في الثامن من يونيو/ حزيران 2024، أعلنت ما يُسمى قوات النخبة الإسرائيلية من وحدة اليمام وجهاز الأمن العام (الشاباك) عن استعادة 4 أسرى لدى حركات المقاومة الفلسطينية كانوا محتجزين في منطقة النصيرات وسط قطاع غزة، وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن إسرائيل لا ترضخ لما سماه “الإرهاب”، قائلا إنها تعمل بـ”شجاعة” لإعادة جميع المحتجزين في قطاع غزة، الأحياء منهم والأموات”.
وأعلن المتحدث العسكري الإسرائيلي، أنه تم إنقاذ 4 أسرى في عملية مشتركة لجيش الدفاع والشاباك وشرطة إسرائيل، وتم تنفيذ العملية بناء على معلومات استخبارية وعمليات للشاباك واليمام، وأن العملية انطوت على مخاطر كبيرة وانتهت باستعادة الأسرى الأربعة، وأن المهمة لن تنته حتى يعود المختطفون، وأن عملية الانقاذ كانت قيد التخطيط منذ أسابيع، وقد أصيب جندي من الجيش الإسرائيلي بجروح خطيرة خلال عملية تحرير الأسرى في النصيرات”.
مخيم النصيرات: ماذا تقول المعلومات؟
ثالث أكبر المخيمات في فلسطين بعد مخيمي جباليا والشاطئ من حيث المساحة والسكان، ويقع في منتصف قطاع غزة، وأنشئ عام 1948، على مساحة 588 دونما (الدونم يعادل ألف متر، وتوسع حتى شملت 9.8 كم مربعة)، وبلغ عدد سكانه حينها 16 ألفا، وارتفع إلى نحو 65 ألفا في بداية عام 2024. ويشكل السكان الأصليون للمنطقة نسبة 20%، واللاجئون نسبة 80%.، وسُمي المخيم بالنصيرات نسبة إلى قرية بدوية كانت تعيش في المنطقة.
ويقع المخيم ضمن المنطقة الوسطى في قطاع غزة، جنوب بلدة النصيرات، وجنوب غرب مدينة غزة على ساحل البحر المتوسط، ويبعد المخيم عن مدينة دير البلح نحو 2.5 كم، وعن غزة 10 كم، ويحده من الشمال وادي غزة ومن الجنوب قرية الزوايدة، ومن الشرق مخيم البريج، ومن الغرب البحر المتوسط، وبلغت مساحته حين إنشائه 588 دونما.
تطورات عملية الاقتحام
خاضت قوات الاحتلال اشتباكات ضارية مع المقاومة وتحت قصف ناري مكثف من الجو والبحر والجو لاستعادة أسراها الذين لم يكن منهم أي عسكري، وتم أسرهم في حفل موسيقى بأحد مستوطنات غلاف غزة، وبدأت العملية مع تسلل قوات الاحتلال إلى المخيم بشاحنات المساعدات الإنسانية لتدخل المنطقة دون لفت نظر المقاومة، ولاحقت قوات من المقاومة السيارة التي قامت بإجلاء الأسرى وأطلقوا النار عليها وأصابوها بأضرار، ولم يتمكن جيش الاحتلال من إدخال مروحية قرب مكان إجلاء الأسرى واستعان بتعزيزات إضافية.
وقد كشفت التقارير الإعلامية، عن حجم الدعم الذي حصلت عليه إسرائيل من العديد من الوكالات الاستخباراتية والعسكرية الأمريكية والأوروبية للقيام بعملية الاقتحام.
فقد وصل مسؤول أمريكي إلى عاصمة الكيان، في اليوم السابق للاقتحام، وكان هذه المسؤول ينتظر في الرصيف المائي التي تم إنشاؤه لحظة تنفيذ العملية، في الوقت الذي تم الإعلان فيه بشكل مفاجئ عن إعادة تشغيل الرصيف، بعد توقف العمل فيه خلال الأسابيع القليلة الماضية، تحت مبررات سوء الأحوال الجوية واستكمال البنية التحتية، وقد أكد موقع أكسيوس الإخباري الأمريكي أن خلية المختطفين الأميركية في إسرائيل ساعدت في استعادة الأسرى.
وأن القرار الخاص بالعملية تم اتخاذه مساء الخميس السادس من يونيو/ حزيران 2024، وتم إعطاء الضوء الأخضر للأجهزة الأمنية والجيش ووحدة اليمام بتنفيذ العملية، ولذلك ألغيت الاجتماعات التي كانت مقررة الجمعة 7 يونيو والسبت 8 يونيو تحسبًا من أن تتسرب المعلومات.
وقد أدت العملية العسكرية الإسرائيلية في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، وفق تقديرات أولية، إلى استشهاد أكثر من 210 فلسطيني، كم تم الإعلان عن مقتل ضابط في وحدة اليمام الإسرائيلية خلال عملية استعادة الأسرى.
عملية النصيرات وحدود الفعالية
يمكن القول إن عملية تحرير الأسرى الأربعة، وفق الرواية الإسرائيلية، لن تغير كثيرا في مسار الحرب، إذ لم تسفر عملية استعادة أسيرين سابقا، والعثور على جثامين بعض الأسرى الذين قتلوا بالقصف الإسرائيلي عن تغير كبير في مسار الحرب، فقد استمرت المقاومة باستنزاف قوات الاحتلال وإيقاع خسائر كبيرة فيها، وبدأت وحدات احتياط بالجيش البحث عن متطوعين للقتال في قطاع، في ظل نقص حاد بالجنود في وحدات الاحتياط، وأن هناك حالة استنزاف كبيرة في صفوف الجنود، وضغوط كبيرة من العائلات وأماكن العمل، وتحرير أربعة أسرى، وفق رواية الصهاينة، بعد مرور نحو 9 أشهر من طوفان الأقصى، يعني فشل استراتيجي لحكومة الاحتلال، بجانب أن من تم تحريرهم ليسوا من القادة العسكريين الذين تم أسرهم.
ومن ناحية ثانية، ترتبط عمليات الإعلان عن التحرير بمجازر وحشية، يقوم بها الصهاينة في مختلف المناطق التي يقومون باقتحامها، ففي فبراير/شباط 2024 تمكن جيش الاحتلال من استعادة أسيرين في رفح جنوب قطاع غزة، بعد قصف عنيف على المدينة أسفر عن استشهاد أكثر من 60 فلسطينيًا، بمشاركة قوات من الجيش وقوات خاصة تابعة للشرطة والشاباك.
ومن ناحية ثالثة، إذا كان البعض، وخاصة من جانب حكومة الكيان يتعاملون على ما حدث في النصيرات أنه نصر ساحق، وأنه قد يمنح نتنياهو فرصة لالتقاط الأنفاس، والتشدد في مفاوضات وقف الحرب ومحاولة الضغط على المقاومة لتقديم تنازلات والموافقة على ما يعرضه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في جولاته، فإن هذا غير دقيق لأن رد فعل قادة المقاومة على ما حدث في النصيرات يؤكد أنه لن يؤثر على موقفها ولن يدفعها لتقديم تنازلات لا تتناسب مع إنجازها على الأرض وحجم ما قدمه أهالي القطاع من تضحيات وصمود منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
بل إن مثل هذه العمليات وما يرتبط بها من مجازر يمكن أن تدفع حركات المقاومة للتشدد في مواقفها من عمليات التفاوض، والموقف من كون الولايات المتحدة وسيطا وتتعامل معها على أنها طرف في الحرب، في ظل التقارير التي تؤكد مشاركتها في التخطيط بل والتنفيذ فيما تشهده أراضي القطاع من مجازر، هذا بالإضافة إلى التأكيدات السابقة للناطق العسكري باسم كتائب عز الدين القسام أن “الثمن الذي سنأخذه مقابل 5 أسرى أحياء أو 10 هو نفس الثمن الذي كنا سنأخذه مقابل جميع الأسرى لو لم تقتلهم عمليات قصف العدو”.
ومن ناحية رابعة، إن الإعلان الصهيوني عن تحرير عدد من أسراه لا ينفي أن المقاومة تمكنت في مايو/ آيار ويونيو/ حزيران 2024، من أسر عدد من جنود الاحتلال في جباليا، وما زالت تحتفظ بعشرات الأسرى، مما يؤكد أن المقاومة أعدت نفسها لمعركة طويلة ومعقدة، دليل ذلك أن الاحتلال ما زال عاجزاً عن إنهاء وجود حركة حماس واستعادة الأسرى والقضاء على المقاومة ومقدراتها كما سبق وأعلنت قبل بدء العمليات البرية والتوغل عبر المجازر في القطاع.