ضَمِن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي البقاء لفترة ولاية ثالثة في السلطة على رأس الحكومة الهندية، بعدما فاز حزب “بهاراتيا غاناتا” الذي يرأسه بنحو 240 مقعداً في مجلس النواب، وحصل ائتلاف التحالف الوطني الديمقراطي بقيادة الحزب على 294 مقعداً، وتمكن من الاحتفاظ بالغالبية البرلمانية، متجاوزاً الـ272 مقعداً المطلوبة لتشكيل الحكومة، من إجمالي (543) عضواً هم عدد أعضاء مجلس “لوك سابها”، المجلس الأدنى بالبرلمان الهندي، بنسبة 54% فقط من إجمالي الأعضاء.
الانتخابات العامة في الهند، والتي يحق التصويت فيها لنحو مليار ناخب واستمرت نحو 44 يوماً، وتمت على 7 جولات بدأت الأولى في 19 أبريل/نيسان 2024، وانتهت الأخيرة في الأول من يونيو/ حزيران، وحسب بيانات لجنة الانتخاب، تجاوزت نسبة الإقبال على التصويت 66%، نصفهم من النساء. أي شارك أكثر من 640 مليون شخصًا من بين نحو 970 مليون ناخب.
وقد جاء تراجع حزب “بهاراتيا غاناتا” كبيراً مقارنة بنتائج الانتخابات العامة السابقة التي تمت عام 2019، والتي حصل فيها منفرداً على 303 مقعدًا، وحصل التحالف الوطني الديمقراطي على 353 مقعداً، بنسبة 65% من إجمالي المقاعد، وهو ما يعني أن الحزب قد خسر منفرداً 63 مقعدًا، وخسر التحالف 59 مقعدًا في انتخابات 2024.
وترجع أهمية هذه الخسارة إلى حجم الرهانات والتقديرات التي ذكرها مودي في مارس (آذار) 2024، حيث ذكر إنه واثق من أن التجمع الوطني الديمقراطي سيفوز بأكثر من 400 مقعد، وهذه النتائج من شأنها أن تزيد من صعوبة تنفيذ التغييرات الهيكلية في السياسات، مثل إصلاحات الأراضي لمساعدة نمو الصناعات التحويلية وإصلاحات قطاع الزراعة لتعزيز نمو الإنتاجية الزراعية، نظراً لكونها المرة الأولى خلال السنوات العشر الماضية، منذ عام 2014، التي يدير فيها حزب بهاراتيا غاناتا حكومة من دون غالبية في مجلس النواب بالبرلمان.
وفي مقابل تراجع الحزب الحاكم، كشفت النتائج عن تقدم حزب “المؤتمر الوطني”، الذي فاز بنحو 90 مقعداً برلمانياً، بزيادة 47 مقعداً عن انتخابات 2019.
مودي وشعارات التحريض والعنصرية
حزب “باهاراتيا جاناتا” الذي أسس جزءاً من شعبيته على حساب اضطهاد المسلمين والتحريض ضدهم، والسعي لبناء لدولة هندوسية قومية، أو ما يسمى “هيندوتفا”، وقاد مودي دعايته على أساس العداء للمسلمين الذين يعتبرهم “متسللين” و”دخلاء” على البلاد، وقال: إن حزب المعارضة يسعى “لمنح المسلمين الأحقية في ثروات الأمة”، فإذا فازت بالانتخابات فإن الثروات “ستُوزَّع على من لديهم العدد الأكبر من الأولاد. ستُوزَّع على المتسللين”، وأضاف: “هل تعتقدون أن أموالكم التي جنيتموها بشقّ الأنفس يجب أن تُعطَى لمتسللين؟ هل تقبلون بذلك؟”.
لكن نتائج الانتخابات كشفت أن هذه الحملة أتت بنتائج عكسية إذ رفض الناخبون السير خلف الخطاب العنصري والطائفي الذي تبناه مودي، وكان أهم مؤشر على ذلك نتائج الدائرة الانتخابية في منطقة فايز آباد، التي افتتح فيها مودي معبد “راما”، حيث خسر حزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم مقعده أمام مرشَّح حزب “ساماجوادي” المعارض لصالح النائب عوضيش براساد.
عودة الروح لحزب المؤتمر الوطني
لقد حقّق حزب “المؤتمر الوطني” نجاحاً كبيراً في هذه الانتخابات، وحصد 47 مقعداً إضافياً وجاء ثانياً في الترتيب، وهو أقدم حزب في الهند، إذ يعود تأسيسه إلى زعيم الاستقلال مهاتما غاندي، ودخل الحزب هذه الانتخابات في قيادة “التحالف الوطني التنموي الهندي الشامل”، الذي ضم 28 حزباً سياسياً بهدف إسقاط حكومة مودي، وأصبح زعيم الحزب “راهول غاندي” الشخصية الأهم في مواجهة مودي.
وأعلن راهول بعد إعلان النتائج الأولية أن الناخبين “كافحوا من أجل إنقاذ الدستور الهندي”، وأضاف راهول، الذي حقق فوزاً ساحقاً في دائرة “واياناد الجنوبية”: “إن البلاد قالت لناريندرا مودي لا نريدك”.
وقد لعب “التحالف الوطني الهندي التنموي الشامل” “إنديا” بقيادة حزب “المؤتمر” دورًا حاسمًا في مواجهة حزب “بهاراتيا جاناتا”، وتوجهاته العنصرية، وكانت أكبر هزيمة تلقاها “بهاراتيا جاناتا” في ولاية أوتار براديش، أكبر ولاية في الهند، حيث أفرزت النتائج عن تقاسم المقاعد بين حزب “المؤتمر” وحزب “ساماجوادي”، بقيادة رئيس وزراء الولاية السابق أخيليش ياداف.
وجاءت نتائج باقي الأحزاب على النحو التالي (وفق البيانات التي تم إعلانها): حزب “المؤتمر” 99 مقعدًا، حزب “ساماجوادي” 37 مقعدًا، حزب “مؤتمر عموم الهند ترينامول” (AITC) بزعامة رئيس وزراء ولاية البنغال الغربية ماماتا بانيرجي، 29 مقعدا، حزب “درافيدا مونيترا كازاجام” (DMK) بزعامة رئيس وزراء ولاية تاميل نادو، م. ك. ستالين، 22 مقعدًا.
ويشكل حزب “المؤتمر” وحزب “ساماجوادي”، وحزب “درافيدا”، جزءا من تحالف “إنديا”، الذي يضم أكثر من عشرين حزبًا يسعون للإطاحة بحزب “بهاراتيا جاناتا” من السلطة.
تحديات ما بعد الانتخابات وحدود دور المعارضة
إن نتائج هذه الانتخابات من شأنها أن تقيد بعض سياسات حزب “بهاراتيا جاناتا” وخاصة تلك المتعلقة بالهوية وهندوسية الدولة وقوانين الجنسية، التي كانت تهدد ملايين المسلمين في الهند، وستجعل من الصعب إحراز تقدم في بعض الملفات المهمة من الناحية السياسية، مثل إصلاحات قطاع العمل وحيازة الأراضي، لذلك ما إن تم الإعلان هذه النتائج حتى تراجعت مؤشرات سوق الأسهم الهندية بنسب كبيرة، وخسرت في يوم الثلاثاء الرابع من يونيو 2024 فقط نحو 370 مليار دولار أميركي (حوالي 31 تريليون روبية هندية) من القيمة السوقية، وهو ما يمثل أكبر خسارة في يوم واحد منذ عام 2020.
كما أن من شأن هذه النتائج أن تؤثر على شعبية مودي، ومحاولته التفرد بالسلطة والاستبداد في الرأي، وفي هذا الإطار ظهرت بعض الأصوات داخل الحركة القومية الهندوسية التي تمثل حاضنته الشعبية، تهاجمه بقوة وترى أنه انتزع قدراً أكبر مما ينبغي من السلطة، وأنه يجب تقييم سياساته ووضع حد لانفراده بعملية صنع القرار، واتجاه حزب “راشتريا سوايامسيفاك سانغ”، أحد أحزاب تحالف مودي إلى تبني رؤى مضادة لسياساته، وهو ما يمكن أن ينال من وحدة التحالف الحاكم وأغلبيته الهشة في البرلمان.
كما أن تصاعد قوة المعارضة من شأنه أن يساهم في حشد المزيد من القواعد الشعبية خلف سياسات حزب مودي، وخاصة ما يتعلق بالوجود الإسلامي في البلاد، ويخفف من حدة الاحتقان وخطاب الكراهية الذي تبناه مودي، لكن هذا لا يعني انتهاء التحدي بشكل كامل، فعلى الرغم من أغلبيته الهشة وتراجعه الانتخابي يبقى مودي هو رئيس الوزراء، ويمتلك الكثير من الصلاحيات التي يمكن من خلالها تنفيذ العديد من القرارات، الأمر الذي يفرض على المعارضة توحيد الصفوف وتعزيز الجهود التي من شأنها الحد من هذه الصلاحيات.