مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024، يواجه الرئيس السابق دونالد ترامب تحديات غير مسبوقة في محاولته العودة إلى البيت الأبيض، وهو الذي كان رمزًا للقوة والتأثير في الانتخابات السابقة، إلا أن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى تراجع قدرته على إقناع الناخبين. ورغم أن قاعدته الشعبية لا تزال وفية إلى حد كبير، إلا أن مجموعة من العوامل تساهم في تراجع تأثيره في السباق الانتخابي.
1- انخفاض شعبية ترامب بين المستقلين والجمهوريين المعتدلين
أحد أكبر التحديات التي تواجه ترامب هو فقدان الدعم بين المستقلين والجمهوريين المعتدلين، وهو ما أظهرته استطلاعات رأي أجرتها Pew Research Center في عام2023، بأن تأييده بين الجمهوريين ليس كما كان عليه في العام 2016، إذ بدأ الكثير من الجمهوريين المعتدلين في تفضيل مرشحين آخرين مثل رون ديسانتيس” حاكم فلوريدا”، الذي يقدم خطابًا أكثر تحفظًا وأقل إثارة للجدل.
إضافة لذلك تشير استطلاعات Gallup أيضا إلى أن شعبية ترامب بين الناخبين المستقلين انخفضت بشكل ملحوظ، على الرغم من احتفاظه بدعم كبير من قاعدة الجمهوريين المحافظين، إلا أنه بات ينظر الكثير منهم إلى سياساته وتصريحاته المتطرفة على أنها عقبة أمام الوحدة الوطنية مما يمكن أن يكون عاملاً حاسمًا في خسارته الانتخابات.
2- عدم وضوح الخطاب السياسي لترامب في ظل التحديات الاقتصادية
في ظل الأزمات الاقتصادية التي تواجه الأمريكيين مثل التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، يبدو أن ترامب لم يقدم حتى الآن خطة اقتصادية مقنعة للناخبين. بدلاً من ذلك، يعتمد بشكل كبير على الحديث عن مظالم الماضي مثل نتائج انتخابات 2020. في الوقت الذي يسعى فيه المرشحون الآخرون لتقديم حلول عملية لمشاكل الاقتصاد والهجرة والرعاية الصحية، يبقى خطاب ترامب محوريًا حول شعارات “استعادة العظمة” دون تقديم تفاصيل دقيقة أو رؤية واضحة.
كما أظهرت استطلاعات الرأي التي أجرتها Chicago Council on Global Affairs أن الاقتصاد يأتي على رأس اهتمامات الناخبين في انتخابات 2024، الأمر الذي يزيد الضغط على ترامب لتقديم خطة واضحة ومقنعة في هذا المجال .
3- التحديات القانونية وتأثيرها على صورة ترامب
تواجه حملة ترامب الانتخابية هذه المرة تحديات قانونية هائلة مرتبطة بتعامله مع وثائق حكومية سرية ومحاولاته لتغيير نتائج انتخابات 2020. تشير التقارير إلى أن حوالي 60% من الأمريكيين يعتبرون هذه القضايا القانونية مشكلة رئيسية تؤثر على ثقتهم في الوثوق في ترامب كمرشح رئاسي، بحسب نيويورك تايمز. هذا الأمر يجعل بعض الجمهوريين يرون ذلك عبئًا كبيرًا على الحزب الجمهوري في الانتخابات العامة، حيث أن المستقلين والجمهوريين المعتدلين قد يترددون في دعم مرشح يواجه اتهامات جنائية .
4- تغير الأولويات الوطنية وضعف تأثير القضايا التي يروج لها ترامب
أحد أبرز أسباب تراجع تأثير ترامب هو التغير في أولويات الناخبين، حيث لم تعد القضايا التي كان يركز عليها تحتل نفس الأهمية، حيث كان قادرًا على استقطاب شريحة واسعة من الناخبين من خلال مواقفه الصارمة تجاه الهجرة والتجارة الخارجية، فيما أظهرت استطلاعات Pew Research Center أن الموضوعات مثل التضخم، الرعاية الصحية، وحقوق الإجهاض أصبحت في صدارة اهتمامات الناخبين، مما يجعل من الصعب على ترامب جذب الأصوات التي كان يعتمد عليها سابقًا.
إذ أن التغير في الأولويات قد يجعل من الصعب على ترامب جذب الأصوات التي كان يعتمد عليها سابقًا، خاصة بين الناخبين الذين يركزون بشكل أكبر على القضايا الداخلية التي تؤثر على حياتهم اليومية.
5- الانقسام الداخلي في الحزب الجمهوري
أشارت تقارير عدة إلى وجود انقسام داخلي غير مسبوق داخل الحزب الجمهوري بين أنصار ترامب والمرشحين الآخرين مثل رون ديسانتيس ونيكي هايلي. وقد أظهرت دراسة أجرتها FiveThirtyEight أن الانقسامات قد تضعف فرص ترامب في الفوز بترشيح الحزب، حيث بدأ العديد من الجمهوريين يرون أنه يمثل عبئًا سياسيًا أكثر من كونه فرصة للرئاسة.
وفي ظل التحديات التي تواجه دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، يبدو أن مساره السياسي أصبح أكثر غموضًا من أي وقت مضى. رغم استمرار شعبيته بين قاعدة الجمهوريين المتشددين، تشير الأرقام والاستطلاعات إلى أن ترامب لم يعد يشكل القوة الحاسمة التي كان يمثلها في الانتخابات السابقة. فبين تراجع شعبيته بين الناخبين المستقلين والجمهوريين المعتدلين، وغياب رؤية واضحة بشأن القضايا الاقتصادية الملحة، وتداعيات القضايا القانونية التي تواجهه، يجد ترامب نفسه في موقف أكثر ضعفًا مقارنةً بوضعه في عامي 2016 و2020.
كذلك يمثل تحول أولويات الناخبين الأمريكيين نحو القضايا الاقتصادية والاجتماعية الداخلية تحديًا كبيرًا لترامب، الذي اعتمد في حملاته السابقة على قضايا مثل الهجرة والأمن القومي. فضلًا عن ذلك، فإن الانقسامات الداخلية في الحزب الجمهوري كان يمكن أن تتيح فرصا لمرشحين آخرين مثل رون ديسانتيس ونيكي هايلي، الذين قد يجدون فرصًا أكبر لجذب الناخبين المعتدلين والمستقلين في السباق الانتخابي المقبل.
رغم كل هذه التحديات، من الصعب تجاهل تأثير ترامب تمامًا، إذ لا يزال يمتلك قاعدة شعبية قوية ونفوذًا سياسيًا كبيرًا داخل الحزب الجمهوري. مع ذلك، إذا لم يستطع تعديل رسالته لتلبية أولويات الناخبين الحالية والتغلب على التحديات القانونية التي تلاحقه، فإن عام 2024 قد يمثل نهاية لعهده السياسي، مما يفتح المجال أمام جيل جديد من الجمهوريين لتولي القيادة.