إيران ‌وحزب الله: حدود الشراكة وفاعلية الدور

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
07/07/2024
شارك المقالة

لا تقتصر أهمية لبنان في السياسة الإيرانية على فترة ما بعد الثورة الإسلامية في إيران 1979 فقط، وتشكيل حزب الله اللبناني، لكن هناك مستوى آخر مهم وهو دعم لبنان جزء من النخبة في المجتمع الإيراني، بما في ذلك السيد موسى الصدر ومصطفى جمران، خلال السنوات التي سبقت الثورة. وتعود أهم أسباب الدعم الإيراني إلى تعزيز مكانة الشيعة في لبنان؛ الأقلية التي اعتبرت دائما “إخوة شيعة” وشكلت موقعاً مهماً في الدفاع عن القيم الإسلامية والمبادئ الإنسانية ضد إسرائيل.

وكانت الحرب العراقية الإيرانية وتداعياتها، والتي امتدت بين عامي 1980 و1988، ثم الهجوم الإسرائيلي على جنوب لبنان بمثابة بداية العلاقات المنظمة بين الجانبين، وتشكيل حزب الله في عام 1982.

أتم حزب الله بنجاح مهمته الصعبة والحرجة الأولى، وهي الحرب مع إسرائيل، لتكون الخطوة الأولى في تشكيل “الهلال الشيعي” حول تل أبيب. بعد الثورة، حيث دعمت إيران دائمًا استقرار لبنان ووحدة أراضيه في مبادئ وأهداف علاقاتها الخارجية، والتأكيد على إمكانية نمو حزب الله وفعاليته في مجتمع آمن ومزدهر، لذا عكست المواقف الرسمية للحكومة الإيرانية التأكيد على أهمية الاستقرار المنشود في لبنان.

 

الدور الإيراني في دعم حزب الله

لقد ضاعفت حرب الـ 33 يوماً بين لبنان وإسرائيل من فعالية وأهمية وجود حزب الله بالنسبة لإيران. وكانت الحدث التي شكلت نتائجه العديد من القواعد السياسية المستقبلية لمنطقة غرب آسيا، كما تطلق عليها إيران، حيث نجح حزب الله في إجبار إسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان، والآن وجدت إيران حاجزاً مهماً أمام التوسع التوسعي لنظام الاحتلال ووسيلة لتعزيز قوى المقاومة الفلسطينية في الميدان. ومع استمرار دعم إيران لهذه المجموعة، أصبح حزب الله أقوى يومًا بعد يوم وبرز كلاعب إقليمي.

وخلافاً للاعتقاد السائد، فإن مساعدات إيران لحزب الله لا تقتصر على المساعدات المالية والأسلحة؛ والأهم من ذلك هو تكنولوجيا صنع الأسلحة. وقد ركزت القوات الإيرانية على التدريبات الجديدة وحرب العصابات خلال هذه السنوات، حتى يتمكن حزب الله من أن يكون في جاهزية ميدانية عالية. بالإضافة إلى ذلك، قدمت إيران في السنوات الأخيرة دعمًا أكاديميًا جيدًا لحزب الله في الأنشطة السياسية والحملات الانتخابية حتى تظل هذه المجموعة نشطة وفعالة في كل الملفات الداخلية في لبنان.

 

طوفان الأقصى وتقسيم الادوار في محور المقاومة:

مع بدء عملية طوفان الأقصى ضد إسرائيل، في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، واجه حزب الله إسرائيل مرة أخرى. وعلى النقيض من التحالف بين طهران وحزب الله، وهو التحالف الأيديولوجي في معظمه، كانت هذه المواجهة براغماتية تماماً؛ لأن حزب الله كان مصمماً على دعم حماس بشكل كامل منذ بداية هذه العملية.

كان إصرار حزب الله على دخول الحرب ضد إسرائيل كبيراً لدرجة أن العالم أجمع كان ينتظر خطاب حسن نصر الله الأول بعد أيام قليلة من بدء عملية طوفان الأقصى؛ الكل كان ينتظر دخول الحزب رسمياً إلى الحرب. لكن فجأة بدا الخطاب متأخراً، وظهر نصر الله أمام الكاميرات بوجه منزعج، ولم يكن هناك حتى أي خبر عن إطلاق صاروخ في الوقت المحدد باتجاه الأراضي المحتلة.

وتحدث مراقبون للتطورات حينها عن “تغيير مفاجئ في القرارات”، ورجحوا أن إيران كانت وراء هذا التحول. وفي كل الأحوال، فقد مضت عملية طوفان الأقصى على هذا المنوال، وربما لو رأت إسرائيل تدخلاً جدياً من جانب حزب الله، لما وصلت الحرب مع حماس إلى هذا الحد. لكن الحرب بين الجيش الإسرائيلي والقوات الفلسطينية ظلت داخل الأراضي المحتلة، حتى أن ما يسمى بمجموعات “محور المقاومة” تنشط خارجها.

كان للنشاط ضد إسرائيل توزيع أدوار لكل مجموعة، فقد جعل أنصار الله الحوثيون في اليمن المياه الدولية في البحر العربي والبحر الأحمر، وعبر باب المندب، غير آمنة للسفن الإسرائيلية وحلفائها، وعطلت الجماعات العراقية أنشطة المناطق الاقتصادية الإسرائيلية، بما في ذلك ميناء إيلات، وذهبت مهمة جعل الحدود الشمالية لإسرائيل غير آمنة إلى حزب الله اللبناني.

وكان هذا التقسيم مهماً للغاية، وكان التوزيع واضح ودقيق، حتى جاءت عملية العدوان الإسرائيلي على القنصلية الإيراني في سوريا في الأول من أبريل/ نيسان 2024، لتوفر الفرصة أمام إيران لتطلق صواريخ مباشرة على إسرائيل لأول مرة في تاريخ الطرفين في الثالث عشر من أبريل/ نيسان 2024؛ وبغض النظر عن تأثيرات ونتائج الهجوم الإيراني أو أنشطة الجماعات المسلحة الأخرى في العراق وسوريا واليمن وليبيا، فقد كان هناك دور كبير في التنسيق الإقليمي.

 

مسارات التصعيد بين حزب الله وإسرائيل:

إن الصراعات بين حزب الله وإسرائيل على الحدود الشمالية تتزايد يوما بعد يوم منذ طوفان الأقصى وحتى كتابة هذا التقدير، وتل أبيب هي التي تعاني من تصاعد التوترات. لقد شن الجيش الإسرائيلي حرباً مدمرة على غزة ولم يتمكن من تحقيق أهدافه؛ وتتعرض حكومة بنيامين نتنياهو لضغوط داخلية شديدة؛ وأدت الشكاوى القانونية ضد إسرائيل إلى فقدان مصداقيتها في العالم أكثر من أي وقت مضى، بل وتشتت حلفائها. بالإضافة إلى أن الصراع في البحر مع الحوثيين والتوترات الحدودية مع لبنان أضافت إلى كل هذه التحديات، فالحرب على عدة جبهات ليست مرغوبة ولا في قدرة إسرائيل، وإذا واصلت إسرائيل هجماتها على الحدود الشمالية، فإن حزب الله سيدخل في معركة خطيرة.

وبحسب قادة حزب الله، فإن الحزب حتى الآن لم ينشر قواته الأساسية ولم يستخدم أسلحة مهمة، بما في ذلك الصواريخ بعيدة المدى. إضافة إلى ذلك، ورغم تأكيد حزب الله على أنه قادر على محاربة إسرائيل بمفرده، فإن الجماعات الأخرى لن تتركه منفردًا. والأهم هو الموقف والقرار الذي اتخذه النظام السياسي الإيراني. حيث أعلن علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى أن إيران ستدعم حليفها في حال أي عدوان من جانب إسرائيل على لبنان. كما حذر ممثل إيران في الأمم المتحدة من أن “الهجوم الضخم للنظام الصهيوني على لبنان سيتحول إلى حرب واسعة النطاق، مع المشاركة الكاملة لكافة جبهات المقاومة مطروحة”.

 

حزب الله وإسرائيل: التكتيكي والاستراتيجي

تضمنت استراتيجية حزب الله الحالية ضد إسرائيل تصعيد التوتر دون حرب شاملة، فالتوترات والهجمات التي تتم عبر الجبهة الشمالية مع إسرائيل كان أحد أهدافها في المقام الأول دعم حماس وشعب غزة، والغرض الثاني من هذه الصراعات الحدودية هو لعب دور في التقسيم الإقليمي للأدوار، وبالتالي جاءت معظم العمليات في الأشهر القليلة الماضية تبادل للرسائل والردود ولم تصل بعد إلى حد الحرب. لقد حاول حزب الله إبقاء الحدود غير آمنة من خلال حرب تكتيكية، وفتح جبهة جديدة للجيش الإسرائيلي وتوسيع حربه النفسية من خلال ترحيل العديد من المستوطنين الشماليين.

لكن هذا الوضع لن يستمر بنفس الطريقة في ظل الحرب التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين، وإذا لم تسفر الجهود العالمية الرامية إلى التوصل إلى هدنة، فإن أحد السيناريوهات المطروحة هو توسع المواجهات، ولا شك أن إيران هذه المرة ستكون حاضرة بشكل علني في هذه الحرب. لأن نقطة الخوف من المواجهة مع إسرائيل انهارت بالنسبة لإيران، وأصبح العقل العام داخل البلاد مستعد لمواجهة إسرائيل مباشرة.

وحتى الآن، وفي الوقت الذي تستعد فيه إيران لتشكيل حكومة جديدة، بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية التي تمت على جولتين الأولى في 28 يونيو/ حزيران 2024، والثانية في 5 يوليو/ تموز 2024، تأتي أهمية التأكيد على أن قرار المواجهة مع إسرائيل ودعم حزب الله هو قرار مركزي لا علاقة له بالانتخابات البرلمانية أو الرئاسية في إيران، فقضايا الحرب أو السلام يتم ضبطها واتخاذ القرار فيها من قبل المؤسسات العسكرية والجهات الأمنية العليا في البلاد، وسيبقى حزب الله شريكاً في قرارات إيران المستقبلية فيما يتعلق بإسرائيل.

وفي هذا الإطار تأتي أهمية التأكيد، على أن أية مسارات مستقبلية للمواجهات بين إسرائيل وحزب الله، ستكون إيران حاضرة، وهو ما رسخته تداعيات معركة طوفان الأقصى، والتصريحات الرسمية المباشرة من إيران، وكذلك الهجوم العسكري الإيراني المباشر على إسرائيل.

شارك المقالة

اشترك في نشرتنا الاخبارية