للمرة الأولى: صواريخ من سوريا إلى الجولان.. كيف نفهم الحدث؟ وما مؤشراته؟

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
06/10/2025
شارك المقالة

 

منذ ديسمبر 2024، تحوَّل الجنوب السوري إلى جبهة تتحكم إسرائيل في إيقاعها، وأَلِفَ السوريون الغارات الإسرائيلية المتكررة، التي امتدت إلى العمق السوري وساحله. إلا أن ما جرى في 3 يونيو 2025 شكّل كسرًا لهذا الإيقاع، إذ أُطلِق صاروخان من طراز “غراد” من بلدة تسيل في محافظة درعا، باتجاه جنوب هضبة الجولان المحتلة. أعقب ذلك غارات إسرائيلية استهدفت قاعدة اللواء 121 التابعة للجيش السوري قرب كناكر بريف دمشق، وقاعدة اللواء 175 قرب إزرع في محافظة درعا.

يُعد هذا الهجوم الصاروخي الأول من نوعه منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، واللافت أنه جرى تبنّيه من جهتين في آن واحد: الأولى، “كتائب الشهيد محمد الضيف”، التي نشرت مقطعًا مصوّرًا يوثق لحظة سقوط الصاروخين في الجولان، والثانية هي “جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا”، التي بثّت مقطعًا يظهر لحظة إطلاق الصاروخين.

 

بين “جبهة المقاومة” و”كتائب محمد الضيف

نُشر البيان التأسيسي لـ”كتائب محمد الضيف” بتاريخ 31 مايو، وتضمّن هوية بصرية ولغة خطابية تشبه إلى حد كبير تلك التي تستخدمها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، رغم نفي الحركة وجود أي صلة بها. أما “جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا”، فقد أُعلن عن تأسيسها في يناير 2025، وتعتمد هوية بصرية قريبة من تلك التي يستخدمها الحرس الثوري الإيراني والفصائل التابعة له، كحزب الله اللبناني. كما تصف نفسها بـ”أولي البأس”، في إشارة إلى المعركة التي خاضها حزب الله مؤخرًا ضد الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب.

وعلاوة على ذلك، نشرت “جبهة المقاومة” كلمة للمتحدث باسمها، أبي القاسم، هاجم فيها حكومة الرئيس السوري أحمد الشرع، وصنّف تركيا ضمن “حلفاء الاحتلال”، داعيًا السوريين إلى مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، ومذكّرًا إياهم بمقاومتهم لـ”الاحتلال العثماني” بحسب وصفه.

إن تبنّي كل من “الجبهة” و”الكتائب” للعملية نفسها يشير إلى تنسيق مشترك في الإعداد والتنفيذ، رغم التمايز في الهوية والأهداف، والذي يتجلى بوضوح في بياني الطرفين؛ حيث اقتصر بيان “كتائب محمد الضيف” على الحديث عن “فلسطين المحتلة” دون أي ذكر لسوريا أو أطراف إقليمية، ما يدل على طابع تعبوي تسعى الكتائب لتكريسه بعيدًا عن أي توظيف سياسي لمصلحة محور إقليمي دون آخر.

 

هل أصابت العملية هدفها؟

استخدم منفّذو العملية صاروخي “غراد” بدائيين ومنصتَي إطلاق متواضعتين، وسقط الصاروخان في مناطق مفتوحة في الجولان المحتل، ما يشير إلى هجوم عبثي لا يحمل جدوى ميدانية تُذكر. إلا أن العملية حققت هدفًا سياسيًا واضحًا، بانطلاقها من منطقة كانت سابقًا تحت سيطرة جيش الاحتلال، وبالتزامن مع تحوّل في الموقف الأميركي تجاه الإدارة السورية الجديدة، تمثل في الإعلان عن رفع العقوبات، وقبول دمج المقاتلين الأجانب ضمن الجيش السوري.

فبينما اقتصر بيان “كتائب محمد الضيف” على البعد التعبوي، أوضح المتحدث باسم “جبهة المقاومة الإسلامية” في كلمته أن الهدف من العملية هو عرقلة المسار الدبلوماسي الذي تسلكه إدارة الرئيس أحمد الشرع، والذي يسعى إلى استثمار الضغط الأميركي والدولي للتوصل إلى اتفاق مع الاحتلال الإسرائيلي.

وعقب إطلاق الصاروخين، حمّل وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الرئيس السوري أحمد الشرع “المسؤولية المباشرة” عن الهجوم، فيما توعّد جيش الاحتلال بأن تتحمّل الحكومة السورية العواقب “طالما استمر النشاط العدائي من أراضيها”.

 

الرد الدبلوماسي السوري

أصدرت وزارة الخارجية السورية بيانًا قالت فيه إنها لم تتمكن من التثبت من صحة الأنباء المتداولة حول قصف “باتجاه الجانب الإسرائيلي”، وأكّدت مجددًا أن سوريا “لم ولن تُشكّل تهديدًا لأي طرف في المنطقة”. كما أدان البيان القصف الإسرائيلي، واصفًا إياه بأنه “انتهاك صارخ للسيادة السورية”، يزيد من التوتر في المنطقة “في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى التهدئة والحلول السلمية”.

في المقابل، تلافى وزير الخارجية أسعد الشيباني اللغة المهادِنة نسبيًا التي اعتمدها بيان الخارجية، إذ وصف في مؤتمر صحفي مشترك مع المفوضة الأوروبية دوبرافكا شويسا القصف الإسرائيلي الأخير بأنه “استفزازات منسّقة تهدف إلى تقويض تقدم سوريا واستقرارها”.

 

ما الذي يريده الاحتلال؟

منذ مطلع عام 2025، تعرضت سوريا لـ57 اعتداءً إسرائيليًا، بينها 48 غارة جوية و9 هجمات برية، أسفرت عن مقتل 35 شخصًا، بينهم 9 من عناصر الجيش السوري. وفي 30 مايو، شنّت إسرائيل غارات استهدفت مقر اللواء 107، وميناء البيضاء في محافظة اللاذقية، وثكنة البلاطة في ريف طرطوس، مدعيةً تدمير مخازن أسلحة استراتيجية.

تشير هذه الاعتداءات، ولا سيما غارات 30 مايو التي جاءت عقب التحول الإيجابي في العلاقات الأميركية–السورية، إلى تمسّك إسرائيل بهدف إلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه بالقدرات العسكرية السورية، وتكريس احتلالها لهضبة الجولان. وتندرج هذه الضربات ضمن سياسة استنزاف ممنهجة لنظام دمشق، تهدف إلى تقويض قدرته على الحكم، خاصة جنوب العاصمة، ومنعه من بناء جيش فاعل.

ولا تحتاج إسرائيل إلى ذرائع لتبرير عدوانها المستمر على سوريا منذ ديسمبر 2024، فهي في “عالم ما بعد 7 أكتوبر” تسعى إلى فرض معادلة أمن استباقي جديدة، لا تقتصر على حدود فلسطين المحتلة، بل تمتد إلى العمق السوري وما بعده. لكنها في الوقت ذاته توظف مثل هذه العمليات لتضفي هالة شرعية على سياساتها التوسعية والعدائية، وتؤكد على ضرورة بقائها في الجنوب السوري، واحتلالها لجبل الشيخ الاستراتيجي.

 

المسار السوري المنظور

تشير المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب، والإجراءات المتخذة بحق الفصائل الفلسطينية في سوريا، إضافة إلى التحول الإيجابي في الموقف الأميركي تجاه حكومة الرئيس أحمد الشرع، إلى رغبة دمشق في التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل، قد يتجاوز اتفاق فض الاشتباك الموقع عام 1974.

وتدرك القيادة السورية الدور الإسرائيلي في تقويض حكم الشرع، وتأجيج الفوضى في جنوب البلاد، ومنع أي خطوات جدية لإعادة بناء الجيش السوري، في ديناميكية بالغة الخطورة تقلّص خيارات دمشق وتدفعها نحو مناورات براغماتية غير متوقعة.

وتراهن الدبلوماسية السورية على استثمار التباينات الأخيرة بين إدارة ترامب وحكومة بنيامين نتنياهو، حيث أبدت واشنطن حتى الآن حرصًا واضحًا على دعم استقرار سوريا، في تناقض ظاهر مع النهج الإسرائيلي. لكن لا ينبغي المبالغة في تقدير هذه التباينات، فالولايات المتحدة تبقى الحليف الأوثق لإسرائيل، ودعمها للاحتلال يظل ركيزة ثابتة في استراتيجيتها الإقليمية.

وقد يسعى الرئيس أحمد الشرع إلى توظيف هذا التصعيد لتحويل مبدأ “سلامة الأراضي السورية” إلى نقطة إجماع داخلية، تُعيد بعض التوازن بين أطراف قوى الثورة، سواء الجهاديين أو المعتدلين. فعلى الرغم من عجز سوريا راهنًا عن خوض مواجهة عسكرية مفتوحة مع إسرائيل، تبقى قضية استعادة وحدة البلاد وتحرير أراضيها ذات أهمية رمزية وأيديولوجية لا يمكن تجاهلها.

شارك المقالة
مقالات مشابهة