ملخص
تحلل هذه الورقة الاستراتيجيات التي اتبعتها وسائل الإعلام التابعة للسعودية والإمارات، تجاه الأحداث الأخيرة التي تجري في سوريا، خاصة بعد تطبيع الدولتين علاقاتهما مع نظام بشار الأسد، والتغير الذي حدث في خطاب وسائل الإعلام التابعة لهما بشأن الملف السوري، وهو تغير لافت ويمثل انقلابا على الخطاب الذي كان سائدا لسنوات.
تسلط الورقة الضوء على أبرز المصطلحات المستخدمة في وسائل الإعلام التابعة للدولتين، والاستراتيجيات التي اتبعتها، منذ انطلاق معركة “ردع العدوان” ضد قوات النظام في سوريا، والتي أسفرت عن إسقاط نظام الأسد ودخول المعارضة إلى دمشق.
منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، ظهر مصطلح “الثورة المضادة”، للإشارة إلى معارضي الثورات، من الأنظمة العربية والإقليمية التي عملت على إجهاض الثورات بأدوات متعددة، احتل الإعلام منها حيزا مهما.
تنوعت الجهات الداعمة لهذه الأدوات الإعلامية، لكن السعودية والإمارات كانت لهما الصدارة منذ بداية الاحتجاجات، إذ عارضتا الثورة في كل من تونس ومصر واليمن، وكذلك المظاهرات في البحرين، بينما أيدتا الحراك في ليبيا وسوريا -في سنواتهما الأولى- ثم انضم الإعلام الإيراني وأذرعه العربية بعد اندلاع الثورة السورية، ثم الإعلام المصري بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، والذي دعمته السعودية والإمارات بكل قوة، سياسيا واقتصاديا وإعلاميا.
ارتكب إعلام الثورة المضادة، وتحديدا في مصر والسعودية والإمارات، سقطات عدة في تغطيته للأحداث على مدار العقد الماضي، كان أبرزها محاولة الانقلاب في تركيا، بتاريخ 15 يوليو 2016، إذ روج هذا الإعلام لشائعات، مثل أن الانقلاب نجح، وأن أردوغان قرر اللجوء إلى ألمانيا. بينما كانت جموع الأتراك تجهض الانقلاب في الشوارع.
ورغم تأييد إعلام الثورة المضادة للحراك في ليبيا وسوريا، إلا أنه تراجع عن ذلك فيما بعد. ففي ليبيا، دعمت وسائل الإعلام المصرية والسعودية والإماراتية، اللواء المتقاعد خليفة حفتر، منذ ظهوره على مسرح الأحداث في فبراير 2014، ثم في محاولته الانقلاب والسيطرة على كامل البلاد في أبريل 2019. في هذه الأحداث، جرى الترويج لانتصارات مزعومة لقوات حفتر في حربها ضد الحكومة في طرابلس. وعندما ظهرت بوادر الهزيمة، جرى تبني مصطلحات، مثل “الانسحاب التكتيكي”، عند الحديث عن تحرير قاعدة الوطية الجوية ومدن الغرب الليبي من سيطرة حفتر.
في سوريا، أدى تطبيع العلاقات بين النظام السوري وكل من السعودية والإمارات، إلى تحول كامل في تغطية إعلام البلدين تجاه الشأن السوري. فبعد تبني المعارضة السورية وخطابها ومصطلحاتها لسنوات، ظهر الوجه الآخر بعد انطلاق معركة “ردع العدوان”، التي أطلقتها المعارضة السورية المسلحة ضد نظام بشار الأسد، بهدف إعادة النازحين إلى منازلهم التي هجّرهم منها النظام قبل سنوات، ومنع شن هجمات على المدنيين.
في هذا الإطار، يُمكن الحديث عن مصطلحات استخدمها إعلام الثورة المضادة، تفصح عن رؤيته، ورؤية الدول التي يتبع لها، بشأن ما يجري في سوريا. كما يمكن الحديث عن عدد من الاستراتيجيات التي اتبعها هذا الإعلام. نستعرض أبرز هذه المصطلحات والاستراتيجيات فيما يلي:
أولا: المصطلحات
جبهة النصرة
رغم أن جبهة النصرة أعلنت فك ارتباطها مع تنظيم القاعدة، وإعادة هيكلتها وضم فصائل أخرى لها منذ سنوات، وتحولها إلى “هيئة تحرير الشام”، إلا أن إعلام الثورة المضادة أصر على استخدام الاسم القديم، للإشارة إلى قوات المعارضة السورية التي تقاتل جيش بشار الأسد. وذلك بهدف تشويه المعارضة، عبر اختزال كافة الفصائل التي تقاتل النظام في هيئة تحرير الشام فقط، رغم أن عملية “ردع العدوان” تضم العديد من الفصائل، أبرزها: فيلق الشام، وجيش الأحرار، وأحرار الشام، وجيش العزة، وغيرها.
بالإضافة إلى فصائل “الجيش الوطني السوري” المعارض، التي أطلقت عملية “فجر الحرية”، بالتوازي مع “ردع العدوان”، والتي تتكون من الجبهة الشامية، وحركة نور الدين الزنكي، وفصائل الجبهة الوطنية للتحرير، وغيرها. كما تم تشكيل غرفة عمليات الجنوب للسيطرة على محافظة درعا، وغرفة عمليات السويداء. ومعظم هذه القوات تتكون من مقاتلين سوريين هجّرهم النظام قبل سنوات، ويقاتلون في هذه المعركة من أجل العودة إلى مناطقهم ومنازلهم. بالإضافة إلى أن أنباء تقدم قوات المعارضة يقابلها احتفالات من الشعب السوري داخل البلاد وخارجها، إلا أن إعلام الثورة المضادة تجاهل نقل أي ردود أفعال من السوريين بشأن تطورات الأحداث.
تجاهل إعلام الثورات المضادة كل تلك الفصائل، وحصرها فقط في هيئة تحرير الشام، ثم استخدم المسمى القديم لها، للزعم بأنها لا تزال تابعة للقاعدة، وبالتالي تنفير الجمهور العربي منها.
سقوط
استُخدم هذا المصطلح بكثرة، عند الحديث عن سيطرة قوات المعارضة على المدن السورية، بدءا من مدن محافظة إدلب التي كانت لا تزال تحت سيطرة قوات النظام، مرورا بحلب وحماة ودرعا. ولا يخفى أن هذا المصطلح له مدلول سلبي، إذ يوحي بأن هذه المناطق خضعت لاحتلال أجنبي. لم يكن من المطلوب تبني مصطلح تحرير”، الذي تستخدمه قوات المعارضة، لكن كان يمكن استخدام مصطلح محايد، مثل “سيطرة”، لكن استخدام مصطلح “سقوط”، يفصح عن حقيقة توجه وسائل الإعلام التي تبنته.
الجيش السوري
لم يعد هناك “جيش سوري” بالمعنى المعروف منذ اندلاع الثورة السورية. فقد استعان النظام بمليشيات إيرانية ولبنانية وعراقية وأفغانية وباكستانية، فضلا عن الجيش الروسي، لإجهاض الثورة. أبرز هذه المليشيات:
حزب الله اللبناني.
الحرس الثوري الإيراني.
لواء فاطميون الأفغاني.
لواء زينبيون الباكستاني.
عصائب أهل الحق العراقية.
حزب الله العراقي.
منظمة بدر العراقية.
لواء القدس الفلسطيني.
وحتى داخل الوحدات السورية نفسها، كان معروفا منذ عقود، أن الطائفة العلوية تتمتع بامتيازات خاصة، ويحتل الضباط العلويون المراتب العليا في هذه القوات، وذلك في إطار السياسات الطائفية التي اتبعها النظام منذ حافظ الأسد وحتى نجله بشار. لذلك، يعتبر استخدام مصطلح “الجيش السوري” تضليل للمشاهدين.
ثانيا: الاستراتيجيات
الترويج لانتصارات وهمية
مثلما حدث في ليبيا، روّج إعلام الثورة المضادة لانتصارات وهمية، بطلها جيش النظام السوري، وقوات سوريا الديمقراطية الكردية، وذلك على لسان ضيوف من دمشق، وكذلك من مصادر غير موثوقة. على سبيل المثال، الزعم بأن قوات النظام استعادت السيطرة على جبل زين العابدين الاستراتيجي قرب مدينة حماة، وكذلك الزعم بأن قوات النظام نفذت كمينا لقوات المعارضة قرب حماة، وهي أخبار اتضح أنها غير صحيحة. وبعد سيطرة المعارضة على محافظة درعا، زعمت قناة العربية أن المدينة أصبحت تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
اعتمدت نسبة معتبرة من هذه الأخبار على ما يسمى “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، يديره شخص يُدعى رامي عبد الرحمن، يحل ضيفا باستمرار على قنوات العربية والحدث وسكاي نيوز عربية والغد، وهي الأذرع الإعلامية الرئيسية للسعودية والإمارات. لا يُعرف عن المركز أي هيكلة محددة، ولا يظهر أي شخص للحديث في وسائل الإعلام إلا عبد الرحمن، الذي يشغل منصب مدير المركز ومؤسسه والناطق الرسمي باسمه. ولذلك لا يمكن الاعتماد عليه حصرا في نقل أخبار كهذه، ويجب التأكد منها عبر مصادر أخرى قبل نشرها، إلا إذا كانت وسيلة الإعلام التي تنشر مثل هذه الأخبار ترغب في تبنيها. وقد أثار ظهوره الإعلامي والأخبار التي يروجها سخط العديد من النشطاء السوريين الذين اتهموه بالفبركة.
التضليل
في إطار محاولة تشويه قوات المعارضة التي تقاتل جيش النظام السوري، زعمت قناة العربية أن الغارة التي استهدفت مستشفى إدلب الجامعي، وأدت إلى سقوط قتلى ومصابين، كانت تستهدف “مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام”. اعتمد التضليل هنا على التعميم المخل، إذ تخضع محافظة إدلب بالفعل لسيطرة هيئة تحرير الشام، إلا أن قناة العربية أرادت تخفيف الجريمة التي ارتكبت بحق مدنيين، كما أن قصف المستشفيات في حد ذاته يُعتبر جريمة حرب. لكن القناة ارتأت الإيحاء بأن الغارة استهدفت مواقع عسكرية لا مدنية.
الخلاصة
أثبت إعلام الثورة المضادة مرة أخرى أنه غير مهني، فضلا عن فشله في القيام بوظيفته، إذ سرعان ما تتحول الأخبار التي ينشرها إلى مادة للسخرية، بسبب اتضاح عدم صحتها أو المبالغة فيها. ولا يبدو في الأفق المنظور أن الجهات الداعمة لهذا النوع من الإعلام ترغب في إصلاحه. وبالتالي سيظل يسلك الطريق الخاطيء في مرات قادمة.