المصدر: فورين بوليسي
نص ترجمة أمد:
خلال الأسابيع الأخيرة، كُتب الكثير عن خطط إدارة ترامب لـ “اليوم التالي” في غزة. ومع ذلك، لم يتم التركيز بنفس القدر على تقييم ما قد يحدث لغزة إذا توصلت إسرائيل وحماس إلى اتفاق لإنهاء الحرب الحالية بعد تبادل نهائي للأسرى مقابل السجناء.
الإجابة المختصرة: الوضع ليس جيدًا. في المسار الحالي، من المحتمل أن تعيد حماس بناء نفسها، وستظل غزة في حالة خراب، وسيكون التوصل إلى تسوية سلام دائمة أمرًا شبه مستحيل.
إعادة بناء قوة حماس
من المحتمل أن تستعيد حماس قوتها بمرور الوقت. فقبل هجوم 7 أكتوبر 2023، بدت حماس أشبه بجيش نظامي أكثر منها منظمة إرهابية تقليدية، حيث بلغ عدد مقاتليها بين 25,000 و 30,000، موزعين على خمسة ألوية إقليمية و 24 كتيبة، بالإضافة إلى وحدات متخصصة تشمل القوات الجوية والبحرية والعمليات الخاصة. امتلكت حماس ترسانة تضم ما يصل إلى 30,000 صاروخ، ما جعلها أكبر من بعض الجيوش الأوروبية.
بعد قرابة 16 شهرًا من القتال، تحولت حماس إلى حالة من التمرد، حيث تقدر إسرائيل أنها قتلت ما بين 17,000 و20,000 مقاتل حتى الآن، إلى جانب القضاء على العديد من قادتها البارزين مثل إسماعيل هنية، ومحمد الضيف، ونائبه مروان عيسى، وزعيم غزة ومهندس هجوم 7 أكتوبر يحيى السنوار. كما قُتل أيضًا العديد من قادتها العسكريين من المستوى المتوسط، مما قلل من قدرتها على تنفيذ هجوم منظم واسع النطاق.
لكن رغم ذلك، لم تتمكن إسرائيل من القضاء على حماس كمنظمة. لا تزال قيادة حماس في قطر قادرة على التفاوض وتحديد الأسرى الذين تحتجزهم وتسليمهم بشكل منظم، مما يشير إلى أن هيكلها القيادي لا يزال قائمًا، وإن كان قد تضرر. ومع وقف إطلاق النار وحرية الحركة المتجددة داخل غزة، من المرجح أن تعيد حماس ترميم شبكاتها القيادية.
نتيجة لذلك، فإن غياب أي استراتيجية إسرائيلية لتثبيت مكاسبها العسكرية سيمكن حماس من إعادة بناء صفوفها. التقديرات الأمريكية تشير إلى أن حماس جندت حوالي 15,000 مقاتل جديد خلال الصراع، ورغم أنهم قد يفتقرون للخبرة مقارنة بسابقيهم، فإن إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين كجزء من صفقة الأسرى يمكن أن يعوض هذا النقص. فوفقًا لتقرير لمراقب الدولة الإسرائيلي عام 2021، فإن معدل العودة “للجريمة” بين السجناء الأمنيين يصل إلى 18٪، مما يعني أن مئات المقاتلين المخضرمين قد يعودون إلى صفوف حماس.
الدمار في غزة وإعادة التسلح
إذا لم تتمكن إسرائيل من منع حماس من إعادة بناء قوتها، فمن المحتمل أن تفرض قيودًا أمنية أكثر صرامة على غزة. لكن المشكلة أن غزة اليوم مدمرة تمامًا. تشير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 1.8 مليون شخص في غزة بحاجة إلى مأوى، وأن حوالي 170,000 مبنى-أي مايقرب من 70٪ من المباني الموجودة قبل الحرب- قد تضررت أو دمرت بالكامل. وتقدر الأمم المتحدة أن إعادة إعمار غزة قد تستغرق 15 عامًا على الأقل، بينما تقدر الولايات المتحدة أنها ستستغرق ما بين 10 و15 عامًا.
لكن هذه التقديرات تفترض أن إسرائيل ستسمح بإدخال مواد البناء، وهو أمر غير مضمون. فالكثير من مواد البناء يمكن استخدامها لأغراض عسكرية مزدوجة، حيث يمكن أن تستخدمها حماس في إعادة بناء شبكة أنفاقها بدلاً من المنازل والمستشفيات. وبالنظر إلى أن هناك 50 مليون طن من الأنقاض تحتاج إلى إزالتها، فإن غزة تحتاج إلى معدات حفر، لكن هذه المعدات يمكن أيضًا استخدامها لإنشاء أنفاق جديدة. وقد سبق لحماس أن حولت أشياء بسيطة مثل أنابيب المياه إلى صواريخ.
حتى القيود المشددة قد لا تمنع حماس من إعادة التسلح. فالولايات المتحدة تقدر أن هناك 30,000 قذيفة غير منفجرة في غزة، ما يمثل خطرًا على المدنيين، ولكنه أيضًا يوفر لحماس كميات هائلة من المواد المتفجرة لإعادة استخدامها في صنع الأسلحة.
إضافة إلى ذلك، لا تزال عمليات التهريب تشكل مصدرًا رئيسيًا لتسليح حماس. فمن المحتمل أن تصر إسرائيل على تفتيش القوافل أو السفن المتجهة إلى غزة، لكن تاريخيًا، كان المهربون يجدون دائمًا طرقًا جديدة لإدخال الأسلحة. كما أن شبكة الأنفاق الهائلة لحماس، التي تمتد مابين 350 و450 ميلًا عبر القطاع، لا تزال تمثل تهديدًا كبيرًا. رغم أن إسرائيل تدعي أنها دمرت 80٪ من الأنفاق في رفح و85٪ من الأنفاق في خان يونس، إلا أن مصادر أخرى تشير إلى أن أجزاء كبيرة منها لا تزال سليمة. وحتى إذا كان الرقم الإسرائيلي دقيقًا، فهذا يعني أن حماس لاتزال تمتلك عشرات الأنفاق لتهريب وتخزين الأسلحة.
غياب الأمن يعوق إعادة الإعمار
في ظل هذه الظروف، سيكون من الصعب استبعاد حماس تمامًا من أي ترتيبات حكم في غزة، رغم رغبة إسرائيل والولايات المتحدة في ذلك. قليل من الدول لديها القوة العسكرية والرغبة في مواجهة حماس. وحتى قوات الأمن الفلسطينية غير مؤكدة قدرتها على هزيمة حماس، خصوصًا بعد أن طردتها الأخيرة من غزة عام 2007.
أما عن القوى الخارجية، فالولايات المتحدة ليست مهتمة بنشر قوات في غزة، وأوروبا لديها قدرات عسكرية محدودة والتزامات أمنية تجاه أوكرانيا. ويبقى الخيار المتاح هو تحالف عربي، لكن التجربة السابقة في اليمن ضد الحوثيين تُظهر محدودية فاعلية هذا النوع من التحالفات.
دون وجود طرف ضامن للأمن، فمن سيرغب في تمويل إعادة إعمار غزة؟ تشير التقديرات إلى أن العملية ستكلف حوالي 53.2 مليار دولار على مدى العقد المقبل. من غير المرجح أن تتكفل إسرائيل أو الولايات المتحدة بهذه التكاليف، خاصة إذا ظلت حماس جزءًا من المشهد. حتى أوروبا، رغم اهتمامها، قد تجد نفسها محدودة الموارد بسبب التزاماتها تجاه أوكرانيا. أما دول الخليج، ورغم امتلاكها للأموال، فمن غير الواضح ما إذا كانت ستستثمر بهذا الحجم إذا كان هناك خطر اندلاع حرب جديدة قد تدمر استثماراتها.
لا سلام مستدامًا مع حماس في السلطة
إذا استعادت حماس سيطرتها على غزة، حتى جزئيًا، فإن احتمالات التوصل إلى تسوية سياسية دائمة مع إسرائيل ستكون شبه معدومة. فحماس قامت على أيديولوجيا تدمير إسرائيل، وحتى لو حاولت التخفيف من خطابها، فمن غير المرجح أن يطمئن ذلك إسرائيل. فحتى عندماأعلنت عن “وثيقة سياسية جديدة” عام 2017، لم يمنع ذلك وقوع هجوم 7 أكتوبر 2023.
على الجانب الإسرائيلي، يفضل معظم الإسرائيليين إبرام صفقة ثانية لتبادل الأسرى بدلاً من استئناف الحرب، لكن في الوقت نفسه، تعارض أغلبية كبيرة أي حل للدولتين. ومع استمرار هيمنة اليمين على السياسة الإسرائيلية، فإن تقديم تنازلات كبيرة لتجنب صراع مستقبلي يبدو أمرًا غير مرجح.
وبناءً على الاتجاه الحالي، فإن السؤال ليس ما إذا كان هناك صراع جديد سيحدث، بل متى سيحدث. والأسوأ أن الحروب في غزة أصبحت أطول وأكثر دموية، مما يعني أن الحرب القادمة قد تكون أسوأ من الحالية. هذا ما يسميه المخططون الإسرائيليون بـ “جز العشب”، حيث تهاجم حماس، فتقوم إسرائيل بإضعافها، ثم تعيد حماس بناء نفسها، وتستمر الدوامة.
قد لا يكون اقتراح ترامب بترحيل مليوني فلسطيني من غزة أخلاقيًا أو عمليًا، لكنه يسلط الضوء على حقيقة أساسية: وحده حل غير تقليدي قادر على تغيير المسار الحالي، الذي يبدو قاتمًا للغاية.