‏سياسات الهجرة إلى الولايات المتحدة: بين التنافس السياسي والصراع على الهوية

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
11/02/2024
شارك المقالة

يتوجه أكثر من مائتي مليون ناخب أمريكي المقيدين في سجلات الإقتراع في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر 2024 إلي صناديق الإنتخاب للتصويت في الإنتخابات الرئاسية لإختيار الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة.

ويأتي علي سلم أولويات الناخب الأمريكي مجموعة محددة من قائمة الموضوعات المطروحة عليه من قبل الحملات الانتخابية للمرشحين من بينها مسائل الاقتصاد بشكل عام و كيفية معالجة التضخم والإنفاق الحكومي والتأمين الصحي و بطبيعة الحال سياسات الهجرة والحقوق والحريات الفردية وحمل السلاح ، ثم بعد ذلك ، السياسة الخارجية والحرب في الشرق الأوسط والتي تحتل ذيل أولويات الناخب الأمريكي.

وتجدر الإشارة إلي ان أهمية ملف الهجرة تكمن في إرتباطه بالعديد من الموضوعات الأخري حيث يؤثر ويتأثر في مسائل الإقتصاد وسوق العمل والأمن القومي للحددود وأيضاً الإنفاق الحكومي. 

 

رؤى متباينة لهوية الولايات المتحدة

ويطرح كلاً من المرشحين للرئاسة الأمريكية كامالا هاريس و دونالد ترامب  رؤى مغايرة تماما لممستقبل و هوية الولايات المتحدة .

فمن ناحية، فإن رسالة هاريس تتمحور حول ترسيخ مزيداً من الحريات الفردية وتقبل الأقليات ، حيث تركز حملتها علي القضايا الإنجابية ، بما في ذلك تكريس  الحق في الإجهاض والحفاظ على الديمقراطية ، بينما تحاول أن تنأي بنفسها عن سياسات بايدن في ملفات الاقتصاد و الحرب في الشرق الأوسط.

أما ترامب، فإنه يعيد إنتاج رؤيتة لما يطلق عليه “جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” Make America Great Again. ويتصدرملف الهجرة – بالإضافة إلي التضخم – قائمة أولويات حملته ، حيث تسعي إلي تصوير هاريس علي أنها مجرد إمتداد لسياسات الرئيس جو بايدن ، ومن ثم يوجه لها ذات الإنتقادات والإتهامات بالتراخي في تدقيق بل وغض الطرف عن تدفق المهاجرين غير الشرعيين عبر الحدود الجنوبية .

 

تطور قوانين الهجرة في الولايات المتحدة و أهم محطات العداء للمهاجرين

إن مسار القوانين المنظمة للهجرة في الولايات المتحدة خلال القرنين الماضيين يشي بموجات من تغير المزاج الأمريكي العام وموقفه من المهاجرين

يخطئ من يتصور أن السياسات المعادية للمهاجرين التي ما ينفك يفصح عنها الرئيس السابق ترامب ومن ورائه اليمين الأمريكي المحافظ ممثلاً في الحزب الجمهوري ظهرت لأول مرة في سنوات العقدين الماضيين.

إذا تتبعنا تطور القوانين المنظمة للهجرة في الولايات المتحدة وما صاحبها من تقلبات في مشاعر العداء أحيانا وفتح الأبواب للمهاجرين أحيانا أخرى ، فإنه يمكننا أن نلحظ أن القرنين الماضيين شهدا موجات من تغير المزاج الأمريكي العام الذي أرتبط بالتطورات السياسية والإقتصادية سواء على الساحة الداخلية أو الدولية مما أدي إلى نشأة جماعات و أحزاب تعادي المهاجرين و من ثم استطاعت أن تؤثر في سياسات الحكومة الأمريكية لتقليص أعداد هم ، بل وإستهدفت هذه الإجراءات أحيانا حظر مجموعات عرقية أو اجناس محددة من دخول إلي  الولايات المتحدة من الأساس.

تأسيس أول مجموعة مناهضة للمهاجرين

ولقد تاسس أول حزب مناهض للمهاجرين القرن قبل الماضي في أمريكا وهو حزب Know Nothings ،  والذي تشكل كأول رد فعل عنيف لوضع حد للأعداد المتزايدة من المهاجرين الألمان والأيرلنديين الذين إستقروا في الولايات المتحدة.

ثم أصدرت بعض الولايات في عام 1875 وذلك بعد الحرب الأهلية قوانين الهجرة الخاصة بها حتي أصدرت المحكمة العليا حكمها القاضي بإختصاص الحكومة الفيدرالية دون غيرها بتننظيم و إنفاذ قوانين و لوائح الهجرة.

ثم جاءت الموجة الثانية من الهجرات إلي الولايات المتحدة  بين عامي 1880 و 1920 عندما بدأت  الطفرة الإقتصادية التي حدثت في مجال التصنيع والعمران ، حيث وصل أكثر من 20 مليون مهاجر معظمهم من جنوب وشرق ووسط أوروبا وإستقر الكثير منهم في المدن الأمريكية الكبرى.

 تدفق المهاجرين الصينيين إلي الولايات المتحدة في خمسينيات القرن التاسع عشر وإصدار قانون عام 1882 كأول إجراء تشريعي في التاريخ الأمريكي  حظر هجرة الصينيين بوصفهم مجموعات عرقية بعينها

و في عام 1882، وبسبب تدفق المهاجرين الصينيين إلي الولايات المتحد ، تم إقرار قانون إقصاء الصينيين – والذين كان معظمهم من العمال الذين عملوا في مناجم الذهب ومصانع الملابس وشيدوا الطرق و السكك الحديدية – و حظر هذا القانون دخولهم إلي الولايات المتحدة.

و لقد كان صدور هذا القانون هو بمثابة رد فعل لتنامي مشاعرالكراهية و المعاداة للعمال الصينيين من قبل الأغلبية البيضاء ، على الرغم من أن المهاجرين الصينيين لم يشكلوا سوي أقل من واحد بالمائة من سكان الولايات المتحدة ، حيث وجهت لهم الإتهامات بتشويه هياكل الأجور وسوق العمل ومنافسة الأيدي العاملة المدربة.

قوانين ما بعد الحرب العالمية الأولي

فرض قانون الهجرة الصادر في عام 1924 قيود صارمة علي أعداد المهاجرين المصرح لهم بدخول الولايات المتحدة سنوياً وذلك من خلال تحديد حصص لهجرة بعض الجنسيات.

إلا أن هذا القانون منح معاملة تفضيلية للمهاجرين من دول شمال وغرب أوروبا مثل بريطانيا وأيرلندا وألمانيا بما يعادل70 في المائة من جميع التأشيرات المتاحة. و علي النقيض، كانت الهجرة من جنوب ووسط وشرق أوروبا محدودة. وإستبعد هذا القانون تماما المهاجرين من آسيا ، باستثناء الفلبين ، التي كانت مستعمرة أمريكية في ذلك الوقت.

مما سبق يتضح ان تقلبات سياسات الهجرة دارت وتماهت مع صعود أو هبوط الإقتصاد الأمريكي والحروب و الأزمات السياسية في الداخل الأمريكي أو في الوضع الدولي ، مما إنسحب بالتبعية علي الخطاب السياسي الأمريكي وتارجحه بين خطاب شعبوي إقصائي أحياناٌ او كونه خطاباُ عقلانياً متصالح و براجماتي تحكمه مواءمات الإقتصاد والمصلحة أحياناً أخري.

تأجج مشاعر الكراهية للمهاجرين و الإستقطاب السياسي في بدايات القرن الحالي

عادت إلي السطح بل و أشتعلت مرة أخرى مشاعر العداء وكراهية المهاجرين في بداية هذا القرن وبالأخص بعد وصول الحزب الجمهوري إلي الحكم و سيطرة جماعات المحافظين الجدد عليه و كذلك تداعيات أحداث سبتمبر 2001.

 ثم ضربت الأزمة الاقتصادية عام 2008 والتي عرفت بأزمة الرهون العقارية وما تخللها من إفلاسات وتسريح للعمالة وغلق للمصانع.

وأخيراً أدي وصول باراك أوباما إلي الليت الأبيض – كأول رئيس أمريكي من أصول إفريقية – إلى تحرك اليمين المحافظ  و سبب ذلك تصاعد الاستقطاب الداخلي وتأسست حركة حفل الشاي Tea party والتي كانت وراء ترشيح و إيصال ترامب الي البيت الأبيض في 2016.

تميز ترامب بالوفاء بوعوده الانتخابية خاصة في مسائل الهجرة

أما في الوقت الراهن، فقد أتسمت سياسات الهجرة التي طبقتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق ترامب بعدة خصائص.

‏ولعل أهم هذه الخصائص تمثل في وفاءه بكل التعهدات والوعود التي قطعها علي نفسه أمام مؤيديه من خلال التصريحات التي أدلي بها أثناء حملته الانتخابية.

 اتخذ ترامب إجراءات عملية علي الأرض فورإنتخابه و دخوله إلي البيت الأبيض حيث أصدرحزم من الأوامر الرئاسية

‏ وذلك للوفاء بتلك التعهدات والوعود وإدخالها حيز التنفيذ.

ويأتي على قائمة هذه الوعود التي كان قد أخذها ترامب على عاتقه أثناء حملته الانتخابية الأولي هو حظر دخول المسلمين من جنسيات معينة من دول الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة الأمريكية وفاءاً للوعد الذي قد قطعه على نفسه في أعقاب العملية الإرهابية التي وقعت في أحد ملاهي فلوريدا في صيف2016.

وبناء عليه ، أصدر ترامب بمجرد انتخابه أمراً رئاسياً يحظر دخول المسلمين من سبع دول عربية وإسلامية إلى الولايات المتحدة.

وعلي الرغم من أن هذا القرار قد عطل قضائياً ،فإن وزارة الخارجية والسفارات الأمريكية في الخارج وضعت عقبات وقيدت عملياً تسهيلات و إجراءات الدخول إلي الولايات المتحدة ، بل وألغت في كثير من الأحيان التأشيرات لاسباب غير مفهومة.

من جهة أخرى ، قام ترامب بمحاولات عديدة للتضييق على طالبي اللجوء إلى الولايات المتحدة سواء من خلال وقف برامج مفوضية اللاجئين التابعة للامم المتحدة ، من ناحية ، مثل ما فعله مع اللاجئين السوريين ، أو من ناحية أخري، سعيه لفرض رسوم على طلبات اللجوء التي ظللت لعقود بلا رسوم على أساس أن طالبي اللجوء هم من المطاردين أو المحرومين من حقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

حاول أيضاً ترامب إلغاء برنامج الأحلام  “Dreamers”والمعروف باسم  “DACA” وهو البرنامج الذي كان قد أقره الرئيس الأسبق بأراك أوباما لتمكين الأطفال الذين اصطحبتهم اسرهم في رحلات الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة.

 أراد ترامب إلغاء البرنامج وترحيل هذه الشريحة العمرية إلي بلادهم الأصلية بعيد أن أقاموا وإستقروا في  أمريكا طيلة حياتهم والتحقوا بالمدارس وبالتالي صارت الولايات المتحدة محل إقامتهم  فلا مكان لهم غيره للعيش فيها.

قام أيضا ترامب بإلغاء كل القرارات التي منحت بعض المقيمين في الولايات المتحدة من جنسيات معينة حماية مؤقتة ضد الترحيل Temporary Protected Status TPS والذي أستفاد منه مواطني دول مثل السلفادور وهندوراس ، حيث قرر عدم تجديد هذه الحماية لمدد أخرى أو إلغاءها كلياٌ على الرغم أن هذه الحماية كان بعضها قد صدر منذ اكثر من 20 عاما لحماية مواطني تلك الدول من أزمات سياسية أو كوارث طبيعية عصفت ببلدانهم. هؤلاء أيضاٌ صارت الولايات المتحدة بعد مرور كل هذه السنوات موطنهم .

وبالرغم من أن كثير من هذه النظم والقرارت و الأوامر التنفيذية تم الطعن عليها فورا أمام القضاء الأمريكي الأمرالذي أدى في معظم الأحوال إلى تفريغها من مضامينها وتأثيرها المرجو ، إلا أن  تعليمات ترامب الإدارية ، والغير رسمية ،  ألتفت علي أحكام القضاء وكذلك ساعدت طبيعة ما قام به من تعيينات لكبار موظفي إدارة الهجرة ،بل وغيرها من الخطوات عملت علي إبطاء العمل اليومي وتعاظم دور البيروقراطية التي ، وإن لم تستطيع تفعيل قراراته التنفيذية ، إلا أن فكرها وعقيدتها السياسية كان حلضراً و كفيللإً بتغيير أسلوب عمل موظف الهجرة.

نتج عن ذلك المناخ أيضاً تعطيل الكثير من طلبات الهجرة المشروعة – والتي أدعي ترامب أنه سيدعمها و يشجعها – وهي الخاصة بتراخيص العمل لذوي المواهب والمؤهلات وطلبات الضم الأسري . لقد ابتكرالدولاب الإداري حيل و عقبات تنظيمية لخنق ملف الهجرة و تحقيق غاية سياسية طالما أن القضاء الأمريكي قد أفشل مساعي ترامب التنفيذية.

 

خطط ووعود ترامب في إنتخابات 2024

نشرت جريدة الواشنطون بوست في صحفتها السياسية في عددها الصادر في20 من شهر سبتمبرالماضي مقارنة بين مواقف المرشحين من ملف الهجرة.

أشارالموضوع إلي إعتزام ترامب القيام بترحيل أعداد من المهاجرين غير الشرعيين تفوق أكبر عملية ترحيل جماعي للمهاجرين غير الشرعيين تمت في التاريخ الأمريكي وذلك في إشارة إلى العملية التي تمت في خمسينيات القرن العشرين في عهد الرئيس أيزنهاور المعروفة باسم “عملية “Wetback”.

يعتزم ترامب تجميع المهاجرين غير الشرعيين في مخيمات جماعية وتطبيق اَليات قانونية فورية لترحيلهم تعرف باسم “الترحيل المعجل”.

وفي مارس 2023 ، قال ترامب إنه سيعين المزيد من وكلاء إنفاذ القانون لإنجازعمليات الترحيل الجماعي وأكد أنه سيستخدم موارد الولايات والموارد المحلية والفيدرالية والعسكرية اللازمة لتنفيذ أكبر عملية ترحيل في التاريخ الأمريكي.

وقد وعد ترامب كذلك ، في إطار حملته الإنتخابية ، بالقيام بعمليات ترحيل جماعي في فترة ولايته الثانية وأشار إلى أنه قد ينشر الجيش كجزء من هذا الجهد. 

لا شك أن ترامب سيكون أكثر تصميماً  بالتأكيد علي تنفيذ سياساته الخاصة بالهجرة والتي قام ببعضها خلال فترة الرئاسة السابقة.

سيسارع ترامب جاهداً إلى تكثيف هذه الإجراءات لتحقيق وعود ه الانتخابية لإرضاء اليمين المحافظ الداعم له بقوة والمتحفزو المستقطب بعد أن خبر عن كثب حكم الديمقراطيين في ظل إدرة بايدن وأدرك ألا مخرج له سوي المزيد من التمترس في بؤرة الإستقطاب و الوقوف خلف سياسات ترامب المخلص لهم من شرور المهاجرين.

شارك المقالة

اشترك في نشرتنا الاخبارية