المصدر: ستراتفور
نص الترجمة:
في 26 مارس/آذار، أعلن القائد العام للقوات المسلحة السودانية، عبد الفتاح البرهان، أن الجيش استعاد العاصمة الخرطوم من قوات الدعم السريع شبه العسكرية. جاء ذلك وسط مكاسب مستمرة للقوات المسلحة السودانية داخل المدينة ومحيطها خلال الأسابيع الأخيرة، مما دفع قوات الدعم السريع إلى سحب قواتها إلى غرب نهر النيل أواخر مارس/آذار.
مع ذلك، أصرّ قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان “حميدتي”، في 30 مارس/آذار، على أن قواته أعادت تمركزها تكتيكيًا خارج الخرطوم، وتعهد بمواصلة قتال القوات المسلحة السودانية. منذ انسحاب قوات الدعم السريع من الخرطوم، استمرت الاشتباكات بين الجانبين في مدينة أم درمان، المدينة التوأم للعاصمة، الواقعة على الضفة المقابلة لنهر النيل.
علاوة على ذلك، هدد نائب قائد قوات الدعم السريع، عبد الرحيم حمدان دقلو، شقيق حميدتي، بمهاجمة ولايتي شمال السودان ونهر النيل، مع تقارير غير مؤكدة من وسائل إعلام محلية تشير إلى أن القوات المسلحة السودانية تستهدف تجمعات قوات الدعم السريع غرب محلية الدبة في الولاية الشمالية.
يأتي استيلاء القوات المسلحة السودانية على الخرطوم في خضمّ سلسلة من الهزائم العسكرية لقوات الدعم السريع في جنوب شرق السودان، ويُقيّد بشكل كبير نشاط هذه المجموعة شبه العسكرية غرب النيل. ستُمكّن المكاسب الجديدة ضد قوات الدعم السريع القوات المسلحة السودانية من الحفاظ على دعم مُستمرّ من رعاتها الأجانب، وتحديدًا روسيا وإيران. علاوة على ذلك، يُمثّل ترسيخ سيطرتها على العاصمة نصرًا رمزيًا يُساعدها على ترسيخ مكانتها كحكومة شرعية وحيدة في السودان.
ولتحقيق هذه الغاية، يُرجّح أن تُعلن القوات المسلحة السودانية عن تشكيل حكومة تكنوقراط خلال الأسابيع أو الأشهر القليلة المُقبلة. وهذا من شأنه أيضًا أن يُساعدها على إدارة العاصمة بشكل أفضل، وفي نهاية المطاف، إعادة استخدام مطارها المُتضرر بشدة لتمكين شحنات الإمدادات العسكرية، مما قد يُسهّل تدفق المساعدات الإنسانية إلى وسط السودان.
رغم النكسة الكبيرة التي مُنيت بها قوات الدعم السريع، يُشير تحدي حميدتي إلى أن الجماعة لن تسعى للسلام في الأشهر القليلة المقبلة. بل من المرجح أن تُضاعف قوات الدعم السريع جهودها للسيطرة على الفاشر، آخر مدينة رئيسية تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية في دارفور، في إطار جهودها لتعزيز سيطرتها على غرب السودان. وسيُصبح تأمين السيطرة على الفاشر الآن أكثر أهمية بالنسبة للجماعة شبه العسكرية، إذ إن الفشل في تحقيق مكاسب إقليمية جديدة سيزيد من احتمالية توقف الإمارات العربية المتحدة عن دعمها للجماعة وإبرام اتفاق مع القوات المسلحة السودانية يُمكن أن يُقلل من إمدادات الأسلحة الإماراتية لقوات الدعم السريع مقابل قيام البرهان بقمع الفصائل الإسلامية داخل تحالف القوات المسلحة السودانية.
وتشير تقارير عن تجمعات قوات الدعم السريع غرب محلية الدبة إلى أن الاشتباكات باتت الآن أكثر احتمالاً لاندلاعها في شمال السودان، الذي ظل بمنأى عن أعمال عنف كبيرة حتى الآن. ومع ذلك، فإن شن هجوم واسع النطاق في المنطقة سيُمثل تحديًا لقوات الدعم السريع، وقد يُهدد باستنزاف خطوط إمدادها. بدلاً من ذلك، من المرجح أن يكون التقدم شمالاً لقوات الدعم السريع محدوداً ويهدف إلى تشتيت انتباه القوات المسلحة السودانية بعيداً عن الفاشر.
أعربت القوات المسلحة السودانية والإمارات العربية المتحدة عن انفتاحهما على المحادثات بوساطة تركية في أواخر ديسمبر 2024 ويناير. ومع ذلك، لا تشير أي تقارير عامة إلى بدء المحادثات بين الجانبين، وقد قدمت الحكومة المدعومة من القوات المسلحة السودانية اتهامات بـ “التواطؤ في الإبادة الجماعية” ضد الإمارات العربية المتحدة أمام محكمة العدل الدولية في 6 مارس، مما يشير إلى أنه لم يتم إحراز تقدم يُذكر في تهدئة التوترات بين الجانبين.
بعد استيلائها على الخرطوم وترسيخ سيطرتها على منطقة العاصمة، من المرجح أن تُحوّل القوات المسلحة السودانية تركيزها غربًا في الأشهر المقبلة، بهدف رفع حصار قوات الدعم السريع عن الفاشر ومنع هذه المجموعة شبه العسكرية من ترسيخ موقعها في غرب السودان. وبينما تُخاطر عمليات قوات الدعم السريع في شمال السودان بتعطيل و/أو تأخير تقدمها غربًا، من المرجح أن تلعب معركة الفاشر دورًا محوريًا في مستقبل السودان، إذ إن استيلاء قوات الدعم السريع على المدينة سيُثير احتمال تقسيم البلاد بحكم الأمر الواقع. وفي المقابل، فإن قدرة القوات المسلحة السودانية على رفع الحصار عن المدينة – وهو احتمال وارد بالنظر إلى الزخم المتجدد للقوات المسلحة السودانية – ستُوجّه ضربة قاصمة لقوات الدعم السريع، وقد تُؤدي إلى تفتيت المجموعة شبه العسكرية.
سيُبرز سباق القوات المسلحة السودانية لرفع الحصار عن الفاشر الدور المحوري لتشاد كقناة رئيسية للدعم العسكري الإماراتي لقوات الدعم السريع، وقد حذّر نائب القائد العام للقوات المسلحة السودانية، الفريق أول ياسر العطا، من أن مطاري إنجامينا وأم جراس في تشاد هدفان عسكريان مشروعان.
علاوة على ذلك، انضم العديد من معارضي الرئيس التشادي محمد ديبي إتنو إلى صفوف القوات المسلحة السودانية وحلفائها، وقد يُشجع قادة القوات المسلحة السودانية هؤلاء المقاتلين على شن هجمات داخل تشاد لقطع خطوط إمداد قوات الدعم السريع. هذا يعني أن توغل القوات المسلحة السودانية في غرب السودان سيزيد من احتمالية امتداد العنف إلى تشاد، مما يزيد من صعوبة الحفاظ على سياسة الحياد الإيجابي التي يتبعها ديبي تجاه قوات الدعم السريع.
ونظراً لهذه المخاطر، قد تثبت تشاد استعدادها للحد من عمليات نقل الأسلحة إلى قوات الدعم السريع، وخاصة في ظل المؤشرات المتزايدة على أن الإمارات العربية المتحدة تتطلع إلى توسيع طرق إمدادها بالأسلحة عبر جمهورية أفريقيا الوسطى، وربما جنوب السودان. مع ذلك، فإن النشاط العدائي للقوات المسلحة السودانية داخل الأراضي التشادية من شأنه أن يزيد من احتمالية توسيع نجامينا تعاونها الأمني مع قوات الدعم السريع لتأمين حدودها الشرقية.