ماذا يعني انسحاب أمريكا من سوريا؟ ومن يملأ الفراغ اذا انسحبت؟

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
04/22/2025
شارك المقالة

صدرت التصريحات الأمريكية حول سحب مئات الجنود من سوريا عن مسؤولين عسكريين وحكوميين أمريكيين كبار تحدثوا إلى وسائل إعلام رئيسية في 17 أبريل/نيسان 2025. وقد كشف هؤلاء المسؤولون، الذين لم تُكشف أسماؤهم لحساسية المعلومات، عن تفاصيل لوكالة أسوشيتد برس وصحيفة نيويورك تايمز ورويترز ووسائل إعلام أخرى في ذلك التاريخ. وتضمنت الإعلانات خططًا لسحب حوالي 600 جندي لينخفض من 2000 جندي إلى 1400 جندي، ثم ستعمل على تقييم تأثيرات انسحاب القوات لتقليصها مرة أخرى  إلى نحو 500 جندي، ويشمل ذلك الانسحاب إغلاق ثلاث من ثماني قواعد صغيرة في شمال شرق سوريا، كما أكدت أنها ستواصل التعاون مع تنظيم قوات سوريا الديموقراطية لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامي داعش.

 

وقد أعرب عن دعمه لتقليص الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، بما يتماشى مع موقفه السابق خلال ولايته الأولى عندما حاول الانسحاب الكامل. ويُعد موقفه محوريًا في قرار سحب حوالي 600 جندي، ليصبح العدد الإجمالي أقل من 1000 جندي. 

 

يشير الانسحاب أيضًا إلى إعادة تقييم للتدخل الأمريكي، بالابتعاد عن البصمة العسكرية الواسعة نحو وجود أكثر محدودية يركز على مواقع استراتيجية رئيسية مثل قاعدة رميلان الجوية في الحسكة، والتي ستبقى تحت السيطرة الأمريكية لمدة عام آخر على الأقل. يشمل هذا الانسحاب التدريجي خروجًا أمريكيًا كاملاً من المناطق ذات الأغلبية العربية مثل دير الزور وجنوب الرقة، مما يشير إلى تعزيز النفوذ الأمريكي بشكل أساسي في شمال شرق سوريا الذي يسيطر عليه الأكراد.  

 

وتؤكد خطط الانسحاب الإمريكي من منطقة الشرق الأوسط على تراجع أمريكي أوسع نطاقًا في صراعات الشرق الأوسط، مما يُلقي بعبء الاستقرار الإقليمي على عاتق جهات فاعلة إقليميا وفي مقدمتهم تركيا، حيث أنها تعمل على ترتيب الأوليات لمواجهة الصعود الصيني المهدد للاستقرار النظام الدولي خاصة مع ارتفاع التوترات في بحر الصين الجنوبي ودخول كلا من الصين وأمريكا في حرب اقتصادية بعد رفع ترامب التعريفات الجمركية على المنتجات الصينية.

 

فيما تلقت إسرائيل تلك التصريحات بقلق وهو ما عبر عنه العديد من الصحفيين ومسؤلين حكوميين في تقارير إعلامية إسرائيلية ولا سيما صحيفة يديعوت أحرونوت وتايم أوف اسرائيل، حيث ذكرت تلك التقارير أن مسؤولي الأمن الأمريكيين أبلغوا نظراءهم الإسرائيليين رسميًا بالانسحاب التدريجي المخطط له في غضون شهرين. وأعرب مسؤولون حكوميون وأمنيون إسرائيليون عن “قلقهم البالغ” وحاولوا ثني واشنطن عن الانسحاب، لكن أُبلغوا بفشل جهودهم. ويخشى المسؤولون الإسرائيليون أن يُشجع الانسحاب الأمريكي تركيا على توسيع سيطرتها على مناطق استراتيجية في شمال شرق سوريا، ويسعون إلى الحد من نطاق الانسحاب قدر الإمكان.

 

من يملأ الفراغ

 

كانت القوات التي يقودها الأكراد، وفي مقدمتها قوات سوريا الديمقراطية (SDF)، أكثر الشركاء المحليين فعالية للولايات المتحدة في سوريا، حيث لعبت دورًا محوريًا في هزيمة داعش والسيطرة على ما يقرب من ربع الأراضي السورية. وفي أوائل عام 2025 شجعت الولايات المتحدة القادة الأكراد على التفاوض على اتفاق سياسي مع حكومة أحمد الشرع في دمشق لتحقيق الاستقرار في المنطقة وتسهيل خفض القوات الأمريكية دون فوضى. وذلك بالتوازي مع إعلان عبد الله أوجلان التاريخي بشأن عملية السلام مع تركيا. وقد مهدت تلك الخطوات المجال لتوقيع اتفاق بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي. لكن لا تزال قوات سوريا الديمقراطية قوة مهمة في شرق سوريا، حيث تحافظ على سيطرتها بدعم أمريكي، وتواصل الإشراف على السجون التي تحتجز آلافًا من مقاتلي داعش وهو ما يجعلها تمتلك ورقة يمكن أن تستخدمها لإحداث فوضى في المنطقة.

 

وتُعدّ تركيا أبرز الجهات الفاعلة إقليميا التي تتحرك لملء الفراغ الذي خلّفه الانسحاب الأمريكي وانهيار نظام الأسد في سوريا. وتستثمر أنقرة بكثافة في قطاعات الطاقة والنقل والدفاع التابعة للحكومة الجديدة، بهدف المساهمة في تشكيل إعادة إعمار سوريا والنظام السياسي المستقبلي. وستعمل تركيا على ملء الفراق لما في ذلك من فرصة استراتيجية في عمقها الجنوبي بداية من طرد القوات الكردية من غرب سوريا، وحصرها بشكل كبير في شرق الفرات مما يجعلها قادرة على خفض التهديدات العسكرية وسهولة إحكام السيطرة على مناطق جغرافية أصغر. كما سيكون فرصة في تسهيل إعادة توطين اللاجئين السوريين من تركيا إلى سوريا، مما يخدم أيضًا المصالح السياسية التركية المحلية. وتحتل تركيا الآن موقعًا كوسيط رئيسي وقوة ضامنة في سوريا، خاصة بعد إضعاف النفوذ الإيراني وطرد قواته ومليشياته، وهو ما تُقدّره الولايات المتحدة والجهات الغربية الفاعلة الأخرى ويتقاطع مع المصلحة الاسرائيلية. 

 

وتُعزز روسيا نفوذها في سوريا عبر قواعدها الغربية في حميميم واللاذقية، لكنّ تباعد مناطق سيطرتها الجغرافية وعدم وجود وكلاء محليين في سوريا يحدّ من فاعليتها بالرغم من وجود قنوات اتصال مع القوات الكردية، خاصة مع الحاجة لموازنة النفوذ التركي المتنامي. 

 

أما إيران، فتعاني تحديات جيوسياسية أكبر؛ إذ تُهدد المسافة الطويلة لخطوط إمدادها من العراق إلى المتوسط بالاختراق، سواء بالضربات الإسرائيلية أو التمدد التركي، ما يُضعف قدرتها على تعويض خسائرها في الشرق السوري.  بخلاف أن وجود إجماع أمريكي وتركي واسرائيلي على تقويض النفوذ الإيراني سيجعل المهمة أصعب وستحرص أمريكا على ألا تستفيد إيران من ذلك الانسحاب. في المقابل، تستفيد تركيا من حدودها المباشرة مع سوريا، مما يعزز جاهزيتها للتدخل السريع واحتلال الفراغ بسهولة، عبر طرد الميليشيات الكردية وتوسيع نفوذها الاستراتيجي، مدعومةً بموقعها الجيو-سياسي كجسر بين آسيا وأوروبا، مما يجعلها الأكثر قدرة على تحويل الجغرافيا إلى أداة تفوق أمام التحديات التي تواجهها موسكو وطهران. كما أن وجود قناة اتصال بين تركيا واسرائيل قد يصنع تفاهمات ولو مرحلية. 

 

اتساع الصدع بين أمريكا وحلفائها الأوروبيين 

 

من جهة أخرى فإن أثار القرار الأمريكي المفاجئ والأحادي الجانب قلق أعضاء الناتو الأوروبيين خاصة أنه اتُخذ دون مشاورات كافية معهم، وهو ما يعزز من عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات الولايات المتحدة وتراجعًا في التزامها بالأمن الجماعي تحت إدارة ترامب. حيث يخشى الحلفاء من أن استعداد واشنطن للتخلي عن قوات سوريا الديموقراطية مما قد يُشير إلى استعداد أوسع للتخلي عن التزامات التحالف أو غيرها من الالتزامات الأمنية تجاه أوروبا. وعلى الرغم احتمالية أن تحاول فرنسا ملء ذلك الفراغ لكنه يظل بعيد التحقق لتنامي التهديدات الأمنية والعسكرية شرق أوروبا مع توسع روسيا مقابل أوكرانيا بالتزامن مع خفض أمريكا دعمها العسكري والاقتصادي لأوكرانيا.

 

وسيؤدي غياب التنسيق والقيادة من جانب الولايات المتحدة إلى تراجع في تماسك الناتو فيما يتعلق بسوريا والشرق الأوسط الأوسع. وفي غياب قيادة أمريكية قوية، واجه أعضاء الناتو صعوبة في صياغة نهج موحد، مما دفع بعضهم إلى السعي وراء مصالحهم الخاصة أو حتى السعي إلى علاقات أوثق مع روسيا. لقد أضعف هذا الانقسام قدرة التحالف على مواجهة النفوذ المعادي في المنطقة.

شارك المقالة
مقالات مشابهة