بريكس بلس: تجمع متعدد الأوجه وتحديات متشابكة

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
10/29/2024
شارك المقالة

المتابع لاجتماعات البريكس وما ينتج عنها خلال قممها الـ 16 السابقة، يجد أن الكيانات الكبرى لا تبنى على العواطف، أو رغبات بعض أصحاب الأيدولوجيات، فلم يعد هناك من يقبل أن يدفع ثمنًا من أجل الأخرين.

فتجمع “بريكس” يضم الصين وروسيا وإيران بما لديهم من مشكلات مع الغرب وأميركا على الصعيد السياسي والاقتصادي، فالصين التي تمسك بالعصا من المنتصف، هي لديها مشكلات اقتصادية وسياسية مع أميركا والغرب ولكن لديها مصالح اقتصادية ضخمة معهما، ولذلك تدير هذا الملف، دون تصعيد أو الدخول في مواجهة مكشوفة قد تؤدي إلى مواجهة عسكرية.

بينما هناك دول أخرى من أعضاء بريكس لديهم علاقات جيدة مع أميركا والغرب، مثل البرازيل والهند وجنوب افريقيا ومصر والإمارات واثيوبيا.

ومن خلال قراءة إعلان قمة “قازان” بروسيا، والتي عقدت في 22 – 24 أكتوبر 2024، نجد أن التجمع هو أشبه بمنتدى، يتماهى إلى حد كبير مع أداء مجموعة العشرين، أو منتدى دافوس الاقتصادي، حيث يتم طرح قضايا عامة، وإن كانت تهم أعضاء بريكس، إلا أنها كذلك تهم كافة اقتصاديات العالم، وفي نفس الوقت لا تكتسب توصيات أو مقترحات قمم البريكس أي نوع من الإلزام.

  • سيطرة الكبار

في ضوء عدم وجود قراءة لوحدة العمل والمصالح داخل بريكس، بخلاف موقف أعضائه تجاه الغرب وأميركا، نجد أن التجمع تعرض لما يمكن اعتباره موقفًا ضعيفًا، فبعد قمة جنوب افريقيا في عام 2023، تم توجيه دعوة للانضمام للتجمع لـ 6 دول، لبت 4 منها الدعوة بشكل كامل وحضرت أعمال قمة “قازان”، بينما اعتذرت الأرجنتين عن قبول دعوة العضوية، كما أن السعودية موقفها غامض، فلم يحضر القمة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، على الرغم من حضور وفد سعودي للقمة. 

وثمة أمر مهم في أداء مجموعة البريكس على مدار القمم الماضية، وبخاصة بعد عام 2022، أن معظم المقترحات المقدمة للقمم، ومنها قمة “قازان”، شبه اقتصرت على الجانب الروسي، في حين أن الصين عندما شرعت في تقديم آليات للعمل، كانت أسرع فيما يتعلق ببنك البنية الأساسية، أو العمل على توسيط العملات المحلية في تسوية معاملات التجارة البينية مع بعض الدول.

وقد يكون هذا مقبول في ضوء أن التجمع يضم مستويات اقتصادية مختلفة، وأن روسيا والصين يمثلًا عصب التجمع، ولكن يلاحظ أن الهند من الناحية الاقتصادية تفوق روسيا، فحسب أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للهند 3.54 تريليون دولار في عام 2023، فإن روسيا في نفس العام بلغ ناتجها المحلي الإجمالي 2.02 تريليون دولار.

 وقد يعزي انخفاض ناتج روسيا مقارنة بالهند إلى ما تعانيه  روسيا من عقوبات اقتصادية، إلا أن الإمكانيات الاقتصادية للهند تظل أكبر من روسيا في كل الأحوال.

ولم يخرج من القمم السابقة لبريكس، ما يعكس تقديم مقترحات أو مشروعات من قبل الدول الأخرى، بخلاف روسيا والصين، سواء في ظل العضوية الخماسية للتجمع، أو بعد توسعة عضويته ليشمل 5 أعضاء جدد، وإن كان موقف السعودية إلى الآن، لم يحسم بعد، مما يجعل البعض يقصر عضوية التجمع على 9 دول فقط.

وهناك سؤالًا يطرح نفسه بقوة، يتعلق بدور الدول الأخرى في التجمع، والتي يمكن أن نطلق عليها الدول الصغيرة، من حيث امكانياتها الاقتصادية، مقارنة بالصين والهند وروسيا والبرازيل، وهو: هل ستكون في موقع التابع، كما هو حالها في المؤسسات الدولية والإقليمية الأخرى؟

فمصر واثيوبيا والإمارات، تحتاج لأن تجني مصالح اقتصادية من خلال انضمامها للبريكس، وإن كانت قضية الحصول على القروض بالنسبة لمصر واثيوبيا ممكنة بشكل ما من دول البريكس، سواء من خلال اتفاقيات ثناية أو من خلال بنك البنية الأساسية، إلا أن هذا الأمر متاح لهما من قبل انضمامهما لعضوية التجمع.

أما الإمارات، فهي دولة فائض مالي، ولديها علاقات اقتصادية ومالية متعددة ومتشعبة مع كافة دول العالم، وبخاصة مع الدول الكبرى في الغرب أو مع أميركا، وبالتالي قد يكون انضمامها للبريكس هو نوع من السبق والبحث عن مصالح مشتركة.

قد يمثل التجمع بالنسبة لإيران مخرجًا مهمًا، كما هو الحال بالنسبة لروسيا، بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة عليهما، وإن كان الأمر أكثر احتياجًا بالنسبة لإيران، بسبب تميز روسيا في سوق الغاز والنفط، وكذلك امتلاكها سلاحًا نوويًا، أما إيران فهي تعاني بشكل أكبر من العزلة التي فرضتها عليها العقوبات الاقتصادية.

وفيما يلي نشير إلى أهم ما تضمنه إعلان قمة “قازان” بروسيا، من توصيات، في إطارها الاقتصادي.

  • نظام مدفوعات عابر للحدود

في نوع من التأكيد على أن غالبية المقترحات المقدمة للقمة، تسيطر عليها روسيا بنسبة كبيرة، أو يمكن أن نقول كل ما أعلن عنه من مقترحات اقتصادية ومالية هي روسية بامتياز، وكان أولى هذه المقترحات، ما يتعلق بإنشاء نظام مدفوعات عابر للحدود بين دول بريكس، بحيث تديره البنوك المركزية لهذه الدول، وأن تتم فيه التسويات المالية بالعملات المحلية، كنوع من الاستغناء عن الدولار، ومواجهة سيطرة الغرب وأميركا على مقدرات النظام النقدي والمالي العالمي.

وفي خطوة تعكس عدم الشفافية في أداء تجمع البريكس، أنه في الوقت الذي يشار إلى تميز التجمع بقيمة إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، ومدى تمثيله في الناتج المحلي العالمي، أو مقارنة ناتج دول البريكس بناتج مجموعة السبعة، مع أن المقارنة لا تعكس حالة من حالة تضامنية بين دول البريكس من حيث الإنتاج وتوزيع عوائد الناتج على مستة سكان دول التجمع.

إلا أن الملاحظ هو غياب الشفافية فيما يتعلق بالإعلان عن قيمة التجارة البينية، وكذلك الاستثمارات البينية، سواء كانت استثمارات مباشرة، أو غير مباشرة، وأيضًا مساهمة دول بريكس في إنتاج التكنولوجيا، وهو أمر مهم، لمعرفة مدى القدرات الاقتصادية والمالية الحقيقية، التي يمكن في ضوئها، معرفة مدى قدرة بريكس على مواجهة الغرب وأميركا في هذا المضمار، أو قدرتها على قيادة العالم اقتصاديًا وماليًا، وطرح البديل الكامل للغرب وأميركا.

  • بورصة الحبوب

تمتلك روسيا بشكل خاصة إمكانيات جيدة في إنتاج وتصدير الحبوب، على مستوى العالم، ولذلك تقدمت بمقترح لإنشاء بورصة لتجارة الحبوب، ويمكن فيما بعد توسعتها لتشمل سلع أخرى، والجدير بالذكر أن روسيا تنتج نحو 142.6 مليون طن من الحبوب، حسب أرقام 2023، وهو ما يعد أقل بنسبة 9.5% من قيمة إنتاجها في عام 2022.

كما أن روسيا تعد أكبر مصدر للقمح على مستوى العالم، وإن كانت الصين تسبقها في حجم الإنتاج، كما أن صادرات روسيا من الصادرات الزراعية بلغت 45 مليار دولار في عام 2023، وتمثل صادرات القمح الروسي 10% من إجمالي الصادرات السلعية للبلاد والبالغة  424 مليار دولار تقريبًا، حسب أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي.

وفي قراءة من قبل البعض، حول سبب تراجع قيمة إنتاج روسيا من الحبوب في عام 2023، مقارنة بما كان عليه الوضع في 2022، أنه بسبب قلة السفن، ومشكلات الشحن وتكاليف التأمين، التي تولدت عن أزمة روسيا مع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

ومن هنا نجد أن الأداء الروسي عبر مقترحاته المقدمة لقمة بريكس في قازان، يشبه إلى حد ما، التصرف الأميركي في تصدير مشكلاته للخارج. فقراءة المقترح الروسي بإنشاء بورصة للحبوب، ثم توسعتها فيما بعد لسلع أخرى، يعتبر بحث عن حل لمشكلاتها الاقتصادية في سلع تمتلك فيها ميزة نسبية، وتريد أن يكون المخرج هو وجود آلية جماعية تمكنها من الإفلات من العقوبات الدولية.

ومع أن كل من الصين والهند، لهما مكانتهما في سوق إنتاج واستهلاك الحبوب، إلا أن المقترح الروسي، ظل مجرد توصية تخضع للدراسة، وليس قرارًا، يمكن أن يدخل حيز التنفيذ في وقت ما.  

  • التهويش بعملة بريكس

على الرغم من الإعلان قبل انعقاد قمة “قازان”، أن موضوع العملة الموحدة للبريكس غير مدرج على جدول أعمال القمة، إلا أن الرئيس الروسي بوتين، خرج من أحد الاجتماعات ممسكًا بورقة، وكأنها نموذج للعملة الموحدة المقترحة للبريكس.

وفي نفس الوقت أُعلن أن موضوع العملة الموحدة يحتاج إلى وقت وترتيبات فنية لم تتح بعد لتجمع بريكس بوضعه الحالي، ويعتبر تصرف الرئيس الروسي بمثابة نوع من الممارسة الإعلامية غير المجدية على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

فقد ينظر إليه من الجانب الروسي، على أنها نوع من الجدية في تحدي أميركا، وعملتها الدولية الدولار، وأن البريكس في طريقه لتقوض الدولار، إلا أن غياب خطوات على أرض الواقع في هذا المضمار، يؤدي مع الوقت إلى فقدان الثقة في البريكس، وفي وعود روسيا على وجه التحديد، فيما يتعلق بخوضها مواجهة اقتصادية مع الغرب وأميركا.  

  • بريكس ونماذج مشابهة

يتمحور الاتحاد الأوروبي حول ألمانيا على وجه التحديد، لما تمتلكه من مقومات اقتصادية وتكنولوجية واضحة، ولذلك كانت ألمانيا هي من قادت الاتحاد الأوروبي للخروج من الأزمة المالية في عام 2010، وعلى وجه الخصوص في اليونان.

كما تتمحور دول الغرب والاتحاد الأوروبي، حول أميركا، التي تتصدر اقتصاديات العالم، وتتولى قيادة العالم اقتصاديًا منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين. وبلا شك أن وضع ألمانيا في الاتحاد الأوروبي أو أميركا مع الاتحاد الأوروبي والعالم، ليس عملًا خيريًا، ولكن كل شئ في العلاقات الدولية له مقابل.

ومن هنا يمكن القول، هل الصين على استعداد أن تقود تجمع البريكس؟ وتدفع ثمنًا مشابهًا لما تدفعه ألمانيا أو أميركا؟ أو هل ستسمح لها امكانياتها الاقتصادية أن تقوم بهذا الدور، وبخاضة في ظل التفاوت الكبير بين أدائها الاقتصادي وباقي دول بريكس؟

ختامًا: الفترة القادمة سوف تؤكد لنا مجموعة حقائق حول دور وأداء بريكس، منها، أن بريكس لن يكون أكثر من منتدى لطرح أفكار، نسبة إنزالها على الأرض وتفعيلها، قليلة، بسبب تضارب المصالح بين أعضائه. وبخاصة أننا أمام انعقاد دوري سنوي لقمة البريكس، ففي عام 2025 ستكون دول البريكس أمام تقديم كشف حساب لم تم انجازه من توصيات، وإلا ستصدق قراءة أن التجمع وقممه يتم توظيفها سياسيًا لصالح بعض أعضائه.

 الأمر الثاني، هو إلى أي مدى سيكون التجمع ناجحًا في تنفيذ ما طرح من توصيات وأفكار، ووضعها في إطار زمني، -حتى ولو شمل النطاق متوسط وطويل الأجل- كي يكتسب مصداقية لدى أعضائه وباقي دول العالم.

الأمر الثالث، يتعلق بعضوية السعودية بالتجمع، هل ستحسم السعودية موقفها في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية شديدة التقلب، بالانضمام أو الانسحاب من بريكس؟

والأمر الأخير، يتعلق بمطالبة إعلان قمة قازان بإصلاح صندوق النقد الدولي، فهل سيكون لدى بريكس آلية للضغط في تحقيق هذا المطلب؟ أم أن الأمر لن يتعدى ما طالب به الآخرون في قمة العشرين وغيرها في محافل عالمية أخرى، بما فيها اجتماعات صندوق النقد الدولي في أعوام سابقة.

شارك المقالة

اشترك في نشرتنا الاخبارية