التأثيرات الاقتصادية للحرب الإسرائيلية الإيرانية

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
06/22/2025
شارك المقالة

 وصفت مؤسسات دولية ومراكز أبحاث اقتصادية الحرب الإسرائيلية على إيران بأنها أخطر تصعيد عسكري إقليمي في السنوات العشر الأخيرة.

وأنها حرب تكسير عظام حقيقية، الصمود فيها إلى نهاية المعركة، يتوقف على القدرات العسكرية والقوة الاقتصادية والدعم الدولي والمساندة الشعبية.

 وأنها برغم طبيعتها الجغرافية المحدودة حتى الآن، فإن آثارها الاقتصادية تتسع بوتيرة متسارعة ولاسيما بعد الهجمات الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية، لتطال أسعار النفط وأسواق الطاقة، وحركة الشحن والتجارة العالمية، وتدفقات الاستثمارات الخارجية، وقطاعات السياحة والنقل والعقارات، وسلاسل التوريد العالمية، وتؤثر سلبا على معدلات التضخم ومعدلات النمو الاقتصادي وأسعار العملات المحلية وأسعار الذهب، وعلى استقرار الاقتصادات العالمية والإقليمية والمحلية.

 

تأثير الحرب على أسواق الطاقة وأسعار النفط:

شهدت أسواق الطاقة ارتفاعات حادة في الأسعار منذ بداية العدوان، حيث قفز سعر خام برنت من متوسط 90 دولار إلى ما بين 104: 110 دولار للبرميل، وكانت مؤسسة باركليز قد ذكرت أن تخطي مستوى 100 دولار للبرميل بات مرجحًا في ظل تعطيل الإمدادات الإيرانية، ووفق بلومبرغ فإن التوسع المحتمل للصراع إلى منشآت الخليج قد يدفع الأسعار إلى مستويات لم تُسجل منذ أزمة 2022، وأكد صندوق النقد الدولي أن الاضطرابات الجيوسياسية الحالية تعيق استقرار أسواق الطاقة وترفع فاتورة الطاقة عالميا، وتؤثر سلبًا على الاقتصادات النامية المستوردة للطاقة. وتؤدي هذه الزيادة إلى ارتفاعات موازية في أسعار المشتقات، وخاصة الديزل ووقود الطائرات، التي ارتفعت بين 45% و60% في الأسواق الأوروبية وسط توقعات بوصول سعر البرميل إلى 130 دولار إذا طال أمد النزاع أو إذا امتد ليشمل غلق مضيق هرمز أو زادت العقوبات على النفط الإيراني أو دخلت أمريكا الحرب  وهو ما قد يترتب عليه أزمة تضخمية وركود عالمي محتمل.

 

تأثير الحرب على حركة الشحن والتجارة العالمية وسلاسل الإمداد:

يتوقع الخبراء تراجع التجارة البينية بين دول المنطقة، وهروب رؤوس الأموال الأجنبية، وتناقص الاستثمارات، وتأثر قطاعات السياحة والنقل واللوجستيات، وازدياد تكلفة تذاكر الطيران، وتراجع أعمال الفندقة والضيافة، وتهديد مضيق هرمز، وتحول في خطوط الملاحة، حيث يمر عبر مضيق هرمز نحو 20% من الإمدادات النفطية العالمية. ومع تهديدات طهران بإغلاقه بعد الهجمات الأمريكية، بدأت شركات الشحن مثل Maersk وShell بتحويل مساراتها، ما زاد زمن الشحن بين آسيا وأوروبا بنحو 7–10 أيام، ورفع كلفة التأمين البحري بنسبة تجاوزت 300%.

 

تأثير الحرب على حركة التجارة العالمية:

يتوقع حدوث تباطؤ في تدفق السلع، خصوصًا الطاقة والمواد الخام الصناعية حيث تتوقع تقارير مركز CEBRالبريطاني انخفاض حجم التجارة العالمية بنسبة 0.6% في الربع الثالث من 2025 إذا استمر النزاع، كما يتوقع ارتفاع أسعار النقل واللوجستيات وهو ما سيحد من القدرة الشرائية عالميًا، ويزيد الضغط على سلاسل الإمداد الغذائي.

 

تأثير الحرب على اضطراب الأسواق المالية وتقلص الاستثمارات:

جاء رد فعل الأسواق المالية العالمية سريعا حيث خسر مؤشر داو جونز نحو 600 نقطة في منتصف يونيو، مدفوعًا بمخاوف المستثمرين، وشهدت الأصول الآمنة مثل الذهب وسندات الخزينة ارتفاعًا ملحوظًا، مع تخارج كبير من الأسهم ذات المخاطر العالية، فيما أعادت مؤسسات استثمارية خليجية توجيه رؤوس أموالها نحو القطاع الدفاعي والطاقة كخطوط تحوّط استراتيجية. وهناك توقعات بتراجع في مؤشرات الأسواق، وتراجع في معدلات النمو والتضخم، حيث خفّض البنك الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي في 2025 من 2.7% إلى 2.3% في حين حذر صندوق النقد الدولي من أن أسعار الطاقة المرتفعة والقلق الجيوسياسي قد يرفعان التضخم في الاقتصادات المتقدمة والناشئة على السواء، وبسبب تصعيد الحرب يتوقع تباطؤ الاستثمارات الكبرى وتجميد المشاريع الاستثمارية الخارجية وازدياد اللجوء إلى الملاذات الآمنة.

 

التأثير الاقتصادي على طرفي الحرب:

1- إسرائيل: بلغت فاتورة الإنفاق الدفاعي نحو 725 مليون دولار يوميًا، وفي أول يومين من العدوان بلغت تكاليف الحرب 1.45 مليون دولار ما يشكل ضغطًا على الموازنة وعلى الاحتياطات ويزيد قلق القطاع الخاص بسبب تراجع الدعم الحكومي، فيما يتوقع تراجع النمو الاقتصادي وهو ما ذكرته تقديرات بنك إسرائيل، مع ارتفاع المخاطر وتباطؤ الاستثمارات وتأثر الصادرات، وتعطل كبير في أعمال الطيران والملاحة والحركة التجارية والتعليم وزيادة الإنفاق الأمني وتراجع التصنيف الائتماني حيث خفضت وكالات التصنيف مثل ستاندرد آند بورز وموديز التصنيف الائتماني لإسرائيل مع توقعات بنمو يتراوح بين 1.5 إلى 2.2 في عام 2025 . وبخصوص تقلبات في الأسواق والعملات انخفض مؤشر تل أبيب 35 بأكثر من 2%، بينما تراجع الشيكل بنسبة 1% أمام الدولار كما ارتفعت أسعار الذهب والنفط مع تزايد لجوء المستثمرين إلى الملاذات الآمنة. وفي حالة إطالة مدة الحرب هناك تهديدات ديموجرافية وهجرة عكسية حيث غادر نحو 300 ألف في حين خرج قبل الحرب ولم يعد نحو 500 ألف.

2-إيران: وفي إيران تراجعت صادرات النفط بنحو 26% لتصل إلى 1.1 مليون برميل يوميا، مما خفض العائدات الحيوية للحكومة.

وتصاعدت أزمة وقود داخلية بسبب وجود نقص يومي وصل إلى 670 ألف برميل خاصة مع تعطل بعض المنشآت جراء الغارات الإسرائيلية والأمريكية، وفقد الريال الإيراني أكثر من 10% من قيمته، وسط تصاعد العقوبات وتشديد القيود المالية. وانخفض مؤشر بورصة طهران بنحو 24 ألف نقطة، وقفز سعر الذهب بشكل كبير وسط مخاوف من توسع واستمرار الحرب. ومن المبكر الإحصاء الدقيق لحجم الخسائر المادية للهجوم الأمريكي على المنشآت النووية.

 

التأثيرات الإقليمية على اقتصادات دول الإقليم:

 1- مصر :

يعاني الاقتصاد المصري المنهك من تلك الحرب، بسبب تأخر حركة السفن في قناة السويس، ما يتسبب في خسارة مصر نحو 2 مليار دولار من عائدات القناة سنويا، كما يتسبب ارتفاع أسعار الوقود في رفع تكلفة فاتورة البترول ويُزيد عجز الموازنة وبحسب تقديرات البنك الدولي فإن معدلات النمو في مصر ستهبط إلى 2.6% فقط خلال 2025، بدلاً من تقديره السابق البالغ 3.9%. ويتوقع تزايد الضغط على سعر الجنيه مقابل الدولار وزيادة في فاتورة استيراد القمح.

2-تركيا:

وفي تركيا أدت أسعار الطاقة المرتفعة أدت إلى قفزة جديدة في التضخم وصلت إلى 50% وفقدت الليرة التركية 7% من قيمتها، مما زاد من عبء خدمة الديون الخارجية وتراجع في السياحة والاستثمارات الأجنبية نتيجة مخاوف أمنية إقليمية. ويتوقع موجة نزوح إيراني تجاه تركيا.

وبصورة عامة فإن الدول المستوردة للطاقة ستعاني من اتساع العجز المالي وارتفاع التضخم

3- دول الخليج :

دول الخليج ستستفيد مؤقتًا من ارتفاع أسعار النفط، مما يعزز فوائضها المالية، وفي المقابل يتصاعد الإنفاق الدفاعي بشكل كبير، وتزداد فاتورة تحصين المنشآت الحيوية،ويزداد الاعتماد على سياسات تنويع اقتصادي لمواجهة أية اضطرابات مستقبلية، ووفقا لتقديرات بلومبيرج فإن حجم خروج الاستثمارات من دول الخليج بلغ 250 مليار دولار، ويبقى التهديد قائما بتعطيل صادرات النفط في حالة توسع الحرب ما يشكل تهديدا للأمن الاقتصادي العالمي.

تأثير الهجمات الجوية الأمريكية: أثارت الهجمات الأمريكية على المنشآت الحيوية الإيرانية تخوفات كبيرة في الأسواق العالمية وانطلقت تحذيرات عاجلة من مؤسسات مالية واقتصادية عالمية، وسط توقعات صادمة بارتفاع التضخم الأميركي إلى 6%، وعدم خفض أسعار الفائدة خلال العام الجاري، ووفق تقديرات “إكسفورد إيكونوميكس” فإن الضربة الأميركية قد تحدث شللاً مؤقتاً في التجارة النفطية الدولية، خصوصاً إذا ردت طهران بإغلاق مضيق هرمز أو استهدفت البنية التحتية للطاقة في الخليج. وتترقب الأسواق العالمية الرد الإيراني وسط احتمالات خطيرة تشمل تعطيل إنتاج النفط الإيراني بالكامل.

ويبقى أن غياب التقييم الفوري لحجم الأضرار التي خلفتها الضربة يضيف مزيداً من الغموض حول المستقبل، فالأسواق ستبقى تحت ضغط التقلبات إلى حين اتضاح طبيعة الرد الإيراني ومسار التصعيد الجيوسياسي.

 وفي ظل هذه التوقعات ستعود الأصول الآمنة مثل الذهب والدولار بقوة إلى الواجهة.

وأخيرا فإن الحرب الإسرائيلية الإيرانية قد أظهرت مدى هشاشة البنية الاقتصادية الإقليمية أمام الاضطرابات والأزمات الجيوسياسية، وإن دخول أمريكا على الخط المباشر وهجماتها على المنشآت النووية الإيرانية قد وسّع نطاق الحرب وفتح الباب أمام مآلات اقتصادية خطيرة على المنطقة وربما على العالم، وأن الدول المحيطة ذات الاقتصادات الهشة ستتعرض بسبب ذلك لانهيارات وتصدعات كبيرة، وأن الاقتصادات المتوسطة في المنطقة ستعاني أيضا من تداعيات الحرب الكارثية التي تبرز جناية السياسة والحرب على الاقتصاد في الشرق الأوسط.

شارك المقالة
مقالات مشابهة