تشهد الولايات المتحدة مساء الخميس 27 يونيو/حزيران 2024 أول مناظرة تلفزيونية انتخابية بين الرئيس السابق دونالد ترمب والرئيس الحالي جو بايدن في إطار سعيهما للفوز في انتخابات الرئاسة الأمريكية التي ستتم في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وتقوم ضوابط المناظرة على أن يتم تنظيمها دون جمهور وفواصل إعلانات تجارية، وسيتم إغلاق ميكروفون المرشح عندما يتحدث منافسه، ولا يُسمح للمرشحين بإعداد ورقة مسبقة ينظران فيها أثناء النقاش، ولن يُسمح لهما بإحضار أنصارهما أثناء تصوير المناظرة في المقر الرئيسي لشبكة “سي إن إن” بمدينة أتلانتا بولاية جورجيا، وستكون المناظرة الثانية يوم 10 سبتمبر/ أيلول 2024، في مقر شبكة “إيه بي سي” بمدينة نيويورك.
وقد كانت بداية فكرة المناظرات الرئاسية عام 1960 بين الرئيسين السابقين جون كينيدي وريتشارد نيكسون، لكنها توقفت واستؤنفت مرة ثانية عام 1976، وبداية من انتخابات 1988، تم إقرار فكرة تنظيم 3 مناظرات تبدأ بتقديم كل مرشح لنفسه قبل تلقي الإجابات، وتنتهي بكلمة ختامية لكل منهما.
ولجنة المناظرات الرئاسية، الجهة التي نظمت وأشرفت على المناظرات منذ انتخابات 1988، لجنة غير حكومية، وليس لها صفة رسمية، وتتكون من 5 أعضاء جمهوريين ومثلهم من الديمقراطيين، وقد تعرضت للعديد من الانتقادات فيما يتعلق بالتنظيم وطريقة إدارة المناظرات ومكان انعقادها الذي كان دائما في مقر إحدى الجامعات، ومع ما شهدته مناظرة ترمب وبايدن عام 2020، ومقاطعة ترمب المتكررة لبايدن، رفضت حملة بايدن المشاركة في مناظرات وفق النمط القديم، واتفق الطرفان على آلية جديدة سيتم تطبيقها في انتخابات 2024.
حيث سيدير المناظرات قنوات تليفزيونية، وستكون مدتها 90 دقيقة. ولن يشارك فيها إلا بايدن وترمب، ولن تُبث إلا على شاشة هذه القنوات، وتم استبعاد إجراء مناظرة ثالثة، وستبدأ بتوجيه سؤال لكل مرشح، لكل واحد دقيقتان للرد، ودقيقة واحدة للتعليق من المرشح المقابل، وسيكون هناك تذكير مرئي بتوقيت الإجابة، وستومض الأضواء الحمراء عندما يتبقى لدى المرشحين 5 ثوانٍ للرد، وسيتم كتم صوت ميكروفونات المرشحين طوال البرنامج إلا عندما يحين دورهم للتحدث، للحد من المقاطعات التي حدثت في المناظرات السابقة، وسيتم إعطاء كل مرشح قلما ومفكرة وزجاجة ماء، ولن يُسمح بأي مواد أو ملاحظات مكتوبة على المنصة.
استعدادات حثيثة
وقد بدأ المرشحان الرئاسيان الاستعداد للمناظرة الأولى بينهما، حول مجموعة واسعة من القضايا التي تهم الناخب الأمريكي، وخاصة ما يرتبط منها بقضايا الاقتصاد والشؤون الخارجية وحتى السلامة الذهنية واللياقة الجسدية للمرشحين، كما يتدرب المرشحان على مناظرات وهمية وفقاً لمحاكاة المناظرة الأصلية من حيث مدة الوقت المتاح للإجابة وطبيعة الأسئلة المتوقعة، وردود أفعال المنافس، وكيفية الاستجابة لها.
صحة بايدن ورهان ترمب
لقد شهدت المناقشات الدائرة حول الانتخابات الرئاسية الأميركية تحولات كبيرة خلال شهري مايو ويونيو 2024 وقبل المناظرة الأولى، وأصبح من بين أهم ملفاتها التركيز ليس على مسألة حظوظ جو بايدن في الفوز بفترة رئاسية ثانية، ولكن على مسألة قدرته على خوض هذه الانتخابات في ظل ظروفه الصحية وعمره الذي سيبلغ 82 عامًا في 20 نوفمبر 2024، أي بعد أسبوعين فقط من انتخابات الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني.
وخاصة مع انتشار عدد من المواقف التي يتصرف فيها بغرابة وكأنه بعيد عن الواقع، كما حدث في قمة مجموعة السبع الصناعية الكبرى التي عقدت في العاصمة الإيطالية روما بين 13 و16 يونيو/ حزيران 2024، حيث ظهر الرئيس بايدن يبدو سائراً في اتجاه آخر، وسبق ذلك العديد من المواقف المشابهة، الأمر الذي دفع تامب للتشكيك في قدرة الرئيس العقلية وتحداه أن يأخذ الاختبار الإدراكي نفسه الذي قال ترمب إنه “تفوق فيه”.
وسواء كانت الحالات التي يبدو فيها بايدن فاقداً للتركيز تعكس الواقع أو حيل دعائية يستخدمها خصومه، فإن هذا ما يراه الناخبون الأميركيون، وهو ما قد يؤثر بشكل متزايد في أصواتهم، ولهذا السبب كان هناك حديث عن خطة أو مقترح من جانب بعض الديمقراطيين لاستبدال بايدن كمرشح رئاسي للحزب، وطُرحت أسماء مثل باراك أوباما، بيل كلينتون، هيلاري كلينتون، نانسي بيلوسي وتشاك شومر.
وكانت الفكرة تقوم على أن مجرد التلويح بهذا المقترح يمكن أن يفهم منه بايدن التلميح، ويوافق على التنازل عن الترشيح، ويكون هناك تصويت سريع على خليفته قبل أو أثناء مؤتمر الحزب الذي سيعقد في شيكاغو خلال النصف الثاني من أغسطس (آب) 2024، خاصة وأن استطلاعات الرأي تذهب إلى أن نائبته كامالا هاريس شخصية لا تجذب الأصوات والناخبين، ولم تكن بصمة حقيقية في منصبها، في الولاية الأولى لبايدن.
وهذا الجدل حول صحة بادين يزيد من أهمية المناظرة الأولى، والتي جاء توقيتها ليعكس حقيقة أن المرشحَين حصلا على ترشيحاتهما النهائية بشكل غير رسمي وقبل أن يتم عقد المؤتمرات الانتخابية النهائية للحزبين الجمهوري والديمقراطي للإعلان عن المرشح بشكل رسمي، ويسعى معسكر بايدن للاستفادة من فرصة المناظرة المبكرة لتبديد الشكوك حول مدى اللياقة الصحية والذهنية لمرشحهم، وقدرته على حكم البلاد لمدة أربعة أعوام أخرى قادمة في السلطة، ولكن النتيجة يمكن أن تكون عكسية، إذا نجح ترمب في فرض أجندته واستعراض قدراته الذهنية والصحية في مواجهة بايدن.
ورغم تعدد الملفات ذات الأهمية الكبيرة التي تهم الناخب الأمريكي مثل قضايا الاقتصاد والهجرة واللجوء والتضخم، وتصاعد دور تيارات اليمين الأمريكي، وكذلك تصاعد دور الحراك الطلابي في معظم الجامعات الأمريكية على خلفية تداعيات حرب غزة، فقد وجد قطاع كبير من الأمريكيين أنفسهم أمام معضلة شديدة التعقيد، وهي الحالة الذهنية والصحية للرئيس الحالي، والتوجهات اليمينية للمرشح الجمهوري، وعدم وجود بدائل للاختيار بينهما، في ظل الثنائية الحزبية التي تهيمن على النظام السياسي الأمريكي، بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري منذ عام 1913 وحتى الآن، ولم ينجح مرشح من خارج الحزبين في الوصول للسلطة خلال أكثر من مائة عام مضت.
وهنا يمكن أن يكون للمناظرات الرئاسية دور بنسبة ما في حسم الاختيارات لدى القطاعات المترددة وتلك التي تفكر في العزوف عن المشاركة في الانتخابات القادمة.