انتشر خلال السنوات الماضية مصطلح “الخطاب المتصهين” للإشارة إلى المقولات والدعوات التي تتوافق مع خطاب الاحتلال الإسرائيلي. اتخذ هذا الخطاب أشكالا عدة، واعتمد على استراتيجيات متنوعة، وفقا لمصدر الخطاب والجمهور الذي يستهدفه. وفي هذه الورقة، نستعرض استراتيجيات الخطاب المتصهين الذي يعتمد على ديباجات دينية، بهدف الهجوم على المقاومة ومساعدة إسرائيل على تحقيق أهدافها.
تجدر الإشارة إلى أن الورقة ستستخدم مصطلح “الدعاة” أو “المؤثرين” للإشارة إلى أصحاب الخطاب المتصهين على أساس ديني، دون أن يعني ذلك اعترافنا بأهليتهم للدعوة أو الخطابة أو العلم، بل اعتمدنا على ما يقوله هؤلاء عن أنفسهم، أو ما اصطُلح على ما تم تسميتهم به في الأوساط الإعلامية.
استراتيجيات الخطاب الديني المتصهين
أولا: تبرير التطبيع مع إسرائيل
بدأت هذه الاستراتيجية منذ سنوات، وشهدت زخما بعد توقيع دول عربية اتفاقيات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل في عام 2020. ففي ذلك الوقت، انتشرت مقاطع فيديو في أوقات متزامنة، لدعاة ومؤثرين على مواقع التواصل، تتحدث عن التطبيع، مبررة لها بديباجات دينية.
ولوحظ تشابه المفردات المستخدمة في تلك الفيديوهات، وكذلك الأسباب التي قيلت لتبرير التطبيع، إلى حد التطابق. وتنقسم الفكرة إلى قسمين: الجانب السياسي، والجانب الشرعي. ثم يقال بأن الجانب السياسي لا يجب التدخل فيه، لأنه متروك لتقدير “ولاة الأمر”، الذين هم “أدرى بمصلحة البلاد والعباد”. أما الجانب الشرعي، فيُستدل فيه بالمعاهدات التي عقدها النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع اليهود والمشركين في الجزيرة العربية، مثل صلح الحديبية، ثم يتم إسقاط هذه الأحداث على الواقع الحالي، والادعاء أن تطبيع دول عربية مع إسرائيل يندرج تحت نفس الموقف. تجاهل هؤلاء أن يهود الجزيرة العربية كانوا جزءا من أهلها، وبالتالي يختلف الموقف منهم جذريا مع الإسرائيليين الذين جاؤوا من جميع أنحاء العالم واستولوا على أراضي الفلسطينيين بالقوة وطردوهم منها.
وانقسم النقاش إلى قسمين: السياسي و الشرعي، السياسي: لا يجب التدخل فيه، لأنه متروك لتقدير “ولاة الأمر”، الذين هم “أدرى بمصلحة البلاد والعباد”.
أما الشرعي: فيُستدل فيه بالمعاهدات التي عقدها النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع اليهود والمشركين في الجزيرة العربية، مثل صلح الحديبية، ثم يتم إسقاط هذه الأحداث على الواقع الحالي، والادعاء أن تطبيع دول عربية مع إسرائيل يندرج تحت نفس الموقف. وتجاهل هؤلاء أن يهود الجزيرة العربية كانوا جزءا من أهلها، وبالتالي يختلف الموقف منهم جذريا مع الإسرائيليين الذين جاؤوا من جميع أنحاء العالم واستولوا على أراضي الفلسطينيين بالقوة وطردوهم منها.
ثانيا: تحريم التظاهر دعما لغزة
حذر دعاة من التظاهر للتعبير عن التضامن مع قطاع غزة، بحجة أن هذه المظاهرات ستشهد اختلاطا بين الرجال والنساء، مما سيؤدي إلى ارتكاب ذنوب. وتعامل هؤلاء الدعاة مع المتظاهرين المتضامنين مع فلسطين، وكأنهم حيوانات لا تستطيع السيطرة على غرائزها، إذ لم تشهد المظاهرات التضامنية في جميع أنحاء العالم ارتكاب أي جرائم من أي نوع، وبالتالي كان الغرض من هذا التحذير منع خروج مظاهرات في الدول التي ينتمي إليها هؤلاء الدعاة ويوالون الأنظمة التي تحكمها.
كما “أفتى” أحدهم بأنه “لا يجوز قول: أين الجيش والحكام بشأن ما يحدث في غزة”، زاعما أن “من يقول ذلك سيحاسب أمام الله”.
ثالثا: الدين في مقابل فلسطين
حاول البعض تصوير القضية الفلسطينية باعتبارها قضية وطنية متعارضة مع الإسلام، وبالتالي وضع الدين في تضاد وتناقض مع فلسطين، فقالوا إن القضية “أصبحت صنما يُعبد من دون الله”، في إشارة إلى تمسك الشعب الفلسطيني بأرضه، ورفض مغادرتها. ورغم تأكيدهم على أن الفلسطينيين لا يستطيعون إقامة شعائر دينهم بسلام على أرضهم، إلا أنهم استنتجوا من ذلك أن الفلسطيني يجب أن يترك أرضه، بدلا من أن يقاوم المحتل الذي يمنعه من “إقامة الدين”.
رابعا: التقليل من شأن المسجد الأقصى
أطلقت المقاومة الفلسطينية اسم “طوفان الأقصى” على المعركة التي شنتها ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. يشير هذا الاسم بوضوح، إلى المكانة المقدسة للمسجد الأقصى المبارك عند المسلمين، وأنه يظل أحد أهم أسباب الصراع مع الاحتلال.
لذلك، حاولت استراتيجيات “التصهين الديني” التقليل من مكانة المسجد الأقصى، والتهوين من قدره، بهدف نزع السياقات الدينية للصراع الحالي، وبالتالي عزل الشعب الفلسطيني عن عمقه العربي والإسلامي، وتركه بمفرده يواجه الاحتلال، باعتباره مجرد شعب يواجه محتلا، دون أن يكون هناك التزام على المسلمين لتقديم الدعم والمساندة.
في هذا الإطار، خرج بعض “الدعاة” والمؤثرين، بفيديوهات تطالب الفلسطينيين بالرحيل من فلسطين، وتركها لإسرائيل. قال هؤلاء إن النبي محمد هاجر من مكة، عندما لم يستطع إقامة الدين فيها. كما زعموا أن النبي قام بالهجرة، رغم أن المسجد الحرام أعظم من المسجد الأقصى، وأعظم من المسجد النبوي، وبالتالي فإن الهجرة من فلسطين، كما فعل النبي محمد، ليست فعلا منكرا. روت تلك الفيديوهات الجزء الأول من القصة فقط، وتجاهلت بقيتها، فالنبي هاجر بالفعل، لكنه عاد بعد أعوام قليلة فاتحا، عندما امتلك أسباب القوة. أما هؤلاء، فيريدون أن يهاجر الفلسطينيون للأبد!
حاول البعض كذلك التقليل من شأن الأقصى، عبر الزعم بأنه ليس في القدس أصلا. تقاطعت هذه الجهود مع إسهامات مماثلة من جانب مثقفين ومؤرخين، زعموا أن المسجد الأقصى ليس في القدس، وإنما في الطائف، وذلك حتى يفقد المسلمون مشاعرهم تجاه المسجد الأقصى في القدس، وبالتالي تنزع القضية الفلسطينية من سياقاتها الدينية.
التقط هذا الخيط كتّاب سعوديون، دعوا سلطات بلادهم إلى محاولة “إثبات” هذا الأمر، بحجة “تعزيز موقع السعودية ومكانتها في العالم الإسلامي”.
خامسا: التهلكة
اتهم بعض الدعاة المقاومة الفلسطينية بأنها من “الخوارج”، وأنها السبب فيما يحدث في غزة من دمار، لأنها تقاتل عدوا أقوى منها، وتساءل أحدهم باستنكار “متى كان من الجهاد أن تتحرش بعدو قوي وخلفه أممٌ من القوة. العدو القوي يستفز الضعيف ليبيده. أنت لا تملك مقومات الحياة، فضلا عن عدة الجهاد. كيف تتسبب في قتل إخوانك؟ ولذلك في آخر الزمان، لا يأذن الله عز وجل لعيسى ابن مريم ومن معه من المؤمنين أن يقاتلوا يأجوج ومأجوج، وقد وطئوا ديارهم واحتلوها”. وأضاف “إذا كنت لا تستطيع، فالتحرش بالعدو القوي إنما إهلاك للحرث والنسل. وقد قال ابن تيمية رحمه الله: فلا رأي أعظم ذما من رأي أريق به دم ألوف مؤلفة من المسلمين، ولم يحصل بقتلهم مصلحة للمسلمين، لا في دينهم ولا في دنياهم، بل نقص الخير عما كان وزاد الشر عما كان”.
يتعارض هذا الطرح بصورة جذرية مع الإسلام، فالمسلمون لم يكونوا أقوى من خصومهم خلال مئات المعارك التي خاضوها في بدايات الدعوة الإسلامية، بدءا من غزوات النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مرورا بالفتوحات الكبرى للمدن والبلدان في عصر الخلفاء الراشدين، وخلال أوقات كثيرة في العهود اللاحقة، ومع ذلك، لم يمنع هذا الخلل في موازين القوى المسلمين من خوض المعارك والانتصار فيها. كما أن هذا الطرح يبرئ إسرائيل من المسؤولية عن دماء عشرات آلاف الشهداء ومئات آلاف الجرحى، عبر اتهام حماس بأنها هي من بدأت “التحرش” بإسرائيل، في تجاهل تام مع سياق القضية التي بدأت منذ 76 عاما، والانتهاكات الإسرائيلية التي ارتُكبت طوال العقود السابقة.
أما الطرح الثاني الذي يدور في نفس الإطار، فيستند إلى أن المقاومة “ألقت بنفسها إلى التهلكة”، وبالتالي فهي مذنبة، وفقا لهؤلاء، استنادا إلى قول الله عز وجل (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة: 195. وهذا الطرح مغلوط، فالآية “لا تتحدث عمّن يضحّي بنفسه في سبيل الله، بل عمّن يبخل بالمال عن الجهاد في سبيل الله، فضلًا عن التضحية بالنفس، والتي دائمًا ما تقرن في القرآن الكريم بالمال، وتقدم في معظمها التضحية بالنفس على المال، ولذا تجد مَن يستدلّ بالآية، يبترها من سياقها فيقول: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، ولو جاءَ بما قبلها مباشرة، لوجدَها تأمر بالإنفاق في سبيل الله”.
سادسا: عقاب السماء
عادة ما ينتشر خطاب إسلامي، يشمت في الكوارث الطبيعية والحوادث التي تؤدي إلى سقوط قتلى في الدول الغربية، باعتبارها عقابا من الله لهم على معصيتهم. لكن بعد انطلاق معركة طوفان الأقصى، نقل بعض الدعاة المتصهينين هذا الخطاب وأسقطوه على أهل غزة، فخرج أحدهم ليقول إن ما يعانيه أهل غزة ينطبق عليه قول الله تعالى (وما أصابكم من مصيبة فمما كسبت أيديكم)، داعيا إياهم إلى “تفقد أنفسهم” وذكّرهم بضرورة “تقوى الله” و”العودة إلى توحيد الله والبُعد عن الشعارات الزائفة”، في إشارة إلى أن ما يحدث في غزة هو عقاب من الله لأهلها على حكم حماس.
سابعا: تسفيه المقاطعة
انتشرت دعوات عالمية لمقاطعة الشركات والمنتجات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي. أدت هذه المقاطعة إلى خسائر فادحة لهذه الكيانات. لكن الدعاة المتصهينين هاجموا دعوات المقاطعة، مطالبين المسلمين بعدم الاستجابة لها، لأنها “لا تنفع ولا يترتب عليها مصلحة أو مفسدة”. كما لجأ آخرون إلى أسباب “دينية”، قائلين إن النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يفعلها أو يأمر بها، وأنه “كان يأكل طعام اليهود ويشتري منهم”، كما أن المقاطعة لابد أن تكون بإذن من “ولي الأمر”. نلاحظ هنا مرة أخرى الخلط المتعمد بين اليهود من أهل الجزيرة العربية، وبين المستوطنين الإسرائيليين القادمين من أماكن أخرى.
ثامنا: تشويه الرموز
بعدما تحول أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، إلى رمز للمقاومة، بخطاباته التي يلقيها منذ انطلاق معركة طوفان الأقصى، تحول الخطاب الديني المتصهين إلى الهجوم عليه، والسخرية منه.
بدأ الهجوم من أحد الدعاة، عقب أيام من انطلاق المعركة، إذ هاجم أبو عبيدة، بسبب تحالف حماس مع إيران وحزب الله والحوثيين، داعيا إياه إلى “الجهاد بالسنن”، والالتزام بالسنة النبوية، دون توضيح. وفي إطار حديثه، وضع الداعية الشماغ على وجهه مرتين لثوان، في إطار السخرية من أبو عبيدة، بسبب إخفائه لوجهه في خطاباته، وذلك حتى لا تستهدفه إسرائيل أو عائلته. كان هذا الهجوم بمثابة إشارة البدء لحملة على أبو عبيدة، أطلقت عليه لقب “المنقب”، واتهمته بأنه جبان ويتخفى بين النساء. كما زعم البعض أن أبو عبيدة يعمل خطيبا بأحد المساجد في قطر.
تاسعا: استخدام الخطاب الطائفي
هاجم “الدعاة” و”المؤثرون” المناهضون للمقاومة الفلسطينية، اعتمادها على إيران في التدريب والتسليح. كما هاجموا تنسيقها مع حزب الله اللبناني، وجماعة أنصار (الحوثي) في اليمن، وإشادتها بمشاركة الحزب في إسناد المقاومة بعمليات عسكرية وقصف لشمال إسرائيل، وكذلك الإشادة بالهجمات التي يشنها الحوثيون في البحر الأحمر ضد السفن المتجهة إلى إسرائيل.
استند هؤلاء في خطابهم إلى أن إيران وحزب الله تدخلا في سوريا دعما لنظام بشار الأسد في مواجهة الثورة التي اندلعت ضده في عام 2011، متسببين في قتل وتشريد مئات الآلاف من السوريين. كما لجأ آخرون إلى أسباب دينية بحتة، مشيرين إلى عدم جواز الاستعانة “بالشيعة” لقتال إسرائيل. ووصل الأمر بأحدهم إلى تفضيل إسرائيل على الشيعة، مستندا إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “كتابي” وبالتالي “تؤكل ذبائحه وتُنكح نساؤه”، أما الشيعة، حسب قوله، “فلا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم”. كما خلص إلى ضرورة تبرؤ المقاومة من إيران، حتى لو أدى ذلك إلى استيلاء إسرائيل على الأرض “فلا مقارنة بين أن يأخذ نتنياهو الأرض، أو يأخذ الخميني الاعتقاد”.
وبعد توسيع جيش الاحتلال الإسرائيلي لعدوانه على لبنان، لم يترك هؤلاء فرصة إلا واستغلوها، لتعميق الخلاف بين المسلمين، فكتبوا على حساباتهم يدعون الله أن يحمي “أهل السنة” في لبنان، فقط. بمعنى آخر، لا يأبهون بموت أي شخص من أي طائفة أخرى.
يتحجج هؤلاء بموقف إيران وحزب الله في سوريا عام 2011. لكن الحقيقة أن موقفهم لم يكن مختلفا عندما دخل حزب الله في حرب ضد إسرائيل عام 2006، إذ كان خطابهم مماثلا تماما لما يقولوه في الوقت الراهن، رغم أن الحزب لم يكن قد تدخل في سوريا، وكان تركيزه منصبا على قتال إسرائيل، وهو ما مكنه من إجبار إسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000.
أما عن المقاومة “السنية”، فلم تفلت هي الأخرى من الهجوم، عبر توجيه اتهامات شتى لها، تدور في جزء منها حول حصولها على دعم من إيران، وكأن المقاومة كانت تملك ترف الاختيار بين جهات دعم متعددة، بينما الحقيقة أنها لم تجد إلا هذا الدعم. بل تجاوزت بعض الدول “السنية” الموقف السلبي، وتعاونت مع إسرائيل، سواء في إمدادها بكل ما تحتاجه من سلع وغذاء، تعويضا لها عن إغلاق طريق التجارة عبر البحر الأحمر، بسبب هجمات الحوثيين، أو المشاركة في إسقاط الصواريخ الإيرانية التي كانت في طريقها إلى إسرائيل في أبريل وأكتوبر. وبعد استشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في 31 يوليو/تموز الماضي في إيران، انتشرت تصريحات ومنشورات لأشخاص ينتسبون إلى السلفية المدخلية، أعلنوا فيها شماتتهم باغتياله، محرمين الترحم عليه. وبالتالي فإن الهجوم على المقاومة غير متعلق بقضية السنة والشيعة على الإطلاق.
عاشرا: الإخوان والصوفية
صدر معظم الخطاب الديني المهاجم للمقاومة والمحرض عليها، من دعاة ينتمون للجامية والمدخلية، وهما تياران سلفيان يتخذان موقف العداء الشديد تجاه الإسلاميين بمختلف تياراتهم، لا سيما التيارات الحركية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، بدعوى التحذير من الحزبية. كما يهاجمان المختلفين معهما ويذمونهم وقد يصل الأمر إلى إخراجهم من الملة، أو وصفهم بالمبتدعة. كما يدعوان إلى طاعة الحاكم في كل الأوقات، وتحريم الخروج عليه أو الاعتراض على قراراته مهما فعل. لذلك، ركز هؤلاء هجومهم على حركة حماس، باعتبارها كانت فرعا لجماعة الإخوان المسلمين، المصنفة تنظيما إرهابيا في عدد من الدول العربية، والمتهمة بأنها تحاول “الخروج على ولاة الأمر”، والوصول للسلطة. كما استند بعض الدعاة في تحريمهم للترحم على إسماعيل هنية، إلى أنه “صوفي مبتدع”.
وفي هذا الإطار، أجاب أحدهم عن سؤال بشأن “حكم الترحم على إسماعيل هنية”، بالقول: “هنية وإن كنا نقول إنه رجل مبتدع في أمور، فهو رجل يعترف بأنه صوفي، وأن أباه كان شيخ طريقة، وأن ولاءه لجماعة الإخوان المسلمين، وصلاته خلف الروافض، ويصلي في صفوفهم، وله صورة وهو يقبل يد علي خامنئي، وأنه يقول إن سليماني شهيد القدس.. فهذه من دلائل بدعته.. وأنه مُحدِث في دين الله”. كما أقسم آخر أن حماس “جماعة إرهابية”، لأنها “فرقة ضالة وليست سنية أو سلفية”، وأن أفعالهم “ليست من الجـهـاد في شيء بل أعمال شغب وعبث”. واتهم ثالث الحركة بأنها “حرّكت في الناس الإلحاد وخرّبت عقائدهم، لأنهم ليسوا على العقيدة الصحيحة السلفية”.
حادي عشر: الهجوم على المقاومين الأفراد
هاجم الدعاة المتصهينون كل من يحاول قتل إسرائيليين في أي مكان، آخرهم الأردني ماهر الجازي، الذي قتل 3 إسرائيليين في 8 سبتمبر/أيلول الماضي، وذلك بحجة أنه “يتظاهر بالعبادة وهو يريد المدح”، وأنه “أراد الشهرة” وأن يعرفه الناس بشجاعته، متوعدا الشهيد بأنه سيكون ممن “أول من تسعر بهم النار” يوم القيامة. نلاحظ هنا أن الطرح يتعارض جذريا كذلك مع الإسلام، إذ يزعم معرفة نية الشهيد، رغم أن النية محلها القلب، ولا يستطيع أحد معرفتها ما لم يعلن صاحبها عنها صراحة.
خاتمة
اتبع الخطاب الديني المتوافق مع الاحتلال الإسرائيلي استراتيجيات عدة، لشيطنة المقاومة والهجوم عليها، لمحاولة إقناع الجمهور بالانفضاض عنها، وحتى لا تشهد الدول التي ينتمون لها أي تحركات أو احتجاجات على ما يحدث في قطاع غزة. لكن استمرار المجازر الإسرائيلية طوال أكثر من عام، واتساع رقعة الحرب، وظهور تهافت هذا الخطاب بعد أداء المقاومة العسكري وصمودها، ودفاع علماء كثر عن المقاومة ورد الشبهات عنها، أدى إلى فشل هذا الخطاب في تحقيق أهدافه، خاصة مع الهجوم على الرموز الممثلين له، وتخصيص حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي لانتقادهم وكشف أوجه الضعف في خطابهم والغرض منه.