وول ستريت جورنال: ما هو خطأ مشروع “نيوم” في صحراء السعودية؟

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
04/22/2025
شارك المقالة

المصدر: وول ستريت جورنال

 

نص الترجمة:

 

حاول المديرون التنفيذيون في نيوم إخفاء التحديات الحقيقية التي تواجه المشروع عن ولي العهد السعودي، بل تورطوا في “تلاعب متعمد” بالبيانات المالية، وفقًا لتقرير داخلي حصلت عليه صحيفة وول ستريت جورنال.

 

في أكتوبر الماضي، اجتمع مشاهير مثل ويل سميث وتوم برادي على جزيرة رملية في البحر الأحمر تعج بالفنادق الفاخرة. كانت اليخوت الفارهة تطفو بالقرب، بينما عزفت أليشيا كيز للمستثمرين الذين حضروا من لندن ونيويورك. الأضواء الساطعة أضاءت السماء في احتفال فاخر كان بمثابة الافتتاح الرسمي لأول جزء من مشروع نيوم، المدينة المستقبلية التي تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة والهندسة المعمارية المذهلة، والتي تُعد حجر الزاوية في خطة السعودية لتنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط.

 

لكن الواقع كان أقل بريقًا. المشروع الأول، المعروف باسم سندالة، تأخر لأكثر من ثلاث سنوات، وتضاعفت تكلفته لتصل إلى نحو 4 مليارات دولار، أي ثلاثة أضعاف الميزانية الأولية. كانت الفنادق غير مكتملة، وأعاقت الرياح العاتية حركة العبارات وملاعب الغولف، بينما ظل جزء كبيرمن الموقع قيد الإنشاء.

 

لم يحضر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، العقل المدبر وراء نيوم، الاحتفال بشكل مفاجئ. تشير وثائق مجلس إدارة نيوم إلى أن تكلفة الحفل بلغت 45 مليون دولار على الأقل. رأى العديد من موظفي نيوم في غياب ولي العهد علامة على عدم الرضا.

 

بعد أسابيع، غادر نديم الناصر، الذي قاد نيوم لمدة ست سنوات وكان أحد المقربين من ولي العهد، المشروع، وتم تعيين فريق إداري جديد لمحاولة تصحيح المسار.

 

بعد إنفاق أكثر من 50 مليار دولار، بدأت الأحلام المستوحاة من الخيال العلمي في نيوم – منتجع للتزلج في منطقة جبلية قاحلة، حي تجاري عائم، والمشروع الرئيسي، ذا لاين، وهو عبارة عن ناطحتي سحاب بارتفاع مماثل لمبنى إمباير ستيت تمتد على مسافة 170 كيلومترًا – تصطدم بالواقع.

 

التكاليف ارتفعت بشكل هائل، والتأخيرات أصبحت شائعة، وقرار العام الماضي بتقليص المرحلة الأولى من نيوم يهدد بحرمان المدينة الصحراوية من الكثافة السكانية اللازمة لتصبح مركزًا تجاريًا حديثًا.

 

تكشف التقارير الداخلية أن مديري نيوم حاولوا تقديم تقديرات مالية غير واقعية لإخفاء حجم التكاليف المتزايدة، بمساعدة شركة الاستشارات ماكينزي، التي أدخلت افتراضات مبالغ فيها في الخطط التجارية للمشروع.

 

تقرير التدقيق الداخلي، المكون من أكثر من 100 صفحة، والذي قُدم إلى أعضاء مجلس إدارة نيوم في الربيع الماضي، وجد “أدلة على تلاعب متعمد” في البيانات المالية من قبل “بعض أعضاء الإدارة”.

 

في عرض تقديمي لمجلس إدارة نيوم في الصيف الماضي، قُدرت التكاليف الرأسمالية المطلوبة لبناء المشروع حتى عام 2080 بـ8.8 تريليون دولار، أي أكثر من 25 ضعف الميزانية السنوية للسعودية. أما المرحلة الأولى حتى عام 2035، فقد قدرت بـ370 مليار دولار.

 

الحكومة السعودية تمول الجزء الأكبر من تكاليف نيوم الأولية، على أمل أن يشارك المستثمرون من القطاع الخاص لاحقًا في تحمل العبء المالي.

 

قالت متحدثة باسم نيوم إن الصحيفة أساءت تفسير الأرقام، لكنها رفضت تقديم تفاصيل إضافية. وأضافت أن المشروع “يسير وفق الأولويات المحددة، ويحقق تقدمًا ملموسًا”، مشيرة إلى أن التعديلات في الجداول الزمنية والتكاليف هي ممارسة شائعة في المشاريع الضخمة.

 

لم ترد الحكومة السعودية على الأسئلة المتعلقة بنيوم أو بدور ولي العهد في المشروع. من جانبها، نفت ماكينزي أي تلاعب مالي، مؤكدة أنها تلتزم بالقوانين الدولية في جميع أعمالها الاستشارية.

 

في البداية، كان من المفترض أن تصبح نيوم مركزًا عالميًا يتمتع بأنظمة اجتماعية وقانونية أقل صرامة من بقية أنحاء السعودية. وصف ولي العهد المشروع بأنه “ثورة حضارية”، وقال إنه سيضم تسعة ملايين شخص بحلول عام 2045. لكن بعد مرور أكثر من ست سنوات على إطلاقه، بدأ يُنظر إلى نيوم كمشروع طويل الأمد قد لا يؤدي دوره كحافز اقتصادي بحلول 2030.

 

أحد التحديات الرئيسية تمثل في مشروع ذا لاين، الذي يتطلب كميات هائلة من الفولاذ والزجاج. كانت الخطط الأولية تتوقع بناء 16 كيلومترًا من ذا لاين بحلول عام 2030، أي ما يعادل بناء جميع مباني وسط مانهاتن ثلاث مرات خلال عقد واحد فقط.

 

لكن التكلفة كانت عقبة ضخمة، إذ إن الموقع الصحراوي يفتقر إلى البنية التحتية الأساسية مثل الموانئ والطرق والقوى العاملة. كما تضمنت التصاميم الأصلية عناصر معمارية غريبة مثل متنزه ترفيهي على ارتفاع 300 متر، ومسارح معلقة بين الأبراج المتوازية.

 

أحد المدراء التنفيذيين السابقين في نيوم أراد تحذير ولي العهد من التكلفة الباهظة للمشروع، لكن الإدارة رفضت طلبه. في محاولة لإخفاء ارتفاع التكاليف، عمدت الإدارة إلى تضخيم توقعات العائدات، وهو ما أدى إلى تبرير الإنفاق المتزايد. على سبيل المثال، في مشروع تروجينا، المنتجع الجبلي المخطط، ارتفعت التكاليف بأكثر من 10 مليارات دولار، ما أدى إلى انخفاض العائد المتوقع على الاستثمار.

 

للتعويض عن ذلك، تم رفع التقديرات الخاصة بأسعار الإقامة في فنادق المنتجع بشكل غير واقعي، حيث زادت تكلفة الليلة في موقع تخييم فاخر من 216 دولارًا إلى  704 دولارات، وسعر الغرفة في فندق للمشي الجبلي من  489 دولارًا إلى 1866 دولارًا.

 

خلص تقرير التدقيق الداخلي إلى أن الإدارة كانت ترفع توقعات العائدات بدلاً من مراجعة تكاليف المشاريع المتضخمة.

 

أوصى المدققون بإجراء تحقيقات إضافية بشأن تضارب المصالح المحتمل، حيث عملت ماكينزي كمستشار للتخطيط وفي الوقت نفسه كانت مسؤولة عن التحقق من التوقعات المالية للمشاريع.

 

بلغت رسوم ماكينزي في نيوم أكثر من 130 مليون دولار سنويًا، وفقًا لمصادر مطلعة على الأمر.

 

التحدي الرئيسي الآخر كان ارتفاع مباني ذا لاين، التي يبلغ ارتفاعها 500 متر. إذ يشكل بناء الأبراج الشاهقة تحديًا هندسيًا حتى في المدنا لكبرى، فما بالك بموقع صحراوي ناءٍ.

 

في اجتماع لمجلس إدارة نيوم الربيع الماضي، أوضح ولي العهد أن خفض ارتفاع الأبراج “غير مقبول”، وطلب البحث عن توفير التكاليف في أماكن أخرى. اقترح ياسر الرميان، رئيس صندوق الاستثمارات العامة، استخدام “تقنيات جديدة لتقليل الحاجة إلى العمالة”.

 

تم تأجيل جزء من خط السكك الحديدية الذي كان يتطلب حفر نفق بطول 30 كيلومترًا عبر الجبال. كما تم تقليص المرحلة الأولى من ذا لاين إلى 2.4 كيلومتر فقط، مقارنة بالخطة الأصلية البالغة 16 كيلومترًا.

 

من المقرر الآن افتتاح أول جزء من ذا لاين، الذي سيضم ملعبًا لاستضافة مباريات كأس العالم، بحلول عام 2034.

 

أما في سندالة، فما زالت الجزيرة الفاخرة غير مكتملة. يقضي العمال في المطاعم وقتهم في قراءة الكتب لعدم وجود ضيوف، بينما لا تزال ملاعب الغولف والفنادق غير مفتوحة للجمهور بعد أربعة أشهر من الحفل الباذخ.

 

شارك المقالة
مقالات مشابهة