أجريت يوم الثلاثاء الفائت العاشر من سبتمبر، الانتخابات البرلمانية الأردنية الأولى بعد ما عُرف بعملية التحديث السياسي في البلاد، علمية التحديث التي كانت أهم مخرجاتها تعديلات تشريعية واسعة على صعيد الدستور والقوانين التي تنظم العمل السياسي؛ على رأسها قانون الأحزاب الأردني، ليتضمن اشتراطات جديدة متعلقة بحجم العضوية، وانتشارها جغرافياً، كما تضمن اشتراطات متعلقة بتمثيل الشباب والمرأة، في محاولة لرفع الكفاءة التمثيلية داخل المؤسسات الحزبية. كما تم تعديل قانون الانتخاب ليسمح لأول مرة بقائمة وطنية “حزبية”، تشترط في أعضائها الانتماء الحزبي، كما أنه يمنع المرشح الفائز في الانتخاب من الانسحاب من الكتلة ليصبح مستقلاً، وهذا لضمان استقرار الكتل الحزبية. كما تضمن القانون الجديد عتبات انتخابية على الصعيد المحلي والوطني، أتاحات أن يتشكل في البرلمان كتل حزبية، لا نقول أنها كبيرة، لكنها على الأقل ملحوظة.
عشية الانتخابات، وفي وقت متأخر من ذات اليوم، تواردت النتائج الأولية، وكان أهم ما فيها، تقدم قائمة حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين بنسبة عالية، تتجاوز 60% من الأصوات، وتراجعت تدريجياً إلى نحو 30% من الأصوات، والتي ضمنت لها 17 مقعداً من 41 مخصصة للأحزاب، لتبقى متصدرة بفارق كبير جداً عن أقرب الأحزاب إليها بثلاثة عشر مقعد. في حين حصّد الحزب قرابة 14 مقعد آخر من القوائم المحلية، ليصبح عدد مقاعده في البرلمان 31 مقعداً، ما نسبته 22.5% من العدد الكلي لمقاعد البرلمان وهو 138. وتلاه كتلتين لحزبين جديدين، الأول وهو حزب الميثاق الوطني الذي فاز بأربعة مقاعد على القائمة الوطنية، و17 مقعداً على القوائم المحلية، لتصبح كتلته في البرلمان من 21 مقعدا أي ما نسبته 15% من مقاعد البرلمان، ويليه حزب إرادة بنسبة 13.7% الذي فاز بـِ 19 مقعد، أربعة منها على صعيد وطني، و15 على صعيد الدوائر المحلية.
مثلت نتيجة الانتخابات بالنسبة لكثيرين صدمة كبيرة، وكانت مصادر هذه الصدمة متنوعة، ولربما أن جزء كبير منها كان نتيجة قراءات متسرعة للمشهد الحزبي أولاً، والأهم القراءة المتسرعة لنتائج الانتخابات ومعانيها. وكان السؤال الصاعد: كيف تقدم الإسلاميون إلى هذا المستوى من التمثيل في البرلمان؟ خصوصاً بعد أن تراجع حضورهم في المجلس الأخير لأقل من عشرة مقاعد، وبعدد أصوات لم يبلغ 100 ألف صوت، أي أقل من ربع الأصوات التي حصّلها الحزب في الانتخابات الحالية. وهنا نرى أننا بحاجة إلى قراءة دقيقة ومتأنية في سبب هذا التقدم الذي جاء باعتقادنا نتيجة أسباب مركبة وعديدة. ناهيك عن أننا بحاجة إلى قراءة أخرى في معاني هذا التقدم، وتقييمه بصورة أوسع وأشمل، لنرى إن كانت المعاني والمواقف التي تتسارع في الظهور مستَحَقة وتنصف واقع ما جرى، وتمسك بالأسباب وراء رد الفعل الكبير على هذه النتائج، والتي نرى أنها تتجاوز اللحظة الانتخابية نحو بناء مواقف سياسية بعيدة المدى.
أولاً: لماذا تقدّم الإخوان؟
إن تقدم الإخوان في الانتخابات يمكن أن يُرَد إلى عدد كبير من الأسباب، إلا أننا نجد هذا التقدم يعود بشكل أساسي إلى أسباب متعلقة بقانون الانتخاب وتفاعل القواعد الاجتماعية معه، ثم أسباب متعلقة بقوة الحزب الذاتية على صعيد المؤسسة والخطاب، يليها أسباب ظرفية؛ كالتأثر بالوضع الإقليمي وتحديداً الحرب على غزة، وانعكاساته الداخلية. واخيراً ما يتعلق بكيفية تعامل الدولة مع الانتخابات والاعتبارات السياسية في ذلك.
أولاً، نجد أن أحد أهم الأسباب إن لم يكن الأكثر أهمية، هو السبب المتعلق بقانون الانتخاب الجديد. إن قانون الانتخاب الجديد الذي يمنح المواطن الأردني صوتين، أحدهما للقائمة الوطنية، والآخر للقائمة المحلية، فتح الباب أمام الفئات الملتزمة تجاه مرجعياتها الاجتماعية، وتحديداً العشائرية، لكي تؤدي التزامها الاجتماعي، وتمنح في ذات الوقت صوتاً أخر على أساس سياسي. وهو ما نعتقد أنه كان لفترة طويلة عائق أمام الإسلاميين في تحصيل أصوات طيف واسع من القواعد الاجتماعية المحافظة دينياً، والتي ترغب في منح حزب إسلامي صوتها، ولكنها تتعثر في التزامها الاجتماعي، الذي لازال يلعب دوراً مفصلياً في عملية التمثيل السياسي في البلاد، وهو ما أجبر الإسلاميين في كثير من الأحيان أن يترشحوا معتمدين على قواعد اللعبة الاجتماعية لا السياسية لكسب مقاعد في البرلمان.
إن اللحظة التي سمح فيها قانون الانتخاب للأردني بصوتين في الانتخابات، فتحت الباب أمام السماح بتمثيل الأردنيين سياسياً، تمثيل يتجاوز الحالة المناطقية والاجتماعية. ومن خلال النظر في المجتمع الأردني، فإننا سنجد أن القواعد الاجتماعية تغلب عليها طباع المحافظة الدينية، فإذا ما فُتح الباب للاختيار على صعيد وطني، فإن من الطبيعي جداً أن تحوز الأحزاب الإسلامية الوزن الأكبر من أصوات المقترعين؛ ولكن يبقى السؤال لماذا الإخوان وليس الحزب الوطني الإسلامي على سبيل المثال؟ وهذا ما يفتح الباب على نقاش السبب الآخر، وهو المتعلق بقوة الحزب الذاتية على صعيد المؤسسة والخطاب.
ثانياً، إن من أهم ما لعب دوراً مفصلياً في فوز الإخوان، هو قوة الحزب الذاتية، إن حزب جبهة العمل الإسلامي إذا ما تمت مقارنته بالأحزاب المتنافسة في الانتخابات، فإنه سيكون أقدم هذه الأحزاب، وأكثرها انتشاراً على صعيد جغرافي وأكثرها امتلاكاً للمقرات، وعلى الرغم من عدم وجود تقدير واضح لعدد منتسبي حزب جبهة العمل الإسلامي، إلا أنه ووفقاً لبعض التقديرات قد يكون أكثر الأحزاب عضوية في البلاد. وإذا ما أضفنا لعامل التضخم في الـ “الحجم”، عامل الانتماء الحزبي الأيديولوجي، الذي يجعل العضوية ذات فاعلية وكفاءة كبيرة، وخبرة الحزب في تنظيم العمليات الانتخابية، فإننا نتحدث عن تفوق جوهري، خصوصاً عندما نتناول تنافس الحزب مع أحزاب عمرها لم يصل إلى ثلاثة سنوات، ولم تتكرس حالتها التنظيمية بصورة مشابهة لما هو في حزب الجبهة، الذي يمتلك حالة انضباط وفاعلية عالية نتيجة طبيعة هيكله الداخلي وطبيعة العلاقة بين هيئاته المختلفة.
إن إهمال فكرة تفوق الإخوان مؤسسياً، ومقارنتهم بحالات حزبية ناشئة قد لا يمنح صورة كاملة عن طبيعة هذا الفوز، ويضطر البعض إلى البحث عن أسباب أكثر تعقيداً، بينما وبكل بساطة، فإن أحد أهم أسباب تقدم الحزب، هو حالة العراقة المؤسسية، ومدى الاختراق الاجتماعي الذي يحققه الحزب، الذي لازالت أفكاره، أو على الأقل منظومته القيمية والأخلاقية مؤثرة في عدد كبير من المؤسسات الفاعلة والنشيطة، وفي طيف واسع من المجتمع. وإذا ما تجاوزنا الحالة المؤسسية، فإننا نتحدث عن حزب يمتلك خطاباً سياسياً وتوجهات أكثر وضوحاً وصرامة من أغلب الأحزاب الجديدة المنافسة له، وينبع هذا من أن هذه الأحزاب وليدة مرحلة انتقالية، ولازالت تتشكل على أصعدة مؤسسية وفكرية.
على الرغم مما أسلفناه، من تفوق الحزب على أصعدة مؤسسية، وعلى صعيد الهوية السياسية، فإن مسألة تأثير وضوح الخطاب السياسي تتعاظم في أوقات الأزمات تحديداً، حيث تميل القواعد الاجتماعية في هذه الظروف إلى تفضيل خطابات أكثر صرامة وحسم فيما يتعلق بالمواقف السياسية. وهو ما قدمه الإخوان في كثير من القضايا مثل نقابة المعلمين مثلاً، وأخيراً الحرب على غزة، وعبروا عنه بالوجود في الشارع في العديد من المراحل، وهو ما لم تفعله أحزاب مثل الوطني الإسلامي، على الأقل ليس بالحجم والصراحة التي عمل بهما الإخوان. وهذا ينقلنا إلى السبب الثالث المتعلق بتأثير الظرف الإقليمي والحرب، وتأثيرها على المزاج العام، ومكانة الحركة الإسلامية في الأردن.
ثالثاً، لقد كان تاريخياً، أحد أهم مصادر شرعية الحركة الإسلامية في الأردن، مواقفها من القضية الفلسطينية والربط بينها وبين حركة حماس، حيث عاد هذا الربط باستمرار بمكتسبات سياسية للإخوان في الأردن. إن هذه العلاقة لمجرد وجودها بين الحركة والجماعة -سواءً كانت علاقة حقيقية أم في متخيل القواعد الاجتماعية- فهي تعيد شيءً من الشرعية لا للتنظيم بحد ذاته، بل لفكرة الإسلام السياسي عموماً، وهو ما يعود بدوره بالفائدة على التنظيم في الأردن وفي غيره، خصوصاً في فترة تكافح فيها تنظيمات الإسلام السياسي لإعادة بناء شرعيتها ومكانتها المتضررة بعد الثورات المضادة.
ومع أن الربط بين حماس والإخوان يلعب دوراً مهماً، إلا أن هناك ما يتجاوز هذا الربط في التأثير على خيارات الناخبين، وهو ما ذكرناه عن حاجة الشارع وباستمرار، إلى مواقف حاسمة وصارمة تجاه هذه القضايا الكبرى في محيطه، خصوصاً في لحظات الأزمات والاضطراب التي تجعل من هذه الحاجة أكثر إلحاحاً. وهنا يجدر القول أن موقف الإخوان الصريح والمستمر والمتدفق بكثافة في الفضاء العام بخصوص دعم المقاومة الفلسطينية، ومشاركتهم على أصعدة اجتماعية دقيقة في تنظيم حملات تبرعات، وما إلى ذلك من أنشطة استخدمها التنظيم للبرهنة على مواقفه من القضية وقربه إليها، قد لبّت حاجة اجتماعية بتفريغ هذا الغضب الذي يخالج المجتمع من حرب الإبادة، وهو ما استخدمه التنظيم حتى في حملته الانتخابية وشعاراته. ولربما يرى البعض أحزاباً أخرى قدمت مواقف صارمة من الحرب ولم تحصّل ما حصله الإخوان، خصوصاً الأحزاب اليسارية مثل الحزب الشيوعي، وحزب الوحدة، وهذا يرجع إلى شح القاعدة الاجتماعية لهذه الأحزاب في أوساط محافظة.
على صعيد أكثر ظرفية وتكتيكية، فإن نقلة نوعية أحدثتها عملية الشهيد ماهر الجازي في المزاج العام. حيث أعادت تقريب الناس وجدانياً بصورة أكبر من فكرة المقاومة، بل ووضعتهم أمام موقف مسؤولية للإقدام على أي فعل يدعم الشعب الفلسطيني في محاكاة لمبادرة الجازي، وهو ما يبدو أنه أخذ تعبيراً سياسياً بدعم الإخوان، خصوصاً أنهم حرصوا على التواجد في عزاء الشهيد وأكدوا مباركتهم واحتفائهم بالعملية، وهو ما لم تقم به أحزاب أخرى كثيرة وأحزاب منافسة.
رابعاً وأخيراً، إن من أهم الأسباب تلك المتعلقة بالاعتبارات السياسية، وطريقة إدارة الدولة للانتخابات. حيث كان واضحاً السلوك المحايد، الذي اختار عدم التدخل في الانتخابات، وهنا لا أتحدث عن التدخل المباشر بالتزوير مثلاً، والذي يبقى صعباً في الأردن، ولا يعد خياراً بالنسبة للأطراف السياسية تاريخياً؛ ولكن نتحدث هنا عن تدخلات من نوع دعم تيارات لوجستياً وعملياً، أو التضييق على أخرى، أو منح تيارات معينة شروطاً أفضل من غيرها. وهو ما نعتقد أنه لم يحصل في هذه الانتخابات، أو على الأقل بقي في حدّه الأدنى، وظهرت محاولة جدية لترك العملية الانتخابية تسير بأعلى قدر ممكن من النزاهة؛ وهو ما يعود لثلاثة أسباب مهمة:
ويتمثل النهج الذي تتبناه الدولة في قرارها عدم تلطيخ يديها “بدماء الإخوان” -سياسياً- إن جاز التعبير، وإن كان لابد من إضعاف الإخوان، وكان هناك من سيقوم بعملية الاغتيال السياسي والمعنوي لهم، فلتكن القواعد الاجتماعية وليست مؤسسات الدولة، وليترك المجال للصندوق بأن يحدد مصيرهم. وهذا ينبع من تراكم الأمل بالقصور الذاتي للإخوان، خصوصاً بعد نجاح هذا الخيار الذي تبنّته الملكية المغربية، وتركت الإخوان إلا من قليل من التدخل، لتكون الطعنة الأخيرة لهم من الصندوق والقواعد الاجتماعية وليس من مؤسسة الدولة. وهو ما يبدو أنه يدفع الدولة الأردنية اليوم إلى عدم التدخل في الانتخابات، معولين إن جاز التعبير على ثقتهم بعدم قدرة الإخوان على استدامة موقعهم السياسي.
إن الأسباب التي قد يعزى إليها صعود الإخوان كثيرة جداً، ولكننا نرى أن الأسباب الأربعة التي أشرنا إليها تمثل القاعدة الأساسية لصعود الإخوان. وإذا ما أردنا أن نضيف إليها، فإن أحد أهم أسباب تفوق الحزب في الانتخابات جاءت من كونه مثل تيار المعارضة غير المجربة تاريخياً في إدارة الدولة، في حين مثلت بعض الأحزاب وخصوصاً الميثاق إلى حد بعيد، التيار التقليدي الذي أدار الدولة أو شارك في إدارتها في مرحلة من المراحل وكان جزءً من السلطة ما رفع أسهم جبهة العمل الإسلامي في مناخ سياسي يغلب عليه الغضب.
إن هذه الأسباب تمثل بالنسبة للإخوان امتحاناً صعباً بدأ بالفعل من لحظة إعلان فوزهم في الانتخابات. وهو ما يقودنا إلى مناقشة تلك الحالة من الاحتفال والغضب تحت ظل الصدمة من التيارات المختلفة التي تفاعلت مع المسألة، والذي يستلزم تقييم حجم الفوز ومعانيه الدقيقة، لنفهم ردود الفعل عليها.
في معاني نتائج الانتخابات وردود الفعل عليها:
إن الفوز الذي حققه الإخوان في الانتخابات يجدر أن يسمّى “تقدماً”، وأعتقد أن تسميته بالفوز يوصل معاني مغلوطة إلى حد بعيد، حيث إن الإخوان لم يفوزا بأغلبية في البرلمان، ولا حتى الثلث المعطل. ويعني هذا، أن كتلتهم في البرلمان لن يكون لها وزن تشريعي حقيقي ما لتم تقم بتحالفات تضيف لكتلتها 15 مقعد آخر، بقدر ما أنها ستحمل صوتاً مجتمعياً كان غائباً لفترة طويلة. واعتقد أن الحالة الاحتفالية التي حصلت من قبل قواعد الحزب وحلفاؤه، لم تكن إلا نتيجة شعور باستعادته الشرعية مرة أخرى، بعد حالة تشبه النبذ عشاها الإسلاميون لسنوات عديدة على صعيد عربي وليس فقط في السياق الأردني.
إن جبهة العمل الإسلامي، تقدم في هذه الانتخابات بـِ 10 مقاعد على الميثاق الذي حصل على 21 مقعد، وب 14 مقعد على إرادة الذي حقق 17 مقعد. وهذه لا تمثل أرقام مجردة، بل تعكس أنواع التنافس وطبيعته. إن أحزاب مثل إرادة والميثاق حديثي الولادة، لا يمكن اعتبارها أحزاب خاسرة بالمعنى الحرفي للخسارة، بقدر ما أنها تأخرت عن جبهة العمل الإسلامي. ولنكون أكثر دقة، إن حزب الميثاق وحزب إرادة هي أحزاب يغلب عليها أن قاعدتها الأساسية إلى الآن يغلب عليها كونها ذات طابع اجتماعي، ولربما أن الميثاق يغلب عليه ذلك أكثر من إرادة. ويعود هذا إلى أن هذه الأحزاب في الأساس تعبّر عن قواعد اجتماعية أكثر مما تعبر عن قواعد سياسية. إضافةً إلى أنها لم تمتلك الوقت بعد لبناء هوية سياسية، تتشكل حولها القاعدة المسيسة، وبما أن قاعدة هذه الأحزاب اجتماعية أكثر من كونها سياسية، فإن الساحة الأساسية للتنافس بالنسبة لها هي القوائم المحلية، أكثر من كونها القائمة الوطنية، على العكس من الإخوان، الذي يمثلون خياراً سياسياً وأيديولوجياً، ونوعاً من التفضيل القيمي والديني في بعض الأحيان، الذي تمثل القائمة الوطنية المساحة الأساسية للتنافس عليه.
وللتأكيد على ذلك، فإن الإخوان على صعيد القوائم المحلية قد حصلوا عدداً من المقاعد أقل مما حصّلوه في انتخابات عام 2016، أي أن الفارق الحقيقي في نتائج الإخوان، هو القائمة الوطنية، أي السماح لهم بالمنافسة على أساس سياسي، بعدما كانت المنافسة دائماً قائمة بشكل محوري على أساس اجتماعي.
إن ما نقوله هنا أنه هناك تضخيم لحجم فوز الإخوان، وتضخيم لحجم خسارة الأحزاب الأخرى المحافظة، والتي ينظر لها على أنها أكثر قرباً من الدولة، وأظن أن هذا يرد إلى سببين:
بالطبع أجج هذا الاحتفاء بالفوز وزاد من كثافته شعور الإخوان بنوع من أنواع استعادة الشرعية، ورد الاعتبار بعد خسارات متتالية في القطاعات النقابية، وفي البرلمان، وبعد خسارات استراتيجية على مستوى الإسلام السياسي. إلا أن هذا الواقع يضع الحركة الإسلامية في الأردن أمام مسؤولية كبيرة، بحيث أن الدخول في معركة التضخيم غير الواعي لحجم الفوز، أو تقديم الوعود التي لا تكافئ حجمه، قد تعود بضربة كبيرة لا للإخوان فقط، بل للمشروع الديمقراطي عموماً، وهذا يحتم عليهم سلوك هذا الطريق وفقاً لمبدأ الشراكة أولاً، وعدم الدخول في محرقة خطاب المزايدات الذي سيثبت تهمة فزاعة الإخوان، ويدفع نحو خسارة القواعد الانتخابية، وتأجيج مخاوف القوى التقليدية من العملية السياسية بصورتها الحزبية.
إن المسؤولية التي تقع على الإخوان تتجاوز هذا أيضاً إلى أنهم اليوم باتوا يمثلون النموذج الممكن الأخير لربما لتيارات الإسلام السياسي التقليدي، وقد يشكل نجاح تجربة ما، نوعاً من أنواع ترميم الصورة وعودة الروح في هذه التجربة، بعدما تآكلات على مدار العقد الماضي.