إيران في مفترق طرق: فرصة للتفاوض أو خطر التصعيد العسكري

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
01/12/2025
شارك المقالة

تبدأ إيران هذا العام وهي في حالة ضعف شديد، إذ فقدت معظم وكلائها الإقليميين وحليفها الرئيس في الشرق الأوسط، سوريا، كما أن اقتصادها المثقل بالعقوبات في حالة انهيار، والتذمر الشعبي آخذ في التصاعد، مع تنظيم الإيرانيين إضرابات واحتجاجات على تردي الأوضاع المعيشية. في الوقت نفسه، يُقال إن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، الذي سيبلغ 86 عامًا في أبريل/نيسان، يعاني وضعًا صحيًا متدهورًا، وتتردد شائعات بأن نجله غير الشعبي قد يُخلفه.

تضع هذه الحالة الحرجة إيران أمام خيارين—أمام الملالي في طهران، وأيضًا أمام الإدارة القادمة للرئيس المنتخب دونالد ترامب في واشنطن—بين التفاوض أو المواجهة، إذ إن قرار كل طرف في هذه اللحظة المفصلية سيؤثر في قرار الطرف الآخر، والطريق الأفضل للمنطقة والعالم هو التفاوض. أما البديل، أي المواجهة الشاملة، فسيكون كارثيًا.

بالنسبة لإيران، يتطلب التفاوض بعض التنازلات السياسية المؤلمة، بدايةً، سيتعين على قادتها إنهاء سياساتهم العدائية الإقليمية واستئناف المحادثات الرامية إلى إيقاف تطوير سلاح نووي—الذي يُعتقد أنهم باتوا على بُعد أشهر، أو ربما أسابيع، من إتمامه، كما سيحتاجون إلى منح مساحة أكبر للإصلاحيين في الحكومة الذين يرغبون في إصلاح الاقتصاد الإيراني المتهالك والسعي لتخفيف العقوبات الأمريكية، وإضافةً إلى ذلك، عليهم الحدّ من تقاربهم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتوقف عن تزويد الجيش الروسي بالطائرات المسيّرة والصواريخ القصيرة المدى المستخدمة ضد أوكرانيا.

إن سلوك هذا المسار يُعد منطقيًا، بالنظر إلى كيفية وصول إيران إلى وضعها الراهن الضعيف، فحركة حماس في غزة وحزب الله في جنوب لبنان—وهما الركنان الأساسيان لما يُسمّى بـ”محور المقاومة” الإيراني—تعرضا لضربات قاسية من قِبل إسرائيل في حملتها العسكرية المستمرة بلا هوادة، والتي شُنت ردًا على هجوم حماس الإرهابي في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ولم يبقَ من حلفاء إيران الإقليميين من ينفذ هجمات سوى الحوثيين في اليمن، الذين يستمرون في إطلاق صواريخ على إسرائيل، لكن إسرائيل تقصف موانئ اليمن ومنشآته النفطية ومطار صنعاء الدولي، ولعل هذا سيضع حدًا لـ”شغب” الحوثيين قريبًا.

في الشهر الماضي، شن تحالف لمتمردين تدعمه تركيا بدرجة كبيرة هجومًا عبر سوريا، وأسقط الدكتاتور الممقوت بشار الأسد، الحليف الرئيس لإيران، ما أدى إلى انسحاب عسكري إيراني من البلاد.

في غضون ذلك، يعاني الاقتصاد الإيراني بشدة بسبب سنوات من سوء الإدارة الحكومية والعقوبات الأمريكية. بلغ معدل التضخم في العام الماضي نحو 30%—انخفاضًا من نحو 40% في عام 2023—وفقد الريال نصف قيمته، وشارك أصحاب المتاجر والممرضون وعمال الموانئ والمتقاعدون في احتجاجات على التضخم وتأخر الأجور والمستحقات أو عدم دفعها. يُضاف إلى ذلك الأنباء عن تدهور حالة المرشد الأعلى الصحية، وأن كبار رجال الدين في إيران اختاروا نجله مجتبى خامنئي ليخلفه سرًا، لكنهم يخشون غضب الشارع وعدم الاستقرار إذا أعلنوا ذلك. يُعرف مجتبى خامنئي أساسًا بدوره في قمع الانتفاضة الشعبية عام 2009 بعنف.

في ظل هذا الواقع الهش، قد ترغب إيران في إيجاد سبيل للتفاهم مع الغرب، بما يشمل الولايات المتحدة التي طالما شيطنها الملالي بوصفها “الشيطان الأكبر”. وفي الواقع، أشار وزير الخارجية عباس عراقجي هذا الشهر إلى انفتاح بلاده على استئناف المفاوضات.

أما المسار البديل، أي المواجهة، فقد يتضمن سعي إيران لتصنيع سلاح نووي في أسرع وقت ممكن. كما قد تعمد قيادتها إلى زيادة القمع الداخلي لسحق بقايا الاضطرابات. وقد تحاول أيضًا توسيع نطاق الإرهاب في الشرق الأوسط والعالم، وقد تقترب أكثر من موسكو وبكين؛ فقد وافقت إيران مؤخرًا على الانضمام إلى تجمع بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، الذي يهدف إلى تحدي الهيمنة المالية الأمريكية عالميًا.

وفي المقابل، يواجه ترامب أيضًا خيارًا بشأن كيفية التعامل مع إيران. بمقدوره اختيار المواجهة منذ اللحظة الأولى لتوليه المنصب في 20 يناير/كانون الثاني، وقد يشمل ذلك تكثيف ما أطلق عليه مساعدوه “حملة الضغط الأقصى” عبر توسيع العقوبات وتعزيز آليات تنفيذ العقوبات القائمة. كما قد يشمل تطبيقًا أكثر صرامة للعقوبات الثانوية بحق الدول والشركات التي تواصل التعامل التجاري مع إيران.

من المحتمل أيضًا أن يأمر ترامب بضربات عسكرية مباشرة على المنشآت النووية الإيرانية أو، بشكل أكثر ترجيحًا، يمنح الضوء الأخضر لإسرائيل لتنفيذ تلك الضربات.

لكن نهج المواجهة مع إيران ينطوي على مخاطر، فبالرغم من أن النظام في طهران غير محبوب، فإن أي ضربة عسكرية أمريكية وإسرائيلية قد تدفع القادة هناك إلى استنهاض مشاعر الوطنية ودعم الرأي العام لهم. كما أظهرت التجارب الحديثة أن التدخلات العسكرية في الشرق الأوسط غالبًا ما تقود إلى عواقب غير متوقعة. ويكفي أن ننظر إلى الفوضى التي ضربت ليبيا.

الخيار الأفضل لترامب هو العودة إلى التفاوض، وكان قد سخر في حملته الرئاسية الأولى من الاتفاق النووي الإيراني الذي جرى التوصل إليه بشقّ الأنفس في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما، وعندما أصبح ترامب رئيسًا، انسحب من الاتفاق، ولم يتحقق وعده بالتفاوض على اتفاق أفضل.

حالياً، تتاح أمام ترامب فرصة جديدة. نأمل أن يستغلّها هو ونظراؤه في إيران على النحو الأمثل—قبل أن تنقضي هذه الفرصة.

شارك المقالة
مقالات مشابهة