رغم أن الاعتراف الأميركي بأرض الصومال يبقى أمرًا غير مرجح قبل الانتخابات التشريعية الإسرائيلية عام 2026، فإن احتماله في المدى المتوسط يتزايد مع سعي واشنطن لتأمين حقوق استخدام قواعد عسكرية في الإقليم، وهو ما قد يقوض التعاون الأمني الأميركي مع الصومال، ويدفع مقديشو إلى التقارب مع تركيا، ويهدد بحدوث أزمة سياسية داخلية.
في 8 أغسطس، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن إدارته “تبحث” الاعتراف باستقلال أرض الصومال المنفصلة عن الصومال. وجاء ذلك بعد تقرير نشرته وكالة بلومبرغ في 30 يوليو يفيد بأن حكومة أرض الصومال عرضت على واشنطن منحها حق الوصول إلى قاعدة عسكرية على أراضيها وصفقات معادن استراتيجية مقابل الاعتراف باستقلالها. كما أكد رئيس أرض الصومال عبد الرحمن محمد عبد الله المعروف بـ”إررو”، أن حكومته أجرت محادثات مع وزارة الدفاع الأميركية والسفير الأميركي في الصومال. ومع ذلك، صرّح مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية لقناة فوكس نيوز في 28 أغسطس أن الوزارة ليست في “محادثات نشطة” مع ممثلي أرض الصومال، وأن الولايات المتحدة تعترف بوحدة أراضي الصومال، والتي “تشمل إقليم أرض الصومال”. في الوقت نفسه، ذكرت صحيفة فايننشال تايمز في 7 أغسطس أن مجموعة بوسطن الاستشارية كانت تُعد نماذج لتقدير تكاليف إعادة توطين الفلسطينيين من غزة إلى الصومال وأرض الصومال، نيابةً عن رجال أعمال إسرائيليين. وبينما نفت سلطات أرض الصومال أنها في محادثات لقبول إعادة توطين فلسطينيين من غزة في أراضيها، أصر مسؤولون إسرائيليون على أن المفاوضات بين الجانبين ما تزال جارية.
وفي 14 أغسطس، دعا السيناتور الجمهوري عن ولاية تكساس تيد كروز، رئيس اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ والمعنية بأفريقيا والصحة العالمية، إدارة ترامب إلى الاعتراف باستقلال أرض الصومال. وأكد كروز أن الإقليم شريك أمني “حيوي” للولايات المتحدة، وأقام علاقات وثيقة مع تايوان، كما أنه “أبدى دعمًا” لاتفاقيات أبراهام. وردًا على تزايد الزخم الأميركي المؤيد للاعتراف باستقلال أرض الصومال، نشرت سفارة الصومال في الولايات المتحدة على منصة “إكس” في 21 أغسطس أن أرض الصومال ليست “كيانًا متجانسًا” وأن “الكثير من المجتمعات” فيه ترفض “الانفصال” عن الصومال.
على مدى السنوات الماضية، دفعت أجنحة رئيسية داخل الحزب الجمهوري المؤيد لترامب باتجاه الاعتراف الأميركي باستقلال أرض الصومال مقابل الحصول على حقوق استخدام قواعد عسكرية في الإقليم، بحجة أن ذلك سيقلل اعتماد واشنطن على جيبوتي المقرّبة من الصين في إسقاط القوة بمنطقة باب المندب. وأعلنت أرض الصومال استقلالها رسميًا عام 1991 بعد الإطاحة بالزعيم العسكري السابق محمد سياد بري. وبينما غرقت معظم مناطق الصومال في الفوضى لعقود طويلة، ظل الإقليم مستقراً نسبيًا بعدما أسس قادته المحليون مؤسسات سياسية سمحت بانتقال السلطة سلمياً عدة مرات وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة بشكل عام. ورغم ذلك، لم تعترف أي دولة باستقلال أرض الصومال رسميًا، وظلت الإدارات الأميركية المتعاقبة متمسكة بسياسة “الصومال الواحد” لتجنب تشجيع حركات انفصالية أخرى في أفريقيا جنوب الصحراء. ومع ذلك، فإن الجمهوريين في السنوات الأخيرة ازدادوا إلحاحًا على الاعتراف بالإقليم مقابل الحصول على قواعد عسكرية هناك، خصوصًا بعدما اتُهمت جيبوتي بالميل للصين منذ افتتاح بكين قاعدة عسكرية فيها عام 2017. وتزايد هذا الانتقاد منذ عام 2024 عندما رفضت السلطات الجيبوتية السماح للولايات المتحدة باستخدام قاعدة “ليمونييه” لتنفيذ عمليات استطلاع أو هجمات ضد الحوثيين في اليمن. ويدفع مؤيدو الاعتراف باستقلال أرض الصومال، الذين يحظون بنفوذ داخل إدارة ترامب، بأن ذلك سيُقلل اعتماد واشنطن على دولة صديقة للصين لإسقاط قوتها في منطقة باب المندب الاستراتيجية التي تربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي.
من المرجح أن تُبدي أرض الصومال استعدادًا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكنها ستكون مترددة في استقبال أعداد كبيرة من الفلسطينيين المرحلين من غزة، وهو ما سيؤخر الاعتراف الأميركي إلى ما بعد الانتخابات التشريعية الإسرائيلية عام 2026، إذ يأمل “إررو” بفوز حكومة إسرائيلية أكثر اعتدالًا تُنهي التصعيد في غزة. ويُلبي عرض “إررو” استضافة قاعدة عسكرية أميركية مطلبًا أساسيًا من مطالب أنصار الاعتراف باستقلال الإقليم. لكن إدارة ترامب ستشترط على الأرجح أن تعترف أرض الصومال بإسرائيل ضمن مساعيها لتوسيع اتفاقيات أبراهام. وبرغم أن المشاعر الشعبية في الإقليم معادية بشدة لإسرائيل وزادت حدتها بسبب حرب غزة، فمن المرجح أن “إررو” سيقبل هذه الشروط، لا سيما في حال حدوث تهدئة مستمرة في غزة. ومع ذلك، فإن العناصر الموالية لإسرائيل داخل إدارة ترامب ستضغط على الولايات المتحدة لطلب قبول أرض الصومال إعادة توطين آلاف الغزيين، وهو ما سيكون “إررو” أكثر تحفظًا تجاهه بسبب خطر ردود فعل واسعة محليًا ودوليًا. ومن شأن ذلك أن يؤخر صفقة الاعتراف الأميركي إلى ما بعد الانتخابات التشريعية الإسرائيلية عام 2026، حيث ستنتظر حكومة أرض الصومال لترى ما إذا كانت الانتخابات ستأتي بحكومة أكثر اعتدالًا تُلغي خطط الترحيل الجماعي للفلسطينيين، إضافة إلى جعل تطبيع العلاقات مع إسرائيل أكثر قبولًا محليًا. ومع ذلك، فإن إعادة انتخاب نتنياهو وحلفائه اليمينيين المتشددين لن تشكل عقبة لا يمكن تجاوزها، إذ إن استمرار الأزمة الإنسانية في غزة سيجعل “إررو” أكثر استعدادًا لقبول إعادة توطين فلسطينيين إذا ظل ذلك شرطًا أميركيًا للاعتراف. لكن استمرار الحرب في غزة إلى أجل غير مسمى قد يدفع إدارة ترامب أيضًا للتراجع عن مطالبها الخاصة بإعادة التوطين أو اعتراف أرض الصومال بإسرائيل، إدراكًا لقيود “إررو” السياسية، واستجابةً لضغوط الصقور المناهضين للصين في البيت الأبيض للتعجيل بتقليص اعتماد الولايات المتحدة على جيبوتي لإسقاط قوتها في منطقة باب المندب.