ستراتفور: هل يلوح صراع إسرائيلي – مصري في الأفق؟

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
09/24/2025
شارك المقالة

لن يؤدي الحشد العسكري المصري في شبه جزيرة سيناء إلى إشعال حرب مع إسرائيل، لكنه سيرفع من خطر وقوع حوادث حدودية متفرقة خلال الأشهر المقبلة. وإذا لم تُخفِّض مصر وجودها العسكري، فقد تلجأ إسرائيل إلى الضغط عليها عبر تعليق صفقة طاقة كبرى لإجبارها على تنويع مصادر الطاقة. ووفقًا لتقرير لموقع «أكسيوس» في 20 أيلول/سبتمبر نقلًا عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، فقد طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، خلال زيارته لإسرائيل في الفترة من 14 إلى 16 أيلول/سبتمبر، الضغط على مصر لتقليص عدد قواتها المنتشرة في سيناء. ويأتي هذا الكشف بعد أن نشرت مصر نحو 40 ألف جندي في سيناء أواخر آب/أغسطس لتعزيز وجودها العسكري قرب حدود قطاع غزة، في تنسيق مع الجيش الإسرائيلي تمهيدًا لتوسيع العمليات البرية الإسرائيلية في غزة. ورغم التنسيق الحذر على زيادة القوات، أفاد «أكسيوس» بأن مسؤولين إسرائيليين زعموا وجود انتهاكات مصرية أوضح لمعاهدة السلام الموقعة عام 1979، تشمل توسيع مدارج يمكن أن تستخدمها مقاتلات حربية، وبناء بنى تحتية عسكرية في مناطق لا يُسمح فيها سوى بالأسلحة الخفيفة، وإنشاء منشآت تحت الأرض قد تُخزَّن فيها صواريخ، رغم عدم وجود دليل حاليًا على وجود صواريخ مخزنة هناك.

تحدد معاهدة السلام الموقعة عام 1979 بين مصر وإسرائيل عدد القوات المسموح لمصر بنشرها في سيناء بنحو 26 ألف جندي، مع السماح بعدد محدود من عناصر الأمن قرب الحدود. ومع ذلك جرى سابقًا منح استثناءات بتنسيق متبادل، كما حدث عام 2011، لتمكين القوات المصرية من مكافحة الإرهاب في سيناء. وخلال الحرب بين حماس وإسرائيل، كرر المسؤولون المصريون أن أي خطة إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين قسرًا، وهو ما يخشونه لأنه قد يؤدي إلى تدفق جماعي للاجئين نحو سيناء، تمثل «خطًا أحمر». وتشير بعض التقديرات إلى أن العمليات العسكرية الإسرائيلية الموسعة للسيطرة على مدينة غزة وتوسيع وجودها العسكري في مخيمات اللاجئين وسط القطاع قد تدفع ما يصل إلى مليون فلسطيني نحو الجنوب باتجاه الحدود المصرية.

شهدت المعابر الحدودية حوادث متفرقة سابقًا. ففي حزيران/يونيو 2023، دخل أحد عناصر الأمن المصري إلى داخل الأراضي الإسرائيلية وقتل ثلاثة جنود إسرائيليين وأصاب اثنين آخرين. وفي أيار/مايو 2024، قُتل جندي مصري في اشتباك حدودي مع جنود إسرائيليين. وفي الحالتين، جرى احتواء الموقف سريعًا لتفادي مزيد من التصعيد.

يعكس الحشد العسكري المصري في سيناء قلقًا متزايدًا من الاستراتيجية الإسرائيلية التوسعية والمجازفة إقليميًا، والخشية من أن تخطط إسرائيل لدفع الفلسطينيين نحو سيناء. فمنذ هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أظهر نتنياهو مرارًا درجة عالية من تقبّل المخاطر، إذ يواصل حملة «الضغط الأقصى» ضد حماس رغم الإدانات الدولية المتزايدة للحملة العسكرية في غزة والمنطقة الأوسع. وقد غذّت هذه الاستراتيجية الإسرائيلية، إلى جانب تحركات الفلسطينيين جنوبًا نحو الحدود المصرية، مخاوف القاهرة من التهديد الأمني الإسرائيلي. وتصاعد التوتر بعدما هددت إسرائيل أمن الطاقة المصري، إذ أفادت تقارير بأن نتنياهو أمر وزير الطاقة إيلي كوهين بإعادة النظر في صفقة «ليفياثان» البالغة قيمتها 35 مليار دولار، والموقعة في آب/أغسطس 2025، لتوسيع صادرات الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى مصر حتى عام 2040. وازداد التوتر أكثر بعد هجوم إسرائيلي في 9 أيلول/سبتمبر استهدف قيادة حماس في الدوحة بقطر، وهو أول هجوم إسرائيلي مباشر على دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي. وخلال القمة العربية – الإسرائيلية الطارئة المنعقدة في 14 و15 أيلول/سبتمبر لبحث الرد، ألمح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أن إسرائيل «هي العدو»، في تحول لافت عن الخطاب المصري المعتاد الذي يصف العلاقة مع إسرائيل بالبراغماتية.

عقب هجوم الدوحة، صرح نتنياهو بأن إسرائيل ستستهدف قيادة حماس أينما كانت، ما أثار احتمال تنفيذ هجمات على الأراضي المصرية. وخلال مفاوضات التهدئة بوساطة مصرية، زار كبار قادة حماس القاهرة مرارًا لبحث أحدث المقترحات وشروط التوصل إلى اتفاق. وجاء هجوم الدوحة بينما كان قادة حماس يراجعون مقترحًا لوقف إطلاق النار بدعم أميركي.

تعتمد مصر على واردات الغاز الطبيعي الإسرائيلي لتلبية نمو الطلب المحلي، إذ يشكل الغاز الإسرائيلي نحو 15 إلى 20 في المئة من استهلاكها. ورغم استيراد القاهرة لشحنات من الغاز الطبيعي المسال لدعم احتياجاتها، يظل الغاز الإسرائيلي أرخص كلفة. وقد عطلت الصراعات الإسرائيلية أحيانًا صادرات الغاز إلى مصر، مثلما حدث عندما أُوقفت عمليات حقل «ليفياثان» احترازيًا أثناء فترات التوتر.

مع ذلك، يظل احتمال اندلاع صراع مسلح بين مصر وإسرائيل ضعيفًا للغاية. فالقاهرة تعتبر معاهدة السلام مع إسرائيل حجر زاوية في أمنها القومي، رغم قلقها المتزايد من السلوك العسكري الإسرائيلي. فالمعاهدة لا تضمن فقط حدودًا مستقرة، بل تسهل التعاون في مجالات الأمن والاقتصاد والطاقة. ومن غير المرجح أن تغامر مصر بخرق اتفاق السلام أو المخاطرة بقطع المساعدات العسكرية الأميركية الحيوية، والتي بلغت 1.2 مليار دولار في عام 2023، وهي ثاني أكبر مخصص بعد إسرائيل التي تلقت نحو 3.3 مليارات. من جانبها، لا تميل إسرائيل إلى استهداف مصر لاعتمادها على تعاونها الأمني. كما تبقى معاهدة السلام مع القاهرة ذات قيمة رمزية واستراتيجية لإسرائيل؛ فمصر كانت أول دولة عربية تعترف بإسرائيل رسميًا، وتلعب دور الوسيط في محادثات وقف إطلاق النار مع حماس، خاصة بعد تعليق قطر لدورها عقب هجوم الدوحة، فضلًا عن كونها خصمًا عسكريًا قويًا بفضل جيشها الكبير. والأهم أن الجيش الإسرائيلي منهك بالفعل، إذ يدير في الوقت نفسه حربه مع حماس، واحتلال الضفة الغربية، وترسيخ مكاسبه العسكرية في لبنان وسوريا، والتحضير لاحتمال مواجهة إضافية مع إيران. لذلك سيحرص الطرفان على الحفاظ على سلامهما الهش والدائم، لا بدافع الثقة، بل بحكم الضرورة البراغماتية.

مع ذلك، يبقى احتمال تصاعد حوادث أمنية موضعية قائمًا، بما قد يفضي إلى أزمات قصيرة الأمد في الأشهر المقبلة. فقلق مصر يستند أساسًا إلى سلوك إسرائيل خلال حربها مع حماس واستراتيجيتها الأمنية المتشددة، ما دفع القاهرة إلى حشد عسكري واسع على الحدود لإظهار الردع. ورغم أن هذا الحشد ذو طابع دفاعي على الأرجح، إلا أنه يزيد كثافة القوات المسلحة قرب الحدود مع إسرائيل، وهو ما يرفع احتمالات الحوادث أو سوء التقدير. وخلال العامين الماضيين، وقعت عدة حوادث إطلاق نار عبر الحدود أدت إلى سقوط قتلى إسرائيليين، ما يظهر أن تبادل إطلاق نار محدود قد يتحول سريعًا إلى أزمة سياسية. أما إسرائيل، المنهمكة على جبهات متعددة، فترى أن مواجهة مع مصر غير مرغوبة استراتيجيًا، لكن عقيدتها العسكرية المتزايدة العدوانية ترفع خطر ردود سريعة وعنيفة على أي حادث حدودي. في المقابل، يفرض الرأي العام المصري، ومعه قطاعات في الجيش، ضغوطًا على القاهرة لإظهار الصلابة وتجنب الظهور بمظهر المتواطئ مع ما يُنظر إليه كجرائم إسرائيلية. ونتيجة لذلك، قد تؤدي الخلافات السياسية، خصوصًا بشأن الوضع الإنساني في غزة وإدارة الحدود وتهجير الفلسطينيين، إلى اندلاع تحركات محدودة مثل اشتباكات حدودية أو عمليات إطلاق نار أو تبادل مدفعي قصير. ورغم أن هذه الحوادث لن تتطور على الأرجح إلى صراع طويل، إلا أنها ستختبر متانة معاهدة السلام وتزيد من تعقيد جهود الوساطة لإنهاء الحرب في غزة.

غالبًا ما تتهم إسرائيل مصر بغض الطرف عن أنفاق وشبكات تهريب بين غزة وسيناء، فيما تعتبر القاهرة هذه الادعاءات ذات دوافع سياسية. وقد تعيد إسرائيل إثارة هذه القضية في الأشهر المقبلة، خصوصًا إذا أرادت صرف الأنظار عن استمرار قوة حماس في غزة. وإذا لم تخفض مصر قواتها قرب الحدود، فقد تعلّق إسرائيل صفقة «ليفياثان»، ما سيجبر القاهرة على تنويع مصادر الطاقة. غير أن استيراد مزيد من الغاز الطبيعي المسال الأكثر كلفة سيزيد الضغوط على الاقتصاد المصري. ومن المرجح أن تواصل إسرائيل استخدام صفقة «ليفياثان» كورقة ضغط لدفع مصر إلى تقليص وجودها العسكري ووقف بناء المنشآت العسكرية في سيناء. وإذا لم تُقدِم القاهرة على خفض كبير لقواتها، قد تُعلّق إسرائيل الصفقة، ما يلقي بظلال من الشك على مستقبل صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر. وسيؤدي أي توقف طويل للإمدادات إلى تحفيز مصر على تنويع مصادر الطاقة عبر شراء المزيد من شحنات الغاز المسال، رغم ارتفاع تكلفتها. وقد أمنت القاهرة بالفعل شحنات من «أرامكو» السعودية و«شل» و«ترافيغورا» حتى مطلع عام 2026. ومن المتوقع أن يرتفع المعروض العالمي من الغاز المسال خلال السنوات المقبلة مع دخول إمدادات جديدة من قطر والولايات المتحدة، لكن تعويض الإمدادات الإسرائيلية المفقودة سيظل في البداية أكثر تكلفة. ورغم امتلاك مصر احتياطيات أكبر من العملات الأجنبية تمنحها مرونة في زيادة الواردات، فإن اقتصادها لا يزال هشًا، وزيادة كلفة الطاقة ستضيف مزيدًا من الضغوط وقد تؤجج التضخم.

في المرحلة الأولى من صفقة «ليفياثان»، ستزود إسرائيل مصر بنحو 20 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا ابتداءً من عام 2026 بعد ربط خطوط أنابيب إضافية، أي ما يقارب ضعف حجم عام 2024. وكان من المتوقع أن تقلل الصفقة واردات مصر من الغاز المسال بما بين 1 و2 مليار متر مكعب سنويًا. وبين أواخر 2024 وبداية 2026، أمنت القاهرة نحو 11 مليار متر مكعب من الغاز المسال. وبلغت احتياطيات مصر من النقد الأجنبي مستوى قياسيًا قدره 49.25 مليار دولار في آب/أغسطس، بعد اتفاق موسع بقيمة 8 مليارات دولار ضمن برنامج قرض صندوق النقد الدولي، وصفقة استثمارية مع شركة تطوير إماراتية، واتفاق شراكة استراتيجية مع الاتحاد الأوروبي، إلى جانب زيادة التحويلات المالية.

شارك المقالة
مقالات مشابهة