كيف تبدو ملامح العلاقة بين الشرق الأوسط والولايات المتحدة بعد حرب غزة ؟

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
06/07/2024
شارك المقالة

على الرغم من مرور العلاقة بين الشرق الأوسط وواشنطن بالعديد من المحطات المثيرة  للجدل وتحديدا بداية من الألفية الجديدة إلا أنها باتت تشهد تطورات سريعة وتجاذبات عدة على أصعدة شتى، وأصبح التساؤل عن مستقبل تلك العلاقة متكررا وملحا لا سيما بعد الدعم الغير مسبوق الذي تبنته ودافعت عنه الولايات المتحدة للكيان المحتل في حربه الأخيرة على المدنيين العزل في غزة.

وكانت الولايات المتحدة قد احتضنت وبقوة ما يقوم به الكيان المحتل من حرب وصفت بحرب إبادة، ودافعت عن كل ما يقوم به ذلك الكيان في جميع المحافل الدولية، حتى وإن هدأت نبرة ذلك الدعم بعد أن باتت تنطوي على شئ من القلق خشية تفاقم الأزمة، وبالرغم من ذلك فإن جميع أنواع الدعم ما زالت تقدم للكيان بداية من الدعم العسكري وصولا إلى الدعم الغذائي.

 

استشراف المستقبل من عبر الماضي

لعل من الماضي نستشرف المسقبل، ونعتبر للحاضر وتمضي بنا عقولنا إلى حقائق غائبة، فبعد الاحتلال الأمريكي للعراق تعقد المشهد شيئا فشيئا، وسرعان ما عملت الإدارة الأمريكية على استمالة الرأي العالم العالمي مستفيدة من جمعياتها ومؤسساتها التي ما أنشئت إلا لرسم صورة مغايرة للواقع الأمريكي في أذهان وقلوب من استحوذت عليهم المبادئ العاطفية والقيم الورقية البعيدة عن أي  منطق عقل.

وفي تلك اللحظة ومنذ ما يزيد على العقدين، قررت الولايات المتحدة أن تقطع شوطا كبيرا في طريقها نحو الشرق الأوسط، وحينها ومن بين 30 تحالفا غربيا لم يؤيد غزو العراق في بدايته، سوى المملكة المتحدة واستراليا وبولندا – وفقا لما هو موثق حتى اللحظة – وكان الهدف المعلن من الغزو هو محاصرة النظام العراقي الذي لفقت له تهمة حيازة أسلحة نووية وكيميائية، غير أن الهدف الأمريكي ومن ورائه الغربي كان إحكام السيطرة على منطقة الشرق الأوسط شيئا فشيئا وتطويق أي قوى صاعدة أو متوسطة من خلال التهديد العسكري يتبعه التواجد الفعلي فضلا عن الحصار الاقتصادي بل والهيمنة السياسية، فكان احتلال العراق مقدمة ذلك التطويق ومن بعده سوريا مرورا بالعديد من  المحطات والأحداث الإقليمية، لسنا بصدد التوسع فيها هنا، فجاء احتلال العراق سبيلا لتطويق كلا من إيران وتركيا ومكنت الحرب السورية الولايات المتحدة من إحكام الخناق على تركيا شيئا فشيئا عسكريا واقتصاديا، وأخيرا جاءت الحرب على الغزة بتعزيز ذلك التواجد بالشرق الأوسط بزعم إمكانية اتساع رقعة الحرب بالمنطقة، ودلل الغرب على إدعائه هذا بهجوم الحوثيين على بعض سفن الحلفاء بالبحر الأحمر ليتسق زعم الغرب مع أدلة حية ومشاهدة.

 

هل استغلت واشنطن الحرب الدائرة لتعزيز تواجدها بالشرق الأوسط

إضافة إلى ما ذُكر آنفا فغني عن الذكر الأهمية القصوى لمنطقة الشرق الأوسط لدى أمريكا والغرب، ما بين سياسية واقتصادية واستراتيجية ، وهو ما يدفع الغرب إلى الحفاظ على تواجد دائم ومتطور بالمنطقة من أجل الحفاظ على عدة مكتسبات !

أولى تلك المكتسبات: ضمان الهيمنة والنفوذ بالمنطقة فهذه نقطة في غاية الأهمية لدى أمريكا وحلفائها.

ثانيها: بقاء الكيان المحتل أو ما يشار إليه بإسرائيل في مستوى يضمن له التفوق العسكري والاقتصادي بمنطقة الشرق الأوسط لا سيما الدول العربية بما يضمن لها الحفاظ على تلك المكتسبات من الشرق الأوسط.

ثالثها: تصدير السلاح والذي لا يقل أهمية لدى الإدارة الأمريكية من حيث ضمان رواج تلك الصناعة وهيمنة الولايات المتحدة عليها لا سيما بمناطق الصراع بالعالم والتي ايضا يأتي في مقدمتها الشرق الأوسط.

فالتواجد الأمريكي من وجهة النظر الأمريكية بالشرق الأوسط هو مسألة حياة أو موت للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة والذي بات يعلم تماما أن هناك قوى أخرى منافسة وقوية تسعى لانتزاع هذا الحق، حق إدارة العالم بنظام عالمي جديد.

ونجحت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بالفعل في الدفع نحو ذلك التواجد وأقرب مثال على ذلك ما قامت به من التعبئة لحرب الخليج وبعدها لشن حرب أوسع على العراق مستفيدة من أدواتها الإعلامية العالمية وخلق فزاعة وهمية تساعدها في تنفيذ استراتيجاتها بمنطقة الشرق الأوسط.

فهل كانت واشنطن بحاجة لتعزيز تواجدها بالشرق الأوسط في تلك المرحلة ؟

بعد انتهاء ثنائية القطبية العالمية بانهيار الاتحاد السوفياتي كان لزاما على الطرف المنتصر أن يرسخ هيمنته ويدعم قوته في المناطق الساخنة بالعالم وفي مقدمتها الشرق الأوسط، ولن يحدث ذلك إلا من خلال التواجد العسكري ولكن يجب أن يكون ذلك التواجد تحت مظلة سياسية إعلامية تتضمن المبررات المنطقية حتى وإن كانت وهمية لضمان رأي عام عالمي مؤيد غير معارض لتلك السياسات، وهو ما نحجت فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى حد كبير خلال العقود الماضية، ومن خلال تلك النجاحات عززت تواجدها في مناطق عدة بالشرق الأوسط تحت إطارات ومسميات عدة، تضمن لها بقاء الهيمنة والسيطرة عسكريا واقتصاديا.

واستطاعت من خلال المفاوضات بينها وبين القوى المتوسطة من إيجاد قواعد مشتركة يمكن الإنطلاق منها لتحقيق مصالح جميع الإطراف، فبعد احتلال العراق مكنت الطوائف الشيعية من إدارة البلاد على حساب القوى السنية، وبعد تدمير سوريا سمحت لميلشيات إيران وحزب الله من السيطرة على المدن التي هجر سكانها أوقتلو أو سجنو، ليطاردو من تبقى منهم إلى الحدود التركية.

وكما مر سابقا، فإن التواجد الفعلي على الأرض كان ضروريا للغرب للحيلولة دون أي تغيرات تعقد المشهد، كما أن واشنطن والغرب يدرك تماما أن النفوذ الروسي والصيني بدأ يتنامى بمنطقة الشرق الأوسط تحت مظلات عدة، وأن لذلك النفوذ عواقب يدركها الغرب ومنها تقلص المساحات التي يمارس عليها نفوذه، وصولا إلى أي تهديد محتمل لسياساته واستراتيجياته بالمنطقة.

من يحدد إذا ما كان الشرق الأوسط على موعد مع اتساع رقعة الصراع أم لا ؟؟

لا يمكن التنبؤ في الوقت الحالي بتحديد طرف من الإطراف يمكنه مد رقعة الصراع ليصبح إقليميا او عالميا حيث إن المصالح المطقلة هي التي تحكم قرارات الأطراف الأقوى والمؤثرين في المشهد، إذا فاتساع رقعة الصراع مرتبط أولا بأن يتوافق هذ المد مع مصلحة أحد الأطراف المؤثرة.

ثانيا لا يمكن أيضا التنبؤ أو تخمين أي الأطراف المؤثرة يمكنه الاستجابة لأي تصاعد محتمل  على الصعيد الإقليمي أو الدولي فالتجاوب مع احتدام للصراع سيكلف تلك الأطراف الكثير وهوما رأيناه من إيران بعد بدأ العدوان على غزة إذ انخصرت معارضتها للحرب على غزة في التصريحات والمناشدات وتحريك ذراعها “اليمني” والذي لم يكن لتحركه أي أثر إيجابي في حرب الإبادة الدائرة في غزة اللهم إلا تحريك الأنظار بعيدا عن غزة.

ثالثا يجدر هنا التساؤل هنا عن القوى التي يمكنها مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها بالمنطقة ؟

فلو بحثنا وأطلنا البحث لن نجد سوى روسيا وإيران وهما القوتين اللتين تربطهما مصالح مباشرة وغير مباشرة بالولايات المتحدة في العديد من بؤر الصراع وأبرزها سوريا والعراق ولبنان بل وأوكرانيا فضلا عن مصالح عدة حول العالم، وقد رأينا كيف مرر العالم وفي القلب منه منابع الديمقراطية الغربية حرب الإبادة شبه الجماعية التي قادتها روسيا وإيران على الشعب السوري.

ومع ذلك لا يمكن تغافل استفادة القوى الكبرى والمتوسطة مما يحدث بغزة، فكل قوى تسعى للاستفادة من السفور الغربي بقيادة الولايات المتحدة أمام الأحداث الأخيرة عالميا، بل إن الاستفادة قد تتعدى منطقة الشرق الأوسط كما هو الحال في الصراع الروسي الأوكراني، فبعدما سخرت الولايات المتحدة إمكانياتها وطاقاتها لدعم الكيان المحتل، قامت في الوقت ذاته بغض الطرف عما يحدث من التغلل الروسي نحو العمق الأوكراني أو نحو الأهداف الاستراتيجية المعلنة للقوات الروسية وأهمها فرض كامل السيطرة الروسية على “دونستيك”، وفضلا عن الأوراق الرابحة التي تمتلكها موسكو في إدارتها للغزو الروسي لأوكرانيا، فقد أضافت الولايات المتحدة والغرب ورقة أخرى رابحة لموسكو انعكست حتى اللحظة على توجيه الموارد والدعم العسكري واللوجستي اللازميين للكيان المحتل على حساب أوكرانيا.

 

ماذا عن إيران ! فهل باتت العلاقات الثنائية على صفيح ساخن؟؟

بعد الهجوم على السفارة الإيرانية في دمشق والرد الإيراني بالهجوم على تل أبيب، قد يتبادر لذهن كل من يتابع أن المنطقة على موعد مع صراعات ذو وتيرة أعلى، غير أن ما يدور خلف الكواليس مغاير تماما لما يتم الإعلان عنه، فوفقا لرويترز قد أبلغت إيران واشنطن أن ردها على إسرائيل لن يكون تصعيديا، وصرح الكيان بأنه لا يستهدف توسيع رقعة الصراع وإنما أراد إعلام إيران أن باستطاعته الرد في أي وقت، ولسنا هنا بصدد تخمين ما يحدث خلف تلك الكواليس، ولكن نحلل ما نراه على أرض الواقع، فالرد الإيراني سيكون منضبطا وفي حدود التفاهمات التي تدور حاليا بين إيران ووكلائها من جانب وبين الولايات المتحدة وحلفائها من جانب آخر، والمحصلة النهائية لن تكون التصعيد الذي يروج له البعض ويحذر منه البعض الآخر، وإلا فإن تاريخ العلاقة بين إيران والولايات المتحدة قد شهد عمليات أكثر إيلاما من الهجوم الآخير وأيضا جاء الرد الإيراني منضبطا ومتوافق مع التفاهمات التي يراعيها جميع الأطراف، ولو افترضنا جدلا أن دائرة الصراع قدر لها التوسع والتمدد، فهل يمكن القول بأن ذلك يأتي في مصلحة الولايات المتحدة وإيران؟ الإجابة الواقعية المنطقية تفيد بأن ذلك لن يكون في صالح أي منهما، لذا فإن  المفاوضات العلنية وغير العلنية ترمم ما لا تقوى على إصلاحه الجيوش.

وقد يكون الرد الإيراني مفاجئا لتوقعات الكثيرين حيث جاء مباشرة في تل أبيب عاصمة الاحتلال الغربي، لكن معدلات التوتر قد تأخذ منعطفا آخر وفقا لما تم ذكرة من موافقات وموائمات بين أطراف الصراع، ولا يخفى هنا أن إقدام دولة الكيان المحتل على خطوة كهذه له ابعاد ومآلات كبيرة ومتشعبة فمن جهة قد يرى البعض أن تلك العملية كانت عبارة عن تهديد ضمني لإيران بالكف عن تصعيد أو إمداد الفلسطينين بأي عتاد من شانه أن يغير المعادلة على الارض، ورأي فريق آخر أن تلك العملية جاءت ردا كذلك على التذمر الأمريكي والاختلاف الغير معلن بين حكومتي البلدين، وإن في إمكان تل أبيب أن تحرق المنطقة بأكملها إن لم يكن هناك أي استعداد أمريكي لدعم الكيان المحتل إلى نهاية الطريق.

لا يمكن القول أن ما حدث كان جزءا من مسلسل رمضاني هابط ، لكن الحادث هنا والمؤكد أن كل طرف يبحث عن تحقيق مصالحه أيا كان الثمن، وأنه في النهاية إن لم يكن هناك إلتقاء في تلك  المصالح فإن الافتراق هو الحل الأمثل، فإسرائيل ترى أنه لولا الإمدادات الإيرانية لما حدث هجوم السابع من أكتوبر، ولما استمر الفلسطينيون طوال تلك الفترة في المقاومة، وإيران ترى كذلك أنه لولا إسرائيل لبسطت إيران سيطرتها بشكل أكبر على مناطق عدة من بؤر الصراع، والولايات المتحدة تترقب وتتواصل وتتهيأ لكن في ظل التصعيد المحسوب، إذ لا يرغب أي طرف في دفع أي أثمان في الوقت الراهن قد تكون وبالا عليه في قادم الأيام.

ولن نعول هنا كثيرا أو نطيل في احتماليات تصعيد محتمل بين إيران والكيان المحتل، فما هي إلا استنزاف للوقت وتغطية على قلب المشهد، وقلب الطاولة بعيدا عن المقهى.

الخلاصة هنا وفيما يخص إمكانية اتساع رقعة الصراع ليصبح إقليميا او نحو ذلك فقد تكون من أجل الاستهلاك الإعلامي ولخلق فزاعة جديدة قد تساهم في حصول الغرب على مكتسبات جديدة أو حتى الحفاظ على مكتسبا ت قائمة، أو حتى لتجديد الشعور بأن هناك صراع قائم بين أطراف عدة بالمنطقة.

ونأتي للسؤال الأهم: هل تتغير سياسة واستراتيجية تعامل الولايات المتحدة مع الشرق الأسط بعد الحرب على غزة؟؟

لا يبدو في الأفق تغير جذري في سبل التعامل واستراتيجيات العمل المتبعة في العلاقة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط، فالاستراتيجية المتبعة بعد أحداث 11 سبتمبر كانت تعزيز التواجد العسكري بالمنطقة تحت أى مسوغ، وهي الاستراتيجية المتبعة للحظة، وأي تغير فيها يكون مرهونا بمآلات ونتائج ذلك التغير.

إلا أن الولايات المتحدة سوف تعمل جاهدة وبشكل غير مسبوق في رأيينا على تحسين صورتها ليس شرق أوسطيا فحسب بل وعالميا، بعد أن أسقطت عن نفسها جميع أوراق التوت لتظهر مجردة من أي زيف إعلامي وتبدو على صورتها الحقيقية التي كانت تخفيها لسنين، فأمريكا ما هي إلا صاحبة الحرب الدائرة يؤديها عنها الكيان المحتل بالوكالة، وكل ذلك من أجل ضبط بوصلة الشرق الأوسط كما هو مخطط لها.

قد تشهد دول المنطقة المزيد من العروض المجانية بهدف ترميم صنم الحرية الأمريكي وتلميعه للعودة به كسابق عهده، غير أن عودته مرهونة بغياب أدوات الوعي التي تغلغلت إلى العمق  الأوروبي وأصبحنا نرى من يدافع عن المدنيين العزل من شتى البلدان الأوروبية التي تدعم حكوماتها أفعال الكيان المحتل.

والحديث عن مستقبل العلاقة بين الشرق الأوسط و أمريكا يأتي خلفها ضمنا الاتحاد الأوروبي نظرا لتوافق توجهاته في مجملها إن لم يكن كلها مع الدبلوماسية الأمريكية.

لا يمكن إغفال مآلات التوترات الجيوسياسية على المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة والغرب بشكل عام، فاي تعطل محتمل في إمدادات النفط أو تشوه بالأسعار من شأنه أن يضرب المصالح الأمريكية والغربية ولهذا فإن الإدارة الأمريكية وحلفاؤها لا يغفلون اللعبة السياسية جنبا إلى جنب مع الهيمنة والنفوذ العسكري فضلا عن توجيه الآلات الإعلامية لضمان عدم المساس بكل ما له علاقة بالجوانب الاقتصادية وسلاسة وآمان حركة التجارة العالمية.

هناك بعض الاستراتيجيات التي انتهجتها الولايات المتحدة سرا في الماضي، لكن القادم سيكون أكثر صراحة فطالما كان التساؤل عن أوجه الاختلاف المعتبرة بين الجمهوريين والديمرقراطيين وكلاهما يخدم المصالح العليا للولايات المتحدة وكانت أحدى جوانب الاختلاف البارزة أن الأول يعمل على تنفيذ الاستراتيجيات والأجندة الأمريكية في معزل عن الإعلام العالمي مصدرا الشعارات الوهمية والتي من أبرزها الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة، أما الثاني فكان ينفذ تلك الاستراتيجيات والأجندات في العلن بل و يصرح بها في وسائل الإعلام المختلفة، الأن اتفق جناحي السياسية الأمريكية على ضرورة الإعلان صراحة عن التوجهات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط والعالم.

وعلقت فورين بولسي على سياسات الولايات المتحدة بالشرق الأوسط قائلة بأن تلك السياسات قد فشلت وأن على الولايات المتحدة أن تواجه ذلك الواقع.

لكن يمكن القول أن الحرب الدائرة من قبل الكيان المحتل وداعميه على غزة سيكون لها تبعات ومآلات من شأنها أن تغير الاستراتيجيات المتبعة للتعامل مع منطقة الشرق الأوسط، ويمكن تقسيم الحديث عن تلك النقطة على حسب أمد الصراع:

فعلى المدى القريب يمكن القول أن طريقة إداراة الصراع المتطرفة من قبل الكيان والمدعومة برغبة أمريكية لن تهدأ بل ستستمر في الاحتدام والتصعيد ولعل أبرز دليل على صحة هذا الرؤية ما قام به الكيان من اغتيال أبناء وأحفاد القيادي بحماس “إسماعيل هنية” فضلا عن عمليات اغتيال معلنة وغير معلنة قام بها الكيان في سجونه بحق الأسرى  الفلسطينيين وتحديدا بعد السابع من أكتوبر.

على الأمد المتوسط تتمحور سياسة واشنطن في تحسين صورتها  المهترئة شرق أوسطيا وعالميا ولا سيما في بلدان العالم الإسلامي، بعدما فقدت العديد من الأصوات الداعمة لسياستها واهتزت أدواتها الإعلامية أمام غطرستها ودعمها اللامحدود للكيان في حرب الإبادة الجماعية بغزة.

على الأمد الطويل لا تتغير سياسة واشنطن في تعاملها مع الشرق الأوسط وفقا لأهدافها المعلنة وغير المعلنة، حتى مع تعاقب الإدارات المختلفة، فالدعم الأمريكي للكيان المحتل لن يتوقف حتى وإن بدا أن هناك اختلاف معلن بوجهات النظر، ولن يتوقف أيضا لأي ضغوط كانت، بل إن استمرار الكيان المحتل في توسيع عملياته بالأراضي المحتلة هوهدف معلن والدعم الأمريكي لذلك الهدف غير محدود، كما أن المصالح الأمريكية بالشرق الأوسط لم تضرر حتى اللحظة بما قد يدعو واشنطن لتغير استراتيجياتها، بل إن المصالح التجارية والاقتصادية والسياسية لا تزال قائمة كما هي، حتى بعد الهجوم الصهيوني على سفارة إيران بدمشق، وحتى بعد التعطيل الحوثي لمسار الملاحة بالبحر الأحمر بضعة أيام.

ناهيك عن أن التواجد الأمريكي بالشرق الأوسط لا يزال كما هو، اللهم إلا بعض التكتيكات العسكرية ذات الصبغة السياسية وفقا لتفاهمات وموائمات بالمنطقة.

ويمكن تلخيص واستشراف المرحلة القادمة بالجدول التالي الذي يوضح طبيعة العلاقة المتوقعة من خلال ثلاث سيناريوهات مختلفة ينبنى على كل واحد منها نتيجة أو محصلة متوقعة، حيث يقوم السيناريو الأول على انتهاج استراتيجية التهدئة على المدى القصير بنسبة أكبر من انتهاج التصعيد، تعمل خلالها الولايات المتحدة على تحسين صورتها المتراجعة حول العالم، لتعود إلى انتهاج  سياسة التصعيد والتهدئة بنسب متساوية أو متقاربة – والتي اتبعتها سابقا مع النظام الإيراني وغيره من الأنظمة حول العالم- وذلك على المدى المتوسط، في حين تعود مرة أخرى إلى التصعيد على المدى الطويل.

بينما يقوم السيناريو الثاني على استمرار عمليات التصعيد بالشرق الأوسط على المدى القصير والطويل تتخلله تهدئة بسيطة على المدى المتوسط لالتقاط الأنفاس.

ويقوم السيناريو الاخير على علاقة دورية بين كفتي احتدام الصراع والتهدئة فتارة يتم انتهاج التصعيد وتارة أخرى يتم انتهاج التهدئة وفقا لما تقتضيه المصلحة، وفيه تدرس الولايات المتحدة وحلفاؤها مآلات كل مرحلة وما تقتضيه ويمكن تسميته باستراتيجية الاستنزاف أي استنزاف الطاقات والموارد لدى الأطراف المتصارعة.

النطاق من 1: 5 بحيث أن 1 يمثل الحد الأدنى من النطاق و5 تمثل الحد الأقصى

 

شارك المقالة
مقالات مشابهة