قطاع الطاقة في سوريا: التحديات والفرص بعد رفع العقوبات

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
05/23/2025
شارك المقالة

لم يُشكّل سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024 نهاية للتحديات التي تواجه سوريا، بل مثّل بداية مرحلة جديدة نقلت قوى الثورة، التي باتت تحكم دمشق، من ساحات المواجهة العسكرية إلى ورشة بناء الدولة من الصفر. فبعد حرب مدمّرة أنهكت البلاد، واستنزف الفساد الممنهج مؤسساتها وقطاعاتها الحيوية، تواجه الإدارة الجديدة مهامًا جسيمة، في مقدمتها إعادة تأهيل البنية التحتية والخدمات الأساسية، وعلى رأسها قطاع الطاقة، الذي يعاني من تدهور غير مسبوق على صعيدي الإنتاج والتوزيع.

على مدى أربعة عشر عامًا من الصراع، أسفرت الحرب عن تدمير أكثر من 50% من شبكة الكهرباء في سوريا، ما أدى إلى تراجع القدرة الإنتاجية من 8500 ميغاواط قبل عام 2011 إلى نحو 3500 ميغاواط فقط، بفعل استهداف محطات التوليد الكبرى في البلاد وتوقف عدد منها عن العمل بشكل كامل.

أما من حيث الإمدادات، فالوضع أكثر قتامة. فسوريا التي كانت تُنتج قبل الثورة نحو 400 ألف برميل نفط يوميًا، بالكاد تنتج حاليًا 20 ألف برميل، وتعتمد بصورة شبه تامة على الواردات الخارجية لتلبية حاجاتها. بينما بات قطاع الغاز شبه غائب، نتيجة تدمير بنيته التحتية وعدم توفر قدرة على إعادة تشغيله.

الجغرافيا السياسية لأمن الطاقة

 

منذ عام 2021، تمكنت تركيا من تزويد مناطق شمال غرب سوريا بالكهرباء، بعد ربط شبكتها الكهربائية بالشبكة السورية، في خطوة تزامنت مع دعمها السياسي والعسكري لفصائل الثورة، وهو ما منحها اليوم موقعًا متقدمًا ضمن المشهد الجيوسياسي السوري.

أما قطر، التي رسّخت نفوذًا سياسيًا معتبرًا لدى قوى المعارضة المسلحة خلال سنوات الحرب، فقد أعلنت في مارس/آذار 2025 عن تقديم إمدادات من الغاز للمساهمة في تشغيل محطة دير علي لتوليد الكهرباء بقدرة أولية تبلغ 400 ميغاواط، على أن تصل الإمدادات عبر “الخط العربي للغاز” المار من الأردن.

في المقابل، أعلنت المملكة العربية السعودية في ديسمبر/كانون الأول 2024 عن نيتها إرسال شحنات من الوقود إلى سوريا عبر الأراضي الأردنية “قريبًا”، دون أن توضح حجم تلك الكميات، ولم يؤكد الجانب السوري حتى الآن استلام أي منها، ما يُفسر على أنه مؤشر على تحفظ سعودي وتردد في دعم الملف السوري في هذه المرحلة.

وفي تطور لافت، زار وفد رسمي عراقي رفيع المستوى سوريا في أبريل/نيسان 2025 لدراسة الجدوى الفنية والاقتصادية لإعادة تأهيل وتشغيل خط أنابيب كركوك – بانياس، الممتد على مسافة تقارب 800 كيلومتر، وبطاقة ضخ تصل إلى 300 ألف برميل يوميًا. وتُقدّر الكلفة الأولية لإعادة تشغيل الخط بين 300 و600 مليون دولار، ضمن توجه عراقي لتعزيز علاقاته الإقليمية، وإنعاش اقتصاده الوطني، وتوفير منفذ إلى الأسواق الأوروبية عبر البحر المتوسط.

دور أوروبي محتمل

 

يدرك الفاعلون الإقليميون والدوليون أن قطاع الطاقة يمثل نقطة ضعف هيكلية لدى الحكومة السورية الجديدة، وهو ما يثير قلق الاتحاد الأوروبي، خاصة في ظل الاعتماد المتزايد لدمشق على واردات النفط الروسي. إذ بلغت كميات النفط الخام التي وفرتها موسكو لسوريا نحو 61 ألف برميل يوميًا خلال أبريل 2025، مقارنة بـ55 ألف برميل يوميًا في مارس.

في ضوء هذه المعطيات، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى الانخراط في رسم سياسات الطاقة السورية بما يخدم مصالحه في شرق المتوسط، من خلال دعم الدورين القطري والتركي في قطاع الطاقة السوري، وتقليص الحضور الروسي فيه، ما يعكس ملامح تنافس جيوسياسي على النفوذ في سوريا الجديدة.

وبالنظر إلى الحاجة الماسّة للاستثمار في قطاع الطاقة، قد يعمل الاتحاد الأوروبي على إعادة تنشيط دور شركاته الكبرى، مثل “توتال” و”شل”، اللتين كان لهما وجود سابق في السوق السورية. كما من المتوقع أن يدعم مشاريع الطاقة المتجددة، خصوصًا الطاقة الشمسية، التي لجأ إليها السوريون خلال سنوات الحرب في ظل تراجع إنتاج الكهرباء الرسمي.

وعلى المدى الطويل، من المرجح أن يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تقليص النفوذ التركي المتزايد في دمشق، من خلال خطط لربط سوريا بشبكة الطاقة الأوروبية عبر قبرص واليونان، ضمن استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز الوجود الأوروبي في شرق المتوسط، ولعب دور مؤثر في صياغة ملامح مستقبل سوريا.

ما بعد رفع العقوبات

 

في 16 مايو/أيار 2025، التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع في العاصمة السعودية الرياض، بوساطة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وخلال كلمته في منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي، أعلن ترامب رفع العقوبات المفروضة على سوريا، مشيرًا إلى أن القرار يأتي “لمنح السوريين فرصة جديدة للخروج من أزمتهم”.

مثّل هذا الإعلان نقطة تحول كبيرة في مسار إعادة تأهيل قطاع الطاقة السوري، إذ كانت العقوبات الأمريكية تحظر استيراد المنتجات النفطية من سوريا، وتمنع الشركات الأمريكية من الاستثمار في قطاع الطاقة هناك، ما أعاق لسنوات أي جهود لتعافي هذا القطاع الحيوي.

عقب الإعلان، وضعت الحكومة السورية خطة طارئة مدتها 100 يوم، تهدف إلى دعم سعر صرف الليرة السورية وتشغيل مصفاتي حمص وبانياس بتمويل سعودي، بهدف خفض أسعار الوقود في السوق السوداء إلى النصف قبل حلول فصل الشتاء.

لكن رفع العقوبات لم يترافق مع إزالة اسم الرئيس أحمد الشرع من لوائح الإرهاب الأمريكية، كما لم يُلغَ تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب، وهو التصنيف المستمر منذ عام 1979 بموجب المادة 6(ج)(1)(أ) من قانون إدارة الصادرات الأمريكي. ويترتب على هذا التصنيف استمرار القيود المفروضة على تراخيص التصدير، ما يعيق تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات الغربية، بما في ذلك الأمريكية.

تُعزز هذه القيود المخاوف الأمريكية المتعلقة بمكافحة الإرهاب، ومنع انتشار الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، وضمان الأمن الإقليمي. كما أن الانهيار المفاجئ للنظام السابق، وسرعة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الجديدة، تتناقض مع الرؤية الأمريكية المعلنة لمستقبل سوريا، والتي لطالما فضّلت نهجًا تدريجيًا ومنضبطًا في إحداث التغيير.

خاتمة

يُمثّل قرار ترامب برفع العقوبات فرصة مهمة لإعادة إنعاش قطاع الطاقة في سوريا، لكن هذه الفرصة لا تعني بالضرورة منح ثقة كاملة للوضع السياسي الراهن. وسيكون الدوران التركي والقطري الأكثر بروزًا وتأثيرًا في المرحلة المقبلة، بينما تبقى الاستثمارات الغربية والأمريكية مرهونة بتغيّرات أكبر في تصنيفات السياسة الأمريكية. وهكذا، يبقى مستقبل قطاع الطاقة السوري رهن موازين دقيقة تجمع بين الانفتاح الحذر والقيود الهيكلية.

شارك المقالة
مقالات مشابهة