صراع الهند وباكستان.. هل ينزلق العالم إلى حرب نووية؟

بواسطة
أمد للدراسات
تاريخ النشر
05/06/2025
شارك المقالة

دخلت العلاقة بين الجارتين اللدودتين النوويتين الهند وباكستان مرحلة جديدة من التصعيد المتبادل بعد هجوم نفذه مسلحون على سياح هنود في منطقة كشمير في الجزء الخاضع للهند وخلف أكثر من 25 قتيلاً وعشرات الاصابات.

 

هذا الهجوم الذي تبنته “جبهة المقاومة” وهي امتداد لجماعة “لشكر طيبة” (عسكر طيبة)، المحظورة في باكستان، فتح الباب أمام شبح الحرب بين الدولتين النوويتين لأول مرة بعد حالة من الهدوء استمرت لعقد.

 

فعقب ساعات من الهجوم قطع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي زيارته التي كان يجريها في المملكة العربية السعودية لمتابع هذا الهجوم واتخذ على إثره عدد من القرارات منها طرد السفراء والدبلوماسيين الباكستانيين من الهند وتعليق اتفاقية نهر السند التي تنظيم العلاقة المائية بين إسلام أباد ونيوديلي، الخطوة التي اعتبرتها باكستان إعلان حرب فقررت هي الأخرى إغلاق مجالها الجوي أمام الطيران الهندي في خطوة صبت مزيد من الزيت على النار الملتهبة في إقليم جنوب شرق آسيا.

 

في هذه الورقة سنحاول تسليط الضوء على العلاقة الأكثر تعقيدا بين البلدين وعلى مستقبل هذا التوتر كما سنستعرض خلفيات التوتر، وسياقه الإقليمي والدولي، ونحلل مآلات السيناريوهات المحتملة، مع التركيز على العوامل البنيوية والسياسية التي تتحكم في اتجاهات العلاقة بين البلدين.

 

أولاً: الأسباب وراء التوتر الذي لا يتوقف:

 

تقف العديد من الأسباب السياسية والاقتصادية أيضًا وراء التوتر الذي لا يتوقف بين الهند وباكستان على مدار عقود ومنها:

 

كشمير بوصفها نقطة اشتعال دائمة:

 

منذ استقلال الهند وباكستان عن الاستعمار البريطاني عام 1947، كانت إقليم جامو وكشمير موضع نزاع مرير. الإقليم ذو الغالبية المسلمة تم ضمه إلى الهند وفق قرار الحاكم المحلي آنذاك، وهو ما رفضته باكستان، لتبدأ سلسلة من الحروب والمواجهات، أولها عام 1947-1948، ثم في 1965، وأخيرًا عام 1999 في كارجيل.

رغم اتفاق “شملا” عام 1972 والعديد من محاولات التهدئة، لم يُحسم الوضع النهائي للإقليم، وبقي مقسومًا بين الطرفين، فيما يسعى كل منهما لبسط سيطرته الكاملة عليه، ويُعد هذا النزاع اليوم أحد أقدم النزاعات الإقليمية غير المحسومة في العالم.

وقد مثّل قرار الهند في أغسطس 2019 بإلغاء المادة 370 من الدستور – والتي كانت تمنح الإقليم وضعًا خاصًا – نقطة تحول خطيرة، إذ اعتبرته باكستان خرقًا للاتفاقيات الدولية، ورفضت الاعتراف به، كما قوبل داخليًا بموجة احتجاجات وقمع أمني واسع.

 

مودي الذي لا يتوقف عن التصعيد:

 

مثل وصول رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للحكم في أكبر ديمقراطية بالعالم عام 2014 نقطة جديدة في مسار العلاقات الهندية – الباكستانية، حيث جاءت حكومة هندية وقد البعض على الحكومة الجديدة بإمكانية متابعتها لمفاوضات السلام مع باكستان، خصوصا مع حضور رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف لمراسم أداء اليمين الدستوري مع رئيس الوزراء الهندي.

 

لكن ما هي إلا فترة وجيزة حتى قامت الهند بإلغاء المحادثات مع وزير الخارجية الباكستاني في أغسطس عام 2014 ودخل البلدان في توتر مستمر من ذلك التاريخ فقد شهدت السياسة الهندية تجاه باكستان تحولًا ملحوظًا فقد تبنت حكومة مودي نهجًا أكثر تشددًا تجاه باكستان، خاصة فيما يتعلق بقضية الإرهاب وكشمير ويتجلى ذلك في:

  • التركيز على عزل باكستان دوليًا من خلال اتهامها بدعم الإرهاب في المحافل الإقليمية والدولية مثل مجموعة العمل المالي (FATF) ورابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (سارك).
  • إلغاء الوضع الخاص لإقليم جامو وكشمير في أغسطس 2019، وهو ما أثار غضب باكستان وتسبب في تدهور العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى أدنى مستوياتها.
  • التركيز المتزايد على الجزء الخاضع لسيطرة باكستان من كشمير، والتأكيد على أنه جزء لا يتجزأ من الهند.
  • التهديد باستخدام المياه كسلاح ضد باكستان، خاصة بعد الهجمات الإرهابية التي تتهم الهند باكستان بالمسؤولية عنها.

تحركات مودي تجاه باكستان لا يمكن عزلها عن طموحه السياسي الداخلي إذ يسعى الرجل الذي جاء من أقصى اليمين السياسي في البلاد إلى مزيد من التوتر مع باكستان لاعتبارات تبقي على حكومته في الأغلبية دائماً، وبسبب مواقفه المتشددة حيال المسلمين في بلاده تتزايد شعبيته أمام جمهوره الهندوسي المتطرف ففي عام  2001 -وقبل أن يصبح رئيساً للوزراء- شجع ضمنا أعمال العنف الدينية والتي أسفرت عن سقوط 2000 قتيل معظمهم من المسلمين المطاردين الذين قتل بعضهم حرقا أو بالرصاص.

 

ومثلت هذه المواقف قوة إضافية لمودي الذي أصبح يتربع على عرش البلاد من أكثر من 10 سنوات بسبب مواقفه المتطرفة وهو يسعى من وراء هذه الأحداث أيضاً استثمارها في الحفاظ على قاعدته الشعبية التي تراجعت في الانتخابات الأخيرة التي أجريت عام 2024 والتي لم يفوز فيها الحزب بالأغلبية بل لجأ إلى تشكيل حكومة ائتلافية لأول مرة منذ 2014.

 

الصراع بين الصين وأميركا حاضرًا:

 

لا يمكن بأي حال من الأحوال عزل الصراع الدائر بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين عن التوتر الحالي بين الهند وباكستان، فمن المعروف أن الإدارة  الأمريكية الحالية تدعم رئيس الوزراء الهندي بقوة نظراً للعلاقة التي تربط مودي بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأيضا مواقف كل منها المتطابقة في العديد من الملفات ومنها الحرب في غزة والعلاقة مع إسرائيل وأيضا الموقف من مشروع القرن الصيني (الحزام والطريق)، فالهند ترى في هذا المشروع تهديداً لمشروعها الاقتصادي البديل الذي ترعاه الولايات المتحدة ويعرف بـ الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا والذي تم الإعلان عنه قبل أقل من شهر على عملية طوفان الأقصى التي ضربت المشروع في مقتل نظراً لارتباط هذا الممر بكل من الأردن وإسرائيل والإمارات.

 

على الطرف الثاني تقف باكستان التي ترى في الصين حليفاً قوياً لها أمام التوتر الهندي، فالصين لديها هي الأخرى لديها عدوات كبيرة مع الهند بسبب الخلاف على إقليم أكساي تشين والذي بسبب اندلعت الحرب بين كل من الصين والهند عام 1962 بسبب المناطق الحدودية المتنازع عليها وبعدها اندلعت حربان عامي 1967 و 1987، ومن ثم ترى الصين أن موقفها أقرب إلى باكستان على حساب الهند المدعومة من الولايات المتحدة خاصة وأن باكستان تتشارك الرؤى مع الصين بشأن طريق الحرير الصيني، وهذا يجعل الأطراف الخارجية جزء من هذا التوتر الحالي وقد يلقى بظلاله أيضاً على مستقبل المنطقة.

 

ثانيًأ: العوامل البنيوية التي تزيد من حد الصراع:

 

تقف العديد من العوامل البنيوية وراء المزيد من التصعيد بين الهند وباكستان مثل:

 

  • غياب الإرادة السياسية: القيادتان في الهند وباكستان توظفان الصراع في الخطاب الداخلي، ما يجعل أي تقارب يُفسَّر سياسيًا على أنه “تنازل” أو “ضعف”. فلكل منها مأربه وراء هذا التوتر فمثلا يواجه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ضغوطًا داخلية للرد بقوة على الهجوم، خاصة مع اقتراب الانتخابات. يُنظر إلى الأمن في كشمير كأحد إنجازات حكومته، والهجوم يُعتبر تحديًا مباشرًا لهذا الملف. أما باكستان فهي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة، مما يجعلها أقل قدرة على تحمل تصعيد طويل الأمد. ومع ذلك، فإن الضغط الشعبي والسياسي قد يدفع الحكومة لاتخاذ مواقف متشددة.​

 

  • الخطاب القومي المتشدد: الإعلام والسياسة الداخلية يعيدان إنتاج مشاعر العداء المتبادل، مما يكرس صورة العدو في الوعي الشعبي بين البلدين.

 

  • غياب آليات دائمة لحل النزاع: لا توجد قنوات مؤسسية لحوار دائم أو آلية مستقلة لمراقبة الالتزامات والحد من التصعيد.

ثالثًا: السيناريوهات المحتملة لمستقبل العلاقة:

 

السيناريو الأول: استمرار حالة “اللاحرب واللاسلم” (السيناريو المرجح):

من المرجح أن تستمر العلاقة بين الهند وباكستان على حالتها الراهنة: توتر مزمن دون حرب شاملة. ستستمر الاشتباكات الحدودية والاتهامات المتبادلة، في ظل غياب أي نية جدية للحوار، خاصة في ظل الخطاب الشعبوي السائد.

مؤشرات هذا السيناريو:

  • استمرار الاستقطاب السياسي الداخلي.
  • انشغال البلدين بالتحديات الاقتصادية.
  • بقاء الردع النووي كعامل موازن.

 

السيناريو الثاني: تصعيد غير محسوب:

رغم الردع النووي، يبقى احتمال الانزلاق إلى مواجهة عسكرية قائمًا. ويمكن أن يدفع الضغط الشعبي والسياسي الحكومة الهندية للرد بقوة، ما قد يشعل مواجهة يصعب السيطرة عليها.

مؤشرات هذا السيناريو:

  • التصعيد الإعلامي المستمر.
  • التحركات العسكرية المتزايدة على الحدود.
  • ضعف قنوات التواصل المباشر.
  • رغبة الأطراف الخارجية مثل الولايات المتحدة في خلق معارك قريبة من الصين تدفع بكين للإنكفاء على الذات ولو لسنوات.

 

السيناريو الثالث: استئناف الحوار الثنائي:

رغم ضبابية هذا السيناريو في الوقت الراهن، إلا أن التحولات السياسية (مثل القلق من اندلاع حرب نووية قد يدفع المجتمع الدولي لمزيد من الضغط على الطرفين من فتح نافذة حوار، تبدأ بملفات فنية (مثل التبادل التجاري أو إدارة المياه)، تمهيدًا لحوار أوسع حول القضايا الكبرى.

مؤشرات هذا السيناريو:

  • مبادرات خارجية تقودها أطراف ثالثة وخاصة المملكة العربية السعودية التي تربطها علاقات وثيقة مع باكستان وجيدة مع الهند.
  • تحسن الظروف الاقتصادية في البلدين.
  • تغيّر في القيادة أو المزاج الشعبي.

الخلاصة والآفاق المستقبلية:

 

يمثل الهجوم الأخير في كشمير حلقة جديدة في سلسلة التوترات المزمنة بين الهند وباكستان. وقد أدت ردود الفعل الحادة من الجانبين إلى تصعيد خطير ينذر بعواقب وخيمة على المنطقة بأسرها.

في ظل السياسة الهندية الحالية التي تتسم بالتشدد تجاه باكستان، يبدو أن خيار التفاوض المباشر لحل القضايا العالقة، وعلى رأسها قضية كشمير والإرهاب، أمر مستبعد في المدى القريب. وهذا ينذر باستمرار حالة التباعد والخلاف بين البلدين، مع بقاء شبح المواجهة العسكرية يلوح في الأفق.

شارك المقالة
مقالات مشابهة