فورين بوليسي: لأول مرة منذ 7 أكتوبر.. ردود فعل إسرائيلية واسعة ضد الحرب

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
05/05/2025
شارك المقالة

  • الحرب في غزة تفقد الدعم الشعبي داخل إسرائيل بعد 18 شهرًا من القتال.

  • عائلات الرهائن تتهم الحكومة بالتضحية بأبنائها لأهداف سياسية.

  • ضباط كبار في الجيش والمخابرات يعلنون رفضهم لاستمرار الحرب.

  • نصف جنود الاحتياط تقريبًا يمتنعون عن تلبية نداء الخدمة العسكرية.

  • الغالبية تؤيد إنهاء الحرب مقابل استعادة الرهائن بأي ثمن.

انهيار العقد الاجتماعي وتصاعد الغضب الشعبي

 

في مثل هذا الوقت تقريبًا من العام الماضي، بينما كان الرئيس الأميركي آنذاك جو بايدن يضع شروطًا محتملة لوقف إطلاق النار في غزة، شرح لي مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية سبب دعم الجيش لوقف القتال. لم يكن السبب مرتبطًا كثيرًا بالعمليات العسكرية نفسها، بل إن وقف إطلاق النار كان يُنظر إليه كفرصة لإعادة ترميم العقد الاجتماعي بين الدولة والجمهور الإسرائيلي — بما في ذلك الفهم الضمني بأن إسرائيل لا تخوض الحروب إلا إذا كانت في مصلحة عامة، وأنها يجب أن تعطي الأولوية دائمًا لتحرير الجنود والمدنيين الأسرى.

لكن اليوم، بعد مرور 18 شهرًا على الحرب في غزة، أصبح هذا الاتفاق غير المكتوب في حكم المنتهي. فقد تم تقويضه تدريجيًا على يد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي اختار الاستمرار في الحرب رغم تزايد الأدلة على أن أهدافه الحربية غير قابلة للتحقيق — ثم قضى عليه تمامًا في مارس عندما قرر من جانب واحد إلغاء وقف إطلاق النار مع حماس. وكانت تلك الهدنة القصيرة، التي توسّطت فيها الولايات المتحدة في يناير، قد أسفرت عن إطلاق سراح 33 رهينة، وفتحت الباب أمام إمكانية الإفراج عن مزيد منهم. لكن بدلاً من ذلك، استأنفت إسرائيل هجماتها على غزة بشدة.

يتعهد نتنياهو الآن بمواصلة القتال حتى القضاء على حماس. (رغم أن القصف الإسرائيلي دمّر معظم غزة، إلا أنه لم ينهِ حماس.) ومع ذلك، يعاني جنود الاحتياط الإسرائيليون من إنهاك شديد بعد جولات قتال متكررة منذ 7 أكتوبر 2023، وتشعر عائلات الرهائن بأن أبناءهم قد تُركوا لمصيرهم. ففي أواخر أبريل، رفض نتنياهو اقتراحًا من حماس بالإفراج عن بقية الرهائن مقابل إنهاء الحرب — ما أثار رد فعل غير مسبوق من والدة أحد الرهائن. قالت عنات أنغريست، مخاطبةً آباء وأمهات آخرين خلال مظاهرة في تل أبيب، وهي تُريهم صورة ابنها الذي أُسر في 7 أكتوبر: “قبل أن ترسلوا أبناءكم إلى الحرب، واجهوا الحقيقة. انظروا كيف تم التخلي عن ابني وكيف يُضحى به الآن. انظروا، أمهات، كيف أنه بدلاً من إنهاء الحرب وإعادة أبنائنا إلى البيت، يُرسلون أبناءكم للقتال في حرب تُعرضهم جميعًا للخطر.” وهذا بالضبط ما كان الجيش يسعى لتجنبه.

تمرّد من الداخل: احتجاجات المؤسسة الأمنية والمجتمع المدني

وكانت النتيجة لكل ذلك، اندلاع رد فعل داخلي ضد الحرب، هو الأوسع منذ 7 أكتوبر. بدأ ذلك برسالة وقعها قرابة 1000 من جنود الاحتياط السابقين في سلاح الجو الإسرائيلي، في أوائل أبريل، قبل عطلة عيد الفصح. جاء في الرسالة: “هذه الحرب تخدم في المقام الأول مصالح سياسية وشخصية، لا مصالح الأمن القومي.” وأضافت: “استمرار الحرب لا يساعد في تحقيق أي من أهدافها، بل سيؤدي إلى مقتل الرهائن وجنود الجيش والمدنيين الأبرياء، ويُضعف قوات الاحتياط أكثر.” وقد حاول قائد سلاح الجو تومر بار ورئيس أركان الجيش إيال زمير منع نشر الرسالة، لكنهما قاما لاحقًا بتسريح الجنود الموقعين عليها من الخدمة. وخلال أيام، وقّع الآلاف رسائل مشابهة، من بينهم رؤساء سابقون للموساد، وأفراد من القوات الخاصة، وضباط في البحرية، وفِرق حرب إلكترونية واستخبارات عسكرية — بمن فيهم مئات من جنود الاحتياط الفعليين. كما صدرت رسائل مماثلة من أطباء وأكاديميين وفنانين.

وللتوضيح، فإن هذا الاعتراض لا يأتي بسبب الاستخدام المفرط للقوة من قبل إسرائيل، والذي أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين. (رغم أنه من اللافت أن موشيه يعلون، السياسي اليميني والقائد العسكري السابق، وصف العمليات الإسرائيلية في شمال غزة هذا العام بأنها “تطهير عرقي” وأدان إرسال الجنود “لقتل الأطفال في غزة.”) بل يتمحور الاعتراض أساسًا حول إعطاء الأولوية للرهائن — حتى لو تطلب ذلك إنهاء الحرب. وربما بدرجة أكبر، هو بمثابة تصويت بحجب الثقة عن حكومة نتنياهو، التي يعتقد كثير من الإسرائيليين أنها تُطيل أمد الحرب لتظل في السلطة.

وقد أظهرت استطلاعات الرأي منذ شهور أن أغلبية واضحة من الإسرائيليين — حتى أولئك الذين صوتوا لصالح ائتلاف نتنياهو — تؤيد إنهاء الحرب مقابل الإفراج عن الرهائن. كما بات معظم الإسرائيليين يدركون أن العمليات العسكرية لتحرير الرهائن من المرجح أن تؤدي إلى مقتلهم. وتدعم الأغلبية الآن انسحاب إسرائيل من غزة، حتى لو كان ذلك سيُبقي حماس، بشكلها المقلص، في السلطة مؤقتًا.

وتكمن أهمية هذا الرفض الشعبي ليس فقط في عدد المطالبين بوقف الحرب، بل أيضًا في المناصب التي يشغلها بعضهم. إذ أن بعض أبرز شخصيات النخبة الأمنية في إسرائيل هم من يتهمون علنًا حكومة نتنياهو وشركاءها من اليمين المتطرف بالتضحية بالرهائن لأغراض سياسية. بمعنى آخر، تخوض الحكومة المرحلة الحالية من الحرب في غزة من دون دعم شعبي واسع، وعلى خلاف مع الحكم المهني لأشخاص كرسوا حياتهم لأمن البلاد. وهذا سابقة في تاريخ إسرائيل.

أزمة الاحتياط وشرخ في العمود الفقري للجيش الإسرائيلي

يتزامن هذا الاعتراض مع أزمة منفصلة ولكنها مرتبطة: أزمة متزايدة في نقص جنود الاحتياط. فبحسب تقارير إعلامية متعددة، انخفضت نسبة استدعاء جنود الاحتياط للخدمة بنسبة 50% منذ استئناف القتال في مارس. ويُجنّد معظم الإسرائيليين في سن 18 للخدمة الإلزامية لمدة سنتين إلى ثلاث، ويؤدون خدمة احتياطية حتى سن الأربعين. وتتنوع أسباب تغيبهم هذا العام بين ضغوط العائلة، والتعب من الحرب، وأوضاعهم الاقتصادية الصعبة. (75% من جنود الاحتياط الذين شملهم استطلاع في فبراير قالوا إن الشهور الطويلة التي قضوها في غزة أضرت بهم ماليًا، و41% أفادوا بأنهم فقدوا وظائفهم أو استقالوا منها.) لكن بعضهم يرفضون لأسباب أيديولوجية — سواء بسبب عدم ثقتهم بالحكومة، أو شكهم في قدرة العمليات العسكرية على إعادة الرهائن، أو استيائهم من استمرار إعفاء اليهود الحريديم من الخدمة العسكرية، أو خوفهم من الملاحقة بتهم جرائم حرب، أو حتى لمعارضتهم الأخلاقية لنهج إسرائيل في هذه الحرب.

وهذا الرفض “الناعم” للخدمة — سواء كان سياسيًا أو أيديولوجيًا أو شخصيًا — قد يُجبر الحكومة على تعديل نهجها في غزة. ربما لا يحدث هذا بين ليلة وضحاها، لكن إذا مضت إسرائيل نحو السيطرة الكاملة على غزة وإعادة توطين الإسرائيليين فيها كما يطالب شركاء نتنياهو، فإن أزمة القوى البشرية ستزداد على الأرجح. وقد تراهن الحكومة على أن الخدمة العسكرية ما تزال مقدسة، وأن جنود الاحتياط سيعودون في النهاية. وإذا لم يحدث ذلك، فقد يضطر الجيش إلى سحب قوات من جبهات أخرى، مثل لبنان وسوريا وحتى الضفة الغربية.

وعلى المدى الطويل، قد يكون لاتجاه التمرد هذا تداعيات كبيرة على البلاد. فقد كان الجيش الإسرائيلي “جيش الشعب” منذ تأسيسه، يعتمد على الاحتياط لخوض حروب قصيرة وحاسمة. وفي الدول التي تعتمد على جيوش الاحتياط، لا بد للحكومات من مراعاة الرأي العام. ومع استمرار حكومة نتنياهو في تجاهل قضية الرهائن وإطالة أمد الحرب، من المرجح أن يتسع نطاق المعارضة أكثر.

شارك المقالة
مقالات مشابهة