ما بعد الطوفان: التداعيات الاقتصادية لحرب غزة 2024

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
07/18/2024
شارك المقالة

 بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، واستمرار العمليات العسكرية التي يقوم بها الكيان الصهيوني ضد الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومرور نحو عشرة أشهر على هذه العمليات تعددت التداعيات الاقتصادية للأزمة على العديد من الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية.

حيث لم تقف الأضرار الاقتصادية على دولة الاحتلال أو حركات المقاومة والبنية التحتية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكنها امتدت لتنال من عدد من الأطراف الإقليمية والدولية جراء امتداد الصراع ليشمل سوريا والعراق ولبنان واليمن، بجانب التوتر في البحر الأحمر مع العمليات التي يقوم بها الحوثيون ضد السفن والناقلات البحرية التي تنقل السلع والبضائع إلى الكيان، وهو ما كان له تأثيراته كذلك على حركة المرور في قناة السويس المصرية.

خسائر الكيان الصهيوني

تواجه إسرائيل أزمة اقتصادية غير مسبوقة جراء حربها المستمرة على قطاع غزة، الأمر الذي دفع البنك المركزي الإسرائيلي لمطالبة الحكومة بضرورة اتخاذ خطوات فورية للحد من تراجع الناتج المحلي الإجمالي. ويتركز التراجع في قطاعات التقنية والزراعة والبناء والسياحة، وطالب البنك برفع الضرائب لاحتواء تكاليف الحرب.

ورغم محاولات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تسويق رواية لمواطنيه وحلفائه السياسيين عنوانها اقتصاد إسرائيل قوي ومستقر؛ يطالب محافظ البنك المركزي رئيس الوزراء باتخاذ إجراءات تجنب الدخول في أزمة اقتصادية حادة، من بينها: فرض ضرائب جديدة، أو رفع القائم منها.

وتبدو تجليات الأزمة الاقتصادية الحادة واضحة في أبزر القطاعات الاقتصادية في البلاد، فأهمها قطاع التقنية الذي يشكّل 18.1% من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل في 2022 ليصبح أكبر مساهم في الناتج المحلي، وفق بيانات هيئة الابتكار الإسرائيلية، وقد تضاعف إنتاج القطاع إلى 290 مليار شيكل (78.6 مليار دولار) في السنة نفسها، من 126 مليار شيكل (34.15 مليار دولار) في 2012.

وحسب البيانات، مثّلت صادرات قطاع التقنية الفائقة 48.3% من إجمالي الصادرات الإسرائيلية في 2022، بما قيمته 71 مليار دولار، بنمو 107% مقارنة بالمسجل في 2012، ويعمل 401,900 موظف في إسرائيل في القطاع، وفق بيانات 2022.

ومنذ بدء الحرب وقرار التجنيد الواسع لقوات الاحتياط، واجهت شركات التقنية أزمة اقتصادية؛ تمثلت في تراجع الاستثمارات فيها بنسبة 50% مقارنة بالعام 2023، بسبب خروج أعداد كبيرة من العمالة للمشاركة في التجنيد.

وفي قطاع الزراعة، ومع إخلاء بلدات غلاف غزة والبلدات الشمالية القريبة من الحدود اللبنانية، تعرض قطاع الزراعة لخسائر فادحة حالت دون مدّ الأسواق بغالبية المحاصيل الزراعية والمنتجات الغذائية، وتسببت الحرب بخسارة نحو 75% و80% من إنتاج الحليب والبيض، إضافة إلى ترك 29 ألف عامل في هذه الأراضي الزراعية.

وتظهر بيانات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية أن مزارع غلاف غزة تشكل 30% من الأراضي المخصصة لزراعة الخضروات في إسرائيل، وخاصة أن المنطقة المحيطة بقطاع غزة تعرف باسم “رقعة الخضار الإسرائيلية”، وتحوي -كذلك- مزارع للدواجن والماشية، إلى جانب مزارع للأسماك.

وذكر رئيس اتحاد المزارعين، في الكيان الصهيوني أن غلاف غزة ينتج %75 من الخضروات المستهلكة في إسرائيل، و20% من الفاكهة، و6.5% من الحليب، و70% من محصول البندورة، و37%من زراعة الجزر والملفوف، و60%من زراعة البطاطا، ورغم أن 9.5% فقط من البساتين والبيارات تقع في مستوطنات الغلاف، فإن 59% من بساتين الليمون بالبلاد موجودة في المنطقة، وحوالي 30% من بساتين البرتقال.

ويعاني قطاع البناء من نقص نحو 150 ألف عامل بسبب غياب العمالة الفلسطينية، سواء من الضفة الغربية أو غزة، وهو ما أدى لإغلاق 50% من مشروعات البناء، وحتى السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان قطاع البناء يعتمد بشكل كبير على القوى العاملة الفلسطينية بأكثر من 100 ألف عامل. منهم 75 ألفاً من الضفة الغربية، و12 ألفًا من قطاع غزة، ونحو 15 ألفًا يعملون دون تصاريح.

وبعد مرور نحو 10 أشهر من بداية الحرب هناك 50% من مواقع البناء في البلاد مغلقة، بسبب النقص الحاد في القوى العاملة، والنشطة منها تعمل بطاقة 30% من قدرتها، أما بالنسبة لعمال البناء الأجانب، فكانوا قبل الحرب يقدرون بنحو 23 ألفا، غادر نحو 40% البلاد مع اندلاع الحرب، وحسب تقديرات وزارة المالية الإسرائيلية، فإن قطاع البناء يخسر مليارين ونصف المليار دولار شهريًا.

وفي قطاع السياحة، تشير الأرقام إلى أنه كان قد سجل نموا ملحوظا في 2023 قبل السابع من أكتوبر، حيث استقبلت البلاد نحو 3 ملايين سائح، ضخوا نحو 5 مليارات دولار في الاقتصاد الإسرائيلي، ومع الحرب تراجعت الأرقام وتوقفت معظم الشركات الدولية عن تسيير رحلاتها الجوية إلى إسرائيل.

إلا أنه في مقابل هذه الخسائر، تلعب أوروبا دورا مهمًا في دعم الاقتصاد الإسرائيلي، إذ أبقى بنك الاستثمار الأوروبي المملوك للدول الأعضاء على نيته ضخ 900 مليون دولار في الاقتصاد الإسرائيلي، كما سمح برنامج “هورايزن أوروبا” لتمويل البحث والابتكار بتقديم ما يقرب من 100 منحة للشركات والمؤسسات الإسرائيلية، وقام مجلس الاستثمار الأوروبي غير الربحي مؤخرا بزيادة استثماراته في الشركات الإسرائيلية الناشئة.

وفضلا عن ذلك، لعب التدفق المتواصل للصادرات الإسرائيلية إلى السوق الأوروبية دورا رئيسيا في تحقيق فائض الميزان التجاري لإسرائيل بنسبة 5.1% في الربع الأخير من عام 2023، وتظهر البيانات الأولى المنشورة لعام 2024 أن أوروبا تواصل استيراد المنتجات الإسرائيلية.

وأدى الحفاظ على علاقات تل أبيب الخارجية مع الاقتصادات غير الغربية إلى تعزيز قدرة اقتصادها الحربي على الاستمرار، رغم انخفاضها بسبب تدخلات الحوثيين التي أجبرت شركات الشحن على تعليق التجارة المباشرة، وفي هذا الصدد، تشير البيانات التي أبلغ عنها بنك إسرائيل إلى أن الواردات من الصين لا تزال كبيرة، فهي تقارب 10 مليارات دولار في الربع الأول من عام 2024، وهي واحدة من العناصر الحيوية للاقتصاد على أساس يومي، رغم انخفاض الاستثمار الصيني العائد إلى الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على تل أبيب.

أما مساهمة الهند، التي تستورد كميات كبيرة من الأسلحة الإسرائيلية وتصدر عمالة رخيصة لملء الوظائف الفلسطينية الفارغة، فهي بالغة الأهمية، كما أن بضائعها التي تنقل إلى إسرائيل عبر الخليج والأردن تملأ رفوف المتاجر.

بجانب التدفقات التي لم تتوقف من جانب الولايات المتحدة سواء في شكل صفقات سلاح أو دعم مباشر، يمكن أن يصل في أقل التقديرات إلى نحو 50 مليار دولار، بشكل مباشر أو غير مباشر خلال الأشهر التسعة الماضية.

ثانياً: التداعيات الاقتصادية على غزة والضفة:

تتسع دائرة الخسائر لتشمل جميع مناحي الحياة في قطاع غزة، ولتعويض تلك الخسائر الاقتصادية العامة والعودة إلى أوضاع ما قبل الحرب يتطلب الأمر ما يصل إلى سبعة عقود في أسوأ الظروف بافتراض معدل نمو 0.4%، طبقاً لتقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد).

حيث يرى التقرير أن الوضع الأفضل يمكن أن يتم العودة لمستويات ما قبل 2023 بحلول 2035 بافتراض معدل نمو 10%، مع خسارة الاقتصاد الفلسطيني ما نحو 25% من قيمته في العام 2023، ولإعادة الإعمار، تتطلب  غزة أضعاف مبلغ 3.9 مليار دولار الذي كان مطلوباً بعد الحرب السابق في 2014″.

وفي تقرير للمرصد الأورومتوسطى، فإن ما يزيد عن 60% من البنية التحتية بالقطاع قد تعرضت للدمار، وتشير التقديرات إلى أن نحو 500 ألف وحدة سكنية لحق بها الدمار الكلي أو الجزئي، بإجمالي خسائر فاق الـ 10 مليارات دولار في هذا القطاع فقط. بينما تقدر الخسائر المباشرة وغير المباشرة بحوالي 22 مليار دولار وفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، من بينهم 11 مليار دولار خسائر اقتصادية أولية مباشرة.

وقد كشف تقرير مشترك للبنك الدولي والأمم المتحدة صدر في مايو 2024، عن حجم الدمار الهائل الذي لحق بقطاع غزة، حيث قُدرت تكلفة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية بنحو 18.5 مليار دولار، وهو ما يعادل 97% من إجمالي الناتج المحلي للضفة الغربية وقطاع غزة معًا عام 2022. وشملت الأضرار جميع قطاعات الاقتصاد، حيث لحقت بالمباني السكنية 72% من التكلفة، بينما تضررت البنية التحتية للخدمات العامة مثل المياه والصحة والتعليم بنسبة 19%، كما تضررت المباني التجارية والصناعية بنسبة 9%. وتشير التقديرات إلى أن معدل الأضرار قد وصل إلى حد الثبات في العديد من القطاعات، مع توقع صعوبة إعادة تأهيلها. وخلف الدمار كمية هائلة من الحطام والأنقاض تقدر بنحو 26 مليون طن، مما قد يستغرق سنوات لإزالتها والتخلص منها.

ويُعاني سكان غزة من كارثة إنسانية كبيرة، حيث أصبح أكثر من نصفهم على حافة المجاعة، ويعاني جميع السكان من انعدام الأمن الغذائي الحاد وسوء التغذية. كما يفتقر أكثر من مليون شخص إلى المأوى، بينما تعرض 75% من سكان القطاع للتهجير. وكانت النساء والأطفال وكبار السن وذوي الإعاقة الأكثر تأثرًا بالصراع، حيث عانوا من آثار كارثية على صحتهم البدنية والنفسية والعقلية. ويُتوقع أن تُؤثر هذه الأضرار على نمو وتطور الأطفال الصغار على المدى الطويل. كما تضرر 84% من المستشفيات والمنشآت الصحية، مما أدى إلى نقص حاد في الخدمات الصحية الأساسية والأدوية والعلاجات المنقذة للحياة. كما انهار نظام المياه والصرف الصحي تقريبًا، وأصبح لا يوفر سوى 5% من خدماته السابقة، مما أجبر السكان على الاعتماد على كميات قليلة من المياه للبقاء على قيد الحياة. وانهار نظام التعليم أيضًا، حيث أصبح 100% من الأطفال خارج المدارس.

كذلك تأثرت شبكات الكهرباء وأنظمة إنتاج الطاقة الشمسية بشكل كبير، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي بشكل شبه كامل منذ الأسبوع الأول للصراع. كما تم تدمير أو تعطيل 92% من الطرق الرئيسية، وتدهورت البنية التحتية للاتصالات، مما جعل إيصال المساعدات الإنسانية صعبًا للغاية.

أدي الصراع إلى فقدان حوالي 90% من الوظائف في القطاع الخاص، و50% من الوظائف في القطاع العام، فضلا عن خسارة وظائف جميع العمال من غزة الذين كانوا يعملون في الاقتصاد الإسرائيلي. وكان أكثر القطاعات تأثرا بفقدان الوظائف في غزة هو قطاع البناء حيث سجل التراجع الأكبر بنسبة حوالي 96% في الربع الرابع من عام 2023 مقارنة بنفس الفترة من عام 2022، يليه قطاع الزراعة بنسبة حوالي 93%، وقطاع الصناعة بنسبة 92%، وقطاع الخدمات بحوالي 77% في الربع الأخير من 2023.

أما في الضفة الغربية، وصلت الخسائر إلى نحو 650 مليون دولار شهريًا، في الدخل الفردي حيث تم فقدان نحو 320 ألف وظيفة تعادل أكثر من ثلث إجمالي العمالة، وكان أكثر القطاعات تأثرا هو قطاع البناء حيث انخفضت القيمة المضافة فيه بنسبة 27% في الربع الرابع من عام 2023 بالمقارنة مع نفس الفترة من عام 2022، يليه قطاع الصناعة حيث انخفضت القيمة المضافة بنسبة 24% تقريبًا، ثم قطاع الخدمات الذي شهد أيضا انخفاضا بنسبة حوالي 21% في القيمة المضافة، وأخيرا قطاع الزراعة والذي انخفضت القيمة المضافة فيه بنسبة 12%.

ثالثا: التداعيات الاقتصادية على مصر

أصدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي دراسة قال فيها إن مصر تشهد تداعيات في مختلف المجالات وضغوطا اجتماعية واقتصادية نتيجة الحرب الدائرة في غزة، قد تؤدي إلى تراجع التنمية البشرية لخمس سنوات. وأشار إلى تضرر إيرادات مصر من السياحة وقناة السويس.

وأشار البرنامج إلى أن الاقتصاد المصري يعتمد بشكل كبير على السياحة والتحويلات المالية وعائدات قناة السويس والديون الخارجية وتدفقات رأس المال. وقال إن تداعيات الحرب تضغط على مسار الإصلاح الاقتصادي والتنمية في مصر، ويُقدر معدو الدراسة انخفاض الناتج المحلي الإجمالي لمصر بنسب تتراوح بين ​​ 2.6% و3.0% وفق السيناريو المتوقع، مع ارتفاع معدل البطالة من 7.8% إلى 8.7% في سيناريو الشدة المتوسطة و9.1% في سيناريو الشدة العالية. 

ويسلط التقرير الضوء على التحديات الاقتصادية التي تواجه مصر، حيث تضررت مصادر الإيرادات الرئيسية للبلاد من السياحة وقناة السويس نتيجة للهجمات في منطقة البحر الأحمر، وما تلاها من تداعيات على النقل البحري مما أدى إلى تفاقم الضائقة الاقتصادية واستلزم اتخاذ تدابير انتعاش سريعة. 

ويقدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي انخفاض إيرادات السياحة وقناة السويس في السنتين الماليتين الحالية والمقبلة بحوالي 9.9 مليار دولار (سيناريو الشدة المتوسطة)، و13.7 مليار دولار إذا اشتدت الحرب بمشاركة دول إقليمية أخرى وجهات فاعلة (سيناريو الشدة العالية).

بالإضافة إلى ذلك، تشير التوقعات إلى تراجع محتمل في مؤشر التنمية البشرية في مصر، قد يصل إلى المستوى المسجل عام 2018، وهو ما يمثل خسارة تصل إلى خمس سنوات في المكاسب التنموية. 

رابعاً: التداعيات الاقتصادية على الأردن

أكد خبراء اقتصاديون أن معدل النمو في الربع الأول من العام 2024 والبالغ 2 بالمئة فقط، يعكس حالة التراجع في اداء القطاعات الاقتصادية جراء تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة، وأشار التقرير الربعي لدائرة الإحصاءات العامة، إلى أن التقديرات الأولية أظهرت أن غالبية القطاعات الاقتصادية حققت نمواً خلال الربع الأول من عام 2024 مقارنة مع الربع الأول من عام 2023.

وحقق قطاع الصناعات الاستخراجية أعلى معدل نمو خلال هذه الفترة بلغت نسبته 6.3 بالمئة، مساهماً بمقدار 0.18 نقطة مئوية من معدل النمو المتحقق، تلاه قطاع الزراعة بنسبة 5.7 بالمئة، مساهمًا بمقدار 0.30 نقطة مئوية، ثم قطاع الكهرباء والمياه بنسبة 4.8 بالمئة وبمساهمة مقدارها 0.07 نقطة مئوية، يليه قطاع الصناعات التحويلية الذي نما بنسبة 3.9 بالمئة، وبمساهمة مقدراها 0.67 نقطة مئوية من معدل النمو المتحقق.

ومع تداعيات الحرب فقد تراجعت الصادرات الوطنية بحوالي 7.2% الصادرات الكلية بحوالي 4.3% والصادرات الاستراتيجية من الأسمدة البوتاس والفوسفات بنسب مختلفة ووصلت إلى 40% بالنسبة للأسمدة وحوالي 13% من الفوسفات، وكان القطاع الأكثر نموا قطاع الصناعات الاستخراجية، تلاه قطاع الزراعة ثم قطاع الكهرباء والمياه ما يعكس أن الحيوية الاقتصادية مازالت مستمرة رغم الضغوط القادمة بفعل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

خامساً: التداعيات الاقتصادية غير المباشرة على دول المنطقة

أمام استمرار الصراع تشهد دول منطقة الشرق الأوسط ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار النفط والغاز، مما يُتوقع أن يُدر إيرادات وفيرة للدول المنتجة والمصدرة لهذه الموارد، مثل زيادة العائدات المالية وتقليل العجز في الميزانيات. إلا أن هذا الارتفاع، وفي ظل استمرار الصراعات في المنطقة، يرتبط بمجموعة من التحديات الاقتصادية، في مقدمتها التضخم، وارتفاع تكاليف النقل بشكلٍ هائل، كما تُخلق بيئة الصراع وعدم الاستقرار مناخًا غير مواتٍ للاستثمارات، مما يدفع بالمستثمرين إلى سحب رؤوس أموالهم من المنطقة، باحثين عن ملاذات آمنة تُؤمن لهم عائدات استثمارية مُستقرة، وهذا الهروب الجماعي لرؤوس الأموال يُجفف منابع الاقتصاد ويُعيق تحقيق أي تقدم أو نمو.

ومن ناحية أخرى، تُؤدي حالة عدم اليقين وتراجع الثقة في الاقتصادات الإقليمية إلى انخفاض قيمة العملات المحلية بشكلٍ كبير، مما يُفقدها قدرتها الشرائية ويُثقل كاهل المديونية. هذا الانهيار في قيمة العملات يُؤدي إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية ويُصعب على الدول الوفاء بالتزاماتها المالية.

تُصبح الفرص الاستثمارية التي تُعزز النمو والتنمية نادرة في ظل استمرار الصراعات، مما يُعيق تحقيق التقدم الاقتصادي ويُحد من إمكانيات تطوير البنية التحتية وخلق فرص العمل. هذا الشح في فرص الاستثمار يُحول المنطقة إلى بيئة قاتلة للإبداع والابتكار، ويُعيق تحقيق أي تقدم اقتصادي أو تنموي.

وقد يُؤدي اتساع رقعة الصراع إلى تعطل سلاسل إمداد الطاقة، مما قد يُؤثر على إمدادات الوقود والغاز ويُسبب نقصًا في هذه السلع الأساسية. هذا التعطل في سلاسل الإمداد يُهدد أمن الطاقة للمنطقة ويُعيق حركة النقل والتنقل، مما يُؤثر سلبًا على كافة جوانب الحياة.

كما أن الارتفاع في أسعار الغذاء يُهدد بحرمان ملايين الأشخاص من احتياجاتهم الأساسية ويُؤدي إلى تفاقم حالات الفقر والمجاعة. ومع ارتفاع الأسعار وانخفاض القوة الشرائية سيتراجع الطلب على السلع والخدمات، مما قد يُلحق الضرر بالشركات المنتجة ويُؤدي إلى تسريح الموظفين، وتفاقم معدلات البطالة، مما يُهدد بانهيار الاقتصادات المحلية، وتُضاف إلى هذه العوامل تحديات أخرى، مثل اضطرابات الشحن في البحر الأحمر، مما يُؤثر سلبًا على التجارة الإقليمية، وفرض مزيد من الضغوط على المالية العامة للعديد من الدول

وقد أصدر صندوق النقد الدولي تحديثًا لتوقعاته لنمو اقتصاد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعامي 2024 و2025، خفض فيه توقعاته للنمو في عام 2024 إلى 2.9%، مُشيرًا إلى أن ذلك يعود بشكلٍ رئيسي إلى استمرار الصراع في المنطقة وتراجع إنتاج النفط، ودعا صندوق النقد الدولي إلى اتخاذ خطواتٍ جادة لمعالجة التحديات القائمة وتعزيز النمو الاقتصادي في المنطقة.

 

شارك المقالة
مقالات مشابهة