الجيش الإسرائيلي في رفح: سيطرة دائمة على فلادلفيا أم مغامرة مؤقتة؟

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
06/15/2024
شارك المقالة

شهد محور فلادلفيا توترًا وصدامات مستمرة، وهو المنطقة الحدودية بين قطاع غزة ومصر، والتي تضم مدينة رفح. خلال فترات مختلفة من هذا النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، قامت القوات الإسرائيلية بعمليات عسكرية في رفح، وخصوصًا على محور فلادلفيا، مما أثار تساؤلات حول نوايا إسرائيل: هل كانت هذه العمليات جزءًا من خطة طويلة الأمد للسيطرة على المنطقة، أم مجرد مناورة عسكرية مؤقتة؟

 

خلفية تاريخية

منذ انسحاب إسرائيل من قطاع غزة في عام 2005، باتت رفح، وخاصة محور فلادلفيا، نقطة ساخنة في الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين. يُعرف محور فلادلفيا بكونه شريطًا ضيقًا يمتد على طول الحدود بين غزة ومصر، وكان هدفًا للعديد من العمليات العسكرية الإسرائيلية بهدف منع تهريب الأسلحة والمواد الأخرى إلى غزة عبر الأنفاق التي تحفر تحت الحدود.

قبل الانسحاب، كانت إسرائيل تسيطر مباشرة على محور فلادلفيا، الذي يعد شريان حياة استراتيجي للاتصال بين مصر وغزة. بعد الانسحاب، ازدادت عمليات التهريب عبر الأنفاق بشكل كبير، مما دفع إسرائيل لتنفيذ سلسلة من العمليات العسكرية بهدف تدمير تلك الأنفاق ومنع التهريب.

 

العمليات العسكرية في رفح

شنت إسرائيل عدة عمليات عسكرية كبيرة في رفح، أبرزها عملية قوس قزحفي عام 2004 وعملية الرصاص المصبوبفي 2008 – 2009 في هذه العمليات، قامت القوات الإسرائيلية بتدمير الأنفاق الحدودية والمباني المحيطة بها، بالإضافة إلى مواجهة مقاومة شديدة من الفصائل الفلسطينية المسلحة.

  1. عملية قوس قزح” (2004):

– الأهداف: تدمير الأنفاق ومنع تهريب الأسلحة.

-النتائج: تدمير واسع للبنية التحتية في رفح، سقوط العديد من الضحايا المدنيين، وانتقادات دولية شديدة لإسرائيل.

-الدوافع: محاولة فرض السيطرة ومنع التهريب.

  1. عملية الرصاص المصبوب” (2008-2009):

– الأهداف: إضعاف قدرة حماس على إطلاق الصواريخ.

– النتائج: تدمير كبير في قطاع غزة، بما في ذلك رفح، وارتفاع عدد الضحايا.

– الدوافع: تعزيز الأمن الإسرائيلي من خلال احتواء التهديدات العسكرية من غزة.

  1. عملية الجرف الصامد” (2014):

– الأهداف: تدمير الأنفاق الهجومية لحماس.

– النتائج: تدمير كبير للأنفاق والبنية التحتية، وزيادة التوتر الدولي تجاه إسرائيل بسبب الأضرار المدنية.

-الدوافع: تقليل التهديد المباشر للأراضي الإسرائيلية من قبل الأنفاق الهجومية.

 

التطورات العسكرية على الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة منذ 7 أكتوبر

في ديسمبر 2023 بدأت التطورات الميدانية على محور فيلادلفيا بعد قصف القوات الإسرائيلية لمبني مراقبة مصري، ولم يتخذ الجانب المصري رد فعل مماثل وقتها على الرغم من مخالفة الفعل الإسرائيلي لنصوص الاتفاقية المسبقة بأنها منطقة عازلة ذات خصوصية أمنية، ويخضع لاتفاقيات ثنائية، وتستوجب الحصول على إذن مسبق من الطرف الآخر قبل تنفيذ أي أعمال عسكرية فيها.

وفي 7 مايو 2024 حيث دخول الجيش الإسرائيل معبر رفح – وهو ما رفضته مصر ونفت أي تنسيق مسبق مع إسرائيل بشأن عمليتها العسكرية في رفح –  تصاعدت الاحداث الإنسانية والميدانية في رفح حيث كان أبرزها وآخرها “محرقة الخيام” في 26 مايو، التي شنتها القوات الإسرائيلية على خيام النازحين والتي تقدر بحوالى 100ألف نازح حيث أسفرت عن أكثر من 100 شخص بين شهيد وجريح، وعدد كبير منهم تم حرق جثثهم، وأضاف مصدر مصري أمني مسؤول أن «هذا ما حذرنا منه منذ شهور.. والهجوم الإسرائيلي على محور فيلادلفيا يخلق أوضاعا ميدانية ونفسية يصعب السيطرة عليها ومرشحة للتصعيد».

وفي 27 مايو، أفادت القناة 13 الإسرائيلية، عن حادث غير عادي بين الجيشين الإسرائيلي والمصري في رفح وإسرائيل تجري تحقيقا وأن الحادث يأتي في ذروة التوتر مع مصر، وقد يكون له عواقب سياسية مهمة، وأعلنت المصادر الرسمية المصرية بعدها عن استشهاد جندي مصري نتيجة الاشتباكات، وأدانت مصر “بأشد العبارات” القصف الاسرائيلي لمخيمات النازحين الذي وصفته بأنه “متعمد”.

وقال المتحدث الرسمي باسم الجيش المصري في بيان إن “القوات المسلحة المصرية تجري تحقيقا بواسطة الجهات المختصة حيال حادث إطلاق النيران بمنطقة الشريط الحدودي برفح ما أدى الى استشهاد أحد العناصر المكلفة بالتأمين”، وقبل البيان المصري، كان قد أعلن الجيش الاسرائيلي أنه يجري تحقيقا في حادثة “إطلاق نار وقعت على الحدود المصرية”، مؤكدا وجود اتصالات مع مصر بهذا الشأن.

ويرى محللون سياسيون وعسكريون أنه من المحتمل أن يكون الحادث مفتعل من قبل الجانب الإسرائيلي لمحاولة التغطية على “محرقة الخيام” في اليوم السابق للحادثة، خاصة وأنه منذ دخول القوات الإسرائيلية معبر رفح عامة وبعد “محرقة الخيام” خاصة اشتدت ردود الفعل الدولي ضد إسرائيل، فكان من ضمنها تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه “غاضب” من الغارة، وتصريح وزير الدفاع الإيطالي غيدو كروسيتو إن الفلسطينيين “يتعرضون للضغط دون اعتبار لحقوق الرجال والنساء والأطفال الأبرياء الذين لا علاقة لهم بحماس”، وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض في بيان، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لمناقشة مسألة حساسة: “إن الصور المدمرة التي أعقبت غارة الجيش الإسرائيلي في رفح الليلة الماضية والتي أسفرت عن مقتل العشرات من الفلسطينيين الأبرياء مفجعة”.

 

أهداف السيطرة على فلادلفيا

يمكن تحليل العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح من خلال عدة مناظير:

  1. الأمن القومي: تسعى إسرائيل من خلال هذه العمليات إلى تعزيز أمنها القومي بمنع تهريب الأسلحة والصواريخ إلى غزة، والتي يمكن أن تستخدمها الفصائل الفلسطينية في الهجمات ضد المدنيين الإسرائيليين. تعتبر الأنفاق في محور فلادلفيا تهديدًا مباشرًا للأمن الإسرائيلي، حيث يتم استخدامها لنقل الأسلحة والمقاتلين.
  1. السيطرة الاستراتيجية: يُعتبر محور فلادلفيا نقطة استراتيجية مهمة تتيح السيطرة على حركة البضائع والأشخاص بين غزة ومصر، ما يمكن إسرائيل من الضغط على حماس والجماعات المسلحة الأخرى في غزة. هذا التحكم يمكن أن يستخدم كأداة للضغط الاقتصادي والسياسي.
  1. الضغط السياسي: يمكن أن تُستخدم هذه العمليات كوسيلة للضغط السياسي على حماس، لإجبارها على القبول بشروط معينة تتعلق بالهدنة أو بوقف إطلاق النار. عمليات تدمير الأنفاق والضربات الجوية المكثفة يمكن أن تضعف موقف حماس وتجبرها على التفاوض.
  1. التحكم في التهريب: تعتبر الأنفاق الحدودية وسيلة رئيسية لتهريب البضائع والأسلحة إلى قطاع غزة. من خلال تدمير هذه الأنفاق، تسعى إسرائيل إلى قطع الإمدادات الحيوية عن حماس والفصائل الأخرى، مما يقلل من قدرتها على مقاومة الاحتلال.

الدوافع المؤقتة مقابل الدوافع الدائمة

بينما يمكن تفسير بعض العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح على أنها خطوات لتحقيق أهداف طويلة الأمد، فإن هناك عدة عوامل تشير إلى أن العديد من هذه العمليات قد تكون مغامرات مؤقتة:

 

  1. تكلفة العمليات: تتطلب العمليات العسكرية المكثفة موارد كبيرة من الناحية المالية والبشرية، مما يجعل من الصعب استمرارها لفترات طويلة. تتكبد إسرائيل تكاليف باهظة في المعدات العسكرية والجنود، فضلاً عن الأضرار الاقتصادية الناتجة عن التصعيد العسكري المستمر.

2. الضغط الدولي: غالبًا ما تتعرض إسرائيل لضغوط دولية لوقف عملياتها العسكرية في غزة ورفح، حيث تتهم بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان                والتسبب في معاناة المدنيين. تتعرض إسرائيل لانتقادات شديدة من المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة، مما يجبرها على إنهاء العمليات         بشكل أسرع من المتوقع.

  1. التغيير في الديناميات السياسية: يمكن أن تؤدي التغيرات في الديناميات السياسية الداخلية في إسرائيل أو العلاقات الدولية إلى تغييرات في استراتيجيات التعامل مع غزة ورفح، مما يجعل العمليات العسكرية مسألة وقتية وليست دائمة. تتغير الحكومات في إسرائيل بشكل دوري، وكل حكومة قد تتبنى نهجًا مختلفًا تجاه الصراع مع الفلسطينيين.
  1. التأثير على العلاقات مع مصر: عمليات إسرائيل في رفح ومحور فلادلفيا تؤثر بشكل مباشر على العلاقات مع مصر، حيث تعتبر الأنفاق قضية حساسة للقاهرة. بالتالي، يمكن لإسرائيل أن تختار تقليل عملياتها في هذه المنطقة لتجنب توتر العلاقات مع حليف استراتيجي مهم في المنطقة. مصر تعتبر حليفًا رئيسيًا لإسرائيل في الجهود الرامية إلى تحقيق استقرار أمني في المنطقة، ولهذا قد تضطر إسرائيل لموازنة أعمالها العسكرية لتجنب تأزيم العلاقات.
  1. الضغوط الداخلية: العمليات العسكرية المكثفة تؤدي إلى زيادة التوترات الداخلية في إسرائيل، خاصة مع سقوط ضحايا من الجنود الإسرائيليين. يتعرض القادة السياسيون لضغوط من العائلات والجماعات الحقوقية داخل إسرائيل لوقف العمليات المكلفة بشريًا وماديًا.

التحليل الجيوسياسي والاستراتيجي

إن وجود الجيش الإسرائيلي في رفح ومحور فلادلفيا يمكن فهمه في سياق أوسع للصراع الجيوسياسي في المنطقة. فمن ناحية، يعتبر محور فلادلفيا ممرًا حيويًا لتهريب الأسلحة والإمدادات إلى غزة، مما يجعله هدفًا رئيسيًا لإسرائيل. ومن ناحية أخرى، يمثل هذا الممر أيضًا شريانًا حيويًا لسكان غزة الذين يعتمدون على البضائع المهربة لتلبية احتياجاتهم اليومية في ظل الحصار.

تُظهر التحليلات الاستراتيجية أن سيطرة إسرائيل على محور فلادلفيا يمكن أن تمنحها نفوذًا كبيرًا على حركة البضائع والأشخاص، مما يمكن استخدامه كأداة للضغط على حماس. لكن في المقابل، تعتبر عمليات السيطرة هذه مكلفة ومعقدة بسبب التحديات الأمنية والدولية واللوجستية المستمرة. والدولية.

 

مستقبل الوجود الإسرائيلي في رفح

مع استمرار التوترات في المنطقة، يبقى مستقبل الوجود الإسرائيلي في رفح ومحور فلادلفيا غير واضح. من المرجح أن تواصل إسرائيل اتخاذ خطوات عسكرية متقطعة لتدمير الأنفاق ومنع التهريب، لكن من غير المؤكد ما إذا كانت ستسعى إلى إقامة وجود دائم في المنطقة.

بناءً على التحليلات الحالية، يبدو أن إسرائيل قد تختار نهج العمليات المؤقتة والمتقطعة، مركزة على تحقيق أهداف محددة بدلاً من محاولة فرض سيطرة دائمة. هذا النهج يسمح لها بالتكيف مع التغيرات السريعة في الوضع الأمني والسياسي دون التورط في تكاليف طويلة الأمد.

التحديات والمخاطر

تواجه إسرائيل تحديات ومخاطر متعددة في محاولتها للسيطرة على محور فلادلفيا:

  1. المقاومة المسلحة: الفصائل الفلسطينية، وخاصة حماس والجهاد الإسلامي، تمتلك قدرات قتالية جيدة وتستخدم تكتيكات حرب العصابات، مما يصعب من مهمة القوات الإسرائيلية.
  2. التكلفة البشرية: العمليات العسكرية غالبًا ما تؤدي إلى سقوط ضحايا من الجانبين، مما يفاقم من معاناة المدنيين ويزيد من الضغوط الدولية على إسرائيل.
  3. التبعات السياسية: العمليات العسكرية تؤدي إلى تأجيج التوترات السياسية الداخلية والخارجية، وتؤثر على العلاقات الدولية لإسرائيل.

 

الخلاصة

تظل العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح ومحور فلادلفيا موضوعًا مثيرًا للجدل بين الدوائر السياسية والعسكرية والأكاديمية. بينما تشير بعض التحليلات إلى أن هذه العمليات جزء من خطة استراتيجية طويلة الأمد للسيطرة على المنطقة، فإن العديد من العوامل تدعم الرأي القائل بأنها مغامرات مؤقتة تهدف إلى تحقيق أهداف محددة في أوقات معينة.

 

مع استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ستظل رفح ومحور فلادلفيا من النقاط الساخنة التي تستقطب الاهتمام والتحليل، مما يعكس تعقيدات هذا النزاع المستمر وآثاره على السكان المحليين والمنطقة ككل. تعتمد إسرائيل على استراتيجيات متغيرة ومتكيفة مع الظروف السياسية والعسكرية، مما يجعل من الصعب التنبؤ بمستقبل الوجود الإسرائيلي في هذه المنطقة الحساسة.

 


مراجع

  • “The Israel-Palestine Conflict: Contested Histories” by Neil Caplan.
  • “Gaza: A History” by Jean-Pierre Filiu.
  • “The Gaza Strip: The Political Economy of De-development” by Sara Roy.
  • Financial Times
شارك المقالة

اشترك في نشرتنا الاخبارية