القضية الفلسطينية: الوساطة القطرية – الثوابت والسياسات

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
06/14/2024
شارك المقالة

تلعب دولة قطر دورًا مهمًا في العمل على تسوية القضية الفلسطينية، واضطلعت بمهام الوساطة وتقريب وجهات النظر بين الكيان الصهيوني وداعميه في الغرب والفلسطينيين خصوصًا في قطاع غزة وحركة حماس، وقد ساهمت بشكل ملحوظ ومشهود له على مختلف المستويات بدعم القضية الفلسطينية، في المحافل الدولية والعربية.

وكان أحد محددات الدور القطري، علاقاتها الجيدة مع مختلف الأطراف الفلسطينية، والعديد من الأطراف الإقليمية والدولية ذات الصلة بالصراع العربي ـ الإسرائيلي، وركّزت الجانب الأكبر من مساعداتها على البنية التحتية في قطاع غزة والضفة، والدعم الكبير للمؤسسات الدولية والإقليمية التي تقدم الخدمات لكافة السكان الفلسطينيين، كما التزمت من خلال المنابر الدولية، وعبر خطاباتها الرسمية، بالتمسّك بضرورة إيجاد حلّ عادل للقضية الفلسطينية، داعية لإقامة دولة فلسطينية وفق المواثيق والمعاهدات الدولية

 

تاريخ من الدعم البنَّاء

كان الأمير السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أول زعيم عربي يزور قطاع غزة عام 1999 منذ عام 1967، حيث استقبله الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وكانت زيارته الثانية في أكتوبر تشرين الأول 2012 على رأس وفد قطري رفيع لتفقد آثار الحرب الإسرائيلية المدمرة، حينها قدم أمير قطر في الزيارة مساعدة مالية قدرها أربعمئة مليون دولار لتمويل عدد من مشاريع إعادة إعمار القطاع المحاصر.

ثم استضافت الدوحة ممثلين عن طرفي الانقسام من حركتي “فتح” و”حماس”، بالإضافة إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، للتباحث والتوصل إلى تفاهمات تعجّل من تحقيق اتفاقية المصالحة. وقاد ذلك إلى توقيع اتفاق “الدوحة” عام 2012 لإنهاء الانقسام بين الضفة وغزة، والذي تبعه عدة لقاءات فلسطينية ثنائية وأخرى برعاية قطرية لتطبيق الاتفاق.

وكانت الدوحة قد قامت باستضافة المعتقلين الفلسطينيين الذين تم تحريرهم ضمن صفقة تبادل الأسرى عام 2011 (التي أبرمتها حماس وإسرائيل برعاية مصرية)، وأبعدتهم إسرائيل بموجبها عن الضفة الغربية، كما استضافت رئاسة المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، السيد خالد مشعل، حين غادر سوريا عام 2012. (والجدير ذكره في هذا السياق أن قطر سبق واستضافت عددًا من قيادات الحركة على أرضها بعد إبعادهم من الأردن عام 1999، حيث وفرت لهم حرية الحركة والعمل السياسي).

وأعلنت دولة قطر عن تقديم أكثر من مليار دولار لإنشاء بنى تحتية في قطاع غزة، وكذلك تقديم الوقود اللازم لتشغيل محطة الكهرباء الوحيدة في القطاع مع تقديم الكثير من المساعدات الإنسانية لسكان قطاع غزة، والضفة الغربية، والقدس، عبر جمعيات خيرية قطرية، بجانب دعم المؤسسات التعليمية الفلسطينية، ومناصرة المؤسسات الداعمة للمرأة والطفل، وتقديم العون لها.. مع الضغط والتنسيق مع الجانب الإسرائيلي لإدخال مواد طبية أو مواد البناء.

وتعهّدت الدوحة بتحمل جزء من النفقات المتعلّقة بترميم المسجد الأقصى، والتي كانت وزارة الأوقاف الفلسطينية بحاجة لدعم خارجي لإجراء عملية الترميم، دون نسيان الدعم المالي للأسر التي ما زالت مرابطة بالقرب من المسجد وتتعرض لانتهاكات إسرائيلية، بجانب إطلاق مبادرة الشيخ حمد آل ثاني، لإنشاء صندوق باسم “دعم القدس”، بموارد مالية قدرها مليار دولار أمريكي، خلال القمة العربية عام 2013.

وخلال الجلسة الافتتاحية للدورة الـ 71 للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2016، طالبت دولة قطر الأمم المتحدة برفع الحصار المفروض على غزة، ووجّه أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، انتقادات شديدة إلى الأمم المتحدة ومنظماتها وعلى رأسها مجلس الأمن، داعياً إلى إنهاء الحصار المفروض على القطاع.. مع الاستمرار بتحريض الحكومات والأنظمة العربية والأوروبية للوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية.

 

ثانياً: محركات الأدوار القطرية وروافعها

أصبحت القضية الفلسطينية ملفاً أساسياً في أجندة قطر الخارجية، حيث سمحت العلاقة المميزة التي تتمتع بها قطر مع حركة حماس، وكذلك مع الرئاسة الفلسطينية، بلعب دور مهم في محاولة إنهاء الانقسام السياسي ومعالجة ملف المصالحة.

وتُدرك الدوحة أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو مكان يسمح لإعادة تأكيد أهميتها كلاعب إقليمي، من جهة وضمان حقوق الأشقاء الفلسطينيين من جهة ثانية، ساعد على أداء هذا الدور الدبلوماسية النشطة، وأجهزة الإعلام القوية، والأهم علاقاتها ومصالحها الدولية، مستفيدة كذلك من موقعها، وقدراتها الاقتصادية، وعلاقاتها المتميزة مع قوى دولية على رأسها الولايات المتحدة الأميركية.

 

ثالثاً: خصوصية قطاع غزة

يمكن قراءة الدعم القطري لقطاع غزة من زوايا متعددة، أنه مقبول -ضمنيا- من جانب السلطة الفلسطينية، وأساسي لمنع تصفية القضية الفلسطينية، عبر دعم الصمود الفلسطيني، وبقاء الفلسطينيين على أرضهم، وقطع الطريق على المخططات الإسرائيلية لتهجيرهم.

بجانب أنه يتوافق مع وجهة النظر الأمريكية، التي وافقت على الدور القطري ضمنيًا كذلك، حيث ترى أن المساعدات تمنع انفجار الأوضاع، وتحد من المواجهة والمقاومة العنيفة، وتساعد في احتواء حركة “حماس”، في حين تستمر إسرائيل في سياساتها التوسعية في الضفة الغربية وباقي فلسطين.

وفي ظل تداعيات معركة طوفان الأقصى، التي بدأت في السابع من أكتوبر 2023، التزمت قطر منذ البداية بموقف واضح اتسم بالوضوح بالتوازي مع السعي لاستثمار علاقاتها السابقة بأطراف الصراع لتواصل دورها كوسيط، مع العمل على توسعته.

واعتمد التحرك القطري على حاجة الأطراف الإسرائيلية والأميركية الملحة لعلاج موضوع الأسرى الإسرائيليين، حيث نسجت على ذلك أسس عملية تفاوضية متداخلة تهدف لتقديم المساعدات في قطاع غزة، مع السعي لوقف إطلاق النار.. وأدرك المفاوض القطري أن مسألة “الأسرى” هي نقطة القوة في عملية الوساطة القطرية فالتوسط بإطلاقهم أو حتى توصيل الأدوية إليهم، هو ما ثبت أهمية الدور القطري في الحرب الأخيرة.

 

طوفان الأقصى وترسيخ أهمية الوساطة القطرية

إن الدور القطري في مواجهة تطورات عملية طوفان الأقصى التي بدأت في السابع من أكتوبر 2023، يستند إلى نقطتين جوهريتين، الأولى عقيدة السياسة الخارجية القطرية، وبالتحديد تبنّي دور الوسيط في الصراعات الدولية. (من خلال الاتصالات بالفواعل غير الدولية، مثل المنظمات والتيارات الإسلامية)، والثانية، محددات وسياسات الدوحة فيما يخص المسألة الفلسطينية، وتفاعُل هذه السياسات مع مواقف أطراف الصراع، كالموقف الإسرائيلي الذي ربما يميل إلى العودة إلى احتواء الصراع وتهدئته، أو القضاء التام على الفلسطينيين الذين يسعون لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 67.

وبرز الدور الأهم لقطر عبر قيامها بدور الوسيط بين كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية من جهة، و”حماس” من جهة ثانية، بقبول صريح أو ضمني من مختلف الأطراف، حيث تقاسمت الدوحة مع القاهرة مهامّ تفاوضية ووساطة أساسية، والملاحظ لأغلب المراقبين أن الدوحة استوعبت مفاجأة 7 أكتوبر سريعاً، لتضع سياسة تحرُّك عاجلة. حيث انطلقت الدبلوماسية القطرية بعد ساعات فقط من حدوث عملية “طوفان الأقصى”، بالتوسط في ملف تبادل الأسرى، وخصوصاً إطلاق سراح أسيرات إسرائيليات مدنيات، وأسرى يحملون جنسيات أجنبية، منها الأميركية. وجاءت التحركات القطرية بدعم أمريكي وفق ما أكدته قيادات حركة حماس نفسها.

ومع مرور أسبوع على عملية طوفان الأقصى، زار وزير الخارجية الأميركي، أنطوني بلينكن، الدوحة، وفي مؤتمر صحافي معه، حدد رئيس الوزراء القطري، ووزير الخارجية، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، دور قطر بالقول: “نؤمن في دولة قطر إيماناً راسخاً بالوساطة والحوار وهي جزء من سياستنا الخارجية ولطالما سعينا إلى إبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع مختلف الأطراف في مختلف ساحات الصراع وهو ما ساهم في ترسيخ مكانتنا الدولية كشريك موثوق في صناعة السلام.”

كما نجحت الوساطة القطرية -بالتعاون مع مصر- في بداية الحرب في إطلاق سراح أسرى إسرائيليين لدى حركة “حماس”، عندما أُطلق بعد 14 يوماً من العملية في 20 أكتوبر تشرين الأول أسيرتان أميركيتان إسرائيليتان، ثم يوم 23 أكتوبر تشرين الأول، أسيرتان إسرائيليتان. ليتم في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 التوصل إلى وقف موقت للقتال، مقابل إطلاق 81 أسيراً إسرائيلياً (نساء وأطفال في غزة)، في مقابل أسرى (نساء وأطفال) فلسطينيين من السجون الإسرائيلية، (على قاعدة 3 أسرى فلسطينيين في مقابل كل أسير إسرائيلي)، وأطلقت “حماس” 24 أسيراً من أصحاب الجنسيات الأجنبية، قبل تجدد الهجوم الإسرائيلي مطلع ديسمبر كانون أول.

وبعد جهود الدوحة أعلن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، في تغريدة على منصة X تويتر: “أنا سعيد للقول إنّ قطر أصبحت طرفا أساسياً وشريكاً في تسهيل الحلول الإنسانية. إنّ جهود قطر الدبلوماسية حاسمة في هذا الوقت.” ليشكر بعدها كل من الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك قطر والأمير الشيخ تميم بن حمد، على دورهم في تأمين إطلاق سراح الرهائن.

 

  • الدعوات القطرية للتهدئة

جاء بيان وزارة الخارجية القطرية يوم 7 أكتوبر 2023 مؤكدًا: “تعرب دولة قطر عن قلقها البالغ إزاء تطورات الأوضاع في قطاع غزة، وتدعو جميع الأطراف إلى وقف التصعيد والتهدئة وممارسة أقصى درجات ضبط النفس.” وأضاف البيان: “وتحمل وزارة الخارجية إسرائيل وحدها مسؤولية التصعيد الجاري الآن بسبب انتهاكاتها المستمرة لحقوق الشعب الفلسطيني، وآخرها الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى المبارك تحت حماية الشرطة الإسرائيلية.”

لتستمر البيانات القطرية المشابهة والتي حملت نوعاً من الثقة وعدم القلق بشأن إمكانات تحميل قطر مسؤولية ما بشأن ما قامت به “حماس”، مع أن الدوحة لم تتجاهل إمكانات حدوث ذلك.

وقال رئيس الوزراء القطري، يوم 13 أكتوبر تشرين الأول 2023، إن “التزام دولة قطر بدورها كشريك في صناعة السلام ووسيط في فض النزاعات لا يجب أن يتم استغلاله للإساءة لسمعتها عبر كيل الاتهامات والتي أثبتت التجارب زيفها وسوء نية المتاجرين بها.”

وفي البيان الذي ألقاه مستشار بمكتب الأمين العام لوزارة الخارجية، راشد السويدي، يوم 26 مارس آذار 2024 خلال “النقاش العام حول حالة حقوق الإنسان في فلسطين وفي الأراضي العربية المحتلة الأخرى”، تحت البند (7) من جدول أعمال المجلس.

حيث قال السويدي إن دولة قطر تؤكد على ضرورة إبقاء البند السابع كبند رئيسي في جدول أعمال مجلس حقوق الإنسان، لما له من أهمية بالغة في رصد وتوثيق الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها اسرائيل “القوة القائمة بالاحتلال” بحق الشعب الفلسطيني الشقيق.

أما المتحدث باسم الخارجية القطرية د. ماجد الأنصاري، فأكد أن موقف قطر ثابت تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته، وأن التصريحات الصادرة من جانب الاحتلال تنذر بتصعيد خطير. واعتبر الأنصاري أن الحرب الدائرة حالياً بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال “نتاج طبيعي لممارسات حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة التي ارتكبت العديد من الاستفزازات في القدس والضفة الغربية والمسجد الأقصى” وأضاف أن: “على إسرائيل أن تدرك أن هناك ردة فعل فلسطينية لهذه الانتهاكات، وأن عليها وقف ما تقوم به ضد الشعب الفلسطيني الشقيق، وأن تمنحه حقوقه المشروعة”.

 

  • رؤية قطر لليوم التالي للحرب

اختصر رئيس الوزراء القطري تصوُر بلاده لمرحلة ما بعد الحرب بقوله: “نرى أن الأولوية لنا، هي أولاً إنهاء هذه الحرب. وبعد نهاية الحرب، إيجاد حل لوضع الضفة الغربية وغزة، ولا يمكن فصلهما عن بعضهما؛ الضفة الغربية وغزة يجب التعامل معهما كوحدة واحدة. بالنسبة لدعم دولة قطر للشعب الفلسطيني، هذه السياسة ستستمر، ولن تتأثر بالظرف السياسي. وما نريد حقاً رؤيته هو حل دائم للشعب الفلسطيني ومنحهم دولتهم في نهاية اليوم. وهذا سيكون الحل الوحيد الذي يحافظ على كل جهودنا واستثماراتنا في المدى الطويل”.

وفي إطار هذه الرؤية، يمكن التأكيد على أن قطر ستستمر في أداء دورها كوسيط نزيه في هذه الأزمة، وفي غيرها من أزمات يمكن أن يشهدها الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، انطلاقًا من إيمانها بأهمية دورها في الوساطة، وسعيها المستمر لتسوية الصراع، ودعم حقوق الشعب الفلسطيني في تقري مصيره، وفق أسس الشرعية الدولية، وخاصة بعد أن وصل عدد الدول التي اعترفت رسميًا بالدولة الفلسطينية (حتى كتابة هذا التقرير) إلى 148 دولة من إجمالي 193 دولة أعضاء في الأمم المتحدة.

شارك المقالة

اشترك في نشرتنا الاخبارية