوم، مشيرًا إلى أن “المتمردين حصلوا على المعلومات اللازمة لتنفيذ العملية”، دون أن يصرح بمشاركة أوكرانيا المباشرة.
وعلى صعيد آخر، أثارت السفارة الأوكرانية في داكار، السنغال، غضب السلطات المحلية بعد نشرها مقطع فيديو يظهر الاحتفاء بهجوم حركة “أزواد”، ما دفع بالسلطات السنغالية إلى استدعاء السفير الأوكراني ورفض أي محاولة لاستغلال النزاع الروسي الأوكراني على أراضيها، مؤكدة التزامها بالحياد.
على خلفية هذه الأحداث، أعلنت مالي قطع العلاقات الدبلوماسية مع أوكرانيا “بمفعول فوري”، متهمة كييف بانتهاك سيادة البلاد ودعم الإرهاب الدولي عبر تزويد المتمردين الأزواديين بالمعدات الضرورية للهجوم، بما في ذلك الطائرات المسيّرة. وفي ذات السياق، اتخذت النيجر خطوة مماثلة، بقرار من المجلس العسكري الحاكم بقطع العلاقات مع أوكرانيا تضامنًا مع مالي، ورفضًا لدعم كييف لجماعات مسلحة.
أثارت هذه القرارات ردود فعل غاضبة في العواصم الأوروبية، حيث أدانت عدة دول بشدة هذه الخطوات. وفي هذا الإطار، أعلن وزير التعاون الدولي السويدي يوهان فورسيل عن تعليق المساعدات التنموية لمالي احتجاجًا على قطعها العلاقات مع أوكرانيا. وردًا على ذلك، قامت وزارة الخارجية المالية باستدعاء السفيرة السويدية في باماكو، وأبلغتها بضرورة مغادرة البلاد في غضون 72 ساعة، مؤكدة على سيادة قرارها.
بناءً على التحليل العميق للتوغل الأوكراني في إفريقيا وسعيه لتقويض النفوذ الروسي، يمكن الخروج بعدة استنتاجات حول مستقبل الصراع الغربي-الروسي في القارة الإفريقية وتداعياته المحتملة على الأمن والاستقرار الأفريقيَيْن:
أولا: تشهد إفريقيا ساحة صراع جديدة بين روسيا وأوكرانيا، لكن من المهم الإشارة إلى أن هذا الصراع لا يقتصر على البلدين فحسب، بل هو جزء من حرب بالوكالة تغذيها مصالح أوسع للناتو والقوى الغربية في احتواء النفوذ الروسي المتزايد. وبالتالي، سيزداد التنافس في إفريقيا، لتصبح القارة مسرحًا لسياسات تضغط على الدول الإفريقية للاصطفاف مع أحد الجانبين، ما يعمق من الانقسامات الداخلية في الدول المتأثرة ويزيد من تعقيد المشهد السياسي في المنطقة.
ثانيا: التحركات الأوكرانية المدعومة غربيًا قد تنجح في التأثير على بعض الجيوب التي تسيطر عليها روسيا، كقوات فاغنر في السودان ومالي، ولكن هذه الاستراتيجيات لها حدود في قدرتها على احتواء النفوذ الروسي بشكل فعّال. المساعدة العسكرية الروسية لأطراف إفريقية تسعى لتحقيق الاستقرار أو مصالح محلية تجعل روسيا طرفًا رئيسيًا لبعض الأنظمة، ما يصعب على أوكرانيا إزاحته دون تكلفة عالية.
ثالثا: التدخل الغربي المباشر عبر الدعم لأوكرانيا في إفريقيا قد يؤدي إلى تصاعد الشكوك الإفريقية تجاه الغرب. فالتجارب السابقة، مثل التدخلات الغربية في ليبيا والدعم الانتقائي لقضايا معينة كأوكرانيا مقابل تجاهل أخرى مثل فلسطين، زادت من مشاعر عدم الثقة لدى القادة الإفريقيين. لذلك، من المتوقع أن تتجه بعض الدول الإفريقية إلى تعزيز علاقاتها مع روسيا كبديل يحترم استقلاليتها.
في الختام؛ حري بالذكر أن المستقبل ينبئ بمزيد من التحديات لإفريقيا في ظل التوغل الأوكراني-الغربي وسعيه لمواجهة النفوذ الروسي، فالقارة قد تصبح بشكل متزايد ساحة لمصالح القوى الكبرى. لتفادي التداعيات السلبية، ينبغي على الدول الإفريقية تعزيز استقلاليتها من خلال تبني سياسات خارجية متوازنة تعطي الأولوية لأمنها الداخلي واستقرارها، وتعزيز العلاقات المتعددة الأطراف التي لا تنحاز لطرف معين.