الدولة الحبيسة هي دولة ذات سيادة محاطة باليابسة بالكامل، أو التي تقع سواحلها الوحيدة على بحار المغلقة. ويوجد حاليًا 45 دولة حبيسة، جميع هذه الدول تقع داخل قارات العالم القديم آسيا (12) أفريقيا (16) وأوروبا (15)، بجانب دولتين فقط تقعان في أمريكا الجنوبية هما بوليفيا وباراغواي، ولا توجد دول حبيسة في أمريكا الشمالية، نظراً لأنها تضم ثلاث دول فقط هي كندا والولايات المتحدة وجميعها تطل على المحيط الأطلنطي شرقاً والمحيط الهادي غربًا.
فالدّول الحبيسة هي تلك الدّول الّتي لا تطلّ على واجهة بحريّة، وتكون جميع حدودها بريّة وليست بحريّة؛ (سواء على بحر أو محيط، نهر). فهي لا تمتلك سواحل؛ لذلك تقوم أحياناً باستئجار بعض الأرصفة في موانئ الدّول المجاورة الّتي تطلّ على البحر، بناءً على اتفاقيّات مبرمة بين الدّولتين، كما حدث مؤخراً بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال وأثار أزمة سياسية كبيرة بين إثيوبيا والحكومة الفيدرالية في الصومال.
خرائط الدول الحبيسة في العالم المعاصر
تشمل قائمة الدول الحبيسة في قارة أفريقيا 16 دولة هي: بوركينا فاسو، بوروندي، جمهورية أفريقيا الوسطى، تشاد، إثيوبيا، مالي، النيجر، رواندا، جنوب السودان، أوغندا، بوتسوانا، مالاوي، زامبيا، زيمبابوي، ليسوتو، سوازيلاند.
وتشمل قائمة الدول الحبيسة في قارة أوروبا 15 دولة هي: النمسا، جمهورية التشيك، المجر، كوسوفو، ليختنشتاين، مقدونيا الشمالية، صربيا، سلوفاكيا، سويسرا، سان مارينو، الفاتيكان، أندورا، روسيا البيضاء، لوكسمبورغ، مولدوفا.
بينما تضم قائمة الدول الحبيسة في قارة آسيا 12 دولة كل من: أفغانستان، قيرغيزستان، طاجيكستان، تركمانستان، أوزبكستان، كازاخستان، بوتان، لاوس، منغوليا، نيبال، أرمينيا، أذربيجان.
وتعد جمهورية كازاخستان أكبر دولة حبيسة في العالم من حيث المساحة، وتاسع أكبر دولة عالمياً، حيث تبلغ مساحتها 2.67 مليون كيلومتر مربع، ويحيط بها كل من روسيا، والصين، وجمهورية قيرغيزستان، وأوزبكستان، وتركمانستان، ورغم وقوعها على بحر قزوين فإنها تصنف ضمن الدول الحبيسة لأن هذا البحر نفسه مغلق ولا يرتبط ببحار أو محيطات أخرى كما هو الحال في البحر المتوسط الذي يرتبط بالمحيط الأطلنطي عبر مضيق جبل طارق، والبحر الأحمر الذي يرتبط بالمحيط الهندي عبر مضيق باب المندب وخليج عدن.
مستويات الدول الحبيسة وتصنيفاتها
يتم التمييز في إطار الدول الحبيسة بين الدول الحبيسة “المستحاطة” وهي تلك الدول التي تقع حدودها داخل كتلة اليابس، ولا يطل أي من حدودها على البحر، وتحيطها دولتين فقط، والدول الحبيسة “المطوقة” وهي دول ذات كيان سياسي مستقل، لكن تقع بكامل حدودها داخل حدود دولة واحدة أخرى، ولا يطل أي من حدودها على البحر، وهناك ثلاثة دول فقط في العالم تنطبق عليها سمة الدول “المُطَوقة”، أولها، الفاتيكان، فهي كيان مستقل رسمياً وسياسياً، وتقع بالكامل داخل حدود دولة واحدة هي إيطاليا، وهي أصغر دولة في العالم مساحة، حيث تبلغ مساحتها أقل من نصف كم مربع، وتخضع رئاستها الرسمية لبابا كنيسة الفاتيكان الكاثوليكية، ولغتها الرسمية هي اللاتينية بجوار الإيطالية، وعملتها الرسمية هي اليورو، ولا يزيد عدد سكانها عن ألف نسمة.
ثاني هذه الدول هي جمهورية سان مارينو، وهي جمهورية مستقلة تقع بالكامل داخل شبه الجزيرة الإيطالية على الجانب الشرقي من جبال الأبينيني، وتحيط بها إيطاليا من جميع الجهات، عاصمتها سان مارينو، وتبلغ مساحتها 61.2 كيلومتر مربع فقط، لغتها الرسمية هي الإيطالية، وعملتها هي اليورو.
أما ثالث هذه الدول فهي مملكة ليسوتو، وتقع بالكامل داخل دولة جنوب إفريقيا، عاصمتها مازورو، واستقلت عن الاستعمار الملكي البريطاني عام 1966. وتبلغ مساحتها نحو 30 ألف كم مربعاً، وتسمى عملتها الأساسية “لوتي”، ويبلغ عدد سكانها نحو مليوني ونصف المليون نسمة، وأغلبية السكان ينتمون إلى عرقية السوتو، مع وجود أقلية من أصول أوروبية وآسيوية، وحوالي 80% من السكان مسيحيون، والبقية يدينون بمعتقدات محلية.
وفي مقابل هذه النماذج لدول تقع داخل دولة واحدة، توجد نماذج لدول حبيسة تشترك في حدودها الجغرافية البرية مع دولتين فقط، ومن ذلك إمارة أندورا، وهي إمارة أوروبية تقع في جبال البرانس الشرقية تحدها إسبانيا وفرنسا، وهي محاطة بخمس وستين قمة جبل، وتبلغ مساحة هذه الإمارة 468 كيلومتراً مربعاً، ثم مملكة “بوتان”، وتقع في جنوب آسيا، حدودها من الجنوب والشرق والغرب الهند، وإلى الشمال الصين، ويطلق عليها اسم “دروك يول” التي تعني “أرض التنين”، وعاصمتها تيمفو، وتبلغ مساحتها 38.394 كم تقريباً.
النموذج الثالث هو إمارة ليختنشتاين، وعاصمتها فادوز وتقع في أوروبا الوسطى، بين سويسرا من جهة الغرب والجنوب والنمسا من الشرق، وقد استقلت عن الاتحاد الألماني عام 1866، وتبلغ مساحتها حوالي 160 كم مربع، وعملتها الرسمية هي الفرنك السويسري، ثم تأتي جمهورية مولدوفا، وعاصمتها كيشيناو وتقع شرق أوروبا، وتحدها من الشمال والشرق والجنوب أوكرانيا، ورومانيا من الغرب، وكانت إحدى دول الاتحاد السوفييتي السابق، وحصلت على استقلالها رسمياً عام 1991، وعملتها هي الليو المولدوفي، وتبلغ مساحتها 33 ألف كم مربع، وعدد سكانها نحو 3.5 مليون نسمة.
وفي قارة آسيا يوجد نموذجان للدول الحبيسة التي ترتبط حدودها بدولتين فقط، الأول منغوليا، وتقع شرق وسط آسيا، وتحدها الصين من الجنوب، وروسيا من الشمال، عاصمتها أولان باتور، واستقلت عن الصين عام 1921، عملتها الرسمية تعرف باسم توغروغ، وتبلغ مساحة منغوليا 1.5 مليون كم مربع تقريباً، وبجوار اللغة المنغولية الرسمية أيضاً تستخدم كلا من التركية والروسية، ويبلغ عدد سكانها حوالي 3.5 مليون نسمة.
النموذج الثاني هو مملكة نيبال، وتقع جنوب شرق آسيا بين الهند والصين، وتبلغ مساحتها 147 ألف كم مربع، وعاصمتها كاتماندو، وعملتها الروبية النيبالية، ويغلب على التشكيلة السكانية فيها الديانة الهندوسية بنسبة 80% تقريباً، ويبلغ عدد سكانها نحو 32 مليون نسمة.
أما النموذج الأخير في هذه المجموعة، فيقع في القارة الأفريقية، ويتمثل في مملكة إسواتيني والتي كانت تعرف سابقاً باسم “سوازيلاند” وتغير الاسم رسمياً عام 2018، وتقع بين كل من جنوب إفريقيا التي تحيط بها من الشمال والغرب والجنوب، وموزمبيق التي تحيط بها من الشرق، وعاصمتها مدينةمبابان، وتبلغ مساحتها تقريباً 17 ألف كم مربع، وعدد سكانها نحو 1.3 مليون نسمة، وكانت مستعمرة بريطانية، واستقلّت عام 1968.
التحديات الاستراتيجية
رغم الأهمية الكبيرة للعديد من الدول الحبيسة سواء من حيث موقعها الجغرافي، أو ثرواتها الاقتصادية ومواردها الطبيعية، ورغم أهمية وقوع بعض هذه الدول على طرق التجارة البرية التاريخية في العالم، إلا أنها تضطر أمام وضعيتها الجغرافية إلى مراعاة توجهات السياسات الخارجية لدول الجوار التي تحتاج إليها لتكون لها معابر نحو البحر، وفي بعض الأحيان تتجه بعض الدول الحبيسة لسياسات تنزع نحو الهيمنة على دول جوارها الساحلية إذا كانت أضعف منها في الإمكانيات والقدرات، سواء تحت مبررات سياسية أو اقتصادية أو أمنية وعسكرية.
وقد شهدت علاقات عدد من الدول الحبيسة صدامات ومواجهات عسكرية، حيث يظل دائما حلم الوصول للبحر أحد أهداف السياسات الخارجية لهذه الدول، كما حدث في حالة إثيوبيا التي تحولت لدولة حبيسة بعد أن استقلت عنها إرتريا عام 1993، وكانت تمثل ساحلاً كبيراً لها على البحر الأحمر، كما تعاني جمهورية النيجر من تداعيات كونها دولة حبيسة لذلك وقعت اتفاقاً للاستفادة من موانئ بنين على خليج غينيا، وهو ما تستغله بنين في بعض الأحيان لفرض بعض الشروط على نقل السلع والبضائع التي تأتي عبر البحر إلى النيجر.