يبدو أن القيادة الإيرانية، بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي والنواة الصلبة داخل سلطتها، قد وصلت إلى نقطة حاسمة بعد سلسلة من الاغتيالات لحلفائها المقربين والعمليات العسكرية الإيرانية المباشرة ضد إسرائيل، وهي أن تصعيد التوتر مع إسرائيل أصبح مسارًا لا مفر منه.
يمثل هذا التحول اعترافًا بين صناع القرار الرئيسيين في النظام في مجال الأمن والسياسة الخارجية بأن الصراع، الذي كان غالبًا ما يتم خوضه من خلال حلفائها الإقليميين وداخل مناطق رمادية غامضة، يتحول تدريجيًا إلى مواجهة أكثر مباشرة. تشير الإجراءات الأخيرة إلى تحول حاسم تستعد له إيران عسكرياً ودبلوماسياً.
على هذه الخلفية، تأتي الجولة الإقليمية التي يقوم بها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي حاليًا في أعقاب لحظة محورية وهي العملية الصاروخية الإيرانية “الوعد الصادق 2″، التي استهدفت إسرائيل ردًا على اغتيال الأمين العام السابق لحزب الله، حسن نصر الله، واغتيال إسماعيل هنية في طهران.
لقد حدد عراقجي، خلال زياراته الدبلوماسية إلى الدول المجاورة، أجندة مزدوجة علناً. فمن ناحية، أكد على الحاجة إلى تهدئة التوترات الإقليمية ومنع الصراع من الانتشار إلى حرب إقليمية أوسع نطاقاً. ومن ناحية أخرى، أكد على استعداد إيران لأي سيناريوهات مستقبلية، بما في ذلك الضربات الانتقامية ضد إسرائيل إذا شنت إسرائيل هجوماً انتقامياً ضد بلاده. وتدعو رسالته المتسقة إلى العمل الجماعي لعزل إسرائيل دبلوماسياً والسعي إلى وقف إطلاق النار في كل من غزة ولبنان.
ومع ذلك، في حين تبدو هذه الأهداف المعلنة موحدة وتركز إلى حد كبير على تهدئة التوترات، فمن الواضح أن رسائل عراقجي غير المعلنة كانت متباينة عبر الدول التي زارها. ومن المرجح أن تكون مناقشاته خلف الأبواب المغلقة مصممة لمعالجة ديناميكيات إقليمية محددة، مما يجعل من الضروري تحليل كل مرحلة من جولته الدبلوماسية بشكل فردي لفهم الفروق الدقيقة والآثار المترتبة على استراتيجية إيران المتطورة.
مناورة عراقجي للاستفادة من النفوذ الدبلوماسي الخليجي
بدأ وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي جولته الدبلوماسية الإقليمية بزيارة مهمة إلى المملكة العربية السعودية، حيث شارك في مناقشات رفيعة المستوى مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ووزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان. بعد ذلك، سافر إلى قطر، حيث أجرى محادثات حاسمة مع رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني. كانت المحطة الأخيرة من جولته هي عُمان، حيث التقى بكبار المسؤولين، مما يعكس الجهود المستمرة التي تبذلها طهران للتنقل عبر شبكة معقدة من التوترات والصراعات الإقليمية.
تشعر القيادة الإيرانية بقلق متزايد بشأن الضربات الانتقامية الإسرائيلية المحتملة ردًا على عملية “الوعد الصادق 2”. وتضاف إلى مخاوفهم علامات تعميق المشاركة الأمريكية، خاصة بعد أن نشرت الولايات المتحدة أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة ثاد في إسرائيل، مما يشير إلى تصعيد محتمل ومشاركة أمريكية أوسع في الصراع. إن طهران تدرك تمام الإدراك هذه الديناميكية المتغيرة، كما أكد على ذلك التحذير الصارم الذي أطلقه عراقجي عندما قال “إن الولايات المتحدة تعرض حياة قواتها للخطر بنشرها أنظمة الدفاع الجوي في إسرائيل. وفي حين بذلنا جهودا هائلة لتجنب حرب إقليمية، دعوني أكون واضحا ــ ليس لدينا خطوط حمراء عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن شعبنا ومصالحنا”.
وبينما تستعد طهران لرد عسكري محتمل من تل أبيب، فإنها تسعى في الوقت نفسه إلى استراتيجية دبلوماسية قوية، وخاصة مع الدول العربية الرئيسية مثل المملكة العربية السعودية وقطر. وهذا يمثل تحولا ملحوظا في النبرة مقارنة بالفترة التي سبقت المصالحة السعودية الإيرانية، عندما أصدرت طهران تهديدات علنية مباشرة ضد الدول العربية التي تستضيف قواعد عسكرية أميركية خصوصاً بعد اغتيال قاسم سليماني والضربة الانتقامية التي وجهتها إيران إلى قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق. ومع ذلك، يبدو النهج الدبلوماسي الإيراني اليوم أكثر دهاء، حيث تهدف جهود عراقجي الحالية إلى الاستفادة من نفوذ دول الخليج لتخفيف حدة الإجراءات الأميركية والإسرائيلية.
إن أحد الجوانب الحاسمة في استراتيجية إيران ينطوي على تسخير الثقل الدبلوماسي لقطر والمملكة العربية السعودية للتأثير على السياسة الأميركية، وخاصة في كبح أو تخفيف الاستجابة العسكرية المحتملة لإسرائيل. وتلعب قطر، على وجه الخصوص، دوراً محورياً هنا. تشتهر قطر بدبلوماسيتها المتوازنة التي حافظت على علاقات قوية مع إيران والغرب والولايات المتحدة وهذا ما يجعلها وسيطاً رئيسياً في تعزيز الحوار. وقد وضعت جهود الوساطة المستمرة والنشطة التي تبذلها قطر نفسها كمفاوض موثوق به على الساحة العالمية. وكانت قدرتها على سد الفجوات ضرورية في الحد من التوترات الإقليمية وتعزيز الحلول الدبلوماسية. ومن خلال هذه القنوات الدبلوماسية، سعى عراقجي إلى تكثيف الجهود لتأمين وقف إطلاق النار في كل من لبنان وغزة، وحث الدول العربية على دعم الاستقرار الإقليمي بشكل جماعي.
وفي كل من عُمان وقطر، الدولتين المشهورتين بأدوارهما التاريخية كوسطاء محايدين، أكد عراقجي أن الدبلوماسية تظل المسار المفضل. لقد عملت عُمان لفترة طويلة كوسيط للمحادثات بين إيران والقوى الغربية، وخلال هذه الزيارة، دارت المناقشات حول الوساطة المحتملة لتهدئة التوترات الإقليمية. وفي الوقت نفسه، يُنظَر إلى قطر، بعلاقاتها الاستراتيجية الفريدة مع جميع اللاعبين الرئيسيين، باعتبارها شريكًا أساسيًا في توجيه المنطقة نحو السلام. ولا يتلخص هدف عراقجي في حماية المصالح الإيرانية فحسب، بل وأيضًا في الحفاظ على حزب الله اللبناني، الحليف الأكثر أهمية لإيران في المنطقة، وضمان عدم تقويض الضربات الإسرائيلية للبنية العسكرية لأحد أهم حلفائه في المنطقة.
من خلال تسليط الضوء على مخاطر الحرب الأوسع، تسعى إيران إلى حشد دعم جيرانها في الخليج في الدفع نحو مبادرة إقليمية منسقة تهدف إلى إرساء وقف إطلاق النار، وخاصة في لبنان، حيث تتجذر المصالح الاستراتيجية لإيران بعمق. ويؤكد هذا النهج المتعدد الجوانب، الذي يجمع بين الاستعداد العسكري والتواصل الدبلوماسي، على محاولة إيران التنقل عبر توازن القوى الهش في المنطقة مع منع المزيد من التصعيد.
العراق: منطقة عازلة هشة بقدرات محدودة
في العراق، تمتد أهداف إيران إلى ما هو أبعد من الاهتمام المباشر بالوجود العسكري الأميركي. تنظر طهران إلى العراق باعتباره دولة عازلة بالغة الأهمية، وهي الدولة التي قد يخدم موقعها الجغرافي كدرع أو جناح مكشوف في الصراع. ومن خلال الضغط الذي مارسه عراقجي على الحكومة العراقية لمنع الولايات المتحدة من شن هجمات على الأراضي الإيرانية، تحاول إيران ترسيخ نفوذها في العراق في حين تدفع إلى الوراء ضد أي تنسيق محتمل بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن العمليات العسكرية التي تستهدف الأصول الإيرانية.
ومع ذلك، فإن الضمانات التي حصل عليها وزير الخارجية الإيراني عراقجي من العراق رمزية في أحسن الأحوال. فالعراق، على الرغم من انحيازه السياسي إلى إيران إلى حد ما ــ وخاصة بين بعض الفصائل ــ يظل عُرضة للضغط. فالمشهد السياسي المجزأ في العراق، والاعتماد الشديد على المصالح الأميركية، والأهم من ذلك، البنية الأساسية غير المتطورة للدفاع الجوي، لا تترك لبغداد سوى القليل من الوسائل الملموسة لمنع إسرائيل أو الولايات المتحدة من استخدام مجالها الجوي في استهداف إيران. إن غياب نظام دفاعي متطور، مثل نظام إس-400 الروسي أو التقنيات المكافئة، يؤكد عجز العراق عن العمل كحاجز وقائي حقيقي لإيران.
وعلاوة على ذلك، يكشف هذا عن ثغرة بالغة الأهمية في حسابات الدفاع الإيرانية. فطهران قادرة على التأثير على العراق سياسيا ودبلوماسيا، لكنها لا تستطيع حماية نفسها من الهجمات التي يتم توجيهها عبر المجال الجوي العراقي. وتسمح التكنولوجيا العسكرية المتفوقة التي تمتلكها إسرائيل، وخاصة قدراتها على التخفي، لها بتجاوز دفاعات العراق بسهولة نسبية. وهذا يخلق معضلة استراتيجية لإيران، ففي حين يمكنها الاستفادة من نفوذها في العراق للحصول على ضمانات سياسية، فإنها لا تستطيع الاعتماد على العراق للحصول على حماية عسكرية ذات مغزى.
إن القيود الاستراتيجية التي تواجه إيران تمتد إلى ما هو أبعد من العراق. فدول الخليج، رغم قدرتها النظرية على حرمان إسرائيل من استخدام مجالها الجوي إلا أن طهران تدرك تمام الإدراك أن إسرائيل والولايات المتحدة قد ينسقون بسهولة، باستخدام مسارات المجال الجوي التي تتجاوز دول الخليج، لشن عمل عسكري منسق ضدها.
إن المسارات المحدودة القابلة للتطبيق لضربة إسرائيلية، عبر العراق وسوريا أو عبر البحر الأحمر دون الدخول في الأجواء الخليجية، تسلط الضوء على الجغرافيا المقيدة لإيران في سياق التهديدات الجوية. فسوريا، التي لا تزال مدمرة بسبب الحرب الأهلية، ليست في وضع يسمح لها بتقديم دعم دفاعي جوي قوي لإيران، على الرغم من تحالفها مع طهران مما يؤكد حاجتها إلى تحييد أي نقاط ضعف محتملة في المجال الجوي من خلال الوسائل الدبلوماسية مع الدول الإقليمية.
الأردن: لاعب رئيسي في الحسابات الإقليمية الإيرانية
لا يمكن التقليل من أهمية الأردن الاستراتيجية في استراتيجية الدفاع الإقليمية الإيرانية. فالأردن، الذي يقع بين إسرائيل والعراق وسوريا، يسيطر على المجال الجوي الحرج الذي يمكن أن تستخدمه إسرائيل في أي صراع مع إيران. ومع ذلك، أصبحت علاقة إيران بالأردن معقدة بسبب عدد من العوامل، بما في ذلك التوترات الحدودية ومخاوف الأردن بشأن تعدي المجموعات المسلحة المدعومة من إيران بالقرب من حدودها الشمالية في سوريا. وقد تفاقمت هذه المخاوف بسبب التدفق للمخدرات من سوريا إلى الأردن، والذي تعتبره عمان تهديداً لأمنها القومي.
إن قرار إيران بالتعامل مع الأردن دبلوماسياً يسلط الضوء على اعتراف طهران بأن الأردن ليس مجرد متفرج سلبي في ديناميكيات القوة الإقليمية، بل هو لاعب حاسم يمكن أن يسهل أو يعوق الإجراءات العسكرية الإسرائيلية. إن طمأنة وزير الخارجية الإيراني للأردن بأن إيران تحترم سيادته هي محاولة مدروسة لتخفيف التوترات ودق إسفين بين الأردن وإسرائيل، أو على الأقل منع عمان من التحالف الكامل مع تل أبيب في صراع إسرائيلي إيراني محتمل.
ومع ذلك، فإن علاقة الأردن بإسرائيل، وخاصة في سياق التعاون العسكري والمخاوف الأمنية المشتركة، تعقد المبادرات الدبلوماسية الإيرانية. إن حقيقة أن الصواريخ والطائرات بدون طيار الإيرانية عبرت المجال الجوي الأردني خلال الصراعات السابقة تؤكد كيف يجد الأردن نفسه محاصراً بين علاقاته بإسرائيل والعواقب المحتملة لطموحات إيران الإقليمية. إن طلب طهران من الأردن “تحييد” مجاله الجوي في حالة المواجهة الإسرائيلية الإيرانية يوضح محاولتها خلق مسار دبلوماسي جديد مع الأردن قد يبنى عليه نتائج مستقبلية أخرى يستثمرها الأردن في الحدود غير المستقرة مع سوريا.
إن الجهود الدبلوماسية الإيرانية، في هذا السياق، يمكن النظر إليها كوسيلة للتعويض عن نقاط ضعفها العسكرية. ففي حين تتمتع إيران بقدرات صاروخية هائلة وشبكة واسعة من الحلفاء الإقليميين، فإنها لا تزال معرضة للخطر عندما يتعلق الأمر بالهجمات الجوية من خصوم متفوقين تكنولوجياً مثل إسرائيل. إن عقيدة الدفاع الإيرانية مبنية إلى حد كبير حول الحرب غير المتكافئة والردع من خلال الضربات الصاروخية وشبكات الوكلاء، ولكن عندما يتعلق الأمر بالهجمات الجوية عالية التقنية، تجد طهران نفسها في موقف أضعف.
من خلال محاولة تأمين ضمانات المجال الجوي من كل من العراق والأردن، تحاول إيران في الأساس كسب الوقت وخلق حواجز دبلوماسية يمكن أن تبطئ أو تعقد أي ضربة إسرائيلية أو أمريكية مستقبلية. تعكس هذه التحركات اعتراف إيران بأنها لا تستطيع الاعتماد فقط على الوسائل العسكرية لحماية حدودها بل إنّ الدبلوماسية هي أداة حاسمة في استراتيجيتها للتخفيف من التهديدات والحفاظ على توازن القوى.
ومع ذلك، فإن هذا النهج ليس خاليًا من المخاطر. إن الضمانات الدبلوماسية ليست قاطعة، كما أن العراق والأردن يخضعان لضغوط شديدة من قِبَل جهات إقليمية أخرى، وخاصة الولايات المتحدة.
جسر الفجوات: أول زيارة إيرانية لمصر بعد 12 عاماً من القطيعة
تشكل الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني إلى مصر لحظة محورية، حيث تعد الأولى من نوعها منذ أكثر من عقد من الزمان، حيث كان آخر لقاء من هذا القبيل في عهد علي أكبر صالحي. وتكتسب هذه الزيارة أهمية خاصة على خلفية الديناميكيات المتغيرة في العلاقات الإيرانية المصرية. وقد تطور جوهر النزاع، حيث يدور التوتر اليوم في المقام الأول حول دعم إيران لجماعة أنصار الله الحوثية. وكان لتزويد إيران لهذه المجموعة بالصواريخ، والتي تستخدم لاستهداف السفن وناقلات النفط الغربية والإسرائيلية في البحر الأحمر، آثار عميقة على المصالح الاقتصادية لمصر وتحديداً قناة السويس، الشريان الحيوي للتجارة العالمية.
كشف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن بلاده تكبدت خسائر مالية كبيرة بسبب هذه التوترات الإقليمية. وأكد أن عائدات قناة السويس المصرية انخفضت بنسبة 50-60٪، مما يعني خسارة تزيد عن 6 مليارات دولار في ثمانية أشهر فقط. إن هذا التراجع يرجع إلى حد كبير إلى تحويل حركة الشحن إلى طرق بديلة، حيث تسعى الشركات إلى تجنب التهديد الذي تشكله الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر ناهيك عن أن استمرار هذا الوضع سوف يدفع الدول إلى تحييد قناة السويس ومصر عبر خلق مسارات برية مستدامة.
وصف وزير الخارجية الإيراني مناقشاته مع الرئيس السيسي بأنها صريحة وبناءة. وأقر الطرفان بضرورة تخفيف حدة التوترات، وخاصة فيما يتعلق بالجرائم الإسرائيلية الجارية في غزة ولبنان. وفي حين كان هناك إجماع على أهمية إرساء وقف إطلاق النار، أقر عراقجي أيضًا بأن الخلافات لا تزال قائمة، رغم أنه وصفها بأنها “طبيعية” في سياق العلاقات الدولية المعقدة.
وبعيدًا عن هذه الجهود الدبلوماسية المباشرة، تسعى إيران إلى حشد الدعم الإقليمي الأوسع، وخاصة من الدول التي لديها اتفاقيات سلام رسمية مع إسرائيل، مثل مصر والأردن. وتتمثل استراتيجية طهران في التأثير على هذه الدول لتبني موقف أكثر حزما ضد إسرائيل، وخاصة فيما يتعلق بالوضع في غزة ولبنان. وتأمل إيران في التأثير على هذه الدول للامتناع عن دعم أو تسهيل الأعمال العسكرية الإسرائيلية، والتركيز بدلاً من ذلك على دمج أزمة لبنان في مفاوضات وقف إطلاق النار الأوسع المختصة بغزة. إن هذه الخطوة حيوية بالنسبة لإيران، حيث تهدف إلى الحفاظ على حليفها الأكثر نفوذاً في المنطقة، حزب الله.
خاتمة
إن الجولة الإقليمية الأخيرة التي قام بها عباس عراقجي، في أعقاب عملية الصواريخ “الوعد الصادق 2″، تؤكد على استراتيجية إيران المدروسة المتمثلة في الجمع بين الهجمات العسكرية والجهود الدبلوماسية لتعزيز موطئ قدمها في الشرق الأوسط. ولا يهدف هذا النهج المزدوج إلى حشد الجهات الفاعلة الإقليمية ضد إسرائيل فحسب، بل وأيضاً إلى إحباط أي تحركات انتقامية محتملة من شأنها أن تعرض نفوذ إيران للخطر. ومن خلال هذه الجولة، ترسل إيران إشارات دبلوماسية خفية وواضحة، تحث الدول العربية على مقاومة فتح مجالها الجوي أمام القوات الإسرائيلية، التي يمكن استخدامها لاستهداف إيران بشكل مباشر.
وتركز جهود عراقجي أيضاً على تأمين وقف إطلاق النار الذي يتناول لبنان وغزة، بما يتماشى مع أجندة إيران الأوسع نطاقاً لحماية مصالحها الاستراتيجية. ويتمثل جوهر هذه الجهود في الحفاظ على حزب الله، حليف إيران الأقوى في لبنان، وضمان استمرار نفوذها في المنطقة. ومن خلال نسج العمل العسكري مع الحوار الدبلوماسي، تناور إيران تكتيكياً للحفاظ على الدعم الإقليمي ومواجهة أي تهديدات من شأنها أن تقوض موقفها، وكل ذلك في حين تدفع باتجاه إطار لوقف إطلاق النار يخدم أهدافها طويلة الأجل. في جوهرها، تمثل جولة عراقجي جهداً إيرانياً دقيقاً لمعايرة موازين القوة في الشرق الأوسط من خلال القوة والمفاوضات، ووضع نفسها كلاعب رئيسي في تشكيل ديناميكيات المنطقة في المستقبل.