بعد اغتيال هنية: السياقات السياسية وحدود الرد الإيراني

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
08/01/2024
شارك المقالة

منذ تأسيس حركة المقاومة الإسلامية حماس في ديسمبر/كانون الأول 1987 كانت قياداتها السياسية والعسكرية هدفا لاغتيالات نفذها الاحتلال الإسرائيلي داخل وخارج فلسطين.

وعلى رأس قيادات حماس التي اغتالتها إسرائيل، مؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين 2004، والقياديون فيها، صلاح شحادة 2002 ، إبراهيم المقادمة 2003، عبد العزيز الرنتيسي 2004، وسعيد صيام 2009 ، نزار ريان 2009 وآخرون. صالح العاروري يناير 2024، ثم رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية في 31 يوليو/ تموز 2024.

فقد أعلنت حركة المقاومة الفلسطينية حماس، صباح الأربعاء يوم 31 يوليو/تموز 2024 اغتيال رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية في غارة على مقر إقامته في العاصمة طهران، حيث كان في زيارة للعاصمة الإيرانية للمشاركة في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.

جاءت عملية الاغتيال بعد يوم واحد من اغتيال إسرائيل للقيادي في حزب الله اللبناني فؤاد شكر، واستهدافها للضاحية الجنوبية في بيروت وسقوط عدد من الشهداء والمصابين.

بين اغتيال إبراهيم رئيسي واغتيال هنية

اغتيال هنية في العاصمة الإيرانية طهران، في نفس التوقيت الذي تحتفل فيه إيران بتنصيب الرئيس الجديد، الذي جاء بعد وفاة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة داخلية في 19 مارس/ آذار 2024، وأشارت بعض التقارير إلى أن الحادث عملية اغتيال تورطت فيها إسرائيل، لكن لم تواجه إيران أية اتهامات لها.

لكن في حادث اغتيال هنية، خرج القائد الأعلى للثورة في إيران على خامنئي، والرئيس الإيراني وقائد الحرس الثوري الإيراني، ووجهوا الاتهام مباشرة إلى إسرائيل، وتوعدوا بالرد والانتقام من ذلك لأن العملية تمت على أراضيهم.

هذا في الوقت الذي نشر المكتب الإعلامي للحكومة الإسرائيلية صورة على منصاته لإسماعيل هنية، وكتب عليها عبارة “تمت تصفيته”، ثم قام بحذفها من حساباته الرسمية باللغة الإنجليزية، لكن بعد أن تم تداولها إعلامياً، كما أعلن البيت الأبيض الأمريكي أنه كان على علم بالتقارير الخاصة باغتيال هنية.

وهو ما يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن خلف العملية إسرائيل والولايات المتحدة، وقد تم اختيار توقيت شديد الحساسية، لتوجيه إهانة كبيرة لإيران وتوجيه رسالة شديدة للرئيس الإيراني الجديد، الذي يصنف ضمن التيار الإصلاحي في إيران ومن دعاة الحوار والتواصل مع الغرب.

اغتيال هنية: سياقات سياسية معقدة

جاءت عملية الاغتيال في إطار سيق سياسي شديد التعقيد، كانت أهم ملامحه انسحاب الرئيس الأمريكي جو بايدن من سباق الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر 2024، وتصعيد نائبته كامالا هاريس لتكون مرشحة عن الحزب الديمقراطي في هذه الانتخابات، من ناحية.

ومن ناحية ثانية، زيارة رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتن ياهو إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، وإلقاء خطاب أمام الكونجرس الأمريكي، اتسم بدرجة عالية من التحريض والغطرسة السياسية، والتأكيد على الاستمرار في عمليات الإبادة التي يقوم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وسط احتفاء وترحيب وتصفيق عشرات المرات من أعضاء الكونجرس.

ومن ناحية ثالثة، جاءت عملية قرية مجدل شمس في منطقة الجولان المحتلة، وسقوط عشرات الضحايا من السوريين وتوجيه الكيان الصهيوني الاتهامات لحزب الله والتصعيد السياسي والإعلامي، وأنه يقف خلف سقوط الصواريخ التي أدت للمجزرة، والتحشيد الغربي خلف الكيان، ثم إقدام الكيان على ضرب الضاحية الجنوبية وقتل أحد قادة الحزب.

ومن ناحية رابعة، استهداف مسيرات حركة أنصار الله الحوثي لقلب مدينة يافا (تل أبيب)، ثم الرد الصهيوني بتدمير ميناء الحديدة في اليمن.

ومن ناحية خامسة، التصعيد السياسي والإعلامي بين تركيا والكيان الصهيوني، بعد التصريحات التي أدلى بها الرئيس أردوغان، في اجتماع لحزب العدالة والتنمية الحاكم في مدينة ريزا مسقط رأسه، والتي قال فيها: “ماذا كان وضع الصادرات والواردات من الصناعات الدفاعية؟ وإلى أين وصلنا؟ لا يجب أن تغرنا أي من هذه الأمور. يجب أن نكون أقوياء جدًا حتى لا تستطيع إسرائيل أن تلعب مع فلسطين بمثل هذه الأمور”.

وأضاف: “كما دخلنا إلى كاراباخ، وكما دخلنا إلى ليبيا، يمكننا فعل نفس الشيء معهم (في إشارة إلى إسرائيل)، لا يوجد شيء يمنعنا من ذلك. فقط يجب أن نكون أقوياء لكي نستطيع اتخاذ هذه الخطوات وإذا قلنا شيئًا نفعله. فقد قطعنا العلاقات التجارية وكل العلاقات مع إسرائيل”.

وقيام وزير خارجية الكيان بالرد قائلاً: “إن أردوغان يسير على خطى صدام حسين ويهدد بمهاجمة إسرائيل عليه أن يتذكر ماذا حدث هناك وكيف انتهى الأمر”. وهو ما دفع لتعدد الردود الرسمية والشعبية التركية الرافضة والمنددة، بهذه التصريحات.

حدود الرد الإيراني وموقع محور المقاومة

إعلان إيران على مختلف مستويات قياداتها الدينية والسياسية والعسكرية عن اتهام إسرائيل، وأنها ستقوم بالرد على هذه الجرائم، وكذلك تعدد التصريحات الصادرة عن الحركات والجماعات المسلحة في العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين، التي تتوعد بالثأر والانتقام، يشير إلى أن احتمالات التصعيد واردة وبقوة، وخاصة مع الموقف الأمريكي الداعم بلا حدود للكيان.

وفي المقابل، وكما معتاد من جانب المسؤولين الغربيين عامة والأمريكيين خاصة، لا يطالبون إسرائيل بوقف التصعيد، ولكن يتركونها تفعل ما تشاء وقتما تشاء، وبعد أن تقوم بجرائمها، يطالبون الأطراف الأخرى في المنطقة، بمنع التصعيد وضبط النفس، فما هو مسموح به للكيان الصهيوني غير مسموح به لباقي الأطراف.

وإذا كانت إيران قد قامت بتجاوز القواعد المتعارف عليها، واستهدفت العمق الصهيوني في أبريل 2024، بعشرات الصواريخ والمسيرات رداً على استهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق في الأول من أبريل/ نيسان 2024، ومقتل رضا زاهدي القيادي في الحرس الثوري الإيراني.

وإذا كان هذا الحادث قد تم خارج إيران، فالوضع في اغتيال إسماعيل هنية، مختلف، حيث تمت عملية الاغتيال في قلب طهران، وفي مناسبة سياسية مهمة، وفي أحد مقرات الحرس الثوري، واعتراف إسرائيل بالعملية، كل هذه الاعتبارات، تفرض على إيران اختلاف مستوى الرد، سواء بشكل مباشر أو عبر حلفائها في المنطقة.

وخاصة في ظل حالة الترقب الإيراني لاحتمالات عودة ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة، ومواقفه المتشددة تجاه إيران، وانسحابه من الاتفاق النووي، واغتياله للقيادي في الحرس الثوري قاسم سليماني، وذلك أثناء ولايته الأولى بين عامي 2017 و2021.

 

شارك المقالة

اشترك في نشرتنا الاخبارية