فورين أفيرز: كيف تفوق الحوثيون على الولايات المتحدة؟

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
05/11/2025
شارك المقالة

 بعد سبعة أسابيع ونصف من الضربات الجوية المكثفة التي استهدفت أكثر من ألف هدف منفصل، انتهت حملة القصف التي شنتها إدارة ترامب ضد الحوثيين في اليمن فجأة كما بدأت.

 ففي السادس من مايو، وخلال اجتماع في المكتب البيضاوي مع رئيس الوزراء الكندي مارك كارني، أعلن الرئيس دونالد ترامب ببساطة أن الحوثيين المدعومين من إيران “لم يعودوا يريدون القتال”، وأن الولايات المتحدة ستقبل “كلمتهم” و”توقف القصف”. وأكّد وزير الخارجية العماني بدر بن حمد البوسعيدي عبر منصة “إكس” أن بلاده توسطت في اتفاق لوقف إطلاق النار بين واشنطن والحوثيين، تعهد فيه الطرفان بعدم استهداف بعضهما البعض. ورغم الهجمات الحوثية الفعالة على الشحن الدولي في البحر الأحمر واستمرارهم في مهاجمة إسرائيل، لا يتضمن الاتفاق قيودًا صريحة على تحركات الحوثيين تجاه أي دولة أخرى غير الولايات المتحدة؛ مما يلفت النظر إلى غياب إسرائيل والسفن “المرتبطة بها” — وهو توصيف سبق للحوثيين أن فسروه بشكل واسع.

 

ما يثير الحيرة في إعلان البيت الأبيض أن موقف الحوثيين لم يتغير عمليًا منذ بدء الحملة الجوية الأميركية المكثفة في 15 مارس. فعمليًا، شُنت عملية “الفارس الخشن” — كما سُميت الحملة الأميركية — بهدف استعادة حرية الملاحة في البحر الأحمر وإعادة ترسيخ الردع ضد إيران ووكلائها. ومنذ البداية، كان الحوثيون يستهدفون إسرائيل والسفن المرتبطة بها تحديدًا — وليس السفن الأميركية — مؤكدين أنهم سيواصلون ذلك حتى تنهي إسرائيل حربها في غزة. وخلال الحملة الأميركية، أوضح قادة الحوثيين أن توقف واشنطن عن القصف سيقابله وقف استهداف السفن الأميركية، دون أن يشمل ذلك الهجمات على إسرائيل. وبعد إعلان ترامب عن الاتفاق في 6 مايو، أعاد المتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام تأكيد هذا الموقف. بمعنى آخر، وبعد عملية عسكرية أميركية تجاوزت تكلفتها ملياري دولار وقيل إنها أضعفت القدرات العسكرية الحوثية بشكل كبير، لم يُفضِ اتفاق وقف إطلاق النار سوى إلى ترسيخ الموقف الأصلي للحوثيين. وعلى الرغم من زعم ترامب بأن الحوثيين “رضخوا”، فإن الجماعة لا تزال تحتفظ بسلطتها ووصفت الاتفاق بأنه “انتصار لليمن”.

 

أما بالنسبة لإدارة ترامب، فقد قدّم وقف إطلاق النار نهاية سريعة لحملة باتت أكثر فأكثر غير قابلة للاستمرار. فإلى جانب التكلفة الباهظة، أثارت الحملة مخاوف داخل واشنطن من الانجرار إلى حرب لا نهاية لها في الشرق الأوسط. وقد دعم هذا التوجه كل من نائب الرئيس جي دي فانس وأعضاء الإدارة ذوي التوجه الانعزالي، الذين أبدوا منذ البداية تشككهم في مغامرات الولايات المتحدة العسكرية.

 

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه الخاتمة كافية لتتخلص إدارة ترامب من “مشكلة الحوثيين”. ولكن إذا تجاهل ترامب الهجمات الحوثية المستمرة على إسرائيل، فهناك ما يشير إلى أن الحوثيين سيتجنبون — في الوقت الراهن على الأقل — استهداف الأصول الأميركية. ورغم أن الحوثيين كانوا سيبقون على الأرجح حتى لو استمرت الحملة الجوية الأميركية، فإن توقفها يمنحهم مزايا عدة: يمكن لقيادتهم الآن أن تدّعي أنها تحدّت قوة عظمى وانتزعت انتصارًا، كما أن التهديد المباشر الذي شكلته الضربات الأميركية قد زال، مما يسمح لهم بالتركيز على إسرائيل، التي تواصل حملتها الجوية الانتقامية، بما في ذلك ضربة صاروخية باليستية استهدفت مطار بن غوريون قرب تل أبيب في أوائل مايو. والأهم من ذلك أن الاتفاق مع الولايات المتحدة يجعل من غير المرجح أن تدعم واشنطن أي هجوم بري ضد الحوثيين من قِبل الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا — وهي تحالف منقسم داخليًا من الفصائل المناهضة للحوثيين يسيطر على جنوب وشرق اليمن. ومثل هذا الهجوم، إذا ما دعمته القوة الجوية، قد يكون السبيل الأكثر فعالية للضغط على الحوثيين وتقليص قبضتهم على السلطة — وإن كان ينطوي على مخاطر كبيرة.

 

صحيح أن إدارة ترامب كانت محقة في سعيها لإيجاد مخرج من حملة جوية مكلفة ومفتوحة النهايات، لكن الخيار الذي تبنته قد يتسبب في أضرار أكبر من نفعه. فإذا لم تسارع واشنطن إلى تنسيق جهودها مع حلفائها الإقليميين — ولا سيما السعودية — للحفاظ على الضغط العسكري والاقتصادي والسياسي على الحوثيين، فإن الجماعة ستواصل زعزعة الاستقرار في اليمن والمنطقة. وهناك بديل أفضل: من خلال دعم الأمم المتحدة ووسطاء مثل سلطنة عُمان، يمكن للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة وخارجها الدفع نحو تسوية سياسية شاملة في اليمن، تُقيد القدرات العسكرية للحوثيين وتحد من طموحاتهم. وقد يبدو هذا المسار صعبًا، لكنه أقل تكلفة بكثير من البديل. وفي غياب هذه الجهود، سيستعيد الحوثيون أنفاسهم وينظمون صفوفهم، وقد يعاودون قريبًا تشكيل التهديد الأمني ذاته الذي دفع إدارة ترامب إلى شن حملتها في المقام الأول.

 

ركوبٌ خشن

 

بدأت الولايات المتحدة ضرباتها الجوية ضد الحوثيين لأول مرة في عهد الرئيس جو بايدن، الذي أطلق حملة جوية محدودة في يناير 2024 ردًا على هجمات الجماعة على السفن في البحر الأحمر، وخاصةً استهدافها لسفينة حربية أميركية. سعت إدارة بايدن إلى اتباع استراتيجية مدروسة: الرد على هجمات الحوثيين دون تصعيد النزاع، أو التسبب في سقوط ضحايا مدنيين، أو إشعال تصعيد إقليمي أوسع مع إيران. وعلى النقيض من ذلك، اعتمد ترامب نهجًا أكثر عدوانية، وهاجم بايدن واصفًا رده على التهديد الحوثي بـ”الضعيف المثير للشفقة”. ويبدو أن إدارة ترامب شعرت بجرأة أكبر نتيجة إضعاف إيران، إذ تعرضت القوى المتحالفة معها في غزة ولبنان وسوريا لتدهور كبير خلال العام الماضي بسبب الحرب التي شنتها إسرائيل على حماس وحزب الله، وسقوط نظام الأسد.

 

ومع ذلك، جاءت حملة القصف على نطاق غير متوقع. فقد شكّلت عملية “الفارس الخشن” (Rough Rider) أكبر تدخل عسكري وأكثره كلفة لإدارة ترامب حتى اليوم. شملت الحملة أكثر من ألف ضربة استهدفت طيفًا واسعًا من مواقع الحوثيين، بما في ذلك مستودعات الأسلحة، ومراكز القيادة والسيطرة، ومنظومات الدفاع الجوي، والبنية التحتية الحيوية، وقيادات الجماعة. ولتنفيذ هذه العملية الطموحة، نشرت الإدارة مجموعتين من حاملات الطائرات، وطائرات MQ-9 ريبر، وقاذفات الشبح B-2، بالإضافة إلى منظومات الدفاع الجوي باتريوت وثاد.

 

وتجاوز التصعيد الأميركي الغارات الجوية، إذ زادت الإدارة الضغط الاقتصادي والسياسي على الجماعة. ففي مارس، أعادت تصنيف الحوثيين كـ”منظمة إرهابية أجنبية” (FTO)، وهو تصنيف يحمل تداعيات اقتصادية ودبلوماسية ثقيلة. وقد أدى ذلك إلى خنق النظام المصرفي في المناطق الخاضعة للحوثيين، وتقييد قدرتهم على استيراد الوقود، كما جعل من تنفيذ اتفاق كانت تدعمه الأمم المتحدة لإنهاء الحرب أمرًا شبه مستحيل، رغم أنه كان قيد التفاوض قبل اندلاع الهجمات الحوثية في البحر الأحمر. كان من شأن هذا الاتفاق، الذي يحظى بدعم الحلفاء الخليجيين للولايات المتحدة، أن يفضي إلى وقف إطلاق نار وبداية عملية سياسية لتقاسم السلطة في اليمن. كما وعد بفوائد اقتصادية كبيرة، منها صيغة لدفع رواتب الموظفين العموميين في مناطق سيطرة الحوثيين. ونظرًا لضعف الموارد اليمنية، كانت هذه الخطة تحتاج إلى دعم مالي خارجي كبير، غير أن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية من قبل واشنطن جعل أي تحويلات مالية إليهم عملاً مجرمًا، مما أدى إلى تعطيل هذا الجانب الحيوي من الاتفاق.

 

مارست هذه الإجراءات الأميركية ضغطًا حقيقيًا على الحوثيين. فوفقًا للبنتاغون، انخفضت عمليات إطلاق الصواريخ الباليستية التي تستهدف إسرائيل والولايات المتحدة بنسبة 87%، وتراجعت الهجمات بالطائرات المسيّرة بنسبة 65% خلال الحملة. كما أجبرت الضربات الأميركية معظم قيادات الجماعة على الاختباء وعرقلت الاتصالات الداخلية. وقد كثفت أجهزة الأمن الداخلية للحوثيين حملات الاعتقال بحق يمنيين يُعتقد أنهم يسربون معلومات عن الأهداف العسكرية قد تصل إلى الأميركيين أو حلفائهم.

 

وقد أثّرت الضربات أيضًا على الحسابات العسكرية للجماعة. فعقب تصنيفها كمنظمة إرهابية، سعى الحوثيون للسيطرة على حقول النفط والغاز في محافظة مأرب شرق العاصمة صنعاء — وهي موارد استراتيجية كان من شأنها تخفيف أثر التصنيف الإرهابي. لكن الحملة الجوية الأميركية أخّرت تنفيذ هذا الطموح مؤقتًا، ولو تحقق، لكان عزز الموارد الحوثية ومهد الطريق لهجمات جديدة على المحافظات المنتجة للنفط في الجنوب والشرق، الخاضعة حاليًا لسيطرة الحكومة اليمنية.

 

وقبيل إعلان وقف إطلاق النار في السادس من مايو، رفعت الضربات الأميركية سقف توقعات الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا بإمكانية تأمين دعم أميركي وإقليمي لهجوم بري جديد يستهدف استعادة الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون. وقد كثّف مسؤولو الحكومة اليمنية تحركاتهم في واشنطن سعياً لهذا الدعم، مدركين أن الفرصة قد لا تتكرر، وأن عدم استغلالها سيمنح الحوثيين القدرة على استثمار “نصرهم” في الصمود أمام الحملة الأميركية لتعزيز مواقعهم أكثر. وكان التهديد بشن عملية برية مقلقًا للغاية بالنسبة لقيادات الحوثيين، الذين يصفون أي معارض داخلي لهم بأنه عميل لـ”العدوان الإسرائيلي-الأميركي”.

 

اختبار التحمل

 

لكن حملة الضغط التي شنها ترامب كانت لها حدود، وبدأت هذه الحدود بالظهور خلال أسابيع قليلة. فقد نفذت القوات الأميركية ضربات شبه يومية ضد أهداف حوثية باستخدام كميات هائلة من الذخائر، وزعمت وزارة الدفاع الأميركية أنها قتلت قيادات حوثية بارزة. إلا أن هناك أدلة ضئيلة على أن أعضاء القيادة العليا للجماعة قد تم القضاء عليهم؛ فلا تزال الدائرة الداخلية للحوثيين قائمة. والأهم من ذلك أن قدرة الجماعة على ضرب أهداف أميركية وإسرائيلية لا يبدو أنها تراجعت بشكل كبير. ويدّعي الحوثيون من جانبهم أنهم أسقطوا ما لا يقل عن سبع طائرات أميركية بدون طيار من طراز ريبر، تبلغ تكلفة الواحدة منها نحو 30 مليون دولار، منذ مارس. وفي 28 أبريل، فُقدت طائرة مقاتلة أميركية بقيمة 60 مليون دولار في البحر عندما قامت حاملة الطائرات بمناورة حادة لتفادي نيران حوثية. وفي أوائل مايو، تمكّن الحوثيون أيضًا من إيصال صاروخ إلى داخل الدفاعات الجوية الإسرائيلية، حيث سقط بالقرب من مطار تل أبيب، ما دفع إسرائيل إلى رد عنيف.

 

وباختصار، كانت المكاسب التكتيكية الأميركية تتحقق بتكلفة متزايدة ومخاطر جسيمة. فاستمرار العمليات زاد من احتمالات مقتل جنود أميركيين، وهو سيناريو من شأنه أن يجر واشنطن إلى عمق الصراع. كما كانت الولايات المتحدة تستهلك ذخائرها بمعدلات مقلقة. وكانت وزارة الدفاع الأميركية تكافح بالفعل لتلبية الطلب المتزايد على الأسلحة بسبب التزاماتها السابقة تجاه إسرائيل وأوكرانيا، إلى جانب الضربات التي تنفذها إدارة بايدن ضد الحوثيين، وجهودها للدفاع عن إسرائيل ضد الهجمات الإيرانية المباشرة. وقد أعرب بعض المسؤولين الأميركيين عن قلقهم من أن العدد الهائل من الأسلحة بعيدة المدى المستخدمة ضد الحوثيين، إلى جانب نقل كتيبة دفاع جوي من طراز باتريوت من قيادة المحيطين إلى الشرق الأوسط، قد يضعف جاهزية الولايات المتحدة للتعامل مع تهديدات الصين.

 

وعلاوة على ذلك، بدأت الضربات الجوية الأميركية تلحق أضراراً متزايدة بالمدنيين والبنية التحتية المدنية في اليمن، وهو ما سارع الإعلام الحوثي إلى استغلاله لصالح الجماعة. فعلى سبيل المثال، أسفرت ضربة أميركية منتصف أبريل على ميناء رأس عيسى لتصدير الوقود في الحديدة عن مقتل أكثر من 70 يمنيًا، بينما قتلت ضربة في أوائل مايو على مركز احتجاز تديره الجماعة ويضم مهاجرين أفارقة، عشرات الأشخاص، من بينهم مدنيون. وقد أثبت مسار الحرب الأهلية السابقة أن مثل هذه الحوادث لا تُضعف الدعم الشعبي المحلي للحوثيين: ففي الحملة الجوية السعودية على اليمن عام 2015، أسفرت الضربات العقابية عن خسائر كبيرة بين المدنيين، ما صبّ في مصلحة الحوثيين، إذ ساعدهم ذلك على صرف الانتقادات وحشد الدعم ضد عدو خارجي.

 

ومنذ بداية حملة ترامب، قال الحوثيون إن بإمكانهم تحمّل الضغط بل والخروج منه أقوى، كما فعلوا بعد التدخل السعودي في 2015. فالقوة الحقيقية للحركة الحوثية كانت دومًا في القتال المسلح. وكفرع راديكالي من المذهب الزيدي يحمل عداء عميقًا لإسرائيل والغرب، نشأت الجماعة في سياق حرب ضد الحكومة اليمنية في العقد الأول من هذا القرن. وبفضل تمركزها في مرتفعات اليمن الجبلية الوعرة، طوّر الحوثيون مهارات طويلة الأمد في إخفاء قيادتهم وأسلحتهم. كما أن لديهم قدرة كبيرة على تحمّل الهجمات وفقدان المقاتلين والمعدات. وعلى الرغم من أن راعيهم الأساسي، إيران، باتت في موقف ضعيف، إلا أن الحوثيين تمكنوا من تنويع خطوط إمدادهم. فبتطويرهم شبكات تهريب أسلحة جديدة، امتدت إلى ما بعد إيران وحتى القرن الأفريقي، وببنائهم علاقات انتهازية مع الصين وروسيا، أصبحوا أكثر قدرة على الصمود.

 

وباختصار، رغم أن الحملة الأميركية وضعت الحوثيين تحت ضغط هائل، فإنهم لم يرتدعوا، ناهيك عن أن يُهزموا، وقت وقف إطلاق النار. فبحلول أوائل مايو، كانت الولايات المتحدة تحقق مكاسب تكتيكية بتدمير الأسلحة والقدرات، ودفع القيادة إلى الاختباء، وإثارة مخاوف الحوثيين من احتمال شن حملة برية جديدة ضدهم. لكنها فشلت في تحويل هذه الضغوط إلى مكاسب استراتيجية.

 

الاستراتيجية الغائبة

 

من الممكن أن توازن الولايات المتحدة بين تقليص تدخلها العسكري ودعم مسار نحو تسوية، أو على الأقل احتواء تهديد الحوثيين، من خلال العمل مع حلفائها لفرض ضغوط عسكرية واقتصادية وسياسية على الجماعة. ولتحقيق ذلك، يجب على صانعي السياسة الأميركيين أن يتخلّصوا أولًا من فكرة الفصل التام بين ما يحدث داخل اليمن وما يحدث في البحر الأحمر أو في المنطقة الأوسع، خاصة الخليج. فكل من فانس ووزير الدفاع بيت هيغسِث أعربا عن لامبالاتهما تجاه ما يحدث في اليمن. ووفقًا لتصريحات فانس، “إذا توقف الحوثيون عن إطلاق النار في البحر الأحمر، فيمكنهم العودة لفعل ما كانوا يفعلونه قبل مهاجمة السفن المدنية”. لكن المشكلات التي تواجه واشنطن وحلفاءها في البحر الأحمر هي في جوهرها نتاج الديناميكيات الداخلية للسلطة في اليمن. فباعتبارهم قوة متزايدة التسليح ولا يردعها أحد، يملك الحوثيون القدرة على تصدير التهديدات خارج حدود اليمن، وسيواصلون ذلك ما لم يواجهوا قيودًا داخلية حقيقية. صحيح أن الولايات المتحدة لا تستطيع التحكم الدقيق في السياسة اليمنية المعقدة، لكنها تحتاج على الأقل إلى وجود استراتيجية واضحة بشأن اليمن.

 

ولضمان الحفاظ على بعض التوازن على الأرض في اليمن، ينبغي على الولايات المتحدة تقديم ضمانات أمنية لحلفاء الحكومة اليمنية في الخليج، لا سيما السعودية والإمارات، لتمكينهم من الاستمرار في دعم الحكومة سياسيًا وعسكريًا. فهاتان الدولتان هما الموردان الأساسيان للسلاح والمال للقوات الحكومية اليمنية، ولكنهما صرّحتا علنًا بعدم رغبتهما في إشعال الحرب من جديد. كما أنهما تدركان أن أي تقدم بري للقوات اليمنية ضد الحوثيين قد يؤدي إلى استهداف الحوثيين لهما أيضًا، حتى لو كان دعمهما مقتصرًا على الدفاع عن خطوط الجبهة الحالية. وعلى الرغم من أن الرياض وأبو ظبي قلقتان من التهديدات الأمنية طويلة الأجل التي يمثلها الحوثيون، فإنهما تسعيان لتحويل تركيزهما إلى أولويات اقتصادية داخلية.

 

وعبر تقديم هذه الضمانات الأمنية، تكون واشنطن قد تعهّدت فعليًا بحماية حلفائها، ما يسمح لهم بتعزيز القوى المناهضة للحوثيين داخل اليمن، وبالتالي زيادة فرص التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة. إضافة إلى ذلك، يمكن للولايات المتحدة تشجيع السعودية والإمارات على تحسين التنسيق في دعمهما العسكري والسياسي للقوات الحكومية اليمنية، وهي قوات تعاني من انقسامات كثيرًا ما تؤججها الخلافات بين الداعمين، مثل معارضة أبو ظبي الدائمة للعمل مع مقاتلين مرتبطين بالإخوان المسلمين. وهذا التنسيق أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى، في ظل خيبة أمل القوات الحكومية من الانسحاب الأميركي، وتصاعد الضغوط الاقتصادية، والصراعات السياسية الداخلية، التي تهدد بانهيار الحكومة—وهو ما سيؤدي فعليًا إلى احتمال تمدد الحوثيين أو عودة تنظيم القاعدة في مناطق الحكومة.

 

ويجب أن يكون الضغط على الحوثيين هدفه واقعي. فالحملة الجوية العسكرية وحدها لم تكن خيارًا عمليًا أبدًا. ومع اتفاق وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين، يبدو أن العمل العسكري البري أصبح أيضًا احتمالًا بعيدًا. صحيح أن التوصل إلى اتفاق مع إيران يتضمن التزامها بوقف تزويد الحوثيين بأسلحة متطورة سيكون مفيدًا، لكنه لن يكون حلاً سحريًا لكبح طموحات الحوثيين. كما أن وقف إطلاق النار في غزة قد يوفر فرصة لاختبار التزام الحوثيين بوقف هجماتهم في البحر الأحمر، وممارسة ضغط عليهم من خلال دبلوماسية متعددة الأطراف منسّقة. لكن لا توجد حلول سهلة لليمن، ولا بديل عن مقاربة إقليمية شاملة ومنسقة.

 

لذا، يجب على الولايات المتحدة وشركائها التركيز على هدف صعب لكنه قابل للتحقيق: الدفع نحو اتفاق برعاية أممية يوفر ضمانات أقوى لأمن البحر الأحمر، وقيودًا على تسليح الحوثيين، وضمانات حقيقية لتقاسم السلطة داخليًا. وقد يبدأ ذلك بإعادة تقييم الاتفاق الأممي المقترح سابقًا—من خلال تعزيز بنوده المتعلقة بوقف إطلاق النار، وتعديل آلية توزيع الموارد المالية بما يتماشى مع تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية أجنبية، ووضع ضمانات أقوى لدعم اتفاق لتقاسم السلطة بين الحوثيين والقوات الحكومية. إلا أن تحقيق أي من ذلك سيكون مشروطًا تمامًا بتعاون إدارة ترامب مع حلفاء الخليج واليمنيين لحماية خطوط الجبهة في اليمن، والاستمرار في ممارسة الضغوط الاقتصادية والسياسية والعسكرية على الحوثيين. وإذا فشلت واشنطن في دعم صيغة متوازنة لتقاسم السلطة داخليًا، فلن تبقى مشاكل اليمن داخل حدوده.

شارك المقالة
مقالات مشابهة