وقع ترامب على أمر تنفيذي في الرابع من فبراير “لتعديل أو إلغاء” الإعفاءات من العقوبات الحالية التي توفر لإيران موارد مالية واقتصادية، حيث مددت الولايات المتحدة مرارًا وتكرارًا إعفاءً من العقوبات منذ عام 2018 يسمح للعراق باستيراد الكهرباء من إيران. وكان آخر تمديد للإعفاء في نوفمبر 2024 لمدة 120 يومًا والذي من المقرر أن ينتهي في مارس 2025.
فيما تقلل إيران من أهمية عقوبات “الضغط الأقصى” الأمريكية بينما تشير إلى بعض الانفتاح على المفاوضات النووية مع الغرب. قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن سياسة الضغط الأقصى هي “تجربة فاشلة”.
يتماشى ذلك القرار مع سياسة ترامب “الضغط الأقصى” التي تبناها خلال فترة إدارته الأولى بعدما انسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018 وهو ما تسبب في انخفاض صادرات النفط الخام الإيرانية من أكثر من 2.5 مليون برميل يوميا إلى أقل من نحو نصف مليون برميل يوميا عام 2020. فيما شهدت انخفاضا حادا في بعض شهور بإجمالي صادرات لم يتجاوز 200 ألف برميل يوميا. ونتيجة لهذه العقوبات، انخفضت عائدات صادرات النفط الإيرانية بشكل كبير. على سبيل المثال، كسبت إيران 41 مليار دولار من صادرات النفط في عام 2016 و53 مليار دولار في عام 2017، لكنها لم تكسب سوى 8 مليارات دولار إلى 9 مليارات دولار من مارس 2019 إلى مارس 2020.
يتضمن هدف إدارة ترامب خفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، وسوف ينتهي الإعفاء في مارس 2025. وتمثل صادرات الغاز والكهرباء الإيرانية إلى العراق نحو 40٪ من إمدادات الطاقة العراقية مما قد ينعكس سلبا على العراق في حال استجابت للقرار الأمريكي حيث ستواجه تحديات في تعويض الفارق من أسواق أخرى ومن المتوقع أن تلبي السعودية ودول الخليج طلب العراق. وقد شكلت العراق وتركيا نحو 87 ٪ من صادرات الغاز الطبيعي الإيرانية في عام 2023. وهو ما يعد أمر سلبي للأمن الاقتصادي الإيراني حيث دفعت العقوبات إلى جعل إيران تعتمد بشكل عضوي على كلا من العراق وتركيا وتحولا إلى شريان حياة للاقتصاد الإيراني. وقد أدت العقوبات عموما إلى تثبيط الاستثمار الأجنبي في إيران، وانخفاض قيمة العملة بشكل حاد وارتفاع التضخم.
وتبلغ حجم الصادرات الإيرانية للعراق نحو 12 مليار دولار سنويا حيث تصدر نحو 2200 سلعة إلى العراق بحسب منظمة التخطيط والموازنة للجمهورية الإيرانية، وتشمل صادرات إيران إلى العراق بشكل أساسي الغاز الطبيعي والصلب والمنتجات البتروكيماوية ومواد البناء والأغذية، وتعتبر تلك التجارة المتنفس الأساسي للاقتصاد الإيراني في الحصول على الدولار وسط سير العقوبات الأمريكية على إيران. وتعمل إيران على رفع حجم صادراتها إلى 20 مليار سنويا بحلول عام 2027. وتمارس إيران نفوذا واسعا على الاقتصاد العراقي من خلال المليشيات شبه العسكرية التي تدعمها.
من عام 2018 إلى عام 2024، واجه مستوى المعيشة في إيران تحديات كبيرة، على الرغم من أن البيانات الأخيرة تشير إلى انتعاش محتمل نهاية عام 2020 بعد قدوم بايدن للرئاسة الأمريكية. وتواجه إيران معدلات تضخم عالية، خاصة بعد فرض العقوبات عام 2018، والتي بلغت نحو 40٪ سنويا. وفي يناير 2024، بلغ معدل التضخم 31.80٪. أدى هذا المستوى من التضخم إلى تآكل القوة الشرائية وجعل معدلات الفقر ترتفع إلى أكثر من 32 مليون نسمة، أي أكثر من ثلث السكان، يعيشون تحت خط الفقر بحلول مارس 2022، مع تصاعد انعدام الأمن الغذائي. فيما ارتفعت معدلات الفقر الغذائي من 18 مليون نسمة عام 2017 إلى أكثر من 26 مليونا بحلول عام 2020.
يدفع تراجع الملف الاقتصادي إلى تأثيرات سلبية محتملة على الاستقرار السياسي، وقد شهدت إيران العديد من المظاهرات المتفاوتة في الحجم والشدة منذ عام 2018 إلى عام 2024، والتي بدأت تأخذ طابعا حادا تجاه النظام السياسي ورموزه مما يمثل تحديا لاستقرار النظام، ويدلل على وجود أزمة ثقة متزايدة تجاه النخب الحاكمة. بالرغم من أن الاحتجاجات بدأت لأسباب اقتصادية كالمظاهرات التي خرجت في عدة مدن إيرانية بسبب ارتفاع أسعار البيض وقانون الميزانية الجديد عامي 2017-2018 إلا أن الاحتجاجات أخذت طابع سياسي اقتصادي عام 2019 نتيجة ارتفاع أسعار الوقود ثلاث مرات ثم تحولت لطابع سياسي ضد النظام السياسي عام 2022 ردا على وفاة محسنا أميني والتي قتل فيها نحو 551 شخص. قد تسهم قرارات ترامب الأخيرة في رفع الضغوط الاقتصادية داخليا مما يدفع المجتمع إلى الخروج ضد النظام السياسي في إيران، إلا أن النظام لا يزال يمتلك كتلة صلبة داعمة له ما يجعل من الصعب انهياره نتيجة التظاهر.
تسعى إدارة ترامب إلى فرض شروط جديدة على إيران بعد الانسحاب من الاتفاق النووي، وتتمثل مع التركيز على برنامجها النووي حيث تهدف إدارة ترامب إلى منع إيران من تطوير أسلحة نووية بشكل أساسي والتأكد بأن إيران لن تمتلك قنبلة نووية ولم ترفع معدلات تخصيب اليورانيوم، وهو أمر لا تعارضه إيران بشكل علني على أن تكون الرقابة من خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن محل الخلاف يتمثل في رغبة أمريكا واسرائيل في تحجيم ووقف “برنامج الصواريخ الباليستية” ودفع إيران إلى وقف التجارب الصاروخية التي تجريها لتطوير منظومتها الدفاعية والصاروخية وهي المنظومة التي تهدد أمن اسرائيل. وكذلك تسعى الإدارة الأمريكية دفع إيران إلى وقف دعم التنظيمات شبه العسكرية في المنطقة وفي مقدمتهم حزب الله اللبناني وجماعة الحوثي باليمن وعدد من المليشيات في العراق واحترام سيادة دول المنطقة. والتأكيد على وقف دعم التنظيمات بتقنيات وأسلحة نوعية متطورة مثل الطائرات بدون طيار والصواريخ.
وتلعب إسرائيل دور محوري في إقناع إدارة ترامب في تبني سياسة الضغط القصوى تجاه إيران كما سبق أن أثرت في إقناع ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني. وقد تذهب إسرائيل إلى أبعد من ذلك من خلال تهيئة البيئة الدولية وصانع القرار الأمريكي بالسماح لإسرائيل بتوجيه ضربة مباشرة للمنشآت النووية ، أو التعاون مع إسرائيل في العمليات التي قد تستهدف المواقع النووية الإيرانية. وبالرغم من أن ترامب صرح بأنه يريد أن يتوصل إلى اتفاق مع إيران ونفى أن تكون أمريكا واسرائيل تخططان لشن هجوم على إيران، لكن في الوقت نفسه إذا صعدت إيران تهديداتها النووية إلى مستوى يرى عالي يشكل تهديد على أمن اسرائيل قد يذهب ترامب إلى منح إسرائيل الحرية في ضرب المنشآت النووية الإيرانية، بل والتعاون في مثل هذا الهجوم